بداية أقول ان المنفعلين وزمن الانفعالات، لم يعد له مكان في حوافظ وعقول الوعاة من هذه الأمة، لقد جربنا ذلك من قبل، فلم يقدم لنا في اندفاعنا شيئا، بامكانه أن يفيدنا في اوضاعنا السابقة من مواجهة أعدائنا، والاحداث بنتائجها الحاصلة لا تعالج بالعواطف الجياشة، بقدر ما تعالج بالعقل والحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
من المعيب حقيقة أن ينخرط اعلاميون وناشطون سياسيون في مجال الإساءة الى ايران، دون أن يكون لهم ابسط المعلومات عن حادثة اغتيال الشهيد اسماعيل هنية، فعلى سبيل المثال كشف محمد الصافي الجلالي عن منطق عجيب، في تصريحه المنشور على اعمدة صحيفة الشروق التونسية، الصادرة اليوم بتاريخ 1/8/2024 حيث ادعى خلاف واقع ملف ايران النووي السلمي، الذي لا يوجد فيه أي دليل على أن ملفها عسكري، او حتى فيه جانب منه كذلك، وايران حقيقة لا تسعى الى امتلاك السلاح النووي على اساس شرعي اسلامي، حكم به قائدها وفقيهها السبد الخامنئي بان السلاح النووي محرم امتلاك واستعماله، فنحن مسلمون متقيدون باحكام الله في احياء الأنفس وليس إبادتها، فهل اطلع الجلالي على اسرار من داخل إيران لا نعلمه نحن ولا الايرانيين أنفسهم ليظهر لنا بهذا الاكتشاف العجيب ؟
أم انه استصفى هذه الفكرة من الادعاءات التي طالما رفعتها الحكومة الصهيونية، وتريد اثباتها بمختلف اساليب الكذب والدعايات المغرضة، والمعرقلة للبرنامج النووي السلمي الايراني في اتفاقه الحاصل بشانه مع الدول 5+1
ان ما اجهد فيه غاورسي مدير وكالة الطاقة النووية وطواقم خبرائه، في العثور على دليل يؤيد مزاعم الكيان الصهيوني، في أن هناك برنامج عسكري تسعى ايران للوصول اليه في نشاطاتها النووية، طوال هذه السنوات مع من سبقه من مدراء المنظمة الدولية، بقي بدون نتيجة تذكر، ادعاءات فقط لم تتأيد بدليل مقنع، يفيد تورط ايران في ما ذهب اليه الصهاينة، من دعوى لا اساس لها من الصحة، فهل يعقل ان يقبل الجلالي ان يصدق الكيان الصهيوني في دعواه الباطلة والمضللة للرأي العام العالمي، ولا يصدق ان ايران برنامجها النووي سلمي 100%
صحيح ان ايران اليوم دولة عظمى يحسب لها اعداؤها الف حساب، لكنها في المقابل بمنظومتها السياسية والاجتماعية وبتشريعاتها الاسلامية مستقلة عن منظومات العالم الغربي والشرقي، وترفض تقليد الذي تتبعه الدول الاخرى في العالم، بان تكون يسارية او راسمالية او متطرفة، ايران مختلفة عن بقية دول العالم بقيادة علمانية إسلامية، يرأسها ولي فقيه منتخب من مجلس خبراء القيادة، وهما ركيزتي النظام الاسلامي مع مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور الاسلامي، وهذه المجالس منتخب في جميعها تقريبا ومقيدة بتشريعات وقوانين ملزمة .
