لقد كان الإمام الحسين "عليه السلام" طيلة أيامه في أرض الكرب والبلاء يتأمَّل في كُلِّ شيء حوله، وما في ذلك من آثار على مواجهة أولئك القوم الفاسقين، حتى خطب "عليه السلام" تلك الخطبة العظيمة الخالدة الصادقة في أصحابه وأهل بيته فقال: ((أمَّا بعد، فإنِّي لا أعْلَمُ أصْحَابًا أَوْفَى ولا خَيْرًا مِنْ أصْحَابِي، ولا أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَلا أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بيتِي، فجزاكُمْ اللهُ عنِّي خيرًا .... وإنِّي قد أذنتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جميعًا في حِلٍّ ليسَ عليكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ ..)).
لقد وقف الإمام الحسين "عليه السلام" يخاطب أنصاره في ليلة عاشوراء وهي الليلة الأخيرة التي يجتمعون بها معًا في الدنيا؛ ليؤكِّد لهم على أمور مهمة متعددة، منها:
١- إنهم على خير وصلاح في تلبيتهم لنصرته، وإنهم قد أدَّوا ما عليهم من النصرة، والوفاء لإمام زمانهم، والقوم يريدونه هو بنفسه من دون أهل بيته وأصحابه، ولا يريد لهم بلاءً يصيبهم بسببه، فلقد كان يراعي هذه الأمور بأدق تفاصيلها "عليه السلام".
٢- لقد ذكر الإمام "عليه السلام" صفتين مهمتين في
في أهل بيته الذين رافقوه من مكة إلى كربلاء، وقد تحمَّلوا كُلَّ مشقَّة من أجله (أبر، وأوصل)، وهاتان صفتان كريمتان تدل على اليقين والفداء في سبيل العقيدة، وكانوا في الواقع كذلك حيث تلك التضحيات الكبيرة التي قدَّموها بين سيِّدهم وشيخهم سيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء.
٣- وذكر في أصحابه صفتين عظيمتين وهما (أوفى، وخير)، والتمعُّن في هذه الصفات تدلُّ على مدى اختباره لهم، حتى أطلق عليهم هذا الكلمات، وقلَّدهم بهذا الوسام؛ ليبقى ذكرًا خالدًا لهم مدى الدهر، وإنَّ مواقفهم في فدائهم لسيد الشهداء "عليه السلام" يوم عاشوراء كانت مصداقًا حقيقيًّا تامًّا لتلك الكلمات التي قالها بحقهم، فقد كانوا يتسابقون نحو الفداء والتضحية من أجل إمام زمانهم، ونصرته، وتلبية دعوته، والقتل بين يديه!!
٤- بيان الدرس العظيم للأجيال من خلال هذه الأوسمة الحسينية للأهل والأصحاب، والتي بقيت خالدة لهم على مرِّ العصور؛ تكريمًا لدمائهم ووفائهم للعقيدة والمقدسات.
٥- تجلّي معنى النصرة الإلهية لعباده المجاهدين الصادقين حيث قال تعالى: (إنْ تنصروا اللهَ ينصرْكُم ويثبِّت أقدامَكُم)، فلا نصرة ولا تثبيت للأقدام أعظم من ذلك!! ومَنْ أراد التأكُّد فليقف ساعة عند ضريح الأنصار متأمِّلًا في معنى الخلود، ومعنى الوفاء والبر!!
ختامًا.. لقد التحقت هذه الثلة المخلصة بالمدرسة الحسينية الخالدة؛ لتؤكد للأجيال ما معنى هذه النهضة المقدسة التي تستحق فداءها بأعَزِّ ما يملك الإنسان.