من هم جماعة القربان؟
بمجرد البحث عن هذه الجماعة في أيٍّ من محركات البحث أو في مواقع التواصل الاجتماعي، سنشاهد المئات مقاطع الفيديو والأخبار التي تصفهم بأنهم (مجموعة مرعبة) وغيرها من الأوصاف الأخرى.
قال شقيق أحد أفراد الجماعة: إنّ المعلومات التي تتحدث عن طلب الجماعة من أفرادها الانتحار هي معلومات غير دقيقة.
وأضاف الشخص الذي طلب من موقع (الحرة) الإشارة إليه باسم مستعار (علي) حفاظًا على سلامته الشخصية: إنّ الجماعة هي جزء من حركة قديمة تسمى (علي اللاهية) أو اختصارًا (علاهية)، وهم المؤمنون بألوهية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أقدس أئمة المسلمين الشيعة وأحد أقدس الشخصيات في الدين الإسلامي.
وقال (علي): (إنّ شقيقه اختفى من المدينة بعد حملة الاعتقالات التي تعرض لها زملاؤه) فضلاً عن قوله أنّ: (المجموعة تلتقي في مواكب (الشور) للعزاء، وهم شباب منخفضو التعليم والدخل) -مواكب (الشور) هي مواكب عزاء شيعية دخيلة على الشعائر الحسينية يقوم المنشدون فيها بترديد الأناشيد (اللطميات) الدينية بإيقاع سريع ويتابعه الحاضرون (المعزون) بلطم الوجوه والصدور بعنف-
وأردف (علي) قائلاً: (إنّ أتباع هذه المجموعة-القربان- لهم حركات مميزة، واعتقادات تتمحور كلّها حول ألوهية علي بن أبي طالب) ولكنه نفى بشدة أن تكون المجموعة تروج للانتحار، ويقول إن التقارير التي تشير إلى ذلك (كاذبة جملة وتفصيلاً).
وشارك موقع (الحرة) تسجيلات منشورة على موقع يوتيوب لعدد من الشباب وهم ينشدون أناشيد تعبّديّة للأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وقال موقع (هايبر لنك) المحلي: إنّ الجماعة تتخذ من (خيمة دينية) في محافظة ذي قار مركزًا لها، وإنّ أفرادها يغالون في تعظيم (الإمام علي) إلى درجة العبادة.
ونقل الموقع عن مصدر أمني قوله: (إنّ الجماعة تقدم القرابين (البشرية) من خلال اختيار أحدهم ليكون قربانًا عبر إقدامه على الانتحار في أثناء (مراسم دينية)، ويضيف: إنّ الاختيار (يتم عن طريق القرعة).
وتقول صحيفة (أخبار العالم): إنّ الجماعة تلقت تعاليم معتقدها من طريق (الاحتكاك بمجموعة دينية تعتنق المبدأ ذاته داخل إيران)، وتضيف أنّ السلطات في العراق تشكّ بامتلاك الجماعة أسلحة وأعتدة (لمواجهة أي عملية تصد لهم).
ومن جهة أخرى قال (أحمد غالب) وهو صحفي وناشط في مجال الحريات الدينية من الناصرية أنّ: (عبّاد الإمام علي (عليه السلام) موجودون فعلاً، لكن ليس بأعداد كبيرة).
وأضاف غالب أنّ: (التعليمات الصوفية تشكل العمود الفقري لعقيدة جماعة القربان)، لكنه أوضح أنّ: (الجماعة ليست جماعة بالمعنى الديني، وأنّ تسمية (القربان) أسيء فهمها بشكل كبير)، ونفى كثير من أبناء المحافظة وجود جماعة بهذا الاسم فيها.
يمتلك غالب علاقات، بحكم نشاطه وارتباطاته الاجتماعية، مع عديد من (العلاهية).
