العتبة العباسية المقدسة توسّع بنيتها التحتية بمخزن حديث للسجاد والمفروشات
يعتبر مشروع الفردوس الزراعي أحد ابرز المشاريع الانتاجية التابعة للعتبة العباسية المقدسة، وله فوائد زراعية وصناعية وترفيهية ايضا، تكونت من استثمار مساحات شاسعة في صحراء مدينة كربلاء المقدسة وتحويلها الى واحات خضراء استفادت من الثروات المائية الجوفية.
وحقق المشروع في سنوات قصيرة طفرة نوعية وكمية في إنتاجه من محصول البطاطا بشقيها الصناعي والاستهلاكي، فضلا عن رفد السوق المحلية بهذا المحصول الذي يعد من المحاصيل المهمة في التغذية البشرية.
خطوة البداية:
في تاريخ 25 آب 2019، اعلنت العتبة المقدسة شروعها بتنفيذ مشروع استراتيجي كبير متعدد الفوائد، وذلك من خلال مشروع ايمته (الفردوس) يكون على مساحة تقدر بـ 760 دونما أي ما يعادل 1.900.000 متر مربع، ليصبح اضافة لسلسلة المشاريع التي نفذتها ملاكات العتبة العباسية.
وسبقت أعمال تحضيرية، منها التأكد من مدى صلاحية التربة للزراعة وللمنشآت الصناعية والترفيهية، بأخذ عينات من التربة ومن أماكن متعددة لفحصها مختبريا، ومعرفة مدى ملوحتها وصلاحيتها وتحديد المساحة المراد إشغالها وحسب كل مقطع من المشروع.
كما قامت الملاكات المختصة بتسوية التربة وتحديد المقاطع الزراعية والصناعية والترفيهية، مع تزويد المشروع بشبكة متكاملة من منظومات الري الحديثة من المرشات المحورية (اوبال بيفوت) ذات المناشئ العالمية، وتهيئة مغذياتها المائية عن طريق الآبار الارتوازية وعلى غرار ما عمل به في مشروع الساقي".
وبعد ذلك، جرى استملاك الأرض الخاصة بالمشروع وفقا لقوانين الدولة العراقية النافذة، لتشرع شركة اللواء العالمية وهي الجهة المنفذة للمشروع بخطواتها العملية
اهدافه:
يقول رئيس قسم المشاريع الهندسية المهندس ضياء مجيد الصائغ، إن المشروع يهدف الى استثمار الأراضي الزراعية الصحراوية وتنمية الواقع الزراعي والصناعي في كربلاء، بالاضافة لانه سيكون بمثابة مصدات طبيعية للرياح والعواصف الترابية.
ويضيف، أن المشروع يوفير فرص العمل لتشغيل الأيادي العاملة للعناية بمنشآته ومرافقه، كما يساهم في رفد السوق المحلية بنوعيات جيدة ونادرة من المحاصيل والفواكه الزراعية والحقلية، كما يقوم بتوظيف الإمكانيات والخبرات الصناعية الزراعية ووضعها في مجالها الصحيح.
ويؤكد الصائغ أن المشروع يستثمر المياه الجوفية عن طريق حفر الآبار الارتوازية، ويتم من خلاله زراعة أصناف من أشجار الفواكه النادرة والاستفادة منها كذلك، وفوق ذللك سيكون معززا بدخول تقنيات وآليات زراعية وصناعية حديثة بالاستفادة من الخبرات المحلية والدولية، فضلا عن كونه مصدرا لتكاثر الأنواع النادرة من المحاصيل الزراعية، ومساحات خضراء للترفيه بالنسبة للعوائل.
وبالاضافة لكل ما مذكر يقول رئيس القسم، أن المشروع سيكون فيه مستقبلا منشآت صناعية تعود بالفائدة الاقتصادية للمحافظة وللبلاد بشكل عام، حيث سيمثل بذلك فرصة للباحثين في دراسة وتنفيذ مشاريعهم البحثية.
اقسام المشروع:
يرى مدير شركة اللواء العالمية المهندس عادل مالك، أن لمشروع الفردوس ثلاثة اقسام رئيسية يجب وضعها بوضوح، وهي أنه زراعي لإنتاج المحاصيل الزراعية الداخلة في الصناعة الغذائية التحويلية ويقام على مساحة 640 دونما، كما لفت الى أن القسم الثاني هو ترفيهي ويقام على مساحة 80 دونما تقريبا ويشتمل على مرافق ترفيهية حديثة، روعيت فيها المساحات الخضراء والأشكال المائية من شلالات وبحيرات ومساحات خضراء تكثر فيها أشجار النخيل والزينة.
اما القسم الثالث فهو يقام على مساحة 40 دونما تقريبا وقد خصص للمنشآت الخدمية والتكميلية للمشروع، إضافة الى مخازن وساحات وسكن للعاملين في المشروع، كما يتخلل شوارع وساحات وهو محاط بسياج طبيعي من أشجار دائمة الخضرة وآخر صناعي.
