تشكل الأمية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه العراق اليوم، إذ ترتبط بشكل وثيق بالتخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، كما قيل: (العلم يرفع بيوتًا لا عماد لها، والجهل يهدم بيوت العز والكرم) فالأمية ليست مجرد غياب القدرة على القراءة والكتابة، بل هي مشكلة أعمق تؤثر على مختلف جوانب المجتمع العراقيّ، الذي كان يومًا ما مركزًا للعلم والحضارة، أصبح اليوم يعاني من تفشي الأمية بدرجة خطيرة، إذ تقدّر نسبة الأميين في البلاد بحوالي 37%، ما يعادل نحو 14 مليون شخص.
تأثير هذه النسب الكبيرة لا ينعكس فقط على الأفراد أنفسهم، بل يؤثر بشكل مباشر على مستقبل التنمية والازدهار في البلاد، فالأميين يواجهون تحديات كبيرة في تحسين ظروف حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، ما يؤدي إلى تزايد الفجوة بين شرائح المجتمع، وفي ظل هذه الظروف، يصبح العراق بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وجادة لمكافحة هذه الظاهرة.
الأمية في العراق ترتبط أيضًا بالجهل، الذي يفتح الباب واسعًا لانتشار الخرافات والشائعات بين الناس، فالشعب الذي لا يمتلك المعرفة اللازمة يصبح عرضة للتضليل والانغلاق الفكريّ، مما يؤدّي إلى عرقلة أي جهود لتحقيق التنمية. ومن هنا، نجد أنّ الأمية تقف حجر عثرة أمام التطور الاجتماعي والاقتصادي، إذ يصبح المجتمع غير قادر على مواكبة التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ الذي يشهده العالم اليوم.
ومع التطور المتسارع للتكنولوجيا في العصر الحديث، ظهرت أنواع جديدة من الأمية، مثل الأمية الرقمية، التي تتمثل في عدم القدرة على استخدام الحواسيب ووسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة في هذا العصر، أصبح التعامل مع التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، مما يعني أنّ الأمية الرقمية تعدّ تحديًا كبيرًا يواجه العراق في سعيه نحو التطور والازدهار.
إنّ الحلول المطروحة للقضاء على الأمية في العراق يجب أن تكون شاملة ومستدامة، تبدأ بإصلاح النظام التعليمي وتوفير التعليم الأساسي للجميع، بما في ذلك الأجيال التي فاتتها فرص التعليم، يجب أن تشمل هذه الحلول توفير الموارد المالية والتقنية اللازمة لتحسين البنية التحتية التعليمية، إضافة إلى تطوير المناهج الدراسية وتدريب المعلمين، كما يجب أن تتبنى الحكومة سياسات تدعم التعليم في المناطق الريفية والنائية، إذ تكون فرص الحصول على التعليم محدودة للغاية.
إحدى المشاكل الكبيرة التي تواجه العراق في مكافحة الأمية هي نقص التمويل المخصص للتعليم؛ إذ تعاني المدارس من نقص حاد في الموارد، سواء على مستوى المباني أو المناهج الدراسية أو تدريب المعلمين، وبالتالي، يجب أن يكون توفير التمويل اللازم للتعليم أولوية حكومية قصوى، كما يمكن للحكومة أن تتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية لجلب دعم مالي وتقني لتحسين القطاع التعليمي.
من جهة أخرى، تعدّ الأمية بين النساء من أبرز التحديات التي يجب التعامل معها بجدية. فالنساء يشكلن النسبة الأكبر من الأميين في العراق، وتعدّ هذه الظاهرة مشكلة كبيرة تؤثر على تطور المجتمع بأسره.
إن تمكين النساء من الحصول على التعليم يسهم في تعزيز دورهن في المجتمع وفي رفع مستوى التعليم بين الأجيال الجديدة، إذ تلعب الأمهات المتعلمات دورًا حيويًا في تشجيع أبنائهن على مواصلة التعليم.
إلى جانب ذلك، يجب أن تكون هناك حملات توعية اجتماعية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية التعليم ودوره في تحسين جودة الحياة، هذه الحملات يمكن أن تشمل استعمال وسائل الإعلام المختلفة، مثل التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي، لإيصال رسائل التوعية إلى فئات المجتمع التي تحتاج إلى الدعم والتوجيه.
وفي هذا السياق، تلعب البرامج الثقافية والمكتبات العامة دورًا مهمًا في مكافحة الأمية، يجب على الحكومة تشجيع المبادرات التي تهدف إلى تعزيز القراءة والتعلم، مثل إقامة مهرجانات ثقافية ومعارض كتب في مختلف أنحاء البلاد، وتعزيز دور المكتبات العامة كمراكز ثقافية مجتمعية مفتوحة للجميع.
كما ينبغي ألا نغفل أهمية توظيف التكنولوجيا الحديثة في دعم عمليات التعلم ومحو الأمية الرقمية، ويمكن للحكومة استغلال التطورات التكنولوجية لتقديم التعليم عبر الإنترنت، خاصة في المناطق النائية، ما يسهم في توفير فرص تعليمية جديدة للطلاب الذين يعانون من نقص في الخدمات التعليمية.
وعلى الرغم من أنّ الأمية تمثل تحديًا كبيرًا للعراق، إلّا أنّ الحلول متاحة، ولا سيما إذا تمّ تبنّي استراتيجية شاملة وطويلة الأمد لمواجهتها.
إنّ الالتزام بتوفير التعليم للجميع هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات المستقبلية. فالعلم، كما يقول المثل، هو النور الذي يحتاجه العراق للخروج من ظلام الأمية واستعادة مكانته كمركز للتعليم والمعرفة.
لا يمكن للعراق تحقيق التنمية الشاملة من دون مواجهة مشكلة الأمية بجدية، والأمل موجود إذا تمّ اتخاذ خطوات فعلية ومدروسة، وإذا تمّ إدراك أنّ التعليم هو الطريق الوحيد لبناء مستقبل أفضل، فالعراق بحاجة إلى إعادة بناء هويته التعليمية والتكنولوجية، ومحو الأمية هو الخطوة الأولى في هذا الطريق.