البحث المتقدم

البحث المتقدم

الإخبارية والأصولية بين التقليد والاجتهاد.

0 تقييم المقال

 

السائل:

أنا أرى أن الاجتهاد بدعة مذمومة والتقليد لا أصل له في روايات أهل البيت عليهم السلام بل هو موجود عند المخالفين أوضح ولذا لا ينبغي اتباعهم في ذلك فما تعليقك؟

الجواب بسمه تعالى:

أخي الكريم أحترم حرصك على التمسك بروايات المعصومين، وهذا شيء نعتز به جميعًا، 

ولكي نقف على مفردة الاجتهاد المذمومة في الروايات وكيف كانت تستعمل 

لا بد لنا من معرفة معنى الاجتهاد في اللغة والاصطلاح 

الاجتهاد في اللغة: 

من جهد، بفتح الجيم وضمها، وهو تحمل المشقة وبذل الجُهد أو الجَهد واستفراغ الوسع.

متفق بين السنة والشيعة أما في الاصطلاح اختلف التعريف 

عند العامة:

اصطلاحاً: بذل الجهد أو استفراغ الوسع، للوصول إلى الحكم الشرعي بالنظر والاستدلال والاستنباط والاستقراء، فيبذل المجتهد كل ما يستطيع من جهد لإدراك الحكم الشرعي.

تعليق مهم: العامة يركزون على النظر يعني رأي الشخص نفسه بعيداً عن قول المعصوم 

أما عند الشيعة في الاصطلاح 

صيغت عدة تعريفات للاجتهاد في المدرسة الأصولية لكن لها مضمون واحد منها 

الاجتهاد هو: استنباط الأحكام الشرعية من مداركها المقررة ومصادرها المعتبرة.

أو استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي.

أو بتحصيل الحجة على الحكم الشرعي وهو بهذا المعنى سليم.. فقه السيد الخوئي ج 1 ص 20.

الخلاصة في تعريف الاجتهاد هو: بذل غاية الوسع في استنباط الحكم الشرعي من مصادره التفصيلية القرآن الكريم والعترة الطاهرة والعقل والاجماع على تفصيل.

 فالاجتهاد مداره على الاستعمال فإذا اُستعمل في مقابل النص كان حراماً ومذموماً وإن اُستعمل في استنباطه من النصوص الشرعية كان محموداً. تعال لنقف على بعض الروايات التي تذم الاجتهاد ناظرة إلى ماذا نأخذ مثلاً 

عن النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، والمحكم من المتشابه، فقد هلك وأهلك. 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: من أفتى الناس برأيه فقد دان بما لا يعلم، ومن دان بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم. (١)

بيان الروايتين: تحمل لازمين 

اللازم الأول: 

يُفهم من كلام النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام الصادق عليه السلام 

أن الذي يجتهد برأيه دون أن يستند في كلامه إلى دليل من آية يعرف محكمها وخاصها وعامها ومتشابهها أو رواية لا يعرف جواهر كلام أهل البيت عليهم السلام بدقة وتمحيص فإن كلامه يكون اجتهاداً مقابل النص وهذا محرم في الشريعة وهو الاجتهاد المذموم. 

فالمراد إذاً: المجتهدون الذين يجدون ويجتهدون لاستخراج الأحكام من الرأي والقياس والاستحسان وغيرها. 

أما اللازم الثاني:

من أفتى بعلم وعرف معاني الآيات خاصها وعامها ومحكمها ومتشابهها وعرف جواهر كلام أهل البيت عليهم السلام خاصه من عامه ومطلقه من مقيدة فيكون اجتهاده صحيحاً 

فالمراد إذاً: فقهاؤنا الذين يجتهدون لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية هم القرآن الكريم والعترة النبوية والعقل والإجماع المتضمن رأي المعصوم أو إمضائه. 

