العتبة العباسية المقدسة توسّع بنيتها التحتية بمخزن حديث للسجاد والمفروشات
تقرير:أحمد فاضل
مع استمرار مواجهة العراق للعقبات الكبيرة امام تأمين احتياجاته من الطاقة الكهربائية منذ اكثر من 17 عاما، فضلا عن مواصلة البلاد الاعتماد على استيراد الغاز لتشغيل محطات التوليد، باتت الحاجة ملحة الى توفر البدائل الاسرع والانجع كي يتم تغطية الاحتياجات في مختلف القطاعات.
وبما أن كلفة الغاز المستورد لتشغيل محطات التوليد الحكومية يعد مكلفا جدا، ذهبت الكثير من الجهات الفاعلة في البلاد نحو الشروع بتشييد مشاريع الطاقة البديلة، وأبرزها العتبة العباسية المقدسة في محافظة كربلاء، لتدخل بذلك مجالا جديدا ضمن سلسلة مجالاتها ومشاريعها المتنوعة بخدمتها للمجتمع.
وتأتي مشكلة الكهرباء في العراق اساسا من الهدر الكبير للغاز المحترق دون الاستفادة منه من خلال المشاريع الاستثمارية كي يتحول الى غاز يصلح لاستخدام مولدات الكهرباء، وهو ما يسؤدي الى الاستغناء عن المستورد وايقاف بذخ الاموال بمليارات الدولارات سنوياً.
ووفقا لتقارير البنك الدولي، يعتبر العراق ثاني أسوأ دولة في العالم من ناحية حرق الغاز بعد روسيا، إذ يحرق نحو 17.37 مليار متر مكعب من الغاز يفترض أن يتم استثمارها لسد حاجة الكهرباء، ولكون العراق من اوائل الدول المنتجة للنفط في العالم.
كل ذلك جعل العراق يعاني من عجز في الكهرباء ادى الى انقطاعها على فترات متفاوتة طوال اليوم وبجداول تشغيل مختلفة بين محافظة واخرى، حيث استدعى ذلك لنهضة جادة خاصة في محافظة كربلاء وعلى مستوى مشاريع العتبة العباسية تحديداً، إذ قامت الاخيرة بالاستثمار في هذا القطاع الحيوي لتزويد مرافقها بالطاقة الكافية.
بداية الطاقة البديلة في العراق وما فعلته العتبة ..
مطلع العام 2020، اتجهت ملاكات العتبة العباسية نحو استثمار الموارد الطبيعيّة وتحويلها الى مخرجات ذات فائدة ونتائج مضمونة، ممّا ينعكس بشكلٍ واضح على خطّتها الرامية الى تحقيق التنمية الشاملة.
وبعد اتساع رقعةُ مشاريع العتبة المقدّسة ومنها المشاريع الزراعيّة وعلى اعتبار أن الطاقة الكهربائيّة أحد أهمّ مرتكزاتها، ولبُعْد هذه المشاريع عن خطوط النقل الكهربائيّة وكُلفتها وعدم استقراريّتها، إضافةً الى أنّ مولّدات الديزل تشكّل تكلفةً إضافيّة، استقر الخيار على استخدام الطاقة البديلة (محطّات الطاقة الشمسيّة) لرفد هذه المشاريع بالطاقة الكهربائيّة.
ويأتي هذا التوجه السريع من العتبة بشكل نادر في العراق وسط الكم الهائل للاحتياج للطاقة، مقارنة بدول مثل المغرب والإمارات العربية المتحدة وحتى الأردن ومصر اللواتي اتجهن على نحو واسع في بناء مشاريع للطاقات المتجددة للتخلص من محطات الديزل التي باتت متعبة ومكلفة من مختلف جوانبها.
وفي مثال اقرب على ندرة الاستفادة من الطاقة البديلة في العراق، فعند تتبع بعض المحلات التجارية في العاصمة بغداد واقليم كردستان ايضا سنجد أنظمة للطاقة الشمسية يتم نصبها على الاسطح او الاعمدة لتحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية، حيث تخزن الألواح الشمسية الطاقة في بطارياتها خلال النهار ليتم استخدامها في الليل.
