للمدة 29 – 31 / 10 / 2025 احتضن معرض بغداد الدولي فعاليات معرض ومهرجان التمور العراقية الذي نظمه اتحاد الغرف التجارية العراقية بالتعاون مع وزارتي التجارة والزراعة تحت شعار ( النكهة عراقية والطعم عراقي والذوق عراقي ) ، والذي عرضت فيه المنتجات الوطنية من التمور ومشتقاتها ، وأسهمت في عرضها الجهات الحكومية والقطاع المختلط والخاص من المنتجين والمسوقين والمصدرين والمهتمين بموضوع التمور ، وتضمن هذا الحدث العديد من الفعاليات الرامية لتأكيد اهتمام العراق بموضوع التمور باعتبارها مورد وطني من الممكن أن تنعكس عليه العديد من الفوائد الغذائية والاقتصادية ، وكانت فرصة لتلتقي الأفكار وتوجه كحزم نحو زيادة الاهتمام بالنخيل والتمور والتوصية بأن يكون البلد في رأس الدول المنتجة عالميا من الأنواع المختلفة من التمور و تصدير الفائض لتحقيق الوفورات الاقتصادية لهذه النعم التي خصها الله لأهل العراق ، والحقيقة المهمة التي استطاع هذا الكرنفال إثباتها إن تمورنا تعيش بمرحلة التعافي من حالة الاغتيال والاحتضار وان من الممكن إنعاشها لإضافة مزيدا من المنافع للبلاد .
والنخلة ، شجرة مباركة اختصها الله بفضائل كثيرة ، فذكرها سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في أكثر من عشرين آية ، ومنها قوله تعالى ﴿ أيودّ أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ البقرة / 266 ﴾ ، كما إن للنخلة وثمرها حظا وافرا في الحديث النبوي الشريف في الكثير من المواضع ، إذ قال عنها صلى الله عليه ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها ) ، وقد حظي بلدنا بهذه النعم والأرزاق منذ قديم الزمان إذ اقترن اسم العراق ببلد النخيل من كثرة النخيل فيه ، ولكن هذه النعمة تعرضت خلال العقود السابقة للاغتيال والاحتضار ، ففي الحروب التي شنت في العقود السابقة تم اغتيال أكثر من 10 ملايين في قواطع العمليات العسكرية ، وأبرزها محافظة البصرة التي المعروفة عالميا باحتوائها الأنواع والأصناف النادرة من التمور ، كما تم و يتم التجريف الجائر للآلاف من النخيل لتحويل الأراضي المزروعة بها لاستعمالات لا تتعلق بالزراعة ، وتعرض النخيل أيضا إلى الاحتضار حين تعرض أصحاب البساتين المنتجة للتمور إلى خسائر مادية كبيرة بسبب عدم وجود سياسة واضحة لعملية تسويق التمور و ترك الأمور إلى السوق الذي يتحكم بجزء كبير منه تجار البورصة مما يقلل من الإيرادات المتأتية من التمور .
وبفضل الجهود التي تبذل من قبل وزارة الزراعة والمستثمرين ومنتجي ومزارعي النخيل فقد اخذ الموقف يتحسن بعد التراجع الكبير ، إذ يحتل العراق اليوم المركز الأول بعدد النخيل والرابع بإنتاج التمور على مستوى العالم ، ويقدر عدد أشجار النخيل في العراق حاليا بأكثر من 22 مليون نخلة وهناك إصرار مقترن بخطط لزيادة هذا العدد إلى 30 مليون نخلة في السنوات القادمة ، وتعد إيران الثانية بعدد الأشجار بـ21 مليون نخلة ثم السعودية بـ12 مليون نخلة والجزائر بـ9 ملايين نخلة ومصر وليبيا بـ7 ملايين نخلة لكل منهما ، كما يشهد العراق العودة لزراعة وإنتاج الأنواع النادرة عالميا والتي كانت موجودة بعدد يفوق 650 صنف ، ويتم إعادة زرعها وتكثيرها بالطرق التقليدية ومن خلال الزراعة المتقدمة كالزراعة النسيجية ، وحسب مصادر مطلعة فان انتاج العراق من التمور يزيد عن 800 ألف طن سنويا ويتم تصدير الفائض عن الاستهلاك إلى خارج البلاد وتتجه الصادرات لمختلف الأسواق الأسيوية والعالمية .
