ماهي الدروس التي استفدناها من غربة الإمام الرضا عليه السلام؟
سلسلة محاضرات
لسماحة السيد حسن نصراللّه
الإمام المهدي
وأخبار الغيب
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على سيّدنا محمد وعلى آله الطاهرين وبعد.
يتضمّن هذا الكتاب سلسلةً من المحاضرات الفكرية الهامة، ألقاها الأمين العام لحزب اللّه سماحة العلامة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه خلال ليالي عاشوراء لعام 1436هـ. تناول فيها قضية الإمام المهدي وأخبار الغيب بدقة وعمق، مع سلاسة في الأسلوب ووضوح في المنهجية.
ونظرًا لأهمّية هذه الموضوعات، والحاجة الماسة إليها، عمدنا إلى تحرير نصوص المحاضرات، وإصدارها في هذه الدراسة لتعمّ الفائدة منها.
الناشر
المبحث الاول
نظرة في طرق معرفة الغيب
مدخل
يعتبر السعي إلى الاطلاع على أخبار المستقبل وما يجري في الآتي من الأيام والسنين والعقود والقرون - وحتى قيام الساعة - من أبرز اهتمامات الناس في كافّة الأزمنة، الماضية كما الحاضرة، وهو موضوع يشغل حيِّزًا واسعًا من انتباه الناس، وخصوصًا في أزمنة المشاكل وأوقات المحن؛ إذ يبحث الناس في الشدّة عن بابٍ للخلاص من المآزق والأزمات، فتذهب إلى التوقُّعات والنبوءات، وهذا ما يسمّى بالغيبيّات.
فعند اطلاعنا على ما خُطّ في صفحات التاريخ فإنّا نجد أنّ سلاطين وملوك وجيوش العصور القديمة كان لديهم مثل هذا التوجه أيضًا، فمن المعلوم، مثلًا، أنّ إرث بني إسرائيل، واليهود عمومًا، مليء بأخبار الغيب والإخبار
عن المستقبل، حيث بُعث إليهم عدد كبير من الأنبياء، فلو ورد على لسان كلُّ واحد من هؤلاء الأنبياء خبر واحد أو خبرين فقط حول أمور غيبية وجُمعت هذه الأخبار لشكّل ذلك مخزونًا كبيرًا، كما أن اليهود كانوا يلجؤون في شدائدهم، وخصوصًا السبي البابلي[2]، إلى الأنبياء لسؤالهم عن أبواب الفرج واليسر، فيخبرهم الأنبياء ببعض ما يُسكِّن أفئدتهم.
الغيب والمستقبل، مثار جدلٍ واهتمام
برز في الأزمنة الأخيرة اسم لمتنبّئ أو منجّم هو «نستراداموس»[3]، له أشعار في أخبار الغيب وفي الحرب العالمية، وقد استفادت من أشعاره ونبوءاته الأطراف المتنازعة، فانتشرت بين الناس بتفسيراتها وتعبيراتها، بل استفيد منها أيضًا في الحرب الإعلامية.
أمّا في يومنا هذا، ومع تطوُّر وسائل الاتّصال والإعلام، فقد أصبح الموضوع أكثر انتشارًا، خصوصًا مع الأحداث والتطورات الهائلة والخطيرة التي يشهدها العالم، ويشهدها العالمان العربي والإسلامي، حيث بات الموضوع يُستغلّ لدى بعض الأشخاص بأشكال مختلفة، فعلى سبيل المثال: يلجأ بعض الناس إلى أخبار المستقبل وآخر الزمان ليبرهنوا أنّ طريقهم هو طريق الحقّ، وليؤكّدوا صوابية قراراتهم وخياراتهم، ويعمد آخرون إلى هذه الأخبار للاستفادة منها في الكلام على الانتصارات والهزائم، ولا ينحصر كلامنا عن التنبؤ والتنجيم بالذين لجؤوا إلى الروايات المنقولة عن الصحابة والرسول (صلى الله عليه وآله) فقط، بل يشمل الكلام بعضاً من غير المؤمنين من الذين يلجؤون إلى أصناف أخرى من النبوءات ويستخدمونها في الحرب النفسية، كجورج بوش وريغن[4] اللذَين كانا من هذا النوع.
تصوّروا أنّ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية أو
بعضهم بالحد الأدنى كانوا يلجؤون إلى هذا الخيار، ويبنون مشاريع ضخمةً بناءً على هذه النبوءات، أضف إلى ذلك أنّ هذا الموضوع أصبح موضوعًا إعلاميًا واستثماريًا يستفاد منه كما ذكرنا.
