مقدمة :
إن الإمام الحسن عليه السلام أرواحنا فداه حجة الله البالغة على عباده كما قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) وعليه كل ما قام به من توليه الخلافة بعد استشهاد أبيه سيد الأوصياء عليه السلام بعين الله ولطفه وهو حجة علينا لكن لابد أن نفهمها في سياقها وفق مسلمات المذهب كون أنه معصوم وحجة على عباد الله سبحانه فأول ما قام به الإمام الحسن المجتبى عليه السلام واصل جهاده ضد معاوية فحين رأى الخيانات وأن وضع المسلمين وصل إلى حد أنه سيهلك كثير من المسلمين إما عن جهل أو شبهة أو شك أو عمد أو طمع فينفي الغرض من أهداف الإسلام والمسلمين وإن كان الظلم عليه خاصة فيسير بسيرة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية ومسالمة أبيه أمير المؤمنين حين غصبت منه الخلافة حيث قال لأسلمنهم ما سلمت أمور المسلمين مع الحفاظ والجهاد على كلمة الحق أمام حاكم جائر والدفاع عن حريم الإسلام دون تردد وهوادة كما سيتضح لكم الأمر من خلال ثلاثة محاور وهي:
١-ماذا فعل الإمام الحسن المجتبى قبل الصلح لإقامة الحجة على الناس.
٢-ماهي أبرز بنود الصلح وما فعل بها معاوية بعد توقيعها وأخذ زمام الأمر.
٣-ما هي أول كلمات الثورة التي رفع لواءها الإمام المجتبى عليه السلام لتكون ممهدة لثورة أخيه سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام .
١-ماذا فعل الإمام الحسن المجتبى قبل الصلح لإقامة الحجة على الناس؟
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لم يقصر عن دوره في صلاح الأمة وهدايتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكانت له أدوار كثيرة في هداية الناس فكانت داره مفتوحة لكل المتعلمين والعارفين والفقراء والمساكين والناس أجمعين كما أنه كان يذهب للحج والعمرة قرابة خمس عشرة سنة ليخرج المسلمين من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة ويقضي حوائجهم الدينية والدنوية وقد بلغ كرمه الآفاق لا يجحد ذلك إلا حاقد وظالم لأهل البيت عليهم السلام ومع ذلك كله في بداية تسلمه زمام الإمامة بعد استشهاد أبيه أمير المؤمنين علي عليه السلام واصل القتال مع معاوية كما ينقل كتاب أعيان الشيعة حيث
قال : أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
استحث أهل العراق وسار بمن اتبعه منهم لقتال معاوية وأرسل اثني عشر ألفا مقدمة له وأمر عليهم ابن عمه عبيد الله بن العباس وأمره بمشاورة قيس وسعيد لما يعلم من نصحهما وأن أمارات الخذلان كانت بادية على أهل العراق بتثاقلهم أول الأمر حين دعاهم وأنهم لم يخرجوا إلا بعد التأنيب والتوبيخ
ممن عرفت وأن المخلصين منهم له كانوا أقل القليل وأكثرهم خوارج وأهل عصبية خرجوا تبعا لرؤسائهم وطمعا في النهب وأنه كان يتخوف خذلان أصحابه من أول الأمر وأن خطبته بالمدائن لم تكن إلا لاختبارهم وإظهار أسرارهم وأنه لم يكن من الرأي أن يسير بهم على تلك الحال إذ لا يؤمن أن يسلموه إلى معاوية فلما ظهر له فساد نيات الخوارج فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله مع ما كان من فعل عبيد الله بن العباس والقائدين المرسلين بعده وما علمه من مكاتبة أصحابه معاوية وما ضمنوه له من الفتك به أو تسليمه إليه وعلم أنه لو لم يصالح لسلموه إلى معاوية ولكانت المفسدة أعظم أجاب إلى الصلح مكرها مرغما واختار أقل الضررين وأهون المفسدتين وأن صلحه هذا لا يجعل لمعاوية عذرا ولا يرفع عنه وزرا بل يزيده ذما وأثما. (١)
وهنا دور الإمام الحسن عليه السلام أنه أقام تمام الحجة على الأمة واختبر نياتهم وإقدامهم فوجد أكثرهم منكبين على الدنيا فالقتال لا يزيد إلا سفكا للدماء ولا يصل للحق الذي يريده الله سبحانه فاستعمل سياسة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية كي لا يكون بعد ذلك عذر لأحد
والدليل على ذلك هذه الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق رضوان الله عليه
عن أبي سعيد قال :قلت للحسن بن علي بن أبي طالب يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماما عليهم "؟ قلت بلى قال: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت بلى قال فأنا إذن إمام لو قمت وأنا إمام إذ لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ألا ترى الخضر " ع " لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى " ع " فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل. (٢)
٢-ماهي أبرز بنود الصلح وما فعل بها معاوية بعد توقيعها وأخذ زمام الأمر؟
هناك بنود رئيسة وضعها الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ليحافظ فيها على الخطوط العامة على روح الإسلام وقيمه وعلى أرواح حامليه وحفظ حقوقهم من الظلم والجور والتعدي عليهم وهم شيعة علي عليه السلام ولذا خطب الإمام الحسن المجتبى يوما بقومه ليظهر ذلك كله لعامة المسلمين ولشيعة أمير المؤمنين خاصة كما ورد في أعيان الشيعة
ومما يدل على ما ذكرناه ما ذكره ابن الأثير في الكامل قال لما راسل معاوية الحسن في تسليم الأمر إليه خطب فقال أنا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم إلا وقد أصبحتم بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره فأما الباكي فخاذل وأما الطالب فثائر إلا أن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى فناداه الناس من كل جانب: البقية البقية
صورة كتاب الصلح بين الحسن ومعاوية
ذكره ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة. بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من بيت رسول الله ص غائلة سوء سرا وجهرا ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق شهد عليه بذلك فلان وفلان وكفى بالله شهيدا.(٣)
أما رد معاوية على الصلح بعد أن أطمأن على الملك وأخذ زمام الأمة
قال المفيد: فلما تم الصلح سار معاوية حتى نزل النخيلة وهي معسكر الكوفة وكان ذلك يوم
جمعة فصلى بالناس وخطبهم وقال أبو الفرج أنه جمع الناس بالنخيلة فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها أحد من الرواة تامة وجاءت مقطعة فنذكر ما انتهى إلينا منها فقال:
ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ثم انتبه فاستدرك وقال إلا هذه الأمة فإنها وإنها. قال المفيد وأبو الفرج وقال في خطبته إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون إلا وأني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها. (٤)
٣-ما هي أول كلمات الثورة التي رفع لواءها الإمام المجتبى عليه السلام لتكون ممهدة لثورة أخيه سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام
للإمام الحسن المجتبى تصريحات قوية أمام الحاكم الجائر يكشف عن شجاعته وقوة منطقه وبالغ حجته لا يخاف في الله لومة لائم وليس كما يتصور البعض أنه ضعيف الشخصية ويريد السلم المهين والمذل لصاحبه وسنذكر لكم جملة من الشواهد تكشف ذلك لكل ذي بصيرة .
