لم يكن الرئيس الأمريكي بمعزل عن تقارير مخابرات البنتاغون التي كانت تصله تباعا حتى خارج اطار عمله كرئيس لبلاده، وهو الذي يعتبر نفسه الحاكم المطلق للعالم، ويأمل في أن يجعل من أمريكا القوّة التي لا تقهر وبإمكانها أن تهيمن دهرا على العالم باسره، لولا عقبة واحدة ظلت تؤرق من سبقه من رؤساء بلاده، وورثها هو خلال فترة حكمه الثانية، إنّه النظام الإسلامي في ايران، ودعوني أطلق عليه هذا الوصف الحقيقي، لأن كلمة ايران وحدها لا تكفي لتزيح همّا شغل أعداء الإسلام بعد انتصار الثورة الإيرانية /11/02/1979 في عشرة فجر مشهودة، أربكت حسابات الشرق الملحد والغرب المعادي للإسلام المحمدي وأهله.
فما الذي حصل حتى يرتبك العالم، ويبدي كل هذا الخوف من ايران ويقرر أولياؤه الغربيين بزعامة أمريكا خوض معركة استئصال عنيفة ضدّها، وقد كان فعل ذلك من قبل خصوصا بعد أن قام النظام الإسلامي الذي لا يريدونه حاكما على ايران، وناشرا أفكاره القرآنية والنبوية بين البلدان العربية والإسلامية، تعريفا بمبادئه وتبيانا لأحكامه وأهدافه، ففي ذلك الزمن كان بالإمكان القيام بمغامرة استئصال النظام الفتيّ، لولا أن شاهدوا بأمّ اعينهم ما حدث لقواتهم في صحراء طبس، وكانت العاصفة ردّا إلهيّا قاصما، جعلهم يحجمون على تكرار عدوانهم الفاشل.
ذلك اليوم العظيم، يمكن اعتباره يوما من أيّام الله، كان مفزعا ورهيبا على الأمريكيين، فطووا صفحة عملية (مخلب النسر)، ولم يُعقّبوا بشيء على انتكاسة حصلت لنخبتهم العسكرية، وبقيت عالقة في أذهانهم طوال الفترة الماضية، لكنّها في المقابل، شحنت الشعب الإيراني المؤمن بمشروعه الجديد، بمزيد من المعنويات الإيمانية العالية، وزادته التحاما بقيادته الحكيمة، وايمانا بأفكارها النابعة من كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وآله، بأنّ المشروع برمّته سائر بتوفيق إلهيّ في كنف عنايته محميّا وموفّقا، لا ترهق أهل ولايته ذلّة، وهم الذين وصفهم الله في كتابه: ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم)
بشائر النصر عدوان صهيو أمريكي بدأ وكان الهدف الأساس فيه اسقاط النظام الإسلامي والتخلّص من مشاريعه التحررية، وكان مُحْبَكا الى درجة أنه أصاب قيادات الصف الأول العسكرية، وخبة من علماء الذرة الذين قضوا غدرا، وكان من بين المستهدفين القائد الولي الفقيه السيد علي الخامنئي لكنّ إرادة الله حالت دون أن يحقّق المتآمرون مبتغاهم وينجحوا في عمليتهم الاجرامية الجبانة، وعادة أعداء الله المكر والغدر/ (ولا يحيق المكر السيء إلا باهله)، هجمات متنوعة اشترك فيها أعداء الداخل من الطابور الخامس، متحالفين مع أعداء الخارج، كان وقعها شديدا على الإيرانيين لكنهم تماسكوا وامتصوا صدماتها الأولى، ثم وبسرعة أخذوا بزمام الأمور، وباشروا بعد ساعات قليلة في الرّدّ المناسب على العدوان.
لقد مثلت الردود الإيرانية على العدوان الصهيو أمريكي ومن تحالف معهم صدمة لدى المعتدين الذين أمّلوا حقيقة في النّيل من النظام الإسلامي، ولم يتوقعوا أن يتماسك ويصدر منه ما صدر من ردّ حاسم، لم يعهده الصهاينة في الداخل وانقلب حالهم من الأمن الداخلي والرفاهية والعيش الذي يضاهي أصولهم التي جاؤوا منها من أمريكا وأوروبا، الى تعطل حياتهم وعيشهم أغلب الأوقات في الملاجئ هربا من الصواريخ الإيرانية الفتاكة، حدث لم يحصل من قبل ولا أحد من خارج منظومة خط الولاية كان يتوقع حصوله حتى بنسبة 1 %.