وبحسب غالب فإنّ تسمية (القربان) تعود لشخص يدعى (حمدان الشاكريّ) وهو شخصية معروفة في الأوساط الدينية في المحافظة، قُتل كما يُعتقد بحادث سير في أثناء ممارسته شعائر زيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في إيران.
وتعمد الجماعة -وفقًا لغالب-، إلى المسير إلى إيران كلّ عام لأداء شعائر هذه الزيارة، لكن من غير الواضح إن كان (الشاكريّ)، الذي يُسمى حاليًا بـ(القربان)، نسبة إلى وفاته في أثناء ممارسته الشعيرة أحد أعضاء هذه الجماعة.
بعدها قال غالب: دأبت الجماعة على إطلاق لقب (القربان) على كلّ من يُتوفّى من أفرادها،
ويؤكد على أنّ كل اتصالاته وتحقيقاته لم تقده إلى اسم أي شخص انتحر من أفراد تلك الجماعة، فضلاً عن أنّ (أغلب أفراد الجماعات العلاهية هم من الفقراء وسكنة العشوائيات من غير المتعلمين)، مؤكدًا على أن (ملاحقتهم بتهم تتعلق بعقائدهم أمر مقلق للغاية وغير دستوري)، إضافة إلى أن (الإشارة إلى كونهم يمتلكون أسلحة قد تكون تمهيدًا لإجراءات عنيفة ودموية ضدهم).
هذا الرأي يشاركه عدد من نشطاء المحافظة المعروفة بتحديها لسلطات الحكومة والأحزاب المتنفذة خلال الأعوام الماضية.
ومع هذا يعترف غالب بأنّ هناك الكثير من العنف في ممارسات الجماعة، وهو (عنف موجّه ضدّ النفس وليس الآخرين، وذلك عبر اللطم بعنف غير تقليدي على الوجه والصدر خلال مواكب الشور)، إضافة إلى أنّ (من أهم تقاليد أي جماعة عقائدية هو وجود منبر لها تدعو الناس من خلاله إلى الانضمام إليها، أو تشرح عقيدتها للناس، وحقيقة عدم وجود أي نوع من التبشير بالمعتقدات تحت مسمى جماعة (القربان) يشكك في وجودها كجماعة أساسا).
رأي الدين وعلم الاجتماع وعلم النفس في مثل هذه الجماعات؟
حتى لو لم تكن هذه الجماعة تشجع على الانتحار، كما يتبين من شهادات مقربين منها، فإنّ الانتحار بصبغة دينية معروف وشائع في العالم بين العقائد المختلفة، على الرغم من أنّ دراسة نشرها موقع (هايبر لنك) تقول: إن هناك الكثير من الأدلة تشير إلى أن الدين يوفر في الحقيقة عاملاً وقائيًا ضدّ الانتحار، وليس مشجعًا له.
وقال الشيخ (منتظر الساعدي) وهو رجل دين لموقع (الحرة) إنّ: (الأديان السماوية بل وغير السماوية كافة تحرم الانتحار باعتباره خطيئة كبيرة).
وقال خبير الاجتماع العراقي (محمد شكر الشاكر): (إنّ هذه العقائد سهلة التغلغل في المجتمعات الفقيرة الهشة منخفضة المستوى التعليمي).
وأوضح: (إنّ الشعور بالانتماء الذي تمنحه تلك الجماعات، إضافة إلى المستوى الاجتماعي الذي يحصل عليه أفرادها داخل الجماعة، يزيد من ارتباط الشخصيات البسيطة، المنفردة عادة بالجماعة، ويسهل من خلاله سيطرة الجماعة على الفرد).
وتابع ذلك بقوله: (إنّ التجنيد يستهدف الشباب والمراهقين على الأغلب، حيث تلعب الشعائر العنيفة دورًا مهمًّا بتفريغ طاقة المراهق وجذبه للجماعة).
