البحث المتقدم

البحث المتقدم

الفساد الناعم في المصارف العراقية

0 تقييم المقال

الفساد الناعم ( Soft Corruption  ) واحدا من أنماط الفساد ، ولأنه ناعم  تتم ممارسته علنا او سرا  في الكثير من المؤسسات  ويقصد به الخرق في السياقات والإجراءات  التي تتطلبها مراحل انجاز الأعمال  ، ولان الحديث هنا عن العمل المصرفي فان الاهتمام سيركز على الأخطاء والانتهاكات  التي يرتكبها العاملون في انجاز أعمالهم اليومية والتي يعدونها  أمورا  بسيطة وتتعلق بالسحب والإيداع  ومن الجائز التغاضي عنها لأنها لا تتعلق بجوهر العمل المصرفي  ، وبعض العاملين يمارسون جانبا من تلك الأخطاء عندما يقومون بحجب فئات نقدية محددة وحجزها لصالح من يتعاملون معهم   أثناء عملية الدفع للعملاء او إنهم يستخدمون المحاباة مع العملاء بقصد تفضيلهم وتحقيق منفعة لهم على حساب الغير  ، وبسبب تلك الممارسات يشعر المتعاملون من أصحاب الحسابات بان غبنا يصيبهم عندما تذهب الفئات ( الخشنة ) من فئة 10000 دينار فأكثر  لزبائن محددين  في حين أنهم يستلمون فئات لا تناسب حجم السحوبات وتختلف عن الفئات التي أودعوها من قبل ، فالخشن ( 50000) والأحمر  (25000) والأخضر ( 10000 ) فئات ليست سهلة المنال للجميع   ، ويتعدى التجاوز لأكثر من ذلك حين تخصص الأوراق الجديدة او ( المسلفنة )  في الدفع و الأسبقية لهؤلاء وبشكل يضطر الموجودون للانتظار حتى تنجز معاملات الأحباب  .
وما نشير إليه شائعا في العديد من فروع المصارف وان ممارستها لا يمكن أن تكون عفوية فالمرجح تتم باتفاق وتحديد مواعيد لتحضير ما يرغبوه من مسحوبات ، وغالبا ما يكونوا الزبائن من أصحاب مكاتب الصيرفة والدفع النقدي او الزبائن الذين يدفعون الإكراميات ، وهناك أشكال متعددة من هذه الممارسات تتعلق بالتودد لمن لديهم مسحوبات طمعا في الحصول على الإكراميات ، وليس غريبا أن تتحول هذه المخالفات إلى ( تجارة ) ، ففي البورصات وشركات الصيرفة يكون للفئات ( الخشنة ) سعرا مختلفا عن بقية الفئات وحين تتقصى مصدر الخشنات تجد إنه من بعض العاملين  في المصارف وهم يدفعون مبالغ ( غير رسمية )  اقرب للعمولات من الإكراميات ، والبعض يقول إن هؤلاء يتصلون بهم عند توفر او توفير  تلك العملات ويدعوهم  للسحب او التعويض ويتم ذلك بمعرفة الكثير من العاملين ، ونستطيع الجزم بان هذه الممارسات لا تتم بشكل منفرد وإنما من خلال الاتفاق على تقاسم الغنائم ، فمدير الفرع والمخولين من كل الصنوف موجودين ويتم السحب والدفع أمام أنظارهم  ، والمدير النزيه   من واجباته  مراقبة  الصندوق وجرده بأي وقت ليكتشف حاله مطابقا او فائض او ناقصا   عن الدائن والمدين ، وبعض الفروع لها طرق في التخلص من الفئات الناعمة وغير المرغوبة من فئات  ( 5000 دينار فاقل ) ، فمعظمها يخصصونها لدفع رواتب الموظفين ب( الماستر كارد ) وخاصة لما بعد يوم 20 من كل شهر ، كما يدفعون كميات منها للزبائن الذي ليست لديهم معارف ولا يدفعون عمولات إذ يجبرون على تقبل ما تدفع لهم من فئات تحت عذر عدم توفر الخشنات .
والبنك المركزي العراقي باعتباره الجهة المرجعية القطاعية المسؤولة عن العمل المصرفي بموجب القانون   64 لسنة 2004 ليس بغافل عن هذه الخروقات ، فقد اصدر عدة تبليغات  بشان الموضوع طالبا المصارف بتأدية ما عليها من واجبات بكل شفافية وبما يجذب الزبائن للتعامل المصرفي  ، وقبل أيام اصدر أعماما من هذا القبيل والذي دعا فيه الالتزام بمعايير خدمة الجمهور والتأكيد على توفير  بيئة خدمية مهنية وحظر استيفاء أية مبالغ وعمولات غير منصوص عنها وتهيئة موظفين مؤهلين للتعامل المباشر مع العملاء ، وهي وصايا غاية في الدقة والتشخيص ولكن ينقصها التطبيق فليس المهم أن تصدر تعليمات فألاهم  هو التنفيذ ، وللأسف فان مصارفنا تشهد انخفاضا حادا في مستوى الجذب بدليل إن معظم الكتلة النقدية موجودة خارج التعامل المصرفي لعدة أسباب  ، والناس يحملون انطباعات غير مشجعة عن التعامل مع المصارف بسبب البيروقراطية وسوء التعامل وضعف الإجراءات بخصوص ضمان الإيداعات وغيرها ، فضلا عن الفساد الناعم الذي بات من ملوثات سمعة مصارف العراق ، وصحيح إن بعض المصارف أخذت تطبق النظام المصرفي الشامل ونظام المراجعة بالمواعيد  وغيرها من الأساليب ، ولكنا نبقى بحاجة لمزيد من الجهود لنهضة القطاع المصرفي التي هي من ركائز الاقتصاد الوني ، والأسبقية يجب أن تركز على مراجعة شاملة لتسقيط الأخطاء ومعالجة الفساد و الاهتمام باختيار الأفراد العاملين والإدارات بمستوى التحدي والمهام والتخلي عن المحاصصة في الاختيار ، سواء كانت المحاصصة العائلية في التعيين او بتفضيل الشكل على المضمون .

نعم
هل اعجبك المقال