يمكن القول بأن مشروع اسقاط النظام الإسلامي كهدف أول للعدوان سقط في الماء ولم يعد له أثر يذكر، بل لقد زاد من تماسك فئات الشعب الإيراني، وربط أحزمة التفافهم بنظامهم، واستدعى ذلك الى تدخل امريكي لضرب المواقع النووية، لكنّ الضربات فشلت بنسبة كبيرة أحجم عن ذكرها المعتدون، حيث لم يبقى لهم من الخروج من المعركة مهزومين بغير الادعاء بأنهم قضوا على المشروع النووي في (ناطنز) و(فوردو) وبناء عليه فإيران تحتاج إلى سنوات أخرى لتعيد بناءها.
أما الخسائر في الجانب الإسرائيلي، فقد تكتم عليها الصهاينة وضربوا عليها طوقا وحصارا مطبقا، فلم يسع وسائل الاعلام ولا حتى الصهاينة أنفسهم اظهار شيء منها خوفا من التتبع والعقوبات.
من قدّموا أنفسهم على أساس أنهم معنيون بتحرير القدس وفلسطين، كانت نظرتهم منحرفة عن المسلمين الشيعة، فمؤسسو مذاهبهم حكموا عليهم بالتكفير والضلال، وكانت مقالتهم (اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين)، تعبيرا على رأيهم العاطل بخصوص إيران، ولو أنّهم تخلّوا عن منطق التكفير والتفسيق الذي عاش عليه أسلافهم تعصّبا وجهلا، لكان خيرا لهم من البقاء عليه، بعدما ثبت عقْمه وعدم جدواه، فإيران منذ أن انتصر شعبها بقيادة الإمام الخميني، سخّرت امكانياتها ومقدرات شعبها في خدمة القضية الفلسطينية، لم تتأخر يوما عن واجب مناصرة األها المظلومين من الكيان الغاصب، ومن أشقائهم العرب الذين خذلوهم مرارا وتكرارا.
الحقائق التي يجب ذكرها لهؤلاء أن ايران دولة ونظاما إسلاميا قبل كل شيء، لا يشك فيها سوى جاهل أو معاند، وأنها باقية على عهدها الذي قطعه نظامها بالوفاء للقضية الفلسطينية، ولو أنها تخلّت عنها، لأصبحت لها حظوة التبجيل والتفضيل، على دول العالم بالنسبة لأولياء إسرائيل، فوفاؤها لفلسطين جلب لها كل هذا العداء، وهذا ما فهمه قادة الفصائل الفلسطينية الذين قابلوا الايدي الإيرانية بالشكر الجزيل، اعترافا بجميل ما قدّموه، وتصريحاتهم التي أعلنوها لجماهيرهم مسجلة صوتا وصورة، تكفينا مؤونة ما سواها من عبارات الامتنان والشكر.
أرقام أخرى بدأت تخرج من داخل الكيان نتيجة 12 يوما من الحرب بين ايران وإسرائيل تؤكد على أن زلزالا حصل داخل الكيان لا يمكن تفاديه وهو يؤشر إلى قرب زواله، فقد تضعضعت ثقة المستوطنين بحكومتهم وقواتهم العسكرية وبنظام حمايتهم الجوية، مما دفع بمئات آلاف منهم الى مغادرة بيوتهم ومقرات أعمالهم، بعد ما شاهدوه من دمار حول معيشتهم الهانئة هناك الى جحيم، وما أذهلهم أكثر تدمير البنية التحتية العسكرية بشكل كامل أو شبه كامل في بعضها، وقد تم اختراق موقع هيس الصهيوني الذي كشف عن مقتل 6 جنرالات عسكريين، و32 ضابطا من الموساد و78 من الشاباك و27 من البحرية و198 من الجوية و462 من الجيش و423 مدنيا، أما الخسائر الأخرى اللوجستية، فقد بلغت تكاليف الصواريخ الاعتراضية حوالي 11 مليار دولار، وما خلفته الصواريخ الإيرانية من دمار رهيب في البنى التحتية للمدن، وهو دمار كبير قُدّر ب3 ترليون شيكل.
ما حققته إيران لحد الآن من دعم ومساندة لأمّ قضايا التحرر في العالم وهي قضية فلسطين، وبقيت وفية وثابتة عليه كمشروع أساسي، جعل منها هدفا لعقوبات وتنمّرات ومؤامرات دول الغرب، إنجازها الذي نجحت فيه لحد الآن مع حواضنها كحركات مقاومة، وردّها الساحق على إسرائيل برهن على مدى صدقها، في مقابل سلبية وكذب غيرها تجاه فلسطين، فهنيئا لإيران بما حققته من نجاح، ولا عزاء لمن شكك فيه وقلل من شأنه، غدا سوف يستفيق على وقع الحقيقة التي تجاهلها.