العتبة العباسية المقدسة توسّع بنيتها التحتية بمخزن حديث للسجاد والمفروشات
دأبت العتبة العباسية المقدسة ومنذ سنوات طويلة على تشييد مشاريع المياه لتغذية مرافقها ومحطاتها الخدمية للزائرين في مختلف الاماكن التابعة لها بمدينة كربلاء المقدسة، وجاء ذلك عبر سلسلة مخططات وخطوات مكثفة نفذتها ملاكاتها الهندسية بفترات مختلفة لتلاقي استحسان الوافدين.
وحرصت الملاكات المعنية بهذه المحطات على الالتزام بكافة المعايير الصحية والبيئية في انجاز تلك المشاريع لتوفير مياه صالحة للشرب والاستخدام عبر تقنيات حديثة تلائم المواصفات العالمية.
ولا تقتصر جهود توفير المياه على ضريح ابي الفضل العباس (عليه السلام) بل ذهبت الى ابعد من ذلك لتكون على مستوى مدينة كربلاء وحتى خارجها ايضا من خلال نصب المحطات التي يستفيد من خدماتها عددٌ كبير من المواطنين بمختلف الاحياء السكنية وفي جامعات ومدارس ورياض العتبة المقدّسة.
كما استنفرت العتبة المقدسة جهودها لتصل الى الاستثمار الامثل لمياه الابار في ري المساحات الزراعية والمناطق الخضراء، بالاضافة لبحيرات الاسماك، والمنشآت الصحية، والمعامل والمصانع، بعد اكتمال خطوات التأكد من صحة استخدامها فيزيائيا وكيميائيا.
تأسيس مختبر المياه
خطت العتبة العباسية اولى خطواتها في اتجاه تحلية المياه لتقديمها لجميع المجالات التي سلف ذكرها تحديدا في عام 2006م، إذ يتولى تحليل المياه وفحص جودتها، من العيّنات التي يتمّ جمعُها من مختلف النقاط في شبكة الإمداد بالمياه، ويُدار من قبل كادر متخصّص يمتلك من الخبرة ما يؤهّله لإجراء كافّة فحوصات المياه".
ويقول المسؤولون عن المختبر، إن "الفحوصاتُ تكون فيزيائيّة وكيميائيّة إضافةً الى البكتيريا، وباستخدام طريقتين للفحص هما الـ(manual) والـ(TDX)، وتُعتبر هذه الطريقة في الفحص من أحدث الطرق وأدقّها بالنتائج".
ويضيفون، أن : "هناك جدولٌ دوريّ موضوع لإجراء الفحص لكافّة مصادر المياه، وفحوصاتٌ مختبريّة عالية الدقّة تُجرى على المياه التي يستخدمها الزائر للشرب، من ناحية الموادّ المستخدمة في تنقيتها وتصفيتها بدءاً من المراحل الأولى لإنتاج المياه حتّى وصوله الى الزائر، حيث يتمّ أخذ عيّنات من مصادر المياه التي يستخدمها وإجراء الفحص عليها ورفع نتائجها آنيّاً".
كما يُجرى في المختبر أكثر من 15 فحصاً، كالملوحة والعسرة والـ (PH) والكلور والبوتاسيوم والكبريتات وغيرها من الفحوصات – والكلام للمسؤولين الذين يؤكدون أن المختبر خاصّ بالعتبة العبّاسية المقدّسة ومشاريعها ذات العلاقة بعمله، ويعمل ضمن مواصفات الجودة العراقيّة الخاصّة بهذا المجال، ولديه خدمة أخرى غير الفحص فهناك العديدُ من الباحثين من طلبة الدراسات العُليا قد استفادوا منه، من خلال إجراء تجارب عمليّة ذات علاقة ببحوثهم.
اولى المحطات 2013:
بتاريخ آب 2013 أنهت الملاكات الفنية والهندسية العاملة في العتبة العباسية المقدسة، أول مشروع كمحطة تحلية للمياه بعد تشطيب جميع الأعمال الخاصة بها من الناحية الإنشائية وتركيب الأجهزة والمعدات كافة.
