إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان على فطرته السليمة المعرِفة بربوبيته ووحدانيته، ووهبه القدرة على التمييز بين الخير والشر، والإرادة للتحكم في نفسه واستعمال عقله فيما يرضي الله. ومع ذلك، قد تتعرض هذه الفطرة لعوامل تُعكّر صفائها، فتلوّث النفس أحيانًا وتدفعها نحو الانحراف غير أن هذه المبررات لا تعفي الإنسان من مسؤوليته. فالله العليم الحكيم الذي أحاط بسرائر النفوس وما يجري عليها من الشرور، وضع لها منهجًا وقواعد ليرشدها إلى العودة إلى فطرتها السليمة شرط أن يتحكم الإنسان بنفسه ويُحسن استخدام عقله. ومن هنا يظهر تكريم الله للإنسان واصطفاؤه بالعقل والاختيار، ليكون مسؤولًا عن توجيه ذاته نحو الطاعة والخير. وقد ورد في الحديث:
"إنما يداقّ الله العباد في الحساب على قدر ما آتاهم من العقول."
الكافي، ج1، ص12
إنّ جنود الله الحقيقيين ليسوا أولئك الذين يرفعون السيوف فقط، بل هم الذين يواجهون أعتى عدوّ لهم: النفس الأمّارة بالسوء. وقد صدق القرآن حين قال:
﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22
ولكي يرقى الإنسان إلى حقيقة إنسانيته، فلا بد أن يتزوّد بالمعرفة والعلم، وقد أودع الله أسرار هذه المعرفة في خير خلقه محمد وآل محمد عليهم السلام، فهم المعصومون الذين يمثلون الامتداد النقي للفطرة السليمة. وقد وصف النبي صلى الله عليه وآله هذا الحرص بقوله:
"أنا وعلي أبوا هذه الأمة."
الخصال، الصدوق، ج1، ص15؛ بحار الأنوار، المجلسي، ج39، ص 1477
مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي المنهج الأقوم لتربية النفس، وتهذيبها من الأدران، لتكون أقرب إلى الله عز وجل، وأحرص على الخير والإصلاح.
كيف نكون جندًا من جنود الله؟
أن يكون الإنسان جندًا لله، يعني أن يجعل نفسه في معسكر الطاعة، في مقابل جنود الشيطان والهوى. ويتحقق ذلك عبر مقومات أساسية، منها:
1. الإخلاص في النية والعمل
الإخلاص شرط القبول، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:
"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى."
الكافي، ج2، ص84
2. التقوى والورع
قال الإمام الصادق عليه السلام:
"ما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع عن محارمي."
الكافي، ج2، ص35
3. الصدق وأداء الأمانة
قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"أقرب الناس إلى الله تعالى أصدقهم لسانًا وأدّاهم للأمانة."
(لكافي، ج2، ص104
هذه الصفات هي السلاح الذي يتقلده جندي الله، ليكون ثابتًا في مواجهة النفس وهواها وساوس الشيطان، ويكون مخلصا في علاقته مع خالقه وخلقه.
آثار التقرب إلى الله
في خضم معارك الحياة وتقلباتها، ينال المقرب من الله تعالى آثارًا عظيمة لا يُظفر بها إلا صاحب الحظ الوافر. وتنقسم هذه الآثار إلى جانبين متكاملين: معنوي وروحي، ومادي واجتماعي.
أولًا: الآثار المعنوية (الروحية والنفسية)
يشمل هذا الجانب الروحي والنفسي معًا، فهما يكمل أحدهما الآخر فالتقرب إلى الله يمنح الروح استقرارًا وطمأنينة، إذ أن الأعمال الصالحة ليست مجرد حركات يقوم الانسان ، بل هي وسيلة لرضا الخالق ونيل رحمته. ويبدأ التقرب بالطاعة بأداء الواجبات العبادية كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس، خاصة بعد ولاية أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، فهم باب من أبواب الله للرحمة والتقرب.
ومن خلال هذه العبادات والواجبات تتحرر النفس من القلق والاضطراب، وتستظل بطمأنينة القلب بعيدًا عن وساوس الشيطان، ونفس الأمّارة بالسوء. كما تحصن النفس من أمراض القلوب كالغيرة والحسد والبغض والكراهية والتكبر، لتصبح الروح أكثر نقاءً وصفاءً.
ثانيًا: الآثار المادية والاجتماعية
يشمل الجانب المادي الرزق والعافية والصحة، ويتصل برفع مكانة الإنسان اجتماعياً وأسريًا. فالعبد المقرب إلى الله يُرزق حب الناس، ويشعر بالرضا عند فعل الخير، ويساعد الآخرين، ويقف إلى جانب الضعيف وينصر المظلوم. كما يسهم هذا التقرب في نشر العدل والإحسان، وتعزيز روابط الثقة بين الناس، وبناء مجتمع يسوده الخير والمحبة.
وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام:
"من أحب الله أحب عباده، ومن أحب عباده أحب الله."
الكافي، ج2، ص135
الخاتمة
أن يكون الإنسان جنديًا لله، هو أن يضع عقله ونيته وسلوكه في خط الطاعة، متبعًا منهج أهل البيت عليهم السلام، قائمًا على الإخلاص، والتقوى، والصدق، والتواضع. بذلك يحقق العبودية الحقة، ويصبح عنصرًا للإصلاح الروحي والنفسي والاجتماعي، جنديًا في حزب الله الذين قال عنهم تعالى:﴿ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22
إنها مرتبة عظيمة، تجعل العبد جنديًا لله في أرضه، قادرًا على نشر الخير والعدل، ومجاهدة النفس في سبيل الطاعة والحق.




تقييم المقال

