العتبة العباسية المقدسة توسّع بنيتها التحتية بمخزن حديث للسجاد والمفروشات
شعبة النشر الالكتروني- احمد فاضل
ضمن مشاريعها الاستراتيجية العالمية تواصل العتبة العباسية حصد ثمار مجهوداتها الكبيرة للتنمية والاستدامة في مختلف القطاعات الحيوية التي تخدم الاقتصاد العراقي والمستهلك بشكل خاص، بالاضافة لشريحة واسعة من السكان بوجود تأثيرات جمة طرأت على الاوضاع في البلاد ابرزها أزمتي الجفاف والتغيرات المناخية.
مشروع "الساقي" للمياه البديلة عن مياه نهر الفرات، يعد واحدا من ابرز مشاريع العتبة المقدسة على مستوى العراق، حيث بدأ العمل به عام 2016 بخطوات واثقة وامكانيات متطورة تديرها شركة اللواء العالمية.
وجاء هذا المشروع لمواجهة أزمة المياه التي بدأت تُلقي بظلالها على العالم بصورةٍ عامّة وعلى العراق بصورةٍ خاصّة من خلال قلّة مناسيب مياه نهري دجلة والفرات، لتصبح الحاجة ملحة الى اللجوء والاستعانة بالمياه البديلة المتمثّلة بمياه الآبار، بالتعاون بين العتبةُ العباسيّة المقدّسة ودوائر الدولة في المحافظة ودائرة الزراعة والآبار.
بذرة الفكرة والتطبيق
يقول رئيس قسم المشاريع الهندسية في العتبة المقدسة المهندس ضياء مجيد الصائغ، إن الفكرة جاءت بالاعتماد على المياه الجوفية التي تعتبر خزانا أوجده الله سبحانه وتعالى لخدمة المجتمعات، مبينا أن مشروع المياه البديلة الذي تبنته العتبة العباسية المقدسة بالتنسيق مع دائرة الآبار في مديرية زراعة كربلاء يعتبر من المشاريع المهمة لمحافظة كربلاء بصورة خاصة والعراق بصورة عامة.
وتابع، أن المشروع سيوفر منطقة زراعية خضراء وسلة غذائية لأهالي مدينة كربلاء وباقي المحافظات العراقية الجنوبية، وسيكون بالإضافة الى توفير المياه البديلة الخط الثالث في حالة جفاف الأنهار لأنه سيكون خزينا استراتيجيا ويعد من البنى التحتية التي سخرها الله تعالى للبشر لاستثمارها الاستثمار الأمثل.
واشار الى أنه استخدمت في أعمال حفر هذه الآبار تقنيات حديثة وحصلنا على نتائج طيبة وتبشر بخير، ولم يقتصر المشروع على حفر آبار وحسب بل كانت هناك مشاريع أخرى ساندة كإنشاء محطة عملاقة لتصفية وتنقية المياه، كما تم نصب محطة كهربائية عملاقة أيضا لتشغيل المشروع بمرحلته الأولى (50) بئرا بعمق (200م) على مساحة خمسة آلاف دونم، بحيث تكون المسافة بين بئر وآخر (500م).
وتابع الصائغ، أن الآبار نعذي مترا مكعبا من الماء كل ثانية، مع السعي لبلوغ مرحلة سد حاجة المحافظة من المياه، حيث ستخضع هذه المياه الى فحوصات مختبرية لنحدد وفق ذلك محطات المعالجة التي سيتم نصبها في هذا المشروع، كما سنحتاج الى محطات للضخ لتنقل الماء من خلال أنابيب الى المحطة الرئيسية التي بدورها ستقوم بتوزيع الماء على جميع أرجاء كربلاء في حالة حصول أي طارئ -لا سمح الله".
يأتي ذلك في وقت يواجه العراق الذي نشأت حضارته على ضفتي دجلة والفرات مصيرا كارثيا جراء شح المياه التي تراجعت كمياتها إلى مستوى ينذر باحتمال فقدان مياه الشرب، في ضوء انخفاض المخزون المائي الإستراتيجي إلى 7.5 مليارات متر مكعب للمرة الأولى بتاريخ البلاد، وفق ما أفادت به وزارة الموارد المائية الأسبوع الماضي.