وهذه الطريقة هي ما جعلت استخدام الأنظمة الشمسية ممكنا حتى عندما يكون الطقس مغبراً أوغائماً، ولكن في بلد مثل العراق يتمتع بنحو 300 يوم مشمس في السنة، لا تعد الغيوم أو الأمطار مشكلة أساسية، الا أن العقود التي ابرمتها الجهات الحكومية مع شركات عالمية للاستثمار تكاد تكون فتراتها طويلة لدرجة عدم قدرة بعض المؤسسات المتمكنة على الانتظار لسنوات اكثر، وهو ايضا ما كان سببا مهما لانطلاق العتبة العباسية بملاكاتها المثابرة والمتميزة في نسب الانجاز نحو هذا الاستثمار وبشكل جدي.
اول الخطوات (مشروع العوالي) ..
بعد عقد العتبة العباسية للعزم على استثمار الطاقة البديلة، شرع قسم المشاريع الهندسيّة بالمراحل الأولى لاستثمار الطاقة البديلة (الشمسيّة)، لتزويد مشاريعه الاستراتجيّة الكبرى بالكهرباء، وبالاخص التي تم من خلالها استثمار الاراضي الصحراوية وتحويلها الى واحاتٍ خضراء، لإنتاج أنواع عديدة من المحاصيل المهمّة ذات النفع الوطني.
وبهذا الصدد، يوضح رئيس قسم المشاريع الهندسيّة في العتبة العبّاسية، ضياء الصائغ، أن "فكرة الاستثمار بمجال الطاقة المتجددة جاء من خلال انشاء منظومات تعتمد على الطاقة الشمسية من خلال الخبرات والكفاءات التي توجد في ملاكات العتبة العباسية المقدسة".
واضاف، أن "مشروع العوالي الزراعي يعتبر اولى التجارب التي بدأت من خلالها العتبة لتطبيق هذا النوع من الاستثمار خاصة بعد إعداد دراسة مستفيضة وتبيان حاجة كلّ مشروع من الطاقة لتقوم بنصب الخلايا الشمسيّة".
واكد الصائغ، أن "التجارب الاولية في حينها أعطت نتائج طيبة وهو ما كان الدافع لتوسيع رقعة هذه الأعمال وتعميمها على باقي المشاريع تباعاً كي يتم الاعتماد على الطاقة الشمسية كلياً".
يشار الى أن مشروع العوالي يقع في عمق الصحراء على الطريق الرابط بين كربلاء وقضاء عين التمر.
2017.. الطاقة البديلة في الجامعة
خطوة اخرى بدأت بها العتبة العباسية لتمدد مشروع الاعتماد على الطاقة البديلة قامت بها من خلال نصب منظومات الطاقة الشمسية في جامعة الكفيل التابعة لها، بحسب ما تحدث به مسؤول شعبة الاتّصالات وتكنلوجيا المعلومات ،التابعة لقسم المشاريع الهندسيّة، فراس عباس، فيما اكد ان "الشروع بهذا المشروع في الجامعة جاء بسبب شدة الرياح التي تهب على المنطقة الموجودة فيها الجامعة لكونها منطقة مفتوحة،".
واكمل عباس، أنه "تم تصميم وتنفيذ هيكل حديدي خاص لتثبيت الألواح الشمسيّة بطريقةٍ آمنة، بحيث لا تتأثّر بالرياح العالية والعواصف"، مشيرا الى أنه "بعد الانتهاء من الهيكل تم تنصيب جميع الألواح الشمسيّة التي يبلغ عددها 132 لوحاً، بقدرةٍ تبلغ 380 واطاً للّوح الواحد وبسعة إجماليّة تبلغ 50 كيلو واط تقريباً".
واوضح، أنه "تم أيضاً تنصيب محوّلات الطاقة الشمسيّة من نوع 8Kwatt Hybrid System وعددها 6 محوّلات، كذلك تمّ تنصيب بطاريّات المنظومة من نوع ليثيوم ذات سعة 96 كيلو واط في الساعة، والتي تعمل على تغذية كلّ المنظومات الإلكترونيّة ومركز المعلومات والاستعلامات الرئيسيّة في الجامعة بالكهرباء في حال انقطاع التيّار الوطنيّ".
واشار مسؤول الشعبة الى تنصيب وتشغيل 40 مصباح إنارةٍ خارجيّ (يعمل بالطاقة الشمسيّة وببطّاريات ليثيوم مستقلّة) على الأعمدة الداخليّة والأعمدة المحيطة بالجامعة، لإنارة الجامعة ليلاً في حال انطفاء الكهرباء الوطنيّة، علماً أنّها تعمل أوتوماتيكيّاً عند حلول وقت غروب الشمس في كلّ أيّام السنة.
