يعتبر الحشد الشعبي في العراق احد اعمدة الأمن الوطني ومنظومة الدفاع التي أثبتت جدارتها في أصعب الظروف التي مر بها العراق في العصرالحديث ,فقد نشأ هذا الكيان من رحم المعاناة ومن بين ألسنة النار التي أحاطت بالبلاد حين تمدد الارهاب وهدد الارض والعرض والمقدسات.. لم يكن الحشد الشعبي مشروعا سياسيا آنياً ولا تنظيماً طارئا على الوضع العراقي , بل كان استجابة تاريخية ادهشت العالم لفتوى الدفاع الكفائي التي أطلقها المرجع الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله, فهب ابناء العراق من كل مكوناته وتنوعاته ليشكلوا سداً منيعاً بوجه تنظيم داعش الارهابي الذي كاد ان يقضي على الدولة العراقية ويعيدها إلى عصور الفوضى والانهيار.
لقد قدم الحشد الشعبي تضحيات لا مثيل لها في ميادين القتال وسطر صفحات مشرقة من البطولة والفداء حين تصدى للارهاب في المدن والقرى والسهول والجبال فاستعاد الارض شبراً شبراً , وحمى العاصمة بغداد والمدن المقدسة من السقوط فيما هرب معظم قادة العراق السياسيين والعسكريين .. كان يقاتل وهو يدرك ان معركته لا تخص العراق وحده بل تخص العالم كله لأن الخطر الذي مثله تنظيم داعش لم يكن خطرا محليا , بل تهديداً للانسانية جمعاء ..كان الداعشي يذبح ويهجّر ويدمر ويستهدف القيم قبل البشر ,لذلك فإن من واجه هذا الخطر ووقف أمامه بصلابة يستحق التكريم والدعم وليس التهجم ونكران الجميل .
ومع ذلك فقد تعالت في الداخل والخارج اصوات تطالب بحل الحشد الشعبي او دمجه بطريقة تمحو هويته الوطنية وتضعفه وتحد من دوره , وهذه الدعوات لا يمكن قراءتها بمعزل عن الصراعات السياسية الاقليمية والدولية التي تريد ازالة الحشدمن طريق عودة الارهاب الذي يخططون له في ظلمة الليل,وهي بذلك تحاول التأثير على سيادة القرار العراقي, فالحشد الشعبي هو العقبة الوحيدة امام هذه المخططات بالرغم من انه لم يكن يوماً بديلا عن الجيش العراقي ولا منافساً له, بل كان وما يزال جزءاً من المنظومة العسكرية الرسمية التي تعمل تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة, وضمن القوانين العراقية التي نظمت عمله وحقوق أفراده وواجباتهم , كما أقرّه البرلمان العراقي قانوناً واعتبره تشكيلا رسميا من تشكيلات القوات المسلحة العراقية, وعلى الجميع احترام ارادة الشعب العراقي والمؤسسات الرسمية العراقية مثل البرلمان وغيره ,واحترام النظام السياسي والحكومة التي تمثل الشعب ..
ان الدعوات التي تستهدف الحشد الشعبي تتغذى من اجندات خارجية تخشى من عراق قوي مستقل القرار يمتلك قوة رادعة تحمي ارضه وتمنع التدخل في شؤونه الداخلية, فوجود الحشد الشعبي القوي والمتماسك يشكّل ضمانة استراتيجية ليس للعراق فحسب, بل للمنطقة والعالم ,لأن انهيار الأمن في العراق يعني عودة الارهاب وانتشار الفوضى التي لن تقف عند حدود معينة, ان الأمن العراقي مرتبط عضوياً بالأمن الاقليمي والعالمي , وبالتالي فإن إضعاف أي ركيزة من ركائزه هو تهديد مباشر للسلم الدولي.
إن الحشد الشعبي اليوم لا يقاتل في الجبهات كما كان في سنوات الحرب ضد داعش, لكنه يواصل أداء مهامه في حفظ الأمن ومساندة الجيش والشرطة في ملاحقة خلايا الارهاب وفي حماية الحدود العراقية الممتدة وفي دعم جهود الإغاثة وإعادة الإعمار في المناطق المحررة, كما يشارك في مشاريع خدمية وإنسانية كثيرة أثبتت أن هذا الكيان لم ينشأ فقط لحمل السلاح, بل ليكون ذراعاً وطنيا جامعاً يخدم الشعب في السلم كما خدمه في الحرب , وهذا ما جعل الحشد الشعبي يحظى بتقدير شريحة واسعة من العراقيين الذين يرون فيه تجسيداً لروح التضحية والوحدة الوطنية.
