لم يلتزم بعض المسلمين بنهي رسول الله (ص) الذي نهى فيه من (اتباع اليهود والنصارى، أو التشبّه بهم).(1) فعمدوا إلى أسوأ ما عندهم فأخذوه وجعلوه جزءا من الإسلام. وقد أخبرهم النبي (ص) بأنهم سوف يتبعون اليهود والنصارى. وهذا ما فعلوه.(2)
بدعة صيام عاشوراء لم تأت من فراغ. وذلك أن الحكم الأموي كان يستعين باليهود والنصارى وكانت له علاقات معهم قبل الإسلام وبعده فكانت قصورهم فيما بعد تعج بإخوان القردة والخنازير. فكان هؤلاء عونا للأمويين في تزييف وتغيير التاريخ، فبينما كانت هجرة النبي في ربيع الأول سنة (13) من البعثة. وهذا مما تسالم عليه واقره المسلمون.(3)
إلا أننا نرى وبصورة مريبة أن طائفة كبيرة من المسلمين تحتفل بهجرته في شهر محرم. وهذا يعني الكثير للأمويين، حيث اتفقوا منذ البداية مع عمر بن الخطاب على تغيير وجهة الهجرة من ربيع الأول إلى المحرم. وقد أفادهم ذلك فيما بعد لتوافقه أولا مع أحد أشهر شهور اليهود وعاشوره وما يُدرينا أن يكون هناك اتفاق بين عمر الذي كان تلميذ اليهود في العوالي وبني أمية مع اليهود. وفيما بعد استغل الأمويون هذا التغيير فأسسوا عيد لهم بمناسبة قتل الحسين عليه السلام وأشاعوا صيام عاشوراء ، وهذه وصمة عار كبير لا يُمكن تجاوزها إلا بتحريف التاريخ عبر سلسلة من الأحاديث الموضوعة معتمدين على ما سنّه عمر. فبعد مقتل الحسين وأهل بيته في كربلاء. اشتغلت ماكنة الإعلام الأموي اليزيدي وكان على رأسها اليهود والنصارى الذين كان يعج بهم البلاط الأموي. فأشاعوا بأن عاشوراء يوم بهيج يستحق الصيام والفرح والتوسعة على العيال والاكتحال فيه، فكيف كان ذلك.
المعروف أن اليهود أول من فعل ذلك حيث كان اقدس شهر عندهم هو شهر (أبيب).(4) فهذا الشهر ــ كما يقولون ــ هو الذي انقذهم فيه ربهم من بطش فرعون وشق لهم البحر، وكان هذا الشهر في ترتيب الأشهر اليهودية هو السابع. فيقولون بأن الله أمرهم أن يجعلوه رأس سنتهم (الشهر الأول). فتجاوزوا بذلك خمسة أشهر للأمام، فقالوا : (كلم الرب موسى وهارون في أرض مصر قائلا: هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور. هو لكم أول شهور السنة. كلّما كل جماعة إسرائيل قائلين: في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة. ويكون لكم هذا اليوم تذكارا فتعيّدونه عيدا للرب. في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية).(5) تمعن جيدا في النص: جعل الشهر أول شهور السنة، وفي العاشر منه يحتفلون ويجعلونه عيدا. وهذا من الأمور الغريبة جدا أن يحصل نفس الفعل لدى طائفة من المسلمين. ان يجعلوا هجرته محرم رأس السنة بدلا من ربيع الأول ويحتفلون باليوم العاشر منه.(6) بربك هل كل ذلك مصادفة.
من أجل تمرير هذه الكذبة عمد اليهود إلى اختلاق تقويم آخر فاصبح عندهم تقويم ديني جعلوا فيه شهر أبيب أول الشهور . وتقويمهم العادي القديم وفيه أن شهر أبيب هو الشهر السابع من شهور السنة. وهذا أسوأ أنواع (النسيء). لأن النسيء حسب القرآن هو تحريم الشهر عام وتحليله عام آخر (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله).(7) ومن خلال هذه الآية تتضح النوايا الأموية اليهودية المشتركة من خلال قوله تعالى: (فيُحلوا ما حرم الله) فهدفهم من التغيير هو القتال في الشهر الحرام بعد تأجيله للسنة القادمة.
