البحث المتقدم

البحث المتقدم

٣٠ جمادى الأولى ١٤٤٦

مقام الكف الايسر تاريخياً.. قصة الخلود عبر الاجيال

 

يتوافد الناس الى مدينة كربلاء المقدسة مختلف الزائرين من العراق وبقاع الارض للتبرك بزيارة الامام الحسين بن علي، واخيه ابا الفضل العباس (عليهما السلام)، ثم التوجه لبقية الاماكن الدينية بمحيط الحرمين، ومن بينها هو مقام الكف الايسر للامام العباس (عليه السلام).

ويقع  مقام الكفّ الأيسر في جهة الجنوب الشرقي من العتبة العباسية المقدسة في منطقة باب الخان, حيث يعتبر المقام الحالي بديلا عن المقام الذي اندرست معالمه، بسبب أعمال التوسعة التي تعرّضت لها المنطقة بعد عام (1411هـ - 1991م).

تاريخه واعماره:

جرى بناء المقام الحالي، حيث موقعه الآن بتبرّعٍ من الحاج (عباس عبدالرسول عبدالحسين)، وهذا ما دُوِّن على المقام نفسه.

كان المقام عبارة عن مشبك صغير من البرنز خارج من الدار المرقمة 52/51 - التي أزيلت في أعمال توسيع شارع الحائر، ومزين بقطع من المرايا الصغيرة، كما كان على الشباك لوحات من الادعية، وفوقه أبيات شعرية نقشت على القاشاني للشاعر الكربلائي الشيخ محمد السراج يقول فيها: " سل إذا ما شئت واسمع وأعلم ثم خذ منــــي جواب المفهـم ان فـي هذا المقـام انقطــــعت يسرة العبــــــــاس بحـر الكرم ههنا يا صاح طـاحــــــــت بعدما طاحت اليمنى بجنب العلقمي أجر دمع العــــين وابكيـه أسى حق ان تبــــكي بدمـع من دم".

وأقدم مصدر تاريخي ذكر تفصيل نزول العباس إلی الفرات لطلب الماء وقطع يديه إنما هو كتاب «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب – م 556 في أواخر القرن السادس الهجري بلا أن يُسنده إلى مصدر ولا يوجد في مصدر قبل ذلك أيضاً.

قبل ذلك تقدّم قبلَه خبرُ الصدوق عن السجاد (عليه السلام) متضمنا الإشارة إلی قطع اليدين بلا تفصيل وتحديد مكان سقوط اليدين، ولذا ذكر المؤرخون أن المقامين إنما شيدا بصورة رمزية للإشارة إلى قطع كفي العباس (عليه السلام).

الشكل الهندسي للمقام:

شكل المقام الحالي ثماني الشكل فيه أربعة نوافذ ( شبابيك ) وباب نحاسي ذو فتحتين وهو مغلف بالمرمر بارتفاع مترين وموشح بالكاشي الكربلائي على شكل كتيبة كتب عليها قول أبي الفضل العباس:

"يانفس لا تخشي من الفجار وأبشري برحمة الجبار قد قطعوا ببغـــــيهم يساري فاصـلهم يارب حر النار".

كما تعلو المقام قبة صغيرة مغلفة بالكاشي الكربلائي موشحة بهذه الآية الكريمة:

 (بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ صدق الله العلي العظيم ) سورة التوبة –111.

 ومن أمام المقام كُتبت الآية بسم الله الرحمن الرحيم: (( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلوة واتوا الزكوة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)) صدق الله العلي العظيم.

وفي المقدمة نقش على المرمر (السلام عليك يا حامل لواء الطف) و(مقام سقوط الكف اليسرى لأبي الفضل العباس).

رمز الخلود

يأتي مقام الكف الايسر بهدف يتشارك به مع مقام الكف الايمن، الا وهو التخليد لكفي الجود العلوي، وهما يلوحان أمام زائر مرقد أبي الفضل(عليه السلام)، كمقامان شامخان يمثلان موقع سقوط كفيه في معركة الطف.

وخلال الزيارات يتبرك أتباع أهل البيت(عليهم السلام) بهذين المقامين الشريفين، حيث تعود بهم الذاكرة إلى ساحة البطولة والفداء، متمثلة بساقي عطاشى كربلاء(سلام الله عليه).

