يُعدّ عُرف (الدكات العشائرية) في العراق ظاهرة اجتماعية معقّدة، ولها جذور تاريخية وتداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة على المجتمع العراقي.
فهذه الممارسات التي تتنافى مع القوانين والأعراف المدنية تشكّل تحديًّا كبيرًا أمام جهود بناء الدولة والمجتمع المدني في البلاد.
تعود أصول (الدكات العشائرية) في العراق إلى التقاليد والأعراف القبلية التي ترّسخت عبر القرون، إذ كانت العشيرة والولاء لها هي المحددات الأساسية للهوية والانتماء.
وقد عزّزت أنظمة الحكم السابقة هذه الممارسات كوسيلة للسيطرة والتحكم بالمجتمع، كما أسهم ضعف سلطة الدولة وغياب سيادة القانون في انتشار (الدكّات) وتفاقمها في المناطق الريفية والمحافظات.
تتسبّب (الدكات العشائرية) في إلحاق ضرر كبير بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي للعراق. فهي تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وتعزّز ثقافة العنف والثأر، فضلا عن إنّها تحول دون تطبيق القوانين الوطنية وتهدّد سيادة الدولة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تؤثر الدكات سلبًا على الاستقرار والتنمية، عن طريق إضعاف الاستثمارات وتشويه سمعة البلد دوليًا.
وهذا موقف عن (الدكات العشائرية) في إحدى القرى الجنوبية في محافظة ميسان، إذ وقعت حادثة مؤلمة تعكس مدى تأثير (الدكات العشائرية) على المجتمع، فبدأت المشكلة عندما نشب خلاف بين عائلتين بشأن قطعة أرض زراعية، وتطوّر الأمر بسرعة إلى تبادل إطلاق نار وسقوط ضحايا من كلا الجانبين، بدلاً من اللجوء إلى القانون لحلّ النزاع، فقرّرت إحدى العائلات القيام (بدكة عشائرية) ضد العائلة الأخرى، مما أدى إلى تدمير الممتلكات وزيادة التوتر والعنف في القرية.
في هذا السياق، برز دور بعض الأفراد المحاربين لهذه الأعراف والتقاليد المتخلفة.
أحد هؤلاء الأفراد كان شيخًا معروفًا على صعيد المحافظة، وهو قائد عشائري محترم في منطقته، والذي رفض وبشدّة تصرفات (الدكّات العشائرية) وعمل على حلّ النزاعات بالطرق السلمية والقانونية.
وبفضل الجهود المستمرة لبعض الشيوخ، تمكنوا من جمع شيوخ العشائر الأخرى وإقناعهم بضرورة نبذ هذه الممارسات والعمل على حل النزاعات عبر الوسائل القانونية.
كما برزت السيدة فاطمة، وهي ناشطة حقوقية من المنطقة الجنوبية، بجهودها لنشر الوعي عن مخاطر (الدكات العشائرية)؛ إذ قامت بتنظيم ورش عمل ومحاضرات توعوية تستهدف الشباب والنساء، مركّزة على أهمية احترام القانون وحلّ النزاعات بطرق سلمية، وتمكنت فاطمة من بناء شبكة من المتطوّعين الذين يروّجون لرسالة السلام والعدالة في مختلف المناطق المتضرّرة.
جهود مواجهة الدكات العشائرية
مواجهة ظاهرة الدكات العشائرية تتطلب جهودًا متكاملة على مستويات متعددة منها:
أولاً: على الحكومة العراقية تعزيز سلطة القانون وتطبيقه بحزم، إضافة إلى إصلاح منظومة العدالة لضمان محاكمات عادلة، كما يجب تطوير برامج التنمية والتمكين الاقتصاديّ للمناطق المتضرّرة من هذه الممارسات.
ثانياً: على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية إطلاق حملات توعية وتثقيف للتصدّي (للدكات العشائرية).
ويمكن الإفادة من دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في هذا الصدد لنشر ثقافة احترام القانون والحقوق الفردية.
أخيرًا، من الضروري إشراك القادة العشائريين أنفسهم في إيجاد حلول مستدامة للتخلّص من هذه الآفة الاجتماعية، فتعزيز دورهم كوسطاء للسلم الاجتماعيّ وتحفيزهم على التخلّي عن ممارسات (الدكات) قد يكون مفتاحًا لنجاح أيّة مبادرة في هذا الاتجاه.
إنّ معالجة ظاهرة (الدكات العشائرية) في العراق تُعد تحديًا شاملاً يتطلّب تظافر الجهود على المستويات كافة، وبالتوازي مع ذلك لا بدّ من إرساء أسس المواطنة والمساواة والعدالة لبناء مجتمع عراقي متماسك ومزدهر.