وعلى كلّ حال، بات الاهتمام بهذا الموضوع أمرًا طبيعيًا، ولم يعد بالإمكان منع الناس من الاهتمام بأخبار الغيب والمستقبل، وحتى القرآن الكريم، فقد أخبر عن المستقبل، بل إن في كتب المسلمين ثروة هائلة من الروايات عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، تحكي أنّه سيكون في آخر الزمان كذا وكذا، فهو بالتالي موضوع عناية وبحث وتركيز على المستوى الإسلامي، خصوصًا عندما يصل الأمر إلى مسألة عقائدية محورية كمسألة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، سواء أقلنا كما يقول الشيعة وبعض كبار علماء السنّة بكونه حيًا غائبًا عن الأبصار، أو قلنا كما يقول عموم إخواننا من أهل السنّة أنّه يولد في آخر الزمان ويحقق ما ورد في الأخبار عند بلوغه سن الأربعين.
وبمعزل عن هذه الأخبار المتعلّقة بالمهدي(عجل الله تعالى فرجه) وغيرها
مما له علاقة بالمستقبل، فإن موضوع الغيب من المسائل الحساسة التي باتت تعتبر موضع تساؤل وتجاذب عند الكثير من الناس، بل وموردًا من موارد الابتلاء التي يواجهونها، أحببت أن أتناوله - وهو ليس موضوعاً نظرياً بل موضوع حقيقي تتناوله وسائل الإعلام والكتب - لمعرفة التوجيه الإسلامي في هذا الصدد.
ما هو الغيب؟
الغيب هو كل ما غاب عنّا من أحداث وأزمنة وغيرها، أي كل ما لم نشهده ولم نره بأنفسنا، ومنه الزمن المستقبل وما يجري فيه من أحداث، ذلك أننا نجهله ولمّا نعِش أحداثه بعد، ومن هنا فمن يدّعي القدرة على الإخبار عن المستقبل وأحداثه فعليه أن يكون عالمًا بالغيب، لأن المستقبل أمر غيبي.
وقد قسّم العلماء عالم الوجود إلى قسمَين: عالم الغيب وعالم الشهادة؛ فالشهادة يشمل كل ما نشهده وما يمكن أن تحيط به بحواسنا، أمّا الغيب فهو ما غاب
عن الحواس وما خَفِي وبَطُن؛ فعالم الشهادة هو عالم المشهودات والمحسوسات، وعالم الغيب هو عالم ما وراء الحسّ أي ما ليس بمحسوس. وكلّ ما يتعلّق بالخالق عزّ وجلّ وبالوحي الذي أرسله اللّه، وما يتعلق بالملائكة والموت وما بعده، والقبر والبرزخ وأهوال القيامة وأحوالها، وبالثواب والعقاب والجنة والنار، هذا كلّه من الغيب.
ومن الغيبيات أيضًا مسائل بدء الخلق، وما يتعلق بكيفية خلق اللّه للكون والإنسان والحيوان وآدم وحواء والجنّة والنار، فعلى الرغم من التطوّر العلمي الكبير، وعلى الرغم من النظريات العلمية المطروحة حوله، إلا أن كلها تخلو من الحقائق المحسومة اليقينية، ولهذا يعتبر ذلك كلّه من الغيب.
وعلى ذلك فهنالك غيب مرتبط بالماضي، وغيب مرتبط بالمستقبل، والثاني هو المسمى بأحوال الغيبيات التي ستجري على الكون ومجمل الحياة، كما وعلى وجود الإنسان، مما له علاقة بنهاية هذا الوجود، فذلك كلّه وغيره من قضايا المستقبل من مسائل الغيب، والإخبار عنه يستلزم علم المخبر بالغيب كما سلف وذكرنا.
إيماننا بالغيب
يؤمن المسلمون عمومًا بالغيب، بل يعتبر الإيمان به جزءًا من عقيدة الأنبياء (عليهم السلام) كافةً، لأننا في كلامنا عن الخالق والقيامة والوحي والملائكة إنما نتكلم عن قضايا غيبية، كما مر، وهي قضايا يؤكد الإسلام على ضرورة الإيمان بها، وهو من الأمور الواضحة في العقيدة الإسلاميّة، يقول اللّه تعالى في مطلع سورة البقرة: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾، فيجعل أوّل صفات المتقين إيمانهم بالغيب، ويتابع قائلًا: ﴿وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ﴾، وقد علمت أن ما أنزل إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قسم من أقسام الغيب، ﴿وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ﴾، وهو من الغيب أيضًا، ﴿وَبِٱلۡأٓخِرَةِ﴾، التي هي من مسائل الغيب أيضًا، ﴿هُمۡ يُوقِنُونَ﴾[5]. والآيات هذه وحدها كفيلة بإيضاح ضرورة الإيمان بالغيب في العقيدة الإسلامية.
