البحث المتقدم

البحث المتقدم

(تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي)

0 تقييم المقال

 

أدرك الخطاب المعصوم المعاني الإنسانية السامية في أعمق بنائها الفكرية والجمالية، وهذا الأمر يبرر لنا حيوية المنجز وقيمته الحضارية التي أبقته عبر القرون كمنجز معرفي إبداعي مؤثر من حيث مضمونه والمنهج والتركيبات الجملية التي اتخذت عدة أشكال، ومنها أسلوب التوقيع أو الومضة والهدف وتكثيف الجملة ومنحها البعد الجمالي والدلالي كونه يمثل روحية الواقع الفكري عبر أدب الدعاء، الذي يراعي التوازن بين العقل والروح.

 

يرى سماحة السيد أحمد الصافي في متابعته التأملية وقراءته لأدب الصحيفة السجادية (أن كل نعمة لا تنتهي إلى الجنة فهي السراب)

و (كل ألم لا ينتهي بصاحبه إلى النار فهو ليس بألم)

الفوز الحقيقي للمؤمن هو يوم الفصل، الفوز الحقيقي التميز باستحقاق الجائزة الإلهية، فكان سعي كتاب المصابيح قراءة الواقع الفكري والحياة المعاصرة من خلال هذا الموروث المعصوم الذي يمتاز بالعمق الدلالي.

هل يمكن أن ننفتح ببنية فكرية لقراءة عصرية تمثل واقعنا الإنساني، هذه هي فكرة تنامي الخطاب وشموليته ومساراته عبر فضاءات تأمل الخير المحسوس، المال، أولاد، البيوت، رفاهية العيش، رحمه إلهيه لا ينحصر الخير بها، وقد تكون أحيانا مدعاة غفلة، المال والأولاد والعمران وكل خير محسوس له القدرة على إبعاد الإنسان عن وظيفته العبادية، فالإمام السجاد "عليه السلام" يدعو الله أن يكمل له خير الدنيا وخير الآخرة.

قراءة كل أثر معصوم ينتج فكرًا وخطابًا وإبداعًا وفضاءً تأمليًا ورؤيةً، واستنطاق بنية المنجز بمؤثر التقارب الفكري العام والذي يساهم في توجيه الخطاب بالدلالة المعاصرة.

 

دعاء الإمام السجاد مفعمٌ بالروح الإيمانية، ونشر هذه الروح بين الناس عبر قرون زمنية، وله تأثير فاعل، يحتاج الأمر إلى عدة أمور منها: كشف الأبعاد الفكرية للدعاء، وتوضيح فاعلية المتعلق الإنساني بحكمة ارتباطه بالوجود الإلهي، ومعرفة الحكمة التي يسعى إليها الفكر المعصوم، بمعنى أن العافية والمال وسعة المعيشة، ليست مقاصدا لذاتها، وإنما هي وسائل، يستعين الإنسان بهذه لأمور ويغتنم منها ما يعينه إلى نهاية المسير، لان الدنيا مزرعة الأخرة، بمعنى أن يوجه النشاط الذهني من فكر وإرادة وأحزان وعاطفة إلى أسمى صور التعامل السلوكي.

 

أتى أحدهم إلى الإمام الصادق "عليه السلام" وقال (إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها) قال "عليه السلام" ما تحب أن تصنع بها، قال الرجل أوسع بها على نفسي وعيالي وأصل بها قرابتي وأتصدق وأحج وأعتمر، فقال "عليه السلام" ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة.

 

تشكل الصحيفة السجادية بكل تفاصيلها مصدرًا معصومًا مهمًا، لا تمثل حقبة زمنية معينة وإنما تمثل الفكر المعرفي العابر للأزمنة، لاحتوائها على مادة فكرية حية، عندما يوفق الإنسان لأن يوظف عطايا الله سبحانه وتعالى بأسلوب يتواصل مع النجاة يكون في الدنيا وهو في الأخرة، نعود بالمعنى الذي تأسست عليه المعلومة، لا يكون خير الدنيا مطلوبا لنفسه وإنما غالبا ما يعين على فوائد أخرى وأثر المعصوم يعتبر مصدرا كونه يقوم على ثقافة تعتبر دعامة ضرورية لكل برنامج أو مشروع يعمل للبناء المعرفي، أو اتباع الموقف السليم، سأل أحد الناس يوما أمير المؤمنين "عليه السلام" عن الخير ما هو؟

 

 

 

قال ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك وأن يعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فأن أحسنت حمدت الله، وأن أسأت استغفرت الله، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين، رجل أذنب ذنوبًا فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع من الخيرات، ولا يقل عمل مع التقوى وكيف يقل ما يتقبل.

لغة الأئمة المعصومين ترتبط بشكل المستوى الفكري للشرائح الاجتماعية التي تؤمن بها، وتروج لها وتدافع عنها.

هناك رؤىً وعقلٌ يرتبطان بوجدانيات الآخرة، هناك فلسفةٌ وأدبٌ وخطابٌ دلالي، يقول أحدهم حفظت سبعين خطبة من خطب أمير المؤمنين "عليه السلام" ففاضت، ثم فاضت، أي فاضت بلاغة، لا خير في الدنيا إلا لرجلين رجل تدارك الذنب بالتوبة ورجل حصن نفسه عن الذنب.

يبحث سماحة السيد أحمد الصافي في مضمون (العلم النافع) عند الإمام "عليه السلام"، ليصل إلى المنفعة في العلم هي التي تجعل الإنسان يفهم موارد الابتلاء حتى لا يقع في الجهل، وهو الخير، وإنما الحلم هو ما يعين الإنسان على أن يتماسك غضبه ويفكر بشكل جيد، (والعبادة التي يتباهى بها الناس) ليس المقصود الرياء، بل المقصود عزة العبادة وسعادتها، ومضمونها الإنساني الباعث للسرور، ومن مفاهيم المعرفة وأهدافها الفكرية التي هي عصب الإيمان معرفة غاية وجودنا الإنساني، فقد حدد الله سبحانه لنا العلاقة وهيئ لنا الحدود.

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) ولا شيء خارج هذا المعنى، (إِلا لِيَعْبُدُونِ) لكننا نذهب مع سماحته إلى ما طرحه من علاقة ملازمة لهذا المعنى، إن هذه القيم تنفتح أمام الوجود الإنساني، من يريد أن يهتدي فيها يعود له الخير، ومن شاء أن يظل يضر نفسه.

ملاحظة دقيقة لا بد أن ننتبه لها، الخير والضرر والشر هي تعود لنفس الإنسان أي الله سبحانه وتعالى لا يضيف له خير الإنسان شيء، ولا يؤثر عليه شر الإنسان شيئا، هذا الأمر يقرب لنا مفهوم المعرفة، الاستفادة من وجودنا لنصل إلى الاطمئنان، كل الأدعية تساعد للوصول إلى اطمئنان القلب، هذه المضامين ترسخ لنا المعتقد الديني بحضور الدلالة القرآنية (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

ومن ضمن الأطر المعرفية ومفهوم المنفعة في العلم رحمة التواصل مع الوجود الرسالي النبوي، "بالصلاة على محمد وآل محمد" ثم طلب الإيمان (آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) المعرفة دلتنا إلى أن المنفعة الحقيقية في الحسنة التي هي منطلق الخير، وبعدها الجوهر المعرفي الذي يسعى إليه البحث.

جاء في كتاب الوافي الفيض الكاشاني صفحه 194 الجزء الأول (رفع المفسدة أهم وأولى من جلب المنفعة) والله ولي التوفيق

نعم
هل اعجبك المقال