الصحة وما إدراك الصحة في البلاد ، فهي الشاغل الكبير للكثير من الناس في الحصول على ما يحتاجونه لصحتهم لضمان الوقاية والعلاج ، فهناك من يعانون المراضة والإمراض الاعتيادية و المزمنة والعوق والسرطانات والأم الصدر والرأس وحتى البواسير ولا يجدون ضالتهم لما يقدمه القطاع الصحي الحكومي بما يكفي من الخدمات ، والبعض يتوفى لان قدراته المادية لا تؤهله لتوفير ما يحتاجه من رعاية وعلاج ، والبعض يلجا للقطاع الطبي الخاص من باب الاضطرار رغم ما يدور حوله من مواقف وآراء عن هذا القطاع ، والبعض الآخر يسافر لدول الجوار او ابعد من ذلك لولوج التشخيص الصحيح والمعالجة للعودة للوطن إن توفرت له النفقات و كتبت له النجاة ، والحديث عن الصحة فيه الم وحسرة ليس في هذه الأيام وإنما من سنين وعقود لما يعانيه المواطن من ضعف وقصور في هذا المجال ، فليس هناك نظام صحي متكامل ومعروف والغطاء ألسريري لا ينمو بما يوازي نمو السكان ، والأدوية والعلاجات لا تكفي الحاجة الفعلية لأنها لا تنتج في البلاد ، وبعض المستورد منها يحوي العديد من علامات الشك والاستفهام حول الفاعلية والمصدر والمبالغة في الأسعار ، وغالبا ما تكون التخصيصات المالية للصحة اقل بكثير مما ينبغي أن تكون على وفق حاجات السكان ، والواقع الحالي للخدمات الصحية يعاكس ما صدر ويصدر من تشريعات تخص البلد او ما يتعامل معه من منظمات .
فالمادة المادة ( 1 ) من قانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1980 تنص ( اللياقة الصحية الكاملة بدنيا وعقليا واجتماعيا حق يكفله المجتمع لكل مواطن وعلى الدولة أن توفر مستلزمات التمتع به لتمكنه من المشاركة في بناء المجتمع وتطويره ) ، والمادة( 2 ) من نفس القانون تنص ( تقع على أجهزة وزارة الصحة مسؤولية تنظيم العمل في القطاع الصحي واتخاذ الإجراءات اللازمة لانجاز مهامها كاملة ) ، كما تنص المادة( 30 ) من دستور العراق 2005 ( تكفل الدولة للفرد وللأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي ، وتكفل الدولة الضمان الاجتماعي و الصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل ) أما المادة ( 31 / أولا ) من الدستور فنصها يقول ( لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية وتعنى الدولة بالصحة العامة وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية ) . ، والقانون الذي يعول عليه في أن يتكفل بالخدمات الصحية التي يحتاجها المواطنين هو قانون الضمان الصحي رقم 22 لسنة 2020 وقد نشر بالجريدة الرسمية في 1 شباط 2021 و تنص المادة ( 44 ) منه على ( ينفذ هذا القانون بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ) ولكن هذا القانون لم ينفذ كما ورد فيه منذ نفاذه وحتى اليوم أي بعد مرور أكثر من عامين على موعد النفاذ ، وعلى الصعيد الدولي والإقليمي فيفترض أن تلتزم الصحة بكل ما يصدر عنها من قرارات لكون ممثليها كوادرها المتقدمة والمتخصصة شاركت في حضور محافلها والمشاركة على ما جاء بها من توصيات ، ومنها المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية ( ألما آتا ، الاتحاد السوفيتي ، أيلول 1978 ) والمكرس للرعاية الصحية الأولية الذي أكد على ( الوصول والتوفر من خلال تأمين وتوفير الخدمات الصحية للجميع دون تمييز وتقليل عوائق الوصول مثل التكاليف العالية أو العوائق الجغرافية و التعامل مع المرضى باحترام واهتمام ) ، و يفترض أيضا العمل بتوصيات منظمة الصحة العالمية World Health Organization ) WHO ) التي تنص على (ينبغي أن تتلقى النساء الحوامل الرعاية المناسبة في الأوقات المناسبة وأن يتلقى الأطفال حديثي الولادة الرعاية الأساسية بعد الولادة مباشرة كما ينبغي رعاية المواليد بصورة جيدة في مرفق صحي و ينبغي أن تتلقى جميع النساء والمواليد الرعاية و أن تتمتع المرافق الصحية ببيئة مادية مناسبة ) ، كما نشير بهذا الخصوص لمقررات مجلس حقوق الإنسان وتوصيات مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ومنها التوصية A/HRC/53/50 التي أكدت ( حق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية عملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان 50/13 ، كما توصي اليونيسيف UNICEF ( بتكفل الدول بتوفير ما يحتاجها مواطنيها من الخدمات الصحية وحددت لذلك مجموعة من المعايير ) .