وفي ملخص ما سيحققه ادخل الطاقة البديلة لجامعة الكفيل ذكر الاتي:
- عدم استخدام مولّدات الديزل.
- تقليل تكلفة الجامعة من استهلاكها للطاقة الكهربائيّة وتقليل ثمن فواتيرها، بحدود المليون دينار شهريّاً التي كانت تدفعها الجامعة لدائرة الكهرباء.
- توفير المبالغ المخصّصة لتشغيل وصيانة المولّدات وتقليل الضوضاء التي ترافق تشغيلها.
- توفير تيّارٍ كهربائيّ مستقرّ بصورةٍ متواصلة دون انقطاع ليلاً ونهاراً.
- المساهمة في إشاعة ثقافة استخدام الطاقة البديلة.
- ستوفّر خبرةً إضافيّة في تنفيذ مثل هكذا مشاريع ضخمة في هذا المجال.
ولعل من اهم المحطات التي لا يمكن تجاوزها، هو أن العتبة العباسية وفي ذات السنة، احتضنت على قاعة الامام الحسن (عليه السلام)، فعاليات (المؤتمر البيئي الدولي الثاني الذي اقامته منظمة التنمية والارتقاء بالبيئة العراقية برعاية كل من العتبة العباسية والعتبة الحسينية ووزارة الموارد المائية وجمعية الهلال الاحمر العراقية ومنظمة الامم المتحدة).
إذ تخلل المؤتمر بحثا للدكتور حسين فالح مهدي وهو تدريسي في كلية الهندسة / جامعة ديالى، تحدث فيه عن كيفية المحافظة على البيئة باستخدام الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية و إنّ قضيّة البيئة والتلوّث البيئي أصبحت واحدةً من القضايا التي تمثّل تحدّياً أساسيّاً أمام البشريّة ونتجت عنها مجموعةٌ من التحدّيات.
وتابع الدكتور حسين، أن هذا التحدّي ينبغي أن تكون أمامه مجموعة وسائل وآليّات وأفكار قبل ذلك لمواجهة مثل هذا التحدّي، فلذلك من الجميل جدّاً أن تكون لدينا مؤتمرات وبحوث علميّة أكاديميّة مضافاً الى البحث الميدانيّ لمواجهة هذا التحدّي الكبير، وهذا يستوجب اهتماماً كبيراً ليس فقط من المؤسّسة الرسميّة أو الأكاديميّة وإنّما أيضاً لابدّ أن يأخذ المجتمع المدنيّ دوره في مواجهة مثل هذه المخاطر.
2023.. العتبة العباسية بخطط عالمية
وفي السياق، تشير التقارير والدراسات الدولية، الى أنه في آسيا تطلق حكومات دول مثل الصين والهند برامج هائلة لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتجيء هذه الفرص في الوقت الذي يعاني فيه قطاع النفط من أسوأ ركود له منذ اواخر التسعينات مما يدفع طلبة كليات الهندسة في اعادة النظر في خياراتهم بل ان ذلك يحدث مع اناس في منتصف حياتهم العملية تقريبا قضوا أكثر من عشر سنوات في قطاع النفط.
أما في الاتحاد الأوروبي ستقوم طاقة الرياح بمده بربع احتياجاته من الكهرباء بحلول 2030، إذ تغطي طاقة الرياح الان نحو 10 % من الموارد الكهربائية للكتلة الاوروبية، فيما بات في لندن الحصول على التقنية الجديدة (فري فولت) التي تجمع الطاقة المنتشرة في الهواء من الشبكات اللاسلكية وشبكات الهاتف المحمول وتحولها إلى كهرباء لشحن البطاريات.
وعلى الصعيد المحلي خلال عام 2023، وخاصة بعد نجاح العتبة العباسية بمشروع الطاقة البديلة في مشروع العوالي، وجامعة الكفيل، استمرت الملاكات الهندسية بسلك الطريق وصولا للاستخدام الاكبر للطاقة الشمسية حيث قامت ملاكاتها بأدخال منظوماتها الى مجمع العميد لتخفيف الضغط على منظومة الكهرباء الوطنية .
ويبين مسؤول شعبة الاتّصالات التابعة لقسم المشاريع في العتبة العباسية، فراس عباس حمزة إن "ادخال منظومة الطاقة البديلة في مجمع العميد التعليمي، وفّرت ما يحتاجه من طاقة ولا سيّما المنظومات الحرجة، من دون الحاجة إلى المولّدات الكهربائية"، مؤكدا أن "ذلك أدى لتقليل الضغط على منظومة الكهرباء الوطنية، كما قام بتعزيز تقليل الانبعاثات الضارة وتحسين الواقع البيئي".