الموقف الأول :
قال أبو الفرج: لما بويع معاوية خطب فذكر عليا (ع) فنال منه ونال من الحسن (ع) فقام الحسين (ع) ليرد عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا أنا الحسن وأبي علي وأنت معاوية وأبوك صخر وأمي فاطمة وأمك هند وجدي رسول الله (ص) وجدك حرب وجدتي خديجة وجدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا والأمنا حسبا وشرنا قديما وأقدمنا كفرا ونفاقا. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين قال يحيى بن معين ونحن نقول آمين قال أبو عبيد ونحن أيضا نقول آمين قال أبو الفرج وأنا أقول آمين قال المؤلف وأنا أقول آمين.
وأقام معاوية ومن بعده من ملوك بني أمية على سب أمير المؤمنين عليه السلام .(٥)
موقف ثاني : في كتاب الاحتجاج .
حمد الله الحسن صلوات الله عليه وأثنى عليه، ثم قال:
أيها الناس من عرفني فأنا الذي يعرف، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب، ابن عم نبي الله، أول المسلمين إسلاما، وأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدي محمد بن عبد الله نبي الرحمة، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث إلى الجن والإنس أجمعين، فقطع عليه معاوية ...
أما إنك يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة، ولست هناك، فقال الحسن عليه السلام: أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعمل بطاعة الله عز وجل، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنيا أما وأبا، وعباد الله خولا، وماله دولا، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكا فتمتع منه قليلا، وكان قد انقطع عنه، فأتخم لذته وبقيت عليه تبعته، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " " متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون " " وما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " وأومأ بيده إلى معاوية، ثم قام فانصرف. فقال معاوية لعمرو: والله ما أردت إلا شيني حين أمرتني بما أمرتني، والله ما كان يرى أهل الشام أن أحدا مثلي في حسب ولا غيره، حتى قال الحسن عليه السلام ما قال، قال عمرو: وهذا شيء لا يستطاع دفنه، ولا تغييره،.. (٦).
موقف ثالث : في كتاب الاحتجاج
وروي أنه لما قدم معاوية الكوفة قيل له: إن الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس وأعينهم، فأبى عليهم وأبو عليه إلا أن يأمره بذلك فأمره، فقام دون مقامه في المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإنكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلا جده نبي لم تجدوا غيري وغير أخي، وإنا أعطينا صفقتنا هذا الطاغية - وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله من المنبر ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، وأشار بيده إلى معاوية.
فقال له معاوية: ما أردت بقولك هذا؟
فقال: ما أردت به إلا ما أراد الله عز وجل، فقام معاوية فخطب خطبة عيية فاحشة، فسب فيها أمير المؤمنين عليه الصلاة السلام،
فقام إليه الحسن بن علي عليهما السلام فقال له - وهو على المنبر -: ويلك يا بن آكلة الأكباد أو أنت تسب أمير المؤمنين عليه السلام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أدخله الله نار جهنم خالدا فيها مخلدا وله عذاب مقيم "؟
ثم انحدر الحسن عليه السلام عن المنبر ودخل داره، ولم يصل هناك بعد ذلك أبدا .(٧)
الخلاصة:
إن الـإمام الحسن المجتبى أرواحنا فداه قام بدور كبير في تمهيد الثورة ضد الظلم لأخيه الإمام الحسين عليه السلام بأن كشف كل مخططات العدو وخلع أقنعت النفاق مما يتستر بدين الإسلام ليملك رقاب المسلمين وليهيئ الأمة كي تثور ضد الظلم بالبرهان القاطع وكذلك ليظهر عظمة الوفاء بالعهود والمواثيق حتى لو خالفها غيره لأن العهد والميثاق لا يكون إلا مع الله سبحانه وتعالى حتى لو أن الطرف الآخر خان هذا العهد والميثاق ليربي الأمة على الأمانة مهما كلف ذلك ليحافظ على بيضة الإسلام ويرفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه عليه والحمد لله رب العالمين .
المصادر:
(1) أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٥٧٠
(2) علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج ١ - الصفحة ٢١١
(3) أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٥٧٠
(4) أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٥٧٠
(5) مقاتل الطالبيين - أبو الفرج الأصفهانى - الصفحة ٤٦
(6) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٤١٩.
(7) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٤٢٠.