وجاء المشروع بهدف سد احتياجات العتبة المقدسة من الماء النقي والخالي من الأملاح، حيث تم تزويده بمجموعة من المنظومات المتطورة بأعمال تصفية وتحلية المياه وباستخدام احدث التقنيات وهي خاصية التناضح العكسي (Reverse Osmosis) والتي يضمن من خلالها الحصول على ماء عالي النقاوة وبمواصفات صحية عالمية.
ووفقا لقسم المشاريع الهندسية، فإن المشروع أقيم على أرض مساحتها 425 متر مربع وبواقع طابقين في منطقة (منطقة باب الخان) قرب العتبة المقدسة، لتصل مجمل مساحة البناء 850 متر مربع وبارتفاع 7,5 متر.
ويتكون مبنى المشروع الخرساني من أساس حصيري وأعمدة وسقوف وجسور خرسانية إضافة لهياكل حديدية خاصة لحمل خزانات المياه ومزود بمنظومات كهربائية وتغذية مائية وصرف صحي، بالاضافة الى ان المشروع مزود بمنظومة سحب ميكانيكية (exhaust system)، وبالعديد من المنظومات الفرعية الأخرى مع الأخذ بنظر الاعتبار أي تطورات مستقبلية تطرأ على هذا المشروع من حيث الأجهزة والمعدات أو المنشأ.
وعملت الملاكات المنفذة على زيادة متانة الأسس الخراسانية للمشروع مما يجعلها تتحمل أي تتطور في المستقبل، وهذا ما تم أخذه بنظر الاعتبار من قبل الجهة المصممة للمشروع وهو مركز الكفيل للدراسات، والجهة المنفذة شركة طائر الثلج العراقية.
توسع المحطات داخليا وخارجيا:
بعد خطوة التأسيس لنهضة تحلية المياه في العتبة العباسية المقدسة، اتجهت الملاكات الهندسية نحو التوسع بهكذا نوع من المشاريع لخدمة الصالح العام في مدينة كربلاء وخارجها من المحافظات والمناطق المختلفة.
وكانت البداية خارجيا من مدينة "امرلي" بمحافظة صلاح الدين، التي ضربت مثالا كبيرا بالشجاعة والاستبسال بالصمود امام داعش الارهابي، حيث كانت المدينة تعاني انقطاعاً في ماء الإسالة بفعل الأعمال الإرهابية التي جفّفت منابع الماء الصافي من مصادره، ممّا جعل الأهالي يعتمدون على مياه الآبار.
وحسب الفحوصات التي أُجريت لمياه الابار، فإنّ الأملاح كانت عالية فيها خصوصاً الكبريتات المضرّة بالإنسان، بعد ذلك جاءت محطات العتبة العباسية وسعتها 6,000لتر بواقع وحدتين، أي بمجموع 12,000 لتر في الساعة، أي ما يساوي 12متراً مكعباً في الساعة.
وتتمّ عملية التحلية بسحب الماء من البئر ووضعه في خزانات أوّلية ليتمّ بعدها سحب الماء الى داخل المنظومة ليخرج الماء الصافي، ثمّ يدخل في منظومة تعقيم بسيطة ليكون صالحاً للشرب ويتمّ توزيعه على الأهالي.
وكخطوة ثانية انطلقت العتبة العباسية نحو محافظات البصرة وذي قار والمثنى، فضلا عن قضاء الهندية وتحديدا طريق كربلاء – الحلة لنصب محطات تحلية المياه هناك ايضا.
ونصبت الملاكات الهندسية محطة سعتها 4000 لتر في الساعة مصنّعة ومجمّعة من أجزاءٍ ذات منشأ عالميّ رصين على طريق البو عامر تحديدا بين كربلاء والحلة نتيجةً لما تعانيه هذه المنطقة من شحّة في مياه الشرب الأمر الذي دفع أهالي المنطقة إلى طلب يد العون من المتولي الشرعي للعتبة المقدسة السيد احمد الصافي (دام عزه).