تقدم عمراني وحضاري
في آب 2017، زار وفد حكومي برئاسة وزير الموارد المائية حسن الخفاجي، مشروع الساقي التابع للعتبة العباسية، حيث اشاد بالجهود المبذولة في هذه المنطقة بملف المياه والحزام الاخضر.
وقال الخفاجي حينها، إن "العتبة ماضية في التقدّم العمراني والحضاري، ولها دور كبير في تحويل بعض الأراضي الصحراويّة الى مناطق زراعيّة وخضراء"، مضيفا أنه "يعود هذا الفضل الى القائمين على إدارة العتبة من سماحة المتولّي الشرعي الى أعضاء مجلس الإدارة الى رؤساء الأقسام وكلّ العاملين في هذه البقعة الطاهرة".
ويعود سبب انحسار مياه دجلة والفرات إلى "سياسات دول المنبع" التي قامت ببناء العديد من مشاريع السدود والاستصلاح الكبرى، دون التنسيق مع العراق الذي يعد دولة مصب، وذلك ما أثر على استحقاقاته التاريخية في النهرين اللذين تراجعت الإيرادات الواصلة لهما إلى أقل من 30% من معدلاتها الطبيعية، في وقت يسعى العراق للتوصل إلى اتفاق مع تلك الدول لرفع الإطلاقات المائية بواقع 400 متر مكعب في الثانية من نهر دجلة، و500 متر مكعب في الثانية من نهر الفرات.
وخلال أقل من 4 سنوات وتحديدا منذ عام 2019 فقد العراق -الذي بات في المرتبة الخامسة على مؤشر الجفاف العالمي- نحو 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وفق بيانات وزارة الموارد المائية.
الساقي يوسع رقعته لزراعة الحنطة
وفي مسار جديد سلكه المشروع في شهر شباط 2020، اتجهت العتبة العباسية المقدسة نحو زراعة الحنطة ذات الرتب العالية من صنف بغداد اباء/22، التي تمتاز بمواصفات عالية.
وحقق هذا النوع من البذور نتائج مختبرية جيدة ونتيجة متقدمة، لذلك فقد تمت إضافة مساحات جديدة لزراعتها بهذا المحصول.
بعد ذلك، تم تهيئة مساحات من الأرض ضمن المشروع وتزويدها بمنظومات إضافية من المرشات المحورية البالغ عدد (6) مرشات، لكون أن السقي يتم بهذه الطريقة الحديثة وبالاعتماد على مياه الآبار المحفورة في المشروع، ليصبح العدد الكلي لها (9) مرشات تعمل على سقي ما زرع من محصول الحنطة.
ثم دأبت الملاكات عند رؤية نجاح زراعة بذور الحنطة الى توسعة الرقعة المخصصة توزعت على المرشحات الست السابقة وبواقع 80 دونماً لكلّ مرشة إضافةً الى المرشّات الثلاث السابقة، والتي تبلغ سعتها 120 دونماً.
وشملت أعمال تهيئة الأرض شملت التأكد من مدى صلاحيتها للزراعة بأخذ عينات من أماكن متعددة من التربة لفحصها مختبريا، ومعرفة مدى ملوحتها ثم تحديد المساحة المراد زراعتها، بعدها يتم جلب البذور التي حددتها وزارة الزراعة العراقية من ثم بذرها باتباع طريقة بذار حديثة.
ويجري كل ذلك بالاعتماد على مياه الابار، في حين يمتلك العراق 19 سدا في عموم البلاد، معظمها مشيد على نهري دجلة والفرات وروافدهما، لتعتمد البلاد في حصولها على المياه مما يصل إليها من دول المنبع من تركيا وإيران.
العتبة تُعيد للعراق "هوية النخيل
في تشرين الثاني 2020، أفردت الشركة المنفذة لمشروع الساقي الذي ينفذ على مساحة تقدر بـ 10.250 دونما، جزءا من مساحته لزراعة النخيل من النوعيات ذات الأصناف العراقية النادرة، وذات المردود الإنتاجي الجيد والملائم لزراعته في صحراء كربلاء.