وقالت المختصة النفسية العراقية (يسرى علي): (إنّ الطقوس بحدّ ذاتها، خاصة تلك المرتبطة بإيقاعاتٍ موسيقية وحركات متكررة تلعب دورًا مهمًّا لتحرير الطاقة وجعل الشخص يشعر بأنّه أقل توترًا).
لكن الطقوس ذاتها (تخلق تأثيرًا يُسهل السيطرة على مؤدّيها، من خلال الانفعال العاطفي الكبير الذي يرافق تلك الحركات، والتي يكون الشباب عادةً أكثر تأثرًا بها، وأكثر اقبالاً على تلبية ما يطلب منهم) بحسب قول السيدة يسرى.
وأضافت: إنّ الهذيان الغامض الذي ينشأ داخل هذه الطوائف يؤدّي إلى التدمير الذاتي للجماعة كفعل من أفعال تأكيد الذات).
وتظهر دراسة في جامعة (كامبردج) أنّ من يمارسون الشعائر الدينية بشكل متكرّر كانوا أقلّ إقبالاً على الانتحار بنحو النصف، لكن دراسة أخرى منشورة على موقع (هايبر لنك) في الولايات المتحدة، تشير إلى أنّ جميع حالات الانتحار الجماعيّ التي حدثت خلال السنوات العشرين الماضية كانت تتعلّق بتأسيس طوائف دينية.
ففي الشهر الماضي رُوّع العالم بأخبار عن مقتل أكثر من 200 شخص في كينيا من طائفة (الجوع حتى الموت) قاموا بما يُعتقد أنّه انتحار جماعي لأسباب دينية، في إحدى غابات البلاد.
كيف تنظر السلطات إلى هذه الجماعة؟
قال قائد شرطة ذي قار اللواء (مكي الخيكاني) في لقاِء تلفزيوني: إن التحقيقات تجري حاليًا مع خمسة أشخاص من الجماعة.
وأضاف أنّ التحقيق يجري مع الجماعة لكونها من (الحركات المهدوية) ولديها (فكر منحرف سيثبت عن طريق التحقيقات اللازمة للتعرف على أفكارهم).
ونُشر بيان لوكالة الاستخبارات الاتحادية العراقي الجمعة مفاده: إنّ الاعتقال نفذ وفقًا لتوجيهات وزير الداخلية بما يتعلّق بمتابعة الحركات والجماعات المنحرفة)، مضيفًا أنّ القوات الأمنية ألقت القبض على أربعة أشخاص من (جماعة القربان) في قضاء سوق الشيوخ في محافظة ذي قار جنوبي العراق.
ولم يوضح البيان أسباب وصف المجموعة بالـ(منحرفة)، لكن وسائل إعلام عراقية وعربية ذكرت أنّ الجماعة تسمي نفسها (القربان) نسبة إلى (قيام أفرادها بالانتحار) قربانًا للإمام علي (ع) وعلى الرغم من المؤشرات التي تشير إلى أن الجماعة تؤلّه (الإمام علي)، فإنّ المطّلعين على شؤونها ينفون حصول حالات انتحار داخلها.
لذا أصبحت (جماعة القربان) أحدث مجموعة دينية تتعرّض للملاحقة في العراق، بعد أن أعلنت وزارة الداخلية اعتقال عدد من أعضائها بتهمة (الانحراف الديني).
في النهاية، كرأي شخصي.. إنّ مواجهة هذه الجماعة المتطرّفة وتأثيرها المدمّر على المجتمع العراقي يتطلب جهودًا شاملة على مختلف الأصعدة، وأعتقد أنّ القيام بذلك سيكون له أثر كبير في استعادة الأمن والاستقرار في العراق، لذا يجب تنظيم دورات تعريفية بخطورة هذه الجماعة ولاسيما تأثيرها على بسطاء العقول، وكذلك يتمّ تبنّي هذا الموضوع من قبل منظمات المجتمع المدني والشخصيات الدينية والعشائرية وفرض سلطة القانون على هكذا مناطق تمتاز ببساطة أفرادها.