من الجدير بالملاحظة أن التوراة لم تذكر اسم الشهر الذي خرج فيه اليهود بقيادة موسى من مصر، وهذه معضلة كبيرة تطعن في مصداقية التوراة ككتاب سماوي تُدين ربهم بأنه إما نسى ذلك أو أن هناك يد تلاعبت بذلك. على الرغم من ان التوراة ذكرت مناسبات واشهر اقل شأنا من عملية الجلاء. التوراة في البداية أطلقت الأمر إطلاقا ولم تُعيّن شهر لخروجهم فقالت : (وكلّم الرب موسى وهارون في أرض مصر قائلا: هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور. وهو لكم أول شهور السنة).(8) فلم تعرّف التوراة تاريخا محددا. وقد انتبه حاخامات اليهود فيما بعد إلى هذه الهفوة ، فعمدوا إلى حيلة شرعية مفادها كما يقول القمص حلمي : (لم يرد اسم الشهر الذي خرج فيه بني إسرائيل. أي نيسان. إذاً شهر أبيت هو شهر نيسان، أصبح لدى الإسرائيليين سنتان، سنة مدنية تبدأ من شهر إنيثانيم، وسنة دينية تبدأ بشهر أبيب).(9) وهذا نفسه حصل عند طائفة من المسلمين حيث يقولون بأن هجرة النبي (ص) صحيح أنها حصلت في ربيع الأول. ولكن الاستعداد لها كان في شهر محرم ، فاعتبروا شهر محرم رأس السنة الهجرية، بدلا من ربيع الهجرة الصحيح. وهذا القول هو عملية تبرير لما قام به عمر بن الخطاب وحلفائه من الأمويين بتغيير هذا التاريخ.
البعض وبسبب حجته الضعيفة نفى ان تكون هناك شهور عربية أو فرنجية أو فرعونية في زمن موسى فيقول : من أين أتى أهل السنة بهذا التاريخ؟ والجواب . أن الشهور كانت موجودة على تقسيمها الحالي ولكن تغيير بعض أسمائها جرى على أيدي السلطة. كيف لا تكون موجودة والقرآن يقول: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم).(10) الشهور ليست من اختراع دولة أو سلطان أو ملك. بل هي نظام ديني دقيق جدا تعاملت به الأديان منذ وجودها لضبط حركة الخلق وتوقيت العبادات وعليها تتوقف دقة الحسابات. وهي حسب الترتيب: (محرم - صفر - ربيع الأول - ربيع الآخر - جمادى الأولى - جمادى الآخرة - رجب - شعبان - رمضان - شوال - ذو القعدة - ذو الحجة).والثلاث الحرم متواليات: (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم).
النفس اليهودي واضح في عملية تغيير التاريخ وله اليد الخفيّة في ذلك. فهذا التوافق الغريب في الاختيار ليس اعتباطيا. فحسب التوراة أن هجرة موسى وبني إسرائيل كانت في الشهر السابع ولكن اليهود زعموا أن الله اختار تاريخ آخر وهو شهر (أبيب) فجعلوه أول سنة خروج موسى وبني إسرائيل وهجرتهم من مصر. وهذا ما فعلهُ عمر بن الخطاب عندما قام بتحويل هجرة النبي من ربيع الأول إلى المحرم حتى تكون هجرته رأس السنة.(11)
والسر في اختيارهم لليوم العاشر من المحرم فجعلوه عيدا ووضعهم لحديث صيامه، هو لكي يحتفل واليهود والأمويين معا. اليهود يحتفلون بمقتل ابن من دمّر حصونهم وقتل أبطالهم وسفّه أحلامهم في خيبر ، والأمويين يحتفلون بمقله ثأرا لأشياخهم ببدر. فاشتركت النوايا الأموية مع اليهود، حيث أن الأمويين هم اشد الموتورين من سيف علي ابن أبي طالب عليه السلام. ولذلك نرى جوابهم على قول الإمام الحسين (ع) عندما سألهم : لماذا تقاتلوني؟ فقالوا له : (نقاتلك بغضا منا لأبيك! وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين!).(12) فشهدوا بذلك على أنفسهم بالنفاق. ومن هنا لا نرى غرابة في اشتراك اليهود في جيش يزيد حتى ولو بشكل غير مباشر ، وليس أدل على ذلك من مشورتهم ليزيد بأن يولي الكوفة عبيد الله بن زياد. إضافة إلى وجود الشمر بن ذي الجوشن الذي أشيع عنه بأن أصوله يهودية.(13) ثم ما المانع من أن يكون اليهود لهم اليد الطولى في مقتل الإمام علي والحسن و الحسين (ع) لأنهُ من المعروف عنهم عبر التاريخ بأنهم قتلة الأنبياء. فالحرق وقطع الرؤوس وقتل الأطفال والنساء وأحراق الخيام ونهب ما فيها واخذ البنات الصغيرات والشباب أسرى هي نصوص توراتية مخيفة حفلت بها التوراة ،هذا الكلام نفسه هو الذي تم تطبيقه في كربلاء على آل الرسول (ص) . وإلا من أين جاءت أفعال الحرق وقطع الرؤوس والسلب وقتل الأطفال الرضّع وإحراق الخيام والرسول (ص) لم يفعل ذلك ولم يأمر به ونهى عن ذلك نهيا شديدا.
