جاء في کتاب عقيلة قريشٍ آمنة بنت الحسين عليه السلام الملقبة بسكينة للسيد محمد علي الحلو: وراثة نبويّة: (وأمّا الحسين فله جودي وشجاعتي). هكذا كان ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم لولديه، فورث الحسين عليه السلام جوده وشجاعته، وورث الحسن عليه السلام هيبته وسؤدده. كان هذا الإرث النبوي يتقاسمه الوريثان من قبلُ ومن بعد، فقبل وفاة جدّهما كانت بوادر الإرث النبوي قد بدت على الغلامين الهاشميين، وهما يرفلان في عناية إلهية ما انفكت عنهما وعن أبويهما يوم جلّلهما بالكساء اليماني، وقال: اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد. وأنزل الله عزّ وجل: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الأحزاب 33). ولطالما كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم). وسوف يتّضح لك أيّها القارئ العزيز كيف أن واحدة من مفردات ذلك العمل الدنيء هي ما حاولوا عبثاً إلصاقه من الأكاذيب في حقّ سكينة (آمنة) بنت الحسين عليهما السلام سليلة الرسالة ومولودة البيت العلوي، الذي جعله الله من أفضل البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، لتمرير مؤامراتهم الدنيئة في المسّ بقداسة وحرمة ذلك البيت العظيم. "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة 32).
عن حرمة نظر الأجنبي للأجنبية يقول السيد الحلو في كتابه آمنة بنت الحسين الملقبة بسكينة: نهى الإسلام عن النظر إلى الأجنبية، وكذلك نظرها إلى الأجنبي، وذلك لقوله تعالى: "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" (النور 31). وقد فُسرت الآية بأنّ الزينة هي مواضع الزينة، فالآية تحثّ على وجوب الستر وعدم إبداء مواضع الزينة، واحتجّ قومٌ بالإجماع، وقد عرفت حاله، فإنّ المنقول غير حجّة، والمحصّل غير حاصل. واستدل بوجوب غضّ النظر بما رواه سعد الإسكاف في معتبرته عن أبي جعفر عليه السلام قال: (استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ فنظر إليها وهي مقبلة، فلمّا جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشقّ وجهه، فلمّا مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأخبرنّه، فأتاه فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما هذا؟ فأخبره، فهبط جبرئيل بهذه الآية: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (النور 30)). فمورد نزول الآية هو النظر إلى المرأة، وإطلاقها موجب إلى حرمة مورد النظر، وإن ذهب بعضهم إلى أنّها خصّصت بالنظر الاستمتاعي بقرينة مورد النزول، فإنّ الشاب الأنصاري كان نظره إلى المرأة بتلذّذ، إلاّ أنّ المورد لا يخصّص الوارد.
وعن حكم الغناء في الشريعة المقدّسة يقول السيد محمد علي الحلو: ذهب علماؤنا رضوان الله تعالى عليهم إلى حرمة الغناء، وادّعوا الإجماع عليه، بل عدّوه من ضرورات المذهب للأدلة الواردة في حرمته من آيات وروايات لعلّها متواترة. كما ذهب إلى ذلك بعضهم، فمن ذلك تفسير قوله تعالى: "لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" (الفرقان 72). بالغناء كما في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام. وتفسير الغناء بالزور في قوله تعالى: "وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" (الحج 30). كما في صحيحة زيد الشحام، ومرسلة ابن ابي عمير، وموثقة أبي بصير. وما ورد في تفسير لهو الحديث بالغناء كما في صحيحة محمّد بن مسلم. ومن الروايات ما تواتر من حرمة الغناء كما في رواية يونس قال: سألت الخراساني صلوات الله عليه عن الغناء وقلت: إنّ العباسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء، فقال: (كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء فقلت له: إنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء فقال: يا فلان إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال: مع الباطل، فقال: حكمت). وعن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء وقلت: إنّهم يزعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخّص في أن يقال: حيّونا حيّونا نحييكم، فقال: إنّ الله تعالى يقول: "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" (الأنبياء 16-18). ثمّ قال: (ويل لفلان ممّا يصف، رجل لم يحضر المجلس). وفي مرسلة المقنع عن الصادق عليه السلام قال: (شرّ الأصوات الغناء). وفي الخصال بسنده عن الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر).
ويستطرد السيد الحلو في كتابه آمنة بنت الحسين الملقبة بسكينة: وتعضده الأخبار الدالّة على تحريم الاستماع له كما في صحيحة مسعدة ابن زياد قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل: بأبي أنت وأمي إنّي أدخل كنيفاً ولي جيران، وعندهم جوارٍ يتغنّين ويضربن بالعود، فربّما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهنّ، فقال: (لا تفعل). فقال الرجل: والله ما أتيتهنّ وإنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال: (بالله أنت أما سمعت الله تعالى يقول: "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً" (الاسراء 36)؟. فقال: بلى والله وكأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله تعالى من عجمي ولا عربي، لا جرم أنّي لا أعود إن شاء الله تعالى، وأنّي أستغفر الله، فقال له: (فاغتسل وصلّ ما بدا لك، فإنّك كنت مقيماً على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك، إحمد الله وسله التوبة من كلّ ما يكره، فإنّه لا يكره إلاّ كلّ قبيح، والقبيح دعه لأهله، فإنّ لكلّ أهلاً).