واكد، أنه "المنظومة في مجمع العميد جرى نصبها من 7 طبقات من اللون الأبيض، لرفع إنتاجية الخلايا الشمسية وتقليل الضغط عن بطارياتها، فضلاً عن حماية أرضية المجمع وعدم الحاجة إلى صيانتها لمدّة تتراوح من 15 – 25 سنة".
ولفت الى أن "المجمع الذي يتكون من 8 بنايات يتطلب وجود طاقة مستمرة لأجهزة الكاميرات والانذار والحريق ومضخات المياه العذبة والثقيلة وغيرها وهو ما ستقوم بتلبيته منظومات الطاقة الشمسية مقارنة بما كان سابقا عبر المولدات"، كاشفا عن أن "حجم المنظومات الشمسية التي تم نصبها وبقوة اشعة الشمس تمكنت من توليد طاقة فائضة جرى تزويد مدارس مجموعة العميد منها، فضلا عن ارجاع الفائض نحو الشبكة الوطنية".
اشادة دولية بجهود العتبة العباسية بمجال الطاقة
وبالنظر لما انجزته العتبة المقدسة في مجال الطاقة الشمسية وتقليل الاضرار في البيئة، فقد أبدى وفد من الهيئة التنظيمية لمؤتمر المناخ بتاريخ حزيران 2023، والذي اقامه في مجلس النواب العراقي، اشادته الكبيرة بما وصلت اليه العتبة من مشاريع كبيرة وخبرات عملاقة بهذا المجال.
وأجرى الوفد زيارة الى مشاريع العتبة العباسية بعد انتهاء المؤتمر في مجلس النواب، للاطلاع على منظومات الطاقة الشمسية ومعرفة تفاصيلها، وما الفائدة التي تعود منها، ومقدار ما توفره من الناحية البيئية للتقليل من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكاربون والتي اصبحت تعمل بشكل مميز منذ اكثر من سنتين واخرى منذ بضعة اشهر للاستغناء عن محطات الديزل لتوليد الكهرباء.
وقبل ذلك كان لوفد العتبة العباسية مشاركة في فعاليات المؤتمر، حيث قال ممثلها ورئيس قسم التطوير والتنمية المستدامة فيها الدكتور محمد حسن جابر، بكلمته خلال المؤتمر، إن العتبة العباسية طرحت خطتها بتبنّيها للثابت الوطنيّ المتمثّل بالإيمان بالقدرات الوطنية والملاكات العراقيّة في إنجاز المشاريع، ومنها مشاريع التنمية المستدامة لمواجهة التغيّر المناخي فضلاً عن التركيز على إقامة مشروعاتٍ متميّزة ورائدة من حيث النوع، سواء من جهة نوع المشروع ومنتجاته أم من جهة التقنيات والتكنولوجيا المستخدمة فيه.
كما تطرق الدكتور محمد حسن، الى مشاريع العتبة العبّاسية التي بلغت نحو 150 مشروعاً في موضوع المؤتمر، وتقسيمها إلى ثلاث مجموعات جميعها تنطلق من مسلّمات الحفاظ على البيئة، سواء من الناحية التصميمية واستعمال موادّ طبيعية أو التقنيات صديقة البيئة المستعملة فيها، أو الأجهزة الذكية الموفّرة للطاقة والتي تقسّمت على عدّة مجموعات، جاءت الأولى منها حول مشاريع تنمية الحزام الأخضر والمساحات الخضراء، أمّا الثانية فقد اختصّت بمشاريع الطاقة بشقّيها استثمار الموارد المائيّة والكهربائيّة من خلال الحلول التقنيّة، فيما ركّزت المجموعة الثالثة على توفير الغذاء الصحّي وتعدّد أنواعه (الحيواني والنباتي).
وفي النهاية، فإن ما تعمل العتبة العباسية عليه من مشاريع فقد اخذت الطابع العالمي بمعايير الدقة والجودة والانتاج، حيث تسعى بكل مجهوداتها الى ترسيخ قيم الكفاءة وتقديم الافضل دائما خدمة للمجتمع بشكل عام ولمدينة كربلاء بشكل خاص، وهو ما بات يلامسه الشارع على ارض الواقع وحتى في مختلف الفضاءات الاخرى لتبادل وجهات النظر.