نسبية الغيب والشهادة
وهنا نقطةٌ يجب الالتفات إليها، هي أن الغيب والشهادة أمران نسبيّان، فعلى الرغم من جهلنا بما سيقع في الأيام القادمة من أحداث، ما يجعلها من الغيبيات، إلا أننا لو بقينا أحياءً وشهدنا تلك الأيام فإنها ستنقلب إلى شهادةً ولن تبقى غيباً، وكذلك الموت ونزع الروح من البدن وما يجري على الإنسان في ساعات حياته الأخيرة، التي يعتبرها كلٌ منّا غيبًا بالنسبة إليه، فإنها ستنقلب عند حلول ساعة موت الإنسان شهادةً، وكذلك القيامة وأحوالها وشؤونها الغيبية، ستصبح - عندما يُحشر الناس جميعًا ويُساق مِنهم مَن يُساق إلى الجنة والآخرون إلى النار - عالم شهادة.
العلم بالغيب
وهنا سؤال لا بد من الوقوف عليه هو: من الذي يعلم الغيب وأحداث المستقبل؟ سواء غيب الدنيا والكون وحياتنا الحاضرة، أو غيب ما بعد الدنيا، أو الغيب الماضي، من الذي يعرفه؟
من المعلوم أن لكلّ موضوع من الموضوعات أهله المختصّون به، فالمريض المحتاج إلى الشفاء إنما يقصد الطبيب، ومن أراد تشييد بناء لا غنى له عن الاستعانة بمهندس وبنّاء ونجار وغيرهم من أهل الاختصاص، ولكن إن أردنا معرفة الغيب فإلى من نذهب؟ ومن يعلم المستقبل الذي هو جزء من الغيب؟
إسلاميًا، الجواب القاطع والحاسم هو أنّه «لا يعلم الغيب إلا اللّه سبحانه تعالى»، ونحن كمسلمين لا ندّعي غير ذلك ولا ننسب لأيِّ مخلوق سمة العلم بالغيب.
نعم، قد يُطْلِع اللّه سبحانه وتعالى بعضَ عباده - لحكمةٍ ورحمةٍ، ومن باب تحصيل مصلحة وهداية وإرشاد العباد - على بعض غيبه أو على بعض علمه. ولا بد من التأكيد على عبارة «بعض علمه»، لا كل علمه، لأن اللّه لم يُطلع أحدًا من المخلوقات - لا من البشر ولا من الملائكة - على علمه كله، ذاك أن أحدًا من المخلوقات المحدودة لا يسعه حيازة علم اللّه المطلق، ولهذا فهناك علم اختصّ اللّه تعالى وهنالك غيب لم يُطلع عليه أحدًا من المخلوقات.
أما هؤلاء البعض الذين أطلعهم اللّه على بعض الغيب فهم فئة من الأنبياء والمرسلين أو بعض الملائكة، وهؤلاء إنما يعلمون ما أعلمهم اللّه، وبحدود ما أطلعهم عليه لا أكثر، وهم لا يدّعون لأنفسهم أكثر من ذلك، يقول اللّه سبحانه: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡء مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ﴾[6].
ولكن مقدار علم وحدود معرفة كل واحد من هؤلاء العباد يختلف عن ما قد يعلمه سواه، فهم في ذلك متفاوتون، وخصوصًا فيما يتعلّق بما هو كائن إلى يوم القيامة. وهذه أيضًا من الأمور التي اختص اللّه سبحانه وتعالى نفسه بها، فكما يختار هو من عباده أولئك الذين سيطلعهم على شيء من غيبه، فكذلك يحدد مقدار ما سيطلع عليه كل واحد منهم.
الطُرق الموثوقة لمعرفة الغيب
لا ثقة في خصوص علم الغيب والمستقبل إلا بالطرق التي يعود منشؤها ومرجعها إلى اللّه سبحانه وتعالى،
وأهمّها القرآن الكريم، فنحن نؤمن بأنّ القرآن هو كتاب اللّه عزّ وجل أنزله على قلب نبيه الخاتم محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولذا فهو علم من عنده تعالى، وقد بث اللّه في هذا الكتاب أخبارًا عن المستقبل وأنباءً عن الغيب الآتي، فيكون هذا الطريق موثوقًا وأكيدًا، ولكن يبقى كلام في كيفية فهم الآيات وهو بحث آخر.
وكذلك ما جاء عن الأنبياء من الأنبياء، أو ما سمعه الجيل الأوّل من الصحابة عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، أو ما وصلنا منقولًا عن طريق أهل البيت (عليهم السلام)، وهي أيضاً طرقٌ موثوقة.
هذه الطرق هي الوحيدة المتاحة أمام الإنسان ليحصّل علمًا صحيحًا ويقينيًا عن المستقبل، أما سواها فلا يفيد إلا أوهامًا وظنونًا وخيالات، وهذا هو الجانب الأهمّ الذي أنوي الرجوع إليه بالتفصيل، لنحدّد كيفية المعرفة، وآليات الاطلاع، وحدود المسؤوليات، وكيف يجب أن نتعاطى مع هذا النوع من الأخبار المرتبطة بالمستقبل، خصوصًا ما يتعلّق منها بآخر الزمان وأخبار الظهور وما شاكل.
