إنَّ سيد الشهداء الإمام الحسين "عليه السلام" عندما وصل إلى أرض كربلاء في اليوم الثاني من المحرم، وبعد أنَّ رأى تلك الجموع من جيش عبيد الله بن زياد تحيط به من كُلِّ جهة، قال كلمته المشهورة: ((النَّاسُ عبيدُ الدُّنيَا، والدِّيْنُ لَعِقٌ عَلى ألسنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَائِشٌهُم، فإذَا مُحِّصُوا بالبَلاءِ قَلَّ الدَّيَّانونَ)).
وقف الإمام الحسين "عليه السلام" بعد أنْ رأى قلَّة الأنصار الذين معه، وكثرة الأعداء الذين يمنعونه من الوصول إلى الكوفة، بل استعدادهم التام لقتاله، أقبلَ على الأنصار الذين كانوا معه يخاطبهم بذلك الخطاب الدال على مدى انزعاجه "عليه السلام" من واقع الأمة للأسف، حيث تحوَّلت تلك العقيدة الحقة لأولئك المسلمين الذين ضحوا من أجل الدين إلى شعارات زائفة للأسف.
وفي ذلك رسالة صريحة لِما يجب التحذير منه في كُلِّ وقت من محاولة بعض المنتسبين إلى الدين من الإساءة إليه، من خلال التظاهر بأنهم من أهل الدين، ومستعدون للتضحية زورًا!!
١-وقف "صلوات الله عليه" ليخبر تلك الثلة العظيمة المخلصة عن وقائع الناس، ومدى عبوديتها للدنيا وشهواتها الفانية، والتضحية بالدين ومعتقداته ومقدساته، وقد أثبت يوم عاشوراء مدى عبودية أولئك الذين خرجوا لقتال سيد شباب أهل الجنة إلى الدنيا وأراذل أهلها أمثال يزيد الفاجر البحث عن ملك بني أمية ودوامه، وابن زياد وابن مرجانة الذي يريد أنْ يبني مجدًّا لولايته، وعمر بن سعد المقاتل للحسين من أجل ملك الري!!
٢-وقف ليؤكِّد لهم أنَّ هناك طائفة من الناس في كُلِّ زمان يريدون أنْ يجعلوا الدين لقمة سائغة لبطونهم البائسة، وإنْ كان ذلك على حساب سفك دماء الأزكياء والشرفاء، ومع ذلك أنَّهم يدَّعون الانتساب إلى الدين، ولكنهم في الواقع ليسوا من أهل الدنيا فحسب، بل من عبيدها!!
٣-وقف ليحذِّر الذين يريدون التجارة بالدين من أجل مصالح دنيوية دنيئة أنَّ هذه النوايا لا بد من افتضاحها بمرور الأيام، فاحذروا تزيين الشيطان لكم، وخفاء حقيقتكم لوقت معيَّن.
٤-وقف "عليه السلام" ليؤكد أنَّ شر تجارة وأسوءها أولئك الذين يتعاملون بخبثٍ عقيدةِ ونفاقٍ، ومحاولة إغراء الناس بلسانٍ ذلقٍ، أو وعودٍ كاذبةٍ، أو شعاراتٍ زائفةٍ، وتعيش المجتمعات ذلك في كل زمان، وعلينا الحذر منهم.
٥-وقف ليبعث رسالته العالمية إلى جميع المصلحين أنَّ طريق الإصلاح هو طريق المواجهة الكبرى مع أولئك المداهنين باسم المبادئ، وهي منهم براء، وفي أدنى اختبار سيتم كشف حقيقتهم.
لقد نشر الإمام الحسين "عليه السلام" عبر تلك الوقفة العظيمة في كربلاء، ومن خلال أولئك الأنصار، وبالدماء الزكية والنفوس الأبيَّة أنَّهم على العهد صادقون في الدفاع عن المقدسات .. وكشف قناع المتلبِّسين بالدين زورً ..