قطف الثمار:
بعد مرور نحو 9 اشهر فقط، وتحديدا في 12 شباط 2020 افصحت العتبة العباسية المقدسة عن نجاحها في في زراعة وإنتاج تقاوي بذور البطاطا وقطف ثمار هذه التجربة على مساحة تقدر بـ 200 دونم أي ما يعادل 500.000 متر مربع .
ويأتي ذلك بعد أن تم تطبيق برنامج زراعي متكامل على أجزاء من الصحراء ورمالها، لاستصلاحها وتحويلها الى واحات خضراء .
وعن هذا الانتاج الاولي يقول المهندس حيدر محمد شهيد مدير موقع المشروع الذي تنفذه شركة اللواء العالمية إن فكرة إقامة هذا المشروع جاءت نتيجة لما يعانيه العاملين في مهنة الزراعة من تعرض محصول البطاطا لأمراض فيروسية أثرت بشكل كبير على محاصليهم، لكونهم يعتمدون على مصادر تقاوي غير موثوقة وتفتقد الى معايير الجودة.
ويوضح أن المشروع يساهم في تغطية الطلب المتزايد على تقاوي البطاطا، عن طريق إنتاج تقاوي لأصناف معتمدة تتسم بالجودة وخالية من الأمراض الفيروسية والفطرية والبكتيرية، من دون الاعتماد على المستورد وباتباع برنامج زراعي وتسميدي أشرفت على تنفيذه شركة الجود لتنكلوجيا الزراعة الحديثة التابعة للعتبة العباسية المقدسة.
وحول الطرق المستخدمة في المشروع، بين شهيد، أنه تم استخدام طريقة ري حديثة تتمثل بالمرشات المحورية وبالاعتماد على مياه الآبار، حيث تم تزويد المشروع بمرشات تتم تغذيتها من خلال آبار حفرت بعمق 280 مترا الى 300 متر، لافتا الى أن المشروع حقق نجاحا اخر في بدايته يتمثل بإنتاج البطاطا في تربة رملية، وجاء هذا بعد تطبيق برنامج تسميدي وزراعي متطور أشرفت عليه شركة الجود لتكنلوجيا الزراعة الحديثة.
التجربة الثانية لتثبيت الحلم:
في مطلع ايار 2020، نجحت شركة اللواء العالمية مرة اخرى بتكرار قطف ثمار الكفاح بالاعلان عن حصاد الوجبة الثانية من محصول البطاطا، بعد أن استُخدِمت في زراعتها أكثر الطرائق حداثةً المعتمدة على الأسمدة والمبيدات الإحيائيّة المعروفة بصداقتها للبيئة، التي تنتجها شركة خير الجود.
واشارت الشركة الى أن هذا الحصاد وهو ما يُعرف بالأنواع الصناعية والاستهلاكيّة، وجاء ذلك بعد نجاح التجربة الأولى وتحقيقها نتائج جيّدة، إذ بلغت المساحة المحصودة نحو 200 دونم.
ويأتي ذلك في وقت عانى ولا يزال يعاني فيه العراق من انخفاض بانتاج محصول البطاطا، حيث توضح احصائية لعام 2021 انخفاض الانتاج للعروتين الربيعية والخريفية بـ466.1 ألف طن، بانخفاض مقداره 208.7 ألف طن عن العام 2020 الذي قدر بـ 674.8 ألف طن، وقدرت نسبة الانخفاض بـ(30.9%).
فيما قدر انتاج محصول البطاطا في 2020 للعروة الربيعية بـ 135.8 ألف طن بنسبة 29.1% من مجموع انتاج العروتين الربيعية والخريفية، في حين قدر انتاج محصول البطاطا للعروة الخريفية 330.3 ألف طن بنسبة 70.9 % من مجموع الانتاج للعروتين الربيعية والخريفية.
وبلغ مجموع انتاج البطاطا لعام 2021 في العراق أكثر من 4661000 مليون طن، بمجموع مساحة 767 الف دونم، وفق ارقام رسمية صادرة عن وزارة التخطيط، مستثنية أقضية ونواحي في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك، بسبب الوضع الامني وقتها.
الحنطة في الفردوس:
في منتصف عام 2023 اعلنت ادارة مشروع الفردوس عن الانتهاء من موسم حصاد الحنطة ذات الرتب العليا من صنف (بحوث 22)، وعلى مساحة تقدر ب 400 دونم سقيت بواسطة المرشات المحورية وبالاعتماد على مياه الآبار.
واوضح مدير شركة اللواء العالمية، عادل مالك، حول موسم الحصاد، أن الرتب العليا جرى زراعتها في هذا الموقع للمرة الأولى وضمن الخطة الزراعية في محافظة كربلاء المقدسة، وبعد ذلك ستقوم الشركة بتوريد المحصول لمخازن وزارة الزراعة العراقية المخصصة لمحافظة كربلاء المقدسة والمعدة لاستلام مثل هكذا محاصيل.
