كانت أرض العراق تُعرف بأرض السواد لكثرة الزراعة والنخيل والأشجار التي تملأ البلاد، لكن اليوم، يواجه العراق تصحرًا متسارعًا يعيد تشكيل ملامح هذا البلد الزراعي العريق. يعود ذلك إلى عدة أسباب، منها الحروب السابقة، والتوسع العمراني غير المبرر، واستثمار الأراضي الزراعية لأغراض السكن.
التصحر في العراق أصبح ظاهرة مخيفة للغاية، والأراضي الشاسعة من الصحراء في الجهة الغربية، والنجف، والسماوة، وغيرها من الأماكن، تزيد من حدة المشكلة. أضف إلى ذلك قطع الأشجار واستغلال الأراضي الزراعية كأراضٍ استثمارية، مما يفاقم الوضع. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 39% من مساحة العراق مهددة بالتصحر بسبب هذه العوامل.
عندما كنت في المتوسطة، تعلمنا في مادة الجغرافيا أن مناخ العراق حار وجاف صيفًا، وبارد ممطر شتاءً.
لكن الآن، أصبحت الأجواء أكثر حرارة، أتربة، وغبارًا.
التصحر يحدث بشكل واسع في جميع أنحاء البلاد، بسبب التطور العمراني واستغلال الأراضي الزراعية. حيث أفاد تقرير البنك الدولي إلى أن درجات الحرارة في العراق قد ارتفعت بمعدل 0.7 درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الماضية، مع تزايد الفترات الجافة.
للأسف، التصحر أصبح ظاهرة طبيعية للجهات المختصة، ويتم التعامل معه كأنه مشكلة عادية. هذا الإهمال يهدد البيئة بشكل عام، ويتطلب حلاً جذريًا. في المقابل، هناك دول تخصص ميزانيات كبيرة لحل مشكلة التصحر والخطر الذي يشكله. المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، استثمرت مليارات الدولارات في مبادرات خضراء لمكافحة التصحر وإعادة التشجير.
مشكلة التصحر لا تؤثر علينا فقط في الوقت الحاضر، بل ستعاني منها الأجيال القادمة. إذا تدهورت الزراعة، ستتأثر الحيوانات، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي للإنسان. دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أظهرت أن التصحر يهدد نحو 70% من الأراضي الزراعية في العراق، مما يضع الأمن الغذائي للبلاد في خطر.
الحلول تبدأ من الأفراد. إذا زرع كل فرد منا شجرة واحدة في كل أسبوع، يمكننا معالجة هذه الظاهرة خلال عام واحد. أهمية التشجير تعادل أهمية توفير الماء والغذاء. يجب على المواطن والحكومة التعاون في زراعة الأشجار في كل مكان، سواء كان ذلك في الشارع، المنزل، المدرسة، الجامع، أو الدوائر الحكومية.
من وجهة نظري، يجب أن نواجه مشكلة التصحر بجدية أكبر.
وعلى الحكومة العراقية أن تضع خططًا استراتيجية لمكافحة التصحر، تشمل التشجير المكثف، وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية، وتقنين استخدام المياه بطرق مستدامة. يجب أن يتم تشجيع المواطنين على المشاركة في هذه الجهود من خلال حملات توعية ومشاريع بيئية مجتمعية.
أدعوكم جميعاً إلى زراعة الأشجار حسب استطاعتكم. لا تتحججوا بأي عذر، لأن بعد خمس سنوات قد تصل درجات الحرارة إلى مستويات مخيفة. فلنزرع الأشجار لوجه الله، ونساهم في إنقاذ بلدنا من خطر التصحر.
كما ينبغي على الحكومة استغلال التكنولوجيا الحديثة في الزراعة الذكية، وتوفير الدعم للمزارعين لزيادة إنتاجيتهم بطرق صديقة للبيئة. يمكن أيضاً التعاون مع المنظمات الدولية للاستفادة من خبراتهم في مكافحة التصحر وإدارة الموارد الطبيعية.
في النهاية، يجب أن نتذكر أن التصحر ليس مشكلة بيئية فحسب، بل هو تحدٍ وجودي يتطلب منا جميعًا التحرك بسرعة وحزم. إن العمل الجماعي والتعاون بين الحكومة والمواطنين هو السبيل الوحيد للحفاظ على أرض السواد، وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة.
-------------------------------------------------------------------------
المصادر:
1. تقرير الأمم المتحدة حول التصحر في العراق.
2. بيانات وزارة الزراعة العراقية.
3. تقرير البنك الدولي حول تأثيرات التغير المناخي في العراق.
4. مبادرات المملكة العربية السعودية لمكافحة التصحر.
5. دراسة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حول التصحر في العراق.