اما في محافظة البصرة تحديدا عام 2018، فقد كان للعتبة العباسية بصمة واضحة بمساهمتها في حلّ مشكلة المياه عبر الفريقُ الذي بعثته المرجعيّةُ الدينيّة العُليا والعمل على إيجاد حلول جذريّة لتقوم بنصب منظومة متكاملة الخطوط وبطاقةٍ إنتاجيّة ونقاوةٍ عالية، في المستشفى التعليميّ الكائن في منطقة البراضعيّة في المحافظة، الذي كان يُعاني من عدم صلاحيّة المياه المزوّد بها.
وحول ذلك يقول رئيسُ قسم المشاريع الهندسيّة في العتبة، المهندس ضياء مجيد الصائغ إن "المعلومات حينها افادت بأنّ المياه المغذّية للمستشفى غير صالحة للاستخدام البشريّ، فكانت له زيارات عديدة تمخّض عنها وضع اليد على ما يُعانيه هذا المستشفى، وبعد إجراء الفحوصات المختبريّة لهذه المياه تبيّن أنّ المياه التي تأتي من محطّة البراضعية هي مياه عالية الملوحة، حيث بلغت الى 22 جزءً بالمليون".
واضاف: "أمّا الآن بعد هبوط نسبة الأملاح في المياه الى حدود السبعة آلاف فهي أيضاً لا تزال غير صالحة للاستخدام البشريّ، أمّا المصدر الآخر لمياه المستشفى فهو من محطّة البدعة"، مؤكدا أنه "بعد ذلك تم ايجاد المنظومة المُناسبة من الناحية العلميّة وهي منظومة عالية الملوحة، بحيث تتحمّل بحدود 30 ألف جزء بالمليون من الأملاح، وذات سعة 15 متراً مكعّباً في الساعة أي 15 ألف لتر في الساعة تقريباً.
مطلع عام 2019 وضمن المهام الاخرى في البصرة، انجزت الملاكات الهندسية إنشاء منظومة تحليةٍ للمياه (R.O. station) وسعتها سعتها (30.000) لتر في الساعة بقضاء شطّ العرب وفي منطقة محيلة بالتحديد التي كانت تعاني الأمرّين جرّاء نقص المياه وتلوّثها.
وجاء المشروع بعد استئجار أرضٍ تبلغ مساحتها (1000م2) لتنفيذ المحطة وبأدق المواصفات والمناشئ العالمية من اجل ضمان الكفاءة المطلوبة للمستفيدين.
ولم تتوقف العتبة العباسية عن جهودها بنصب محطات تحلية المياه حتى وصلت الى مناطق عديدة كان من ابرزها :
1-مزار ابن الحمزة/ باب الخان في كربلاء
2- قرية الرزّازة
3-مزار ردّ الشمس
4-مضيف العتبة العبّاسية المقدّسة لخدمة الزائرين على طريق (النجف-كربلاء)
5-موكب العتبتين المقدّستين لخدمة الزائرين على طريق (النجف-كربلاء)
6-مناطق مختلفة بمحافظة البصرة
7-محافظة ذي قار
8-قضاء النخيب
9-انشاء 5 محطّاتٍ داخل مركز مدينة كربلاء المقدّسة
10- مخبزُ الحشد في حيّ الملحق في محافظة كربلاء
11-محطّةٌ في قرية جرف البو عامر في قضاء الهنديّة
12- محطات لأكثر من 3 قرى في محافظة المثنى
مياه نقية للمدارس:
واستمرت العتبة العباسية في مد مشاريعها لتحلية المياه على مدى السنوات الماضية وصولا لعام 2023، إذ قامت بنصب محطات في عدد من المدارس والسكان في محيطها بمحافظة كربلاء.
