البحث المتقدم

البحث المتقدم

تأملات رجبية -1-

0 تقييم المقال

 

من دروس العبادات في هذا الشهر هي تلك الأدعية المباركة الواردة المعهودة، والتي تحتاج إلى تأمُّل وتدبُّر له أثر في تربية النفس والتوجه إلى الله تعالى، والارتقاء في سير الكمال، ومنها هذا الدعاء المعروف الذي يتضمَّن مظاهر متعددة عشرة:
1- (خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ).
 2- (وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلَّا لَكَ).
3- (وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إِلَّا بِكَ).
4- (وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلَّا مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ).
                     -١-
إنَّ الإنسان المؤمن عليه أنْ يجعل الله تعالى هو ملجأه ومأواه في حوائجه كلها، فالله هو الغني الذي لا غني مثله، وهو الرؤوف الذي لا رؤوف مثله وهكذا في جميع صفاته التي يتصف بها المعبود الحقيقي، وهذا الأمر يتوقَّف على أمرين مهمين أساسيين: الأول المعرفة الحقيقية للخالق والمخلوق ومقامهما. والآخر: معرفة المخلوق تكليفه تجاه الخالق.
                      -٢-
 فالمعرفة الأولى تتحقق من خلال الإيمان والعقيدة القائمة على علم أنَّ الله تعالى واجب الوجود، وأنَّ الوجود كله مفتقر إليه، حيث هو الحي القيوم الذي لا يمكن الاستغناء عنه أبدًا، وأنَّ العبد هو المفتقر إلى هذا الوجود بكلِّ حيثياته في الحياة الدنيا، وأنه لا يمكن أنْ يستغني عنه وإنْ كانت له قوة في جسم أو مال أو غيرهما، فهي في الواقع كلها اعتبارية إضافية ليست قائمة بذاتها، ويمكن لمعطيها أنْ يسلبها في أي لحظة.
                      -٣-
 والمعرفة الأخرى تتفرَّع على أساس المعرفة الأولى، فالعبد بعد معرفته الأولى عليه أنْ يذعن بفقره وحاجته وكل ما يملكه من نِعَمٍ مادية ومعنوية أنها منه تعالى، ولا بد أنْ يشكره حق شكره إنْ استطاع ذلك، ولو على قدره، ويتحقق ذلك بأنْ لا يغفل عن تلك النعم العظيمة التي لا تحصى، والتي تستحق بالمقابل شكرًا لا يحصى.
                     -٤-
فالجهل والغفلة يؤدِّيان إلى الغرور والتمرُّد قال تعالى حكاية عن قارون وهو يتمرَّد على المنعم الحقيقي فينسب النِّعَم إلى نفسه: ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي))، ومن ثم يؤدي ذلك إلى الكفر والجحود كما قال تعالى: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ))، أو قد يؤدي إلى شرك خفي -لا سمح الله- كما قال تعالى: ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)).
                    -٥-
فالوفود والافتقار الحقيقي يجب أنْ يكون لله تعالى وليس إلى غيره حيث الخيبة والخسران في العقيدة والإيمان .. 
والشكر والإذعان الحقيقي الظاهري والباطني يجب أنْ يكون لله تعالى المنعم الحقيقي وليس إلا سواه حيث النكران والجحود والخيبة والخسران ..
والعبودية الحقيقية يجب أنْ تكون لله تعالى المعبود الحقيقي وليس لمعبود آخر مفتقر في وجوده حيث الشرك والخيبة والخسران ..       
 أخيرًا .. 
إنَّ كُلَّ ما تقدَّم لا يعني إلغاء العمل بالأسباب الظاهرية المتعددة ولكن عدم الركون التام لها، فالأولى أنْ يكون إلى الذي يفتقر الكل إليه (الحي القيوم) .. 
          ونسألكم الدعاء

 

نعم
هل اعجبك المقال