الدليل على ذلك 

قال الإمام الصادق عليه السلام: كل من نظر إلى حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فاتخذوه قاضيا، فإني جعلته عليكم قاضيا. (٢) 

وهنا أود أن أفرق معك بين نوعين من "الاجتهاد" حتى نكون منصفين:

1.      الاجتهاد المذموم الذي يعتمد على القياس والرأي والظن وهذا نحن متفقون على رفضه. مثل ما يفعله المخالفون من أبناء العامة 

2.      والاجتهاد المشروع وهو: فهم روايات أهل البيت واستنباط الأحكام منها، بحسب القواعد المستقاة من نفس الروايات. 

السائل:

لكن الإمام الصادق ذمَّ الاجتهاد مطلقًا! والدليل 

عن أبي شيبة الخراساني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس فلم تزدهم المقائيس من الحق إلا بعدا وإن دين الله لا يصاب بالمقائيس. (٣)

الجواب: 

صحيح، ذمّ الاجتهاد بالرأي والقياس في الدين كما وضحت الرواية التي أرسلت حيث عملوا رأيهم مقابل النص. أما لو كان الاجتهاد الذي يكون كاشف عن الحكم من الآية المباركة أو الرواية الشريفة فلا بأس به والدليل: 

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا.

وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: "علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع. (٤). 

هذا تصريح واضح بأن الإمام يريد من العلماء أن يفرعوا من الأصول = استنباط الأحكام، وهذا هو معنى الاجتهاد المشروع.

السائل:

لكن أنا أعمل بالروايات مباشرة، ولا أحتاج لفقيه أو مجتهد!

أنت:

هنا من حقي أن أسألك: إذا وجدت روايتين متعارضتين، إحداهما تقول "اغسل الرجلين"، والثانية "امسح"، فماذا تفعل؟

السائل:

أرجّح الرواية المشهورة أو الأقرب للسنة أو الأوثق سندًا وأعمل بها.

الجواب:

جميل، هذا الترجيح الذي تمارسه، هو اجتهاد عملي، لأنك تطبق قواعد عقلية أو روائية في فهم النص، وليس مجرد قراءة ظاهر الحديث.

بل حتى الشيخ يوسف البحراني، وهو من كبار علماء الإخباريين يفعل ذلك حيث 

قال: وأما الأخبار الدالة على رجحان العمل بالاحتياط على الاطلاق في هذا الشأن فهي أكثر من أن يحويها نطاق البيان في هذا المكان ومنها قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد كما رواه الشيخ (رحمه الله) في كتاب الأمالي مسندا عن الرضا (عليه السلام): " يا كميل أخوك دينك فاحتط لدينك ". وما رواه الشهيد عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه: " وخذ بالاحتياط لدينك في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا " ..."لا بد من نوع من الاجتهاد في موارد التعارض." (٥)

السائل:

لكن الإمام المهدي غاب، ونحن ننتظر، فلماذا لا نكتفي بالأحاديث حتى يعود؟

الجواب:

كيف نكتفي بالأحاديث حتى يعود وهو (عجل الله فرجه) من أمرنا بالرجوع إلى الفقهاء. في غيابه حيث ورد عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب 

قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك - إلى أن قال: - وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله."(٦).

الحوادث الواقعة تشمل مسائل لم يرد فيها نص صريح، مثل البنوك، التلقيح الصناعي، الحدود في الدول الحديثة...فكيف نتصرف؟ لا بد من الرجوع إلى الفقيه العالم بالأحاديث، القادر على استنباط الحكم منها.

السائل: 

لكن التقليد ليس له أصل في الروايات!

الجواب:

مشتبه أخي الكريم بل ورد بشكل صريح. 

عن محمد بن أحمد ابن حماد المروزي، رفعه قال: قال الصادق عليه السلام: اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا، فقيل له: أو يكون المؤمن محدثا؟ قال: يكون مفهما، والمفهم محدث. أنتهى. وفي نفس المصدر رواية عن علي بن سويد السائي قال: كتب إلى أبو الحسن الأول وهو في السجن: وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك؟ لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، إنهم اؤتمنوا على كتاب الله جل وعلا فحرفوه وبدلوه، فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله وملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة. (٧)

عن الإمام العسكري (ع) يقول:

" فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فان من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة. (٨)

هذا نصٌّ صريح بجواز تقليد الفقيه العادل ونجتنب من لا يحمل صفات العدالة. فهل نردّ كلام الإمام الحجة عليه السلام ؟ 

السائل :

هناك روايات كثيرة تذم علماء آخر الزمان ماذا نفعل بها نردها أو نكذبها مثل 

قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يأتي على الناس زمان... علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة، ألا إنهم أشرار خلق الله، وكذلك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم، ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق الله. (٩) وغيرها من الروايات.