وتمثل ذلك باستجابة الجهات المسؤولة في العتبة عام 2021، لطلب إدارة إعداديّة العبّاس(عليه السلام) المهنيّة في حيّ الصمود، لسدّ احتياجات الإعداديّة فضلاً عن أهالي المنطقة بالمياه الباردة الصالحة للشرب، حيث نصبت منظومةُ على مساحةٍ بلغت 40 متراً مربّعاً، بسعةٍ إنتاجيّة تبلغ(1000 لتر في الساعة وتخزينيّة تبلغ 10.000 لتر.
ثم بعد ذلك، انجزت الفرق الهندسية ايضا مطلع عام 2023، مهمة نصب محطة اخرى للتحلية في أحدى مدارس كربلاء بسعة 1000 لتر في الساعة، بهدف خدمة الطلبة والأهالي المحيطين بهذه المنطقة، على أن تكون أعمال التشغيل والصيانة على عاتق وحدة الصيانة التابعة لشعبة المياه في العتبة العباسية، حيث يكون عمل المحطّة وتشغيلها وصيانتها من ضمن مهامها.
أزمة شح المياه والتلوث:
ورغم مرور العراق منذ سنوات بأزمة شديدة من شح مناسيب المياه نتيجة لعدم تطبيق الاتفاقيات الدولية مع دول المنبع، وبروز تأثيرات التغير المناخي على البلاد، الا أن العتبة العباسية تواصل ايجاد البدائل في هذا المجال عبر مشاريعها واستثماراتها المختلفة والمعلنة، اسوة بمشاريع اخرى في قطاع الطاقة والصناعة.
ومن المعلوم للجهات المطلعة وبشكل واضح، وجود معاناة في محافظات الجنوب التي تطل على نهري دجلة والفرات، اللذان يشكلان شط العرب، من ارتفاع ملحوظ بنسب الملوحة القادمة من بحر العرب (مياه الخليج).
ويعود ذلك إلى انحسار مياه النهرين من جهة خلال الأعوام الأخيرة، وعدم تطبيق مشاريع التحلية، أو زيادة إطلاقات المياه من بعض دول المنبع، وبناء السدود جنوباً من جهة أخرى.
وفي شهر ايار 2023، توقعت وزارة البيئة العراقية تصاعدا خطيرا بنسب التلوث والملوحة في المحافظات الجنوبية للبلاد، بسبب أزمة المياه التي يعاني منها البلد منذ عدة سنوات، فيما لا يبدو أن هناك معالجات مهمة في هذا المجال.
سبق أن حذرت الوزارة من استمرار ارتفاع نسب التلوث البيئي في العاصمة بغداد والمحافظات، من دون وضع معالجات للملف، مؤكدة أن التلوث يشمل الهواء والمياه والتربة، معتبرة أن الحاجة باتت ملحّة لإنشاء مدينة إدارية جديدة كخطوة للتخلص من التلوث البيئي.
وفي السياق، يرى مختصون في المجال البيئي، أن هناك ملوثات بيئية أخرى تسهم في تلوث البيئة وارتفاع نسب الملوحة في الأنهر، منها: مياه المبازل، ومخلفات المنازل والمصانع التي تُلقى في الأنهر"، فيما اكدوا أن "هناك حاجة ملحة إلى تنسيق وزاري لمحاربة هذه الظواهر ومحاسبة المخالفين، فضلا عن نشر الوعي من مخاطرها".
ويقول المختصون، إن "بعض الأنهر وصلت بها نسب التلوث إلى 90 بالمائة، وهو أمر خطير، وأن التوقعات تشير إلى أن الصيف المقبل سيشهد تزايدا بنسب التلوث؛ وهو أمر مؤكد، إذ إن تلك النسب ستتزايد سنويا، في حال عدم زيادة الإطلاقات المائية نحو العراق، وهو ما يتطلب تحركا حكوميا نحو دول الجوار، فضلا عن إزالة الملوثات البيئية الداخلية".
شعبة النشر- أحمد فاضل