ومن تلك الانواع هي التي اختفت في الآونة الأخيرة وأصبح البلد يستوردها بدل إنتاجها، لكن العتبة العباسية نجحت واستطاعت أن تقطف ثمارها بتكوين مزرعة نخيل نموذجية، لتمثل اللبنة لمزارع أخرى وفي مواقع زراعية تابعة لها.
وبذلك فقد حققت العتبة العباسية المقدسة ما يسهم في إعادة الهوية الزراعية الوطنية للعراق الذي يعتبر النخيل أيقونته وثيمته الأساس.
واصبح مساحة مزرعة النخيل تقدر بـ 1000 دونم، مقسومة الى 25 مزرعة توسمت بأسماء أئمة أهل البيت(عليهم السلام):
1-مزرعة سيد الأوصياء (عليه السلام)
2-مزرعة خاتم الأنبياء (عليهم السلام)
3-مزرعة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
وضمت المزارع اكثر من 95 صنفا من التمور ابرزها: (برحي نسيجي، برحي محلي، بلكة، بريم، عمراني، شويثي، مكتوم، شكر، خستاوي، زهدي، فحل، أخت الفحل، طه أفندي، خيارة، خضراوي، بصراوي، تبرزل أحمر، حساوي، مكاوي، دكل حلوة، دكلة حمرة، ميرحاج، مطوك، تبرزل، عويدي، ساعي، شويثي أحمر، وغيرها...).
وبلغ ما تمت زراعته حتى الآن أكثر من 14 ألف نخلة، والعمل جار ومتواصل لزراعة مساحات وأصناف أخر، كما لا تقتصر المزارع على النخيل فقط بل توجد مساحات بينية لزراعة الفواكه والحمضيات ايضا.
وفي 24 حزيران 2023، أعلنت وزارة الزراعة، زيادة عدد النخيل في العراق إلى أكثر من 22 مليون نخلة، ما يعني ارتفاعها بمقدار 5 ملايين خلال عام واحد.
وقالت الوزارة، إن أعداد النخيل تقدر بأكثر من 22 مليون نخلة، وهذه نقلة نوعية، بينما كانت قد اعلنت في صيف 2022 عن زيادة عدد النخيل من 12 مليون نخلة إلى 17 مليون نخلة في العراق، خلال 10 سنوات، ما يعني ارتفاعها بخمسة ملايين خلال عقد.
أزمة العراق متواصلة
ويمر العراق بـ"أصعب مراحل الجفاف"، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تحجيم الزراعة في الموسم الماضي 2022 و الحالي 2023 نتيجة أزمة الجفاف للموسم الرابع على التوالي بسبب قلة الإطلاقات المائية وتأثيرها في مناسيب نهري دجلة والفرات وخزين البلاد الاستراتيجي، ما دفع إلى منع زراعة الشلب والذرة الصفراء للموسم الحالي لحاجتها الماسة إلى كميات وافرة من المياه.
وبالحديث عن تجربة نجاح العتبة العباسية بحفر الابار وتطور مشروع الساقي، فتشير التقارير المحلية الى حفر السكان أكثر من 85 ألف بئر بمختلف مناطق العراق، عدد المجاز منها من قبل وزارة الموارد المائية لا يتجاوز 17 ألفاً فقط، والباقي آبار عشوائية وصلت أضرارها إلى حد اختفاء بحيرة ساوة في محافظة المثنى عام 2022.
وكل ذلك سبقه وضع الأمم المتحدة للعراق أواسط العام الماضي 2022 في المرتبة 39 بين أكثر الدول إجهاداً للمياه، في تقريرها الذي أصدرته بمناسبة اليوم العالمي للتصحر.
وقالت فيه إن هناك "ضغوطاً وإجهادا متزايداً على مصادر المياه في العراق، التي تواجه أيضاً تحديات كبيرة من التلوث الناجم عن صناعة النفط ومياه الصرف الصحي، وضعف الإدارة البيئية والحرائق".