الوسائل غير الموثوقة في معرفة الغيب
قبل الخوض في ما ذكرنا نقف على وسائل أخرى استند إليها الناس طوال التاريخ في سبيل تحصيل معرفة المستقبل، إلا أنها وسائل لا تستند إلى اللّه وكتبه، ولذلك نعتبرها طرقًا موهومةً ولا تفيد الثقة، ومنها:
1. التنجيم: وذلك نسبةً للاعتماد على علم النجوم وعلم الفلك في معرفة المستقبل، حيث يقال إنّ علم الفلك يمكن أن يفيد علمًا بأخبار المستقبل، وذلك عبر قراءة حركة الكواكب والنجوم والقمر والمدارات والمسارات، فأحوال الأفلاك تشير بحسبهم إلى أحوال وأخبار المستقبل، وقد اعتمد المنجمون طوال التاريخ على هذه الحركة ليقولوا إن فلانًا من الناس يموت في يوم كذا، وستقع حرب في عام كذا، ويحذروا الملوك من الخوض في حرب في السنة الفلانيّة، وهذا ما نجده في أخبار التاريخ.
2. الضرب بالرمل[7]: حيث يلجأ البعض إلى شخصٍ يضرب بالرمل، فينبئهم أن فلانًا سيُرزق بخمسة أولاد صحتهم كذا وأسماؤهم كذا، أو يفيدهم بشؤون تجاراتهم فينهاهم عن الدخول في تجارةٍ ما أو يحثّهم عليها، وغير ذلك.
3. التبصير: وله أشكال عديدة، كقراءة الكفّ وخطوطه، أو تبصير النساء لبعضهنّ بالفنجان، وغير ذلك مما يظن البعض أنّه يولّد علمًا بالمستقبل.
4. علم الأرقام والحروف والجُمَّل[8]: وذلك باحتساب قيمة الحروف في الأسماء والكلمات والجمل، حيث لكل حرف رقم يوازيه، فيتم احتساب قيمة أحرف كلمة أو جملة مرتبطة بصاحب العلاقة، وبالحسابات يتم الخلوص إلى نتائج أنّه سيصير معه كذا وكذا مثلًا.
5. تسخير الجنّ واستخدامه: فبعض الناس مثلًا يحضّرون الجنّ، ويسألونهم عن المستقبل وأخباره، وفي ذلك اشتباه كبير، حيث يظنّ كثيرون أنّ الجنّ يعلمون الغيب، مع أننا نجزم ونقطع أن الجنّ لا يعلم الغيب بل حاله حال الإنس، وقد أخبر اللّه عزّ وجلّ في سورة سبأ عن الجنّ بأنّهم كانوا يطيعون سليمان ويعملون لخدمته، وأنه عندما مات سليمان (عليه السلام) وقُبضت روحه وهو قائم على عصاه، والجنّ مشغولون ولم يعلموا بموته إلى أن جاءت حشرة وصارت تأكل العصا شيئًا فيشئًا، وهذا أمر من أمور الحاضر غاب عنهم فكيف بالمستقبل، فقد قال عزّ وجل: ﴿فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ﴾[9]، فلو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أنّه مات، والجنّ يعلمون
بقصورهم عن معرفة الغيب، ولكن هذا كان درسًا للبشر ليعرفوا أنّه لا يعلم الغيب إلا اللّه تعالى ومن أطلع من عباده.
6. تحضير أرواح الأموات: وهي من جملة الوسائل التي يلجأ إليها أناس كثيرون، ولا تنحصر فقط بأهل الشرق، بل يلجأ كثر في الغرب في أوروبا وأمريكا وأماكن مختلفة إليها. ولتحضير أرواح الأموات طرق من جملتها ما نعلم حصوله في لبنان أن يأتي الشخص بخشبة أو قطعة ورقة مقوّى ويكتب عليها آيات معينة أو أحرف الأبجدية، ثم يأتي بفنجان ويضعه في الوسط ويقرأ بعضهم آيات قرآنية، ثم ينادي روح الميت الفلاني أن تأتي من عالم البرزخ وتتجلّى في الفنجان، ويبدؤون بتوجيه الأسئلة فيتحرّك الفنجان على الأحرف ويستخلصون الكلمة، معتقدين أنّهم يجلبون روح الميت ليسألوه عن أخطائه وتجاربه. هناك في لبنان أناس كثيرون أضاعوا أوقاتهم بهذا العمل، وكذا في النجف الأشرف أيام دراستي هناك كان بعض طلّاب
العلم منشغلