القضية دينية وليست مزاجية.
إذا كان الله تعالى منعنا من أن نتخذ أقرب الناس إلينا آبائنا وإخواننا أولياء اذا كانوا كافرين ، فكيف يسمح لبناتنا ان يتزوجن الكافر؟ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ).(1) ومع أن الأنبياء بعثهم الله رحمة للعالمين ولكننا نرى نبي الله إبراهيم (ع) تبرأ من أبيه آزر عندما رأى منه الكفر، لأن الكافر عدو الله كما نقرأ : (فلما تبين لهُ أنهُ عدوٌ لله تبرأ منه، إن إبراهيم لأواهٌ حليم).(2) ولذلك لا يصح الزواج بأهل الكتاب إذا كانوا يكفرون بالله. فلا يجوز الزواج منهم ، مثلا يقول تعالى عن أتباع المسيحية: (قد كفر الذي قالوا إن الله هو المسيح بن مريم).(3) فوصف من يفعل ذلك منهم بالكفر. فإذا كانت الكتابية تؤمن بذلك فهي كافرة ولا فرق بينها وبين الوثنيات، ممن لا دين لهن.
واذا قلت المشرك غير الكافر، أقول لك أن الله اعتبر المشرك كافر أيضا فقال تعالى : (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ).(4)
لان المشرك والكافر يدعوان إلى النار ومن يقبل أن يعطي ابنته إلى شخص يدعوا إلى النار (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ... وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أولئك يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ).(5) فالمشرك يدعوا إلى النار، وهذه الآية تتعلق بزواج الرجل والمرأة من المشركين. فقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات. أي لا تتزوجوا من نساء المشركين. وقوله تعالى : (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا). أي لا تعطوا بناتكم لهم حتى يعلنوا إيمانهم ويتركوا ما هم عليه من الكفر. لأن الله تعالى لا يسمح بأن ينبت طفل في رحم كافرة.
وإذا قيل وما معنى قوله تعالى : (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب). يقول الطبرسي : (المراد بالمحصنات من الذين أوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن والمراد بالمحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام وذلك أن قوماً كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبيَّن سبحانه أنه لا حرج في ذلك فلهذا أفردهنّ بالذكر).(6) وكذلك يعني بهن العفيفات الشريفات المؤمنات. لأن كلمة الإحصان تقال للمتزوجين. والمحصن هو المتزوج، ولذلك عندما يقول القرآن (المحصنات المؤمنات) يُفهم منه المؤمنات المسلمات الموحدات. وقوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب). يقصد بهن أيضا مؤمنات أهل الكتاب ممن أسلمن أو ممن بقين على دين المسيح الصحيح. والإحصان هو التزامهن بدين نبيهن وأخلاق وعفة الدين. لأنه من غير المنطقي أن يأمر تعالى المسلمين ان يتزوجوا من الكتابيات المتزوجات. في قاموس المعاني يقول: محصنة: متزوجة.
والمحصنة هي المرأة الحرة العفيفة المؤمنة ولذلك قال تعالى في مكان آخر : {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فإذا كانت الكتابية مؤمنة جاز الزواج بها.
أما في الأديان الأخرى.
كل الديانات في كتبها المقدسة لا توافق على الزواج من غير دينها ممن يكفر أو يُشرك أو لا ينتمي لدينها، وقد مرّ علينا رأي القرآن في مسألة الزواج من الكافر أو المشرك. فماذا عند الأديان الأخرى؟
في الأديان الأخرى هناك قاعدة دينية عامة وردت في الكتب المقدسة تقول بأن الأب لا يعطي بناته إلا لمن يخاف الله فيقول في سفر طوبيا (أعطوا بناتكم لمن يخاف الله،لا تخف ان تعطيها لهذا فان ابنتك له ينبغي ان تكون زوجة لأنه يخاف الله . فلا ينبغي لنا ان نقترن اقتران الأمم الذين لا يعرفون الله).(7)
في الإسلام أمر الله تعالى بعدم الزواج من الكفرة والمشركين، وفي عرفنا الحالي : الملاحدة واللادينيين أيضا، ولكن إذا تزوج مسلم من كافرة أو مشركة او ملحد وبالعكس. فلا يفعل المسلمون له شيئا لأنهم يوكلون أمره إلى الله. ولكن في الأديان الأخرى ينقلب الحال، حيث تأمر الكتب المقدسة اتباعها بأن تقتل من يفعل ذلك قتلا بشعا شنيعا، حيث تعتبر هذا الفعل رجس وقذارة. وأحد أهم أسباب منع الديانات الأخرى أتباعها من الزواج ممن يُغايرها في الدين هو (ضياع الأبناء) عن طريق اعتناق دين الأم أو الأب كما نقرأ في سفر عزرا : (ولا تُعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم وتورثوا بنيكم إياها إلى الأبد. فنتعدى وصاياك ونُصاهر شعوب هذه الرجاسات؟).(8) ثم تأمر تلك الديانات بقتل من يفعل ذلك فيقول ملاخي : (غدر يهوذا وعمل الرجس لان يهوذا قد نجّس قدس الرب وتزوج بنت اله غريب .يقطع الرب الرجل الذي يفعل هذا).(9) الله تعالى اعتبر انجاب الأولاد عن طريق الزواج من غير دين يعتبره (غدرا به) كما نقرأ ذلك في هوشع : (قد غدروا بالرب. لأنهم ولدوا أولادا أجنبيين).(10)
الإسلام لا يمنع الزواج من أي دين لو كان اهل ذلك الدين موحدون يؤمنون بالله ولا يجعلون له شريكا. كل ما قاله القرآن (ولا تمسكوا بعصم الكوافر. ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ).(11) فلم يفرض عقوبات في الدنيا على من يفعل ذلك. ولكننا بالرجوع للكتاب المقدس نراه يعاقب من يفعل ذلك في الدنيا والآخرة، ففي الآخرة عقابهم معروف، وفي الدنيا عقابهم الموت وعدم الدفن حتى تجيف جثثهم وتكون طعاما للوحوش والطيور كما نقرأ في إرمياء. يقول : (وصار لي كلام الرب قائلا: لا تتخذ لنفسك امرأة ولا يكن لك بنون ولا بنات في هذا الموضع لأنه هكذا قال الرب عن البنين وعن البنات المولودين وعن أمهاتهم اللواتي ولدنهم وعن آبائهم الذين ولدوهم ، ميتات أمراض يموتون. لا يُندبون ولا يُدفنون بل يكونوا دمنة على وجه الأرض، وبالسيف والجوع يفنون وتكون جثثهم أكلا لطيور السماء ولوحوش الأرض).(12)
ولعل الأغرب من ذلك كله، أن أتباع الأديان الأخرى يُشنعون على الإسلام بأنه يمنع الزواج من غير دين. ولكنهم يتعمدون إنكار أو إخفاء ما عندهم من شناعات وبشاعات في كتبهم المقدسة.
المصادر:
1- التوبة آية : 23. يجوز الزواج من الكتابية إذا أقرت بوجود الله ونبوة نبيها والاعتراف بكتابه. كأن تقول اؤمن بالله ونبوة عيسى والانجيل. أما التي تقول أو يقول بأن عيسى ابن الله ، أو ان عيسى هو الله، فهذا القول يدخلهما في الكفر ولا يجوز الزواج بهذه الحالة.
2- التوبة آية : 114.
3- المائدة : 72. وقال أهل السنة في تفسير هذه الآية، كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ، ويقول : لا أعلم شركا أعظم من أن تقول : إن ربها عيسى وقد قال الله تعالى : (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) البقرة : 221 .تفسير ابن كثيرة سورة المائدة آية : 5.
4- التوبة آية : 17.
5- البقرة : 221.
6- مجمع البيان ، الطبرسي تفسير سورة المائدة.
7- سفر طوبيا 7 : 12 ــ 16.
8- سفر عزرا 9 : 12.
9- سفر ملاخي 2 : 11.
10- سفر هوشع 5 : 7. يقول المفسر المسيحي في تفسير سفر هوشع : 5 (لأنهم ولدوا أولادا أجنبيين). علّموا أولادهم حب الأوثان وهذا منتهى الغدر. فالأولاد أولاد الله والآباء يربونهم لحساب الله، وإهمال تربيتهم يجازي عنه الله.
11- الممتحنة : 110. و: البقرة : 221. ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر) العصم جمع عصمة وهي النكاح الدائم يعصم المرأة ويحصنها، وإمساك العصمة إبقاء الرجل - بعد ما أسلم - زوجته الكافرة على زوجيتها فعليه بعدما أسلم أن يخلي عن سبيل زوجته الكافرة سواء كانت مشركة أو كتابية).تفسير الميزان للطباطبائي ، تفسير سورة الممتحنة .وقال أهل السنة في تفسيرهم لهذه الآية : (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) تحريم من الله ، عز وجل ، على عباده المؤمنين نكاح المشركات ، والاستمرار معهن. تفسير ابن كثير ، تفسير سورة الممتحنة.
12- سفر إرميا 16 : 3. (هكذا قال السيد الرب: إني اصعد عليهما جماعة، وترجمهما الجماعة بالحجارة، ويُقطّعونهما بسيوفهم، ويذبحون أبناءهما وبناتهما، ويحرقون بيوتهما بالنار، فأبطل الرذيلة، فتتأدب جميع النساء). سفر حزقيال 23 : 46 ــ 48.