لقد وقف سيد الإباء الإمام الحسين "عليه السلام" يوم عاشوراء عندما رأى ذلك العدد الكبير من المقاتلين الذين اجتمعوا لقتله وأهل بيته "عليهم السلام" وهو سيد شباب أهل الجنة وقطعة من دم ولحم رسول الله، ونصرة آل أبي سفيان الذين ما لبث عداؤهم للإسلان ورسوله، فصرخ بصوته المدوِّي الخالد مدى الدهر: ((أَلا وإنَّ الدَّعِيَّ بْنَ الدَّعِيِّ قد رَكَزَ بينَ اثنتينِ، بينَ السِّلَّةِ والذلَّةِ، وهيهاتَ مِنَّا الذلَّةُ، يأبَى اللهُ لنا ذلكَ ورسولُهُ والمؤمنونَ، وحجورٌ طابَتْ وطَهُرَتْ، وأنوفٌ حميَّةٌ، ونفوسٌ أبيَّةٌ، مِنْ أنْ نؤثِرَ طاعةَ اللئامِ عَلى مَصَارعِ الكِرَامِ))، فهذه الكلمة هي الحكم الفصل لهذه المواجهة التي أرادها الدعي بن الدعي "عبيد الله بن زياد" وسيده "يزيد بن معاوية" وهو يطلب من سيد الشهداء إما القتال باستلال السيوف في المعركة فالقتل، أو البيعة لسيده "يزيد لعنه الله" وما في ذلك من الذل والهوان!!
إنَّ هذه الصرخة الحسينية بوجه الطغاة وأعوانهم تؤكد أمورًا متعددة منها:
١-إنَّ الإمام الحسين "عليه السلام" قد أكَّد في كلمته المبادىْ العظيمة التي ينتمي إليها، وهي مبادىء الحق والفضيلة، والهدى والتقى، وهذه تأبى لأهلها والمنتمين إليها أنْ تمدَّ يد الطاعة والولاء إلى أعداء الدين والفضيلة، والمتمثلة اليوم بآل أبي سفيان اللئام.
٢-لقد بيَّن الإمام "عليه السلام" أنَّ الحق له أهله ورجاله الذين ينصرونه ويضحُّون من أجله، وهذا ما أكدته ساعات يوم عاشوراء، وساحات أرض كربلاء، حيث تلك الثلة الطاهرة المؤمنة والأنوف الحمية التي خرجت تشري نفسها ابتغاء مرضات الله، فغدت عنوان الإباء والخلود.
٣-إنَّ هذه رسالة صريحة للأحرار، وصفحة مشرقة من صفحات المدرسة الحسينية التي وضعت مناهجها لطلابها المخلصين بالدماء الزكية، والمواقف الأبية، وقدَّمت أمثلة رائعة من التضحيات؛ لتكون درسًا نافعًا للأجيال على مدى التاريخ والعصور.
٤-لقد أثبتت كربلاء مقام وصدق تلك الحجور الطيبة الطاهرة التي أنجبت أولئك المجاهدين الذين نصروا الدين ومقدساته، وما يجب على العاشقين لكربلاء أنْ يكونوا كذلك في التضحية والإباء لنصرة الحق والفضيلة، ورفض الباطل والرذيلة؛ لنكون أهلًا لنيل شهادة هذه المدرسة الخالدة!!
٥-إنَّ الثبات على مبادئ هذه الشعارات الحسينية يستوجب ترويض النفس على الحق ومبادئه والعمل به ونصرته؛ لتكون النتيجة الإلهية الحتمية (إنْ تنصروا اللهَ ينصرْكُمْ ويثبِّتْ أقدامَكُمْ).
إنَّ هذه الدروس للنهضة الحسينية المقدسة ليست كلمات يتم إطلاقها في موقف معيَّن، بل هي الموقف الخالد الذي يترجمها في الواقع، وعلى الأمة أنْ تعمل على ذلك لترسيخ معالمها في الأجيال، فتبقى صرخة (هيهات منَّا الذلة) راية يسلمها جيل إلى آخر، حتى ظهور الآخذ بثأر الحسين "عليه السلام" مهديُّنا المنتظر "صلوات الله عليه".