باستثناء مجلس خبراء القيادة المنتخب نصفه واجمعين نصفه الاخر من طرف ولي الفقيه، هذه التركيبة السياسية فريدة من نوعها في العالم لكنها مستمدة من مبادئنا وقيمها الإسلامية وليست منقولة من فكر اخر وهذا ما ميز النظام الاسلاميفي ايران وجعله فريدا من بين نظم العالم المختلفة
الحادثة التي نحن بصدرها لا نختلف في كونها خطيرة ومتعمدة في استهدافها للشخصية المقاومة من حماس ومدبرة بدقة في مكان تنفيذها وهو طهران، وكان من اليسير على الامريكان والصهاينة تنفيذها في الدوحة او في تركيا او حتى في مصر او الامارات ولكن اختيار طهران هدفه ضرب مصداقية ايران واظهارها بمظهرالعاجزة عن حماية ضيفها المتحالف معها في اطار مشروع تحرير فلسطين والقدس، وهنا لا يجب الحكم على ايران بتقصير ما في الجانب الامني لان ما ورد من معلومات أكيدة افادت بان الشهيد كان له جهاز خليوي من نوع ثريا مهدى اليه من مسؤول قطري استعمله في ذلك الوقت الذي سبق حادثة الاغتيال مما سمح برصده من طرف الاجهزة العسكرية الصهيونية وتنفيذ عملية اغتيال بدقة اعتمادات على تلك الذبذبات فما ذنب ايران هنا اذا كان الشهيد غير ملتفت الى جهازه الخليوي وما شكله عليه من مخاطر اقلها التجسس عليه؟
حديث الجلالي عن حادثة استشهاد السيد ابراهيم رئيسي بأسلوب غير ودي تجعله في موقف الرجل البعيد عن التحليل المنطقي ولو كان مدركا للمكان الذي حدث للطائرة الرئاسية لما نعت الايرانيين بالتقصير والفشل في العثور على الضحايا وعامل سوء الاحوال الجوية الليلي التضاريس الجبلية الشعرة وعدم تحديد مكان الحادثة ساهم في تأخير العثور على الضحايا فأين الخلل هنا والتقصير من الجانب الحكومي الايراني حتى يعزو الجلالي ضعفا لهم؟
واتساءل هنا اين يرى الجلالي تورط ايرانيا في حادث اغتيال الشهيد اسماعيل هنية ونسبته التقصير في حماية ضيفها ايران، بل ويذهب الى اعتبارها دولة متورطة الى حد ما في اغتياله؟
سيل الاتهامات الموجهة لايران من اطراف اخوانية معروفة بالتحامل ومعاناة ايران عادة ما تظهر فقاقيعها الهوائية، لتذهب ادراج رياح حقيقة ايران، في التزاماتها المبدئية نحو قضايا امتها وفي مقامها الاول القضية الفلسطينية، وفي صبرها وطول اناتها في مواجهة اعدائها، ايران ليست بالمقصرة في شيء من واجباتها تجاه اشقائها في الدين وحتى في الانسانية، ولا مخلة بحق من تلك الحقوق، لياتي من يأتي كل مرة من يكيل لها الاتهامات المجانية المبنية على فرضيات لا علاقة لها بمنطق أو رصانة تفكير.
ايران تعرف تكليفها جيدا، وليست بحاجة الى من يعلمها ذلك، وستتصرف بمقتضى ما يمليه عليها واجبها، كما تصرفت من قبل، وليست منتظرة ثناء او شكرا من احد، وما قدمته من تضحيات الى اليوم، لو اجتمعت عليه الدول العربية والإسلامية لعجزت عنه، يكفي ان اذكر هنا ما عانته ولازالت ايران من حصار متواصل على مدى 45عاما، وعقوبات متواصلة ضدها، ليعرف الغافلون ما تعانيه من بلاء، فالتزموا الصمت على الاقل فيما يتهددها من مخاطر جمة، لم يطلب منكم احد ان تكونوا معها، دعوها وحدها تواجه اعداءها الذين هم اعداؤكم ولا توجعوها ببذيء هذيانكم، فلا الظرف يتحمل ولا اخلاق الاسلام تسمح باتهام ايران وايذائها كما يتمناها اعداؤها، بالنتيجة اما ان تكون مع ايران او مع اعدائها ولا ينفع الموقف المحايد هنا.