المصادر:
1- ورد عن النبي أنهُ قال: (لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى. من تشبّه بقوم فهو منهم).أبو داود حديث رقم: 4031. وأحمد في مسنده حديث رقم : 7492. وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنهُ منهم).المائدة : 51.
2- قال (ص) : (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، ... قلنا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال : فمن). رواه البخاري ومسلم والحديث مشهور.
3- اتفق السنة والشيعة في تحديدهم للسنة الهجرية في أول ربيع الأول؛ وأن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله هو أول من أرَّخ للتاريخ مذ قدم إلى المدينة، فقد روى الزهري: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله لمَّا قدم المدينة مهاجراً أمر بالتاريخ، فكتب في ربيع الأول)؛ وفي موضع آخر قال الزهري: (التاريخ من يوم قدم النبيّ مهاجراً..)؛ وقد وافقه على ذلك: فتح الباري ج 7 ص 208/ إرشاد الساري ج 6 ص 232/ تاريخ الطبري ج 2 ص 388/ نزهة الجليس ج 1 ص 21/ صبح الأعشى ج 6 ص 240/ التراتيب الإدارية ج 1 ص 180/ تاريخ الخميس ج 1 ص 338/ وفاء الوفاء ج 1 ص 248/ المواهب للزرقاني عن الحاكم في الإكليل/ الكامل لابن الأثير ج 1ص 10/ المواهب اللدنية ج 1 ص 67/ مستدرك الحاكم ج 3 ص 13/ مجمع الزوائد ج 1 196/ التاريخ الكبير للبخاري ج 1 ص 9/ الخطط للمقريزي ج 1 ص 284/ الروض الآنف ج 2 ص 245/ دلائل النبوة ج 2 ص 226/ وغيرهم كثيرون.وقد قال البعض بأن عمر بن الخطاب استشار عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب (ع) فوافقوا على تغيير التاريخ. وهذا محال لأن زمن عمر متأخر عن زمن الهجرة، فهل بقى المسلمون بلا تاريخ طيلة اكثر من سبعة عشر عاما.
4- (احفظ شهر أبيب واعمل فصحا للرب إلهك، لأنهُ في شهر أبيب أخرجك الرب إلهك من مصر ليلا). سفر التثنية 16 : 1.
5- سفر الخروج 12 : 2. شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري تفسير سفر الخروج 12.
6- قال اليعقوبي في حوادث سنة 16 : ارد عمر أن يكتب التاريخ من مولد النبي، ثم قال من بعثته ، فأشار عليه الامام علي (ع) بأن يكتبه من الهجرة. تاريخ اليعقوبي ط صادر ج ٢ ص ١٤٥.
7- التوبة : 37.
8- سفر الخروج 12 : 2.
9- كتاب النقد الكتابي : مدارس النقد والتشكيك والرد عليها . العهد القديم من الكتاب المقدس. أ. حلمي القمص يعقوب. وكذلك دائرة المعارف الكتابية المسيحية إنيثانيم.
10- التوبة : 36.
11- المعروف عن عمر بن الخطاب أنهُ كان تلميذ اليهود لفترة طويلة حيث كان يدرس عندهم في العوالي. وكان مصرّا على ان يتبنى النبي بعض نصوص التوراة كما يذكر البخاري وغيره مما أغضب النبي وقال لعمر قولته المشهورة : (أمتهوكون يا ابن الخطاب).() مسند الإمام أحمد رقم الحديث: 15195. ومثله في بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣١ - الصفحة ٥٩٤. وقوله متهوكون ، أي متحيرون أنتم في الإسلام ولا تعرفون دينكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى؟
12- مقتل الحسين (ع) ومصرع أهل بيته ص: 132. وينابيع المودة للقندوزي ص : 416. ومعالي السبطين جز2 ص : 12. وعن النبي (ص) أنه قال لعلي عليه السلام: (يا علي من مات على بغضك مات يهوديا أو نصرانيا) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٩ - الصفحة ٢٥٠.
13- الشمر كلمة اصلها : شامير ، أو سامر ، تُقلب فتصبح شمر وهي من أسماء اليهود ولربما يُشير ذلك إلى اصل الشمر اليهودي لأن الخطاب أيضا موجه له تحت إسم : يا ابن اليهودية وقد كان جار الإمام علي في المدينة رجل يهودي اسمه (جار بن الشمر).