يقول الأستاذ المؤرخ سعيد رشيد زميزم وهو من مواليد 1952 كربلاء المقدسة، إنه "بالنسبة لكفي الإمام العباس(عليه السلام)، فهما يمثلان عمقا تأريخيا وعقائديا مهما لأن المصادر التاريخية تذكر بأن نهر العلقمي كان عبارة عن شط عملاق وليس نهرا صغيرا كما يعتقد البعض وكان يسمى بنهر الفرات، وهذه التسمية انطلقت عليه باعتباره منبعا من نهر الفرات الأصلي الذي يمر بمدينة المسيب كما يمر بالمنطقة القريبة من شارع العلقمي، ثم يتجه بعمق مدينة كربلاء المقدسة".

وتذكر المصادر التاريخية، أنه لضخامة هذا النهر، ولخشية الجيش الأموي من أن يأخذ مخيم الامام الحسين (عليه السلام) وأنصاره كمية من الماء حتى تعينهم على القتال، قاموا بوضع عدة سرايا لحماية ضفتي النهر، وهذا دليل على سعة النهر في تلك المنطقة.

 وعندما قدم أبو الفضل العباس(عليه السلام) لملء القرب, التي يعتقد أنها كانت عدة قرب قد وضعها على سرج فرسه وحمل واحدة بيده وهي التي يشار إليها في المقاتل ايام العزاء.

 روايات التاريخ تذكر ايضا أن العباس(عليه السلام) قد أوغل في قادة الجيش الأموي الذين كانوا يحرسون الضفتين، واجتث العشرات من رؤوسهم، فكمنت مجموعة من الأعداء له وقطعوا كفه الأيمن قرب ضفة النهر، ثم استمر في قتالهم وعبر الضفة الثانية، فكمنت له مجموعة أخرى من الأوباش وقطعوا يده اليسرى.

وهذا يدل على أن الكفوف قد سقطت في هذه الأماكن القريبة من قبره الشريف؛ حيث إنهم بعد ذلك هجموا على أبي الفضل العباس، واستشهد (عليه السلام) في موقع قريب من الكفين الحاليين.

وحاليا، يتوافد الملايين من الناس خاصة في مناسبات الزيارة لمقامي الكفين الايسر والايمن، حيث إن لهذين المقامين - كما يذكر خدمة العتبة العباسية المقدسة، وخاصة الماضين منهم - كرامات عديدة لقضاء الحوائج، فالناس يتجهون إليهما بقلوب حزينة متألمة، وعلى يقين ثابت بأن الله سبحانه وتعالى سيستجيب دعواتهم، مستشفعين بكفي باب الحوائج أبي الفضل العباس(عليه السلام).

 

فكرة الشباك الجديد:

بتاريخ 5 تشرين الثاني 2020،  شرعت الملاكات الفنية العاملة في قسم صناعة شبابيك الأضرحة الشريفة وأبوابها المطهرة التابع للعتبة العباسية المقدسة، بصناعة شباك جديد لمقام الكف الأيسر لأبي الفضل العباس(عليه السلام).

ويمتاز الشباك الجديد بمواصفات ذات دقة وحرفية ومتانة عالية، ليضاف هذا العمل الى سجل الإنجازات الذي تطرز بعدة أعمال في داخل العراق وخارجه، وبأياد عراقية خالصة تصميما وتنفيذا.

وبدأت صناعة الشباك الجديد بعد المصادقة على التصاميم الخاصة به بنقوش وزخارف مستوحاة ومتناغمة مع شباك الضريح الطاهر، إذ تكون من شكل مثمن ليكون أول شباك يتم تصنيعه بهذا التصميم، ويبلغ قطره 3 أمتار وارتفاعه 2.85 متر بضمنه الجزء العلوي له، ويتألف من:

- هيكل من مادة الستنلس ستيل بسمك (2 ملم).

- 8 مشبكات (دهنات) بضمنها باب الشباك، يبلغ ارتفاع الواحدة منها 190سم وعرضها 1 متر، يحاذيها من جانبيها الأيمن والأيسر عمود جانبي مضلع الشكل يبلغ طوله 98 سم، ويرتكز قسمه الأسفل على قاعدة زخرفية تاج عمود يبلغ ارتفاعها 18.5سم.