الجواب: 

وهناك روايات تمدح العلماء الذين يعملون على إنقاذ الشيعة من مردة الشيطان ووساوسه ومن الناصبين لأهل البيت عليهم السلام فهم كالمقاتلين في الثغور مثل 

عن أبي محمد عليه السلام قال: قال علي بن محمد عليهما السلام: لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل. (١٠) وغيرها من الروايات 

هنا أخي الكريم نجمع بين الروايات ونعرف أنه هناك صنفان من العلماء علماء سوء وعلماء أبرار يخافون الله سبحانه في غيبة إمامنا الحجة عليه السلام فعلينا أن نتعرف عليهم من خلال الضابطة التي ذكرناها في الرواية السابقة عن التوقيع الصادر من المعصوم عليه السلام حيث قال (" فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فان من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة.

وعليه فالعالم الذي يتصف بالورع والتقوى وصونه نفسه من الوقوع في الشبهات ومخالفاً لشهواته وأهوائه مطيعاً لله ورسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام قلدوه ولكن من لا يحمل هذه الصفات لا تتبعوه ولا تقلدوه. 

الختام أخي العزيز

نحن لا نعبد العلماء، ولا نقدم الرأي على النص، بل نرجع للفقيه لأنه أعلم بالروايات، وأقدر على جمعها وتحليلها، وهذا ما أمر به أهل البيت أنفسهم.

ولو كان كل واحد يعمل بنصوص منفصلة دون علم، لكان في ذلك خطر على الدين، وقد قال الإمام الصادق (ع) "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس."(١١)

فهل ترضى لنفسك أن تتبع رواية دون فهم شامل لسياقها وظروفها ومعارضاتها؟ أم ترجع لمن أفنى عمره في خدمتها؟

نلخص الفرق بين الاجتهاد الأصولي والاجتهاد المذموم 

الجانب

الاجتهاد الأصولي (المقبول)

الاجتهاد المذموم (الذي تذمه الروايات)

المصدر

الأدلة الأربعة (الكتاب، السنة (العترة)، العقل ضمن حدود النصوص وتحليلها..، الإجماع الكاشف عن قول المعصوم أو امضاءه)

الرأي الشخصي، القياس، الاستحسان

الهدف

الوصول إلى الحكم الواقعي أو الظاهري المقرّب إليه

تقديم الرأي والذوق على النصوص

المنهج

علمي منضبط بأصول الاستنباط

ارتجالي يعتمد على الظنون والقياس

مقبولية

مقبول في فقه التشيع الأصولي

مرفوض عند الإخباريين الجدد

السائل: 

اشكر لطفك وحسن خلقك في التعامل مع اسئلتي وليس شرط أن اقتنع بما قلت بقي في النفس شيء والله الهادي لسواء السبيل.

الجواب: 

نحن هنا لبيان الحال وليس الإقناع لأننا لا نملك حق محاسبة الناس وإنما علينا البيان والطرف الأخر يفكر ويحلل ويراجع فإن الحجة قد أقيمت عليك يوم القيامة 

المصادر: 

(1) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٣٧٢.

(2) حقائق الإيمان - الشهيد الثاني - الصفحة ١٨٣ . 

(3) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٥٦. 

(4) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي - ج ١٨ - الصفحة ٤١. 

(5) الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج ١ - الصفحة ٧٦ .

(6) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ٢٧ - الصفحة ١٤٠. 

(7  )   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٨٢ . 

(8)    وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ٢٧ - الصفحة ١٣١. 

(9)    العلم والحكمة في الكتاب والسنة - محمد الريشهري - الصفحة ٤٤٨.

(10) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٦ .

( 11 ) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١١٥٨. 

نعم
هل اعجبك المقال