ورغم محاولات التشويه التي تتعرض لها صورة الحشد الشعبي في بعض وسائل الإعلام, إلا أن الحقائق الميدانية تشهد له لا عليه , فلو لا الحشد لما استطاع العراق ان يستعيد توازنه في وقت قياسي, ولا أن يحافظ على وحدة اراضيه في وجه أخطر التنظيمات الارهابية التي عرفها العصر الحديث, ان الذين يطالبون بحله يتجاهلون هذه الحقيقة التاريخية , ويتناسون ان من واجه الموت دفاعاً عن الوطن لا يمكن مكافأته بالإقصاء ,بل بالاحتضان والتقدير والإصلاح إن وجد ما يحتاج إلى إصلاح ضمن الإطار القانوني والمؤسسي..
إن بقاء الحشد الشعبي قويا ومنضبطاً ومخلصا لوطنه هو ضرورة وطنية وأمنية لا غنى عنها, فالعراق محاط بتحديات كثيرة امنية وسياسية واقتصادية , وهو بحاجة إلى كل طاقاته الوطنية لكي يحافظ على استقراره واستقلاله , ولعل أهم ما يميز الحشد الشعبي هو انتماؤه الشعبي الأصيل, فهو نابع من الناس.. من القرى والمدن.. من ابناء العشائر والطبقات الوسطى والفقيرة , الذين حملوا السلاح ليس بحثاً عن سلطة أو جاه , بل دفاعاً عن كرامة بلدهم لذلك فإن إضعاف الحشد هو اضعاف لإرادة الشعب نفسه..
ومن المنظور الدولي فإن وجود قوة عراقية منضبطة ذات عقيدة وطنية صلبة تسهم في حفظ الأمن ومنع الإرهاب هو عامل استقرار يخدم المجتمع الدولي, فحين يكون العراق آمناً يكون الطريق آمناً بين الشرق والغرب ,وتزدهر التجارة وتقل الهجرة القسرية وينكمش الإرهاب الذي يتغذى من الفوضى , إن الحشد الشعبي بما يمثله من تجربة فريدة في مقاومة الارهاب يمكن ان يكون نموذجا في كيفية توظيف طاقات المجتمع لخدمة الأمن الوطني بعيداً عن التحزب والطائفية..
إن مستقبل العراق الآمن لا يمكن تصوره من دون الحشد الشعبي بوصفه صمام أمان وردعاً لأي خطر داخلي أو خارجي يسعى للنيل من سيادة الدولة ,فالحشد ليس كتلة جامدة بل مؤسسة يمكن تطويرها وتأهيلها لتكون أكثر مهنية وانضباطاً ضمن الإطار العسكري الرسمي, وهذا ما تعمل عليه الدولة العراقية اليوم من خلال برامج الدمج والتأهيل والتدريب التي تهدف إلى تعزيز دور الحشد ضمن بنية القوات المسلحة وليس خارجها.
والدفاع عن الحشد الشعبي هو دفاع عن العراق نفسه , لأن هذا الكيان ارتبط بدماء الشهداء وبذاكرة النصر وبكرامة الأرض , وكل محاولة للنيل منه إنما هي محاولة للنيل من الهوية الوطنية العراقية , ان العالم الذي استفاد من تضحيات العراقيين في معركتهم ضد الارهاب مدعو لأن يعترف بفضل هؤلاء الرجال الذين دافعوا عن الإنسانية كلها بصدورهم العارية.. ان بقاء الحشد الشعبي قوياً ومنضبطا ووفيا لوطنه هو ركيزة من ركائز الأمن والسلم العالميين وليس تهديداً لهما بل ضمانة لاستمرارهما, وعلى الشعب والحكومة في العراق الدفاع عنه بكل قوة وشجاعة , فهو حشدنا وبقاء العراق ومصيره مرتبط ببقاءه ومصيره ..




تقييم المقال