 وترتبط قاعدته السفلى بوردة قاعدة أخرى يبلغ ارتفاعها 15سم، أما قسمه الأعلى فيرتبط بجزء مزخرف آخر تاج علوي شبيه بالتاج السفلي من ناحية الشكل يبلغ ارتفاعة 16.5سم، وتتصل بالشريط الكتابي الشعري العلوي من خلال شريط مزخرف يبلغ طوله (60سم)، ويبلغ عدد هذه الأعمدة (16) عمودا.

- 8 أعمدة ركنية تحيط بالشباك من جميع أضلاعه، يبلغ طول العمود الواحد 154 سم، وهي ذات نقوش وزخارف نباتية تكون بمحاذاة أعمدة المشبك، وتستند هذه الأعمدة التي تتصف بقوتها ومتانتها على سندانة يبلغ ارتفاعها 28سم، ونهاية كل عمود تتصل بالشريط الكتابي الشعري بواسطة تاج زخرفي يبلغ ارتفاعه 11سم.

- الجزء العلوي للشباك يبلغ ارتفاعه 75سم ويحتوي على:

1- شريط كتابي قرآني كتيبة قرآنية بارتفاع 20سم تحيط بالشباك من جميع جهات مقاطعه الثمانية، خط عليها من سورة المطففين (إن الأبرار لفي نعيم...) الى قوله تعالى (...على الأرائك ينظرون) بالذهب على مينا زرقاء، ويحيط بها من الأعلى شريط مزخرف معدني يبلغ ارتفاعه (6سم).

ثانيا: شريط زخرفي (الأفريز المطعم الذهبي) يحيط بأجزاء الشباك الثمانية موزعة على ثمانية أجزاء، ويبلغ ارتفاعه (28سم)، تتوسط كل جزء فيه وردة زخرفية دائرية الشكل تقريبا يبلغ عددها (16) وردة، ويفصل بين جزء وآخر طرة وسطية فضية وزعت على أركان الشباك الثمانية.

ثالثا: شريط كتابي (كتيبة شعرية) يبلغ ارتفاعها ( 20سم) من نظم الشاعر علي الصفار، موزعة كذلك على محيط الشباك، خطت بماء الذهب على مينا خضراء وتكون فوق كل مشبك (دهنة).

- أسفل الشباك هناك (8) قطع مزخرفة تكون أسفل كل مشبك وتفصل الشباك عن الجزء المرمري الذي سيركب عليه (الشذر وان)، وتكون متصلة مع الأجزاء السفلى للعمود الركن وأعمدة المشبكات.

- داخل الشباك مغلف بالخشب الصاج الطبيعي وبنقوش وزخارف ذات ألوان طبيعية، ولا يختلف من ناحية المتانة والقوة والجمال عن خارج الشباك.

- يتألف الشباك ضمن مشبكاته الثمانية من بوابة ذات ضلفتين (طلاقتين)، يبلغ طول الضلفة الواحدة (107سم) وعرضها (45سم)، نقشت عليها نقوش نباتية غاية في الروعة، ويتوسط هاتين الضلفتين عمود وسطي ويعتليهما مثلث زخرفي".

انجاز الشباك الجديد:

بتاريخ 23 ايار 2021 اعلن قسم صناعة شبابيك الأضرحة الشريفة وأبوابها المطهرة التابع للعتبة العباسية المقدسة الانتهاء من صناعة جميع أجزاء شباك مقام الكف الأيسر لأبي الفضل العباس(عليه السلام)، والاستعداد لتركيبه في المكان المحدد له ضمن السور الخارجي للعتبة المقدسة، جوار بوابة أمير المؤمنين(عليه السلام).

وجاء انجاز الشباك ضمن التوقيتات المثبتة للملاكات حيث لم تدخر جهدا في سبيل إنجاز هذا الشباك الذي يمثل تحفة فنية رائعة وفائقة الجمال، حيث تم ترقيم جميع القطع والأجزاء المعدنية والخشبية حسب مكان كل واحدة منها، وبما يضمن تركيبها على هيكل الشباك بعد أن يتم نصبه في المكان المحدد له.

 

شعبة النشر – أحمد فاضل

 

مواضيع ذات صلة