وعودة لموضوع معرض ومهرجان التمور ، فقد شكلا تظاهرة بغاية الروعة من حيث التنظيم والتنسيق والتنوع ، إذ شهد مشاركة ( محلية وأجنبية ) واسعة تعد الأكبر في تاريخ البلاد من قبل دوائر وشركات وجمعيات و أفراد ومن مختلف الفعاليات و تم عرض منتجات وأنواع محلية كانت غائبة عن الأنظار لسنوات ، واتسمت الفعاليات بالمسؤولية الوطنية وروح العمل الجماعي من خلال التنسيق العالي وعدم التقاطع بين المؤسسات الحكومية وقطاعات الإنتاج والرعاة ، فما كان يجمع الكل هدفا واضحا ويركز على إكرام ( النخلة ) و منتجاتها من التمور وغيرها وتحويل ما فيهم إلى مورد تسهم في تنوع مصادر الدخل القومي وتنعكس منافعها على المنتجين والمستثمرين والعاملين لتحفيزهم بالاستمرار وتقديم المزيد ، كما اتسمت الفعاليات بالتنوع فلم تقتصر على العرض المميز للمنتجات وإنما بوجود ملتقيات ونقاشات وإقامة محاضرات وندوات تمت إدارتها وتقديمها من قبل نخب من المختصين والعاملين في مجال النخيل والتمور .
وان من المهم والاهم أن تركز كل الفعاليات في هذا المجال على محاور عديدة لتحقيق نهضة وطنية شاملة في موضوع تكثير النخيل وإنتاج التمور ، أولها ولوج السبل الكفيلة بزيادة إنتاجية التمور على المستوى المحلي بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى فمصر تمتلك 15 مليون نخلة و تقوم بإنتاج 1.8 مليون طن تمور سنويا في حين إننا نمتلك 22 مليون نخلة وإنتاجنا السنوي لا يزال اقل من مليون طن ، وثانيها إصدار تشريع ملزم ويخضع للتطبيق بتجريم من يقوم بالتجريف الجائر للنخيل ، وثالثها قيام الجهات المختصة بدعم صادرات التمور وتبني الجهات لمبادرات الدعم والتمويل لزراعة النخيل وإنشاء مصانع ومعامل لتحويل المواد الأولية لشكل آخر إلى منتجات ) ( نستلة ، عصير ، مرطبات ، قهوة ، علاجات ) تغني عن الاستيراد ، ورابعها وضع الخطط والتنفيذ لتغيير هيكل الإنتاج الوطني من التمور فالتمر الزهدي والخستاوي يستحوذ على 70 % من الإنتاج في حين إن الأنواع الأخرى ( الأكثر طلبا وإيراد ) تشكل 30% من الإنتاج ، وخامسها إعطاء الأسبقية في بيع وتأجير الأراضي المملوكة للدولة لغرض تحويلها إلى مزارع و بساتين للنخيل من قبل المستثمرين ، وسادسها تقديم الدعم الحكومي لقطاع التمور من خلال تبني مبادرات لجذب الإنتاج أشبه بمبادرات الحبوب ، وسابعها التأكيد على تصدير التمور المصنعة بدلا من التمور الخام لإنعاش الإنتاج الوطني ولزيادة الإيرادات ومراعاة توفير بعض المنتجات للاستعاضة عن الاستيراد ، وثامنها إتاحة التمور ومنتجاتها للمواطن خلال فصول ذروة الاستهلاك وبما يشجع المنتج الوطني بإضافة التمور ومادة الدبس ضمن مفردات البطاقة التموينية ، وإيكال مهمة التوريد إلى الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور كونها مساهمة مختلطة ويمكنها انجاز هذه المهمة بالتكامل مع قطاعات الإنتاج .




تقييم المقال

