لقد كتب الإمام الحسين "عليه السلام" في وصيته يودِّع أهل بيته في (المدينة) فكان مما ورد فيها إلى أخيه "محمد بن الحنفية": ((وإنِّي لم أخرُجْ أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا، وإنَّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمةِ جدِّي، أريد أنْ آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكرِ، وأسيرَ بسيرةِ جدِّي وأبي علي بن أبي طالب، فمَنْ قبلني بقبولِ الحقِّ فاللهُ أولى بالحقِّ، وَمَنْ ردَّ عليَّ هذا أصبرُ؛ حتى يقضي اللهُ بيني وبين القومِ، وهو خيرُ الحاكمين)).
لقد وقف الإمام الحسين "عليه السلام" بعد أنْ قرر الرحيل الأكيد إلى الشهادة، فكتب ذلك وبيَّن موضوعات متعددة، ومن أهمها:
١- إنَّ خروجه "عليه السلام" ليس لأجل أيِّ غاية من الغايات الأربع المتقدمة، والتي واضحة الفساد والانحراف، والتي لها آثار سلبية كبيرة في المجتمع، بل إنَّ هذا الخروج هو منزَّهٌ تمامًا عن كُلِّ عيب واعتداء وتجاوز على الحرمات.
وفي ذلك رسالة واضحة لكل مصلح في الأمة بوجوب أنْ تكون نهضته الإصلاحية بريئة من ذلك ظاهرًا وباطنًا وواقعًا.
٢- تحديد الغاية من هذه النهضة المباركة وهو (الإصلاح) الذي هو أَوْلَى بالقيام به، حيث أنه ابن الشريعة ونبيِّها المصطفى جدُّه، وهو أول الملبِّين لنداء الشريعة في الإصلاح، وفي بيوتهم نزل الوحي، وأنهم حفظوا الدين منذ نعومة أظفارهم، ويوم المباهلة شاهد على ذلك.
وهكذا يجب أنْ يكون المنتمين إلى المدرسة الحسينية الأصيلة القائمة على العقيدة الراسخة.
٣- بيان صورة ذلك الإصلاح، فهو من جانب إصلاح للمجتمع الذي ابتعد عن تعاليم الشريعة المقدسة بترك فريضة هي من أهم فرائضها (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وما فيها من آثار كبيرة في صلاح المجتمع، وأنه لا بد من إحيائها لإحياء تعاليم الدين.
وهذا ما يجب أنْ يكون عليه تلامذة المدرسة الحسينية، بعدم مداهنة الباطل والرضا به.
٤- لقد أكد سيد الشهداء "عليه السلام" من جانب آخر الإصلاح العقدي للأمة الذي يريد القيام به، بعد انحراف عقيدتها منذ يوم السقيفة، فكان عاقبة ذلك أنْ يكون بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن يحكمون المسلمين بالقهر والمكر والنفاق.
إنَّ هذه المبادىء للنهضة الحسينية المباركة هي في الواقع استجابة وتلبية لدعوة القرآن الكريم حيث قال تعالى: ((ولتكُنْ منكم أمةٌ يدعونَ إلى الخيرِ ويأمرونَ بالمعروفِ وينهونَ عن المنكرِ وأولئك هم المفلحون)..
فهل هناك إصلاح للأمة أعظم من هذا الإصلاح، فعلى المجتمع إذا كان ينتمي حقيقة إلى أمة الحسين "عليه السلام" أنْ يكون أهلًا في تلبية هذا النداء، وتطبيق أحكام الله، حتى يكون الدين لله كله.