واشار الى أنه تم تطبيق برنامج تسميدي غذائي متكامل لجميع المساحات المزروعة، مقرونا ببرنامج سقي وضع بإشراف شركة خير الجود لتكنولوجيا الزراعة، وباستخدام أسمدة ومبيدات من إنتاجها أثبتت نجاحها وتفوقها على قريناتها في باقي المساحات المزروعة من نفس الصنف، لكن ببرنامج تسميدي وغذائي مختلف مما انعكس إيجابا على جودة ووفرة المحصول.
وبنهاية هذا الحصاد انهت العتبة العباسية موسمها الزراعي الذي توزع على 3 مواقع من ضمنها موقع الفردوس وهي كل من:
- موقع الساقي: بلغت مساحته 480 دونما، والحنطة المحصودة منه ذات الرتب العليا على صنفين، الأول صنف بغداد الذي زرع على مساحة 360 دونما، أما الصنف الآخر فهو بحوث/22 الذي خصصت له مساحة 480 دونما.
- موقع مزارع المرشات المحورية وبمساحة بلغت أكثر من 400 دونم، والحنطة التي تم حصادها هي من الأصناف بحوث/22 والإباء/99، كذلك تمت زراعة قسم منها بمحصول الشعير من نوع شعير 244 و شعير9/12.
اشادات دولية بمشروع الفردوس:
وبعد انتهاء موسم الحصاد بنجاح، بدأت الاشادات تصل الى مشروع الفردوس الزراعي الكبير، الذي بات واقعا ملموسا يمثل الرؤية الحقيقية والتطورية للعتبة العباسية في القطاع الزراعي.
وكانت اولى الاشادات من منظمة اكساد التابعة لجامعة الدول العربية، التي زارت العتبة العباسية من خلال وفد برئاسة الدكتور نصر الدين العبيد، حيث وصف المشروع بـ "النموذجي".
وقال مدير المنظّمة العربية المختصة بدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة إن المشروع يعتبر نموذجيّا لاستخدامه حزمةً من التقنيات الحديثة المتّبعة في المجال الزراعي، لاسيّما في المناطق الصحراويّة والجافّة كالتي شُيّد عليها المشروع، وذلك من خلال رفعه لكفاءة الريّ والنشر والحصاد واستخدام وسائل الريّ الحديثة.
وأضاف العبيد، أنه تعرّفنا خلال زيارتنا للمشروع على أهمّ المحاصيل التي يُنتجها المشروع من محاصيل استراتيجية، كمحصول البطاطا والخضراوات والقمح التي تمثّل قيمةً غذائية عليا للأمن الغذائي العراقيّ وسوقه المحلّية، لافتاً إلى استعداده فتح آفاق التعاون وتبادل الخبرات لزيادة الإنتاج في هذا المشروع الحيويّ والمهمّ.
وفي الفترة ذاتها من 2023، أجرى وفد الأمم المتّحدة ممثلاً بالمنظّمة الدوليّة للهجرة (IOM)، جولةً في مشروع الفردوس، معربا عن رغبته بتوسيع افاق التعاون المشترك.
واطلع الوفد على النجاحات التي تمكّنت من تحقيقها العتبة المقدّسة، في استصلاح الأراضي الصحراوية وتحويلها إلى مساحات خضراء التي تسهم في الحدّ من ظواهر البطالة والجفاف وشحّة المياه، باعتمادها على التقنيّات الحديثة المتعلّقة بترشيد استهلاك المياه، وهذه أهمّ العوامل التي تؤثّر على نزوح السكان والهجرة من مناطقهم.
واعرب الوفد عن سعادته لرؤية الطرق الحديثة وتطبيقها في مشروع مزرعة الفردوس الزراعي، وكذلك انعكاس آثارها وفوائدها على المجتمع ككل، فضلاً عن تأثير هذه المزرعة على المناخ وظاهرة الاحتباس الحراريّ، وكيف يمكن تجاوزها والتقليل من مخاطر الكوارث المناخية، التي تؤثر على الزراعة وعلى العمل بشكلٍ كامل.
ويعاني العراق من اتساع مشكلة التصحر الذي بات يهدد 55 بالمائة من مساحة البلد، ومع تأثيرات التغير المناخي، فإن الجفاف الذي يعانيه من جراء قطع بلدان المنبع للتدفقات المائية نحو العراق بنهر الفرات، وضع البلاد أمام أزمة جفاف غير مسبوقة، أدت إلى تقليص المساحات الزراعية إلى النصف، وحرمان محافظات عدة الزراعة بشكل كامل، وفقاً للخطط الزراعية الموسمية التي تصدر بحسب وفرة المياه، وهذا كله أثّر بالبيئة.
شعبة النشر – أحمد فاضل