تمهيد
لقد شاء الله سبحانه أن يجعل نبيه الخاتم محمدًا (صلى الله عليه وآله) قدوة حيّة يلمسها الناس بحواسهم، ويستشعرونها بعقولهم وبصائرهم، قبل أن يتلقّوا التشريعات بلسانه الشريف. فجعله عَلَمًا للصدق والأمانة والعفاف، حتى صار محور القدوة والاقتداء، ومصداقًا لقوله تعالى:
> {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيراً (٢١)} [الأحزاب].
هذه الصفات الثلاث لم تكن مجرد خصال شخصية، بل كانت مفاتيح أساسية في فتح القلوب وهداية النفوس إلى نور الإسلام.
1-الصدق: مفتاح الثقة
قبل البعثة، اشتهر النبي محمد (ص) بين قريش بلقب "الصادق الأمين"، فقد خبر الناس صدقه في المعاملة، حتى أعداؤه كانوا يودعون عنده أماناتهم. وحين أعلن رسالته، كان صدقه رأس مال دعوته، إذ لم يُعرف عنه كذب قط. لذلك، من كان له عقل وبصيرة وجد في قوله: «إني رسول الله» حقيقةً لا تحتمل الشك.
2-الأمانة: جسر إلى القلوب
تميّز النبي (ص) بالأمانة في كل جوانب حياته: أمانة الكلمة والنصيحة، وأمانة الودائع المادية والمعنوية. المجتمع المكي الغارق في الجاهلية لم يجد بينه رجلًا يُوثق به إلا هو. وعندما هاجر إلى المدينة، أوصى أمير المؤمنين عليًا (عليه السلام) بردّ الأمانات إلى أهلها، حتى أعدائه منهم، ليبقى الإسلام من خلاله تجسيدًا حيًّا للأمانة الخالصة.
3-العفاف والطهارة: صفاء يجذب القلوب
كان النبي الأعظم (ص) عفيف النفس، طاهر القلب، مترفّعًا عن لهو الجاهلية وشهواتها. هذا الصفاء الأخلاقي جذَب الأرواح الباحثة عن القيم النبيلة والعدالة. فجسّد بذلك قول الله تعالى:
> {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم].
إنه أعظم ثناء من الله على خير خلقه، ليكون النبي مظهرًا لجلال الله وجماله، وسراجًا منيرًا للأمة. وقد عبّرت الزهراء (عليها السلام) عن عظمته بقولها:
> «لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم... فبلغ الرسالة، صادعًا بالنذارة، مائلًا عن مدرجة المشركين، داعيًا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة...» (بحار الأنوار، ج 29، ص 224).
الخلاصة
إن الإسلام لم ينتشر بالسيف ولا بالشعارات المجردة، بل بأخلاق النبي الأعظم (ص) التي تحولت إلى قرآن يمشي على الأرض. لقد رأى الناس في صدقه وأمانته وعفافه صورة حية للدين، فدخلوا في الإسلام وهم موقنون بأنه دين عملي يدعو إلى مكارم الأخلاق قبل أي شيء آخر.
فالسلام عليك يا رسول الله يوم وُلدت، ويوم بُعثت، ويوم استشهدت، ويوم تُبعث شفيعًا للأمة.
وعظّم الله أجرك يا مولاي يا صاحب الزمان (عج).