وبدلا من تحقيق احتياجات العراقيين في توسيع وتحسين الخدمات الصحية الحكومية وأمنياتهم في جعلها متاحة بالمجان للحوامل والأطفال وكبار السن وأصحاب الحاجات الاجتماعية والمصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة وذوي الدخل المحدود وغيرها من الفئات ( الضعيفة ) ، فقد أصدرت وزارة الصحة أعمامها بالعدد 85666 في 1 / 9 / 2024 المتضمن تغيير وإضافة أجور تتعلق بالخدمات الصحية وستنفذ من ( 1 تشرين الأول المقبل ) ، فأجور المراجعة لمراكز الرعاية الصحية الأولية 1000 دينار ( كانت مجانا للام والطفل ولمن يزيد عمرهم عن 60 عام ) ، ويستوفى مبلغ 3000 دينار لمراجعة العيادات الاستشارية والخارجية ( كانت تتضمن مجموعة من الاستثناءات ) ، واستيفاء 1000دينار عن بطاقة الدواء للوصفة الطبية في الصيدليات للعيادات الخارجية والاستشارية والمراكز التخصصية والمراكز الصحية ( كانت مجانية في كل المؤسسات الصحية ) ، ويدفع مبلغ 10 آلاف دينار عن الرقود في المستشفيات بما فيها معالجة الأورام والأمراض السرطانية ( كانت مجانية ) ، واستيفاء 5000 دينار عن زيارة المرضى الراقدين في المستشفيات خارج الأوقات والأيام المخصصة لذلك ( كانت مجانية ) ، وفرض غرامة مقدارها 10 آلاف دينار عند ارتكاب المرضى والمراجعين لمخالفة التدخين داخل المؤسسات الصحية ، ورغم إن هذا الأعمام استند للمادة 21 /أولا من قانون الموازنة الاتحادية رقم 13 للأعوام 2023 و2024 و2025 ، إلا انه يثير مجموعة من التساؤلات : أولها لماذا صدر الأعمام وهو لا يدعم ما جاء في الدستور والقوانين والاتفاقات التي اشرنا إليها في أعلاه ، وثانيها لماذا صدر بهذا التوقيت أي بعد مرور سنة و9 شهور على نفاذ الموازنة الاتحادية انفه الذكر ، وثالثها ما هي الجدوى المالية من إصدار هذا الأعمام فهل لان ما سيأتي من أجور لا يضيف أموالا لإمكانيات الوزارة كونها تتبع التمويل الاتحادي ، مما يعني إن كل ما يستوفى سيذهب إيرادا ( للخزينة العامة ) ، ورابعها ما هي الجدوى والتوقعات لمردودات لفرض هذه الأجور فهل :
. ستحد من التداخل ( غير المقبول ) بين الأجنحة الخاصة ( التي تذهب إيراداتها للعيادات الشعبية ) والعام ، لان واقع الحال يؤشر استغلال تلك الأجنحة في إجبار المواطنين في الحصول على أسبقية في الخدمات الصحية ( الأشعة والسونار ، إجراء العمليات ، الايكو والتصوير المقطعي والعميق ، غيرها ) .
. إن الهدف هو تقليل المراجعة للمؤسسات الصحية وتفاقم المراضة وربما ارتفاع الوفيات لشرائح عديدة من المواطنين من ذوي الدخل المعدوم والمحدود بحيث يشمل ذلك حتى أصحاب الأمراض السرطانية والمزمنة ، وإذا كان البعض يعتقد بان هذه المبالغ لا تهلك إمكانيات المواطنين فلما يتم فرضها إذا كانت قليلة المردود .
. هل ستوفر هذه الأجور الأدوية التي يحتاجها المراجع فعلا ، وواقع الحال يؤشر إن الموجود منها تصرف لثلاثة أيام فحسب والكثير منها يطلب شرائها من خارج المراكز الصحية وأحيانا يطلب جلبها للراقدين في المستشفيات .
. هل سيحسن ذلك واقع الخدمات المقدمة للراقدين في المستشفيات من خلال تقنين الزيارات وفتحها لمن يدفع 5000 دينار في أي وقت بوصل قبض ومن يضمن عدم المحاباة او أن لا يتحول المبلغ لجيوب الفساد .
. هل سيتحسن الوضع في طوارئ المستشفيات التي تخلو من وجود الأطباء الاختصاص وتدار اغلبها من المقيمين محدودي التجربة والخبرة والذين لم يمتلك بعضهم أجهزة الضغط والتي تشكو من شحة الأدوية .
. ما هو مجموع المردود المالي المتوقع من هذه التعليمات وهل يكافأ ما سيخسره المواطن البسيط من فرص الحصول على الخدمات او العزوف عنها بسبب الأجور ، وكم ستتحقق للدولة من إيرادات وما هو الغرض منها هل لبناء المستشفيات او لإدخال التقنيات او بإضافة أدوية ومستلزمات تفتقر لها بعض المؤسسات .
. وهل ستحقق هذه الأجور الجودة التي يجب أن تدخل عاملا أساسيا في الخدمات الصحية على وفق المعايير
. هل سيؤدي الوضع الجديد بعد تطبيق الأجور الجديدة لتقليل حاجة المواطنين للاعتماد على القطاع الخاص والمعاونين الطبيين وطب العرب والدجالين في تلقي الخدمات ، وهل سيغني ذلك عن الاضطرار للمعالجة خارج البلاد بما لا يكلف الدولة تبعات خروج العملات الصعبة من منافذ التصريف الرسمي والموازي للعلاج .
. لماذا لم تتم الاستفادة من الغطاء القانوني المستخدم بخصوص الأجور في زيادة الغرامة على مخالفي التدخين داخل المؤسسات الصحية لتكون رادعة كان تحدد ب100 ألف دينار نظرا للأضرار البليغة للتدخين ، بدلا من حشرها بموجب قانون مكافحة التدخين رقم 19 لسنة 2012 والذي حدد الغرامة ب10 آلاف دينار .
وهذه التساؤلات بحاجة لإجابات لإقناع المواطن بضرورات تغيير الأجور ، سيما وإنها صدرت في عهد الوزير الحالي الذي هو عالم وطبيب اختصاص وقريبا من الفقراء وله خبرة في قيادة الصحة إذ استوزر لقيادة الوزارة في دورة سابقة من قبل بسنوات ، كما إن الأمر جاء في زمن حكومة السيد السوداني التي أطلق عليها حكومة الخدمات ، والتي أثبتت بالفعل قدرتها على التغيير والتحدي الايجابي بما يتوافر من موارد وإمكانيات وتحديات ، ونذكر إن ما يراد استيفائه دون ألاقتناع بجدواه ودون إن يشعر المواطن انه سيلمس فرقا في الخدمات سيدعو البعض لان يستخدمه للتندر بان يطلقوا عليها العديد من التسميات ومنها إنها إحدى المنافذ لسد العجز في الإيرادات رغم إن إيراداتها لا تشكل رقما كبير ، اخذين بعين الاعتبار أن زيادة او فرض ما ورد من الأجور جاء متزامنا مع الكشف عن مواطن الفساد بالتريلونات والتي يمكن أن يغطي استرجاعها جوانب مهمة من مجمل نفقات الخدمات الصحية في البلاد ، ولا يزال الوقت متاحا للعدول عن قرار استيفاء هذه الأجور والأمر كله متروكا لصانعي القرار من الصحة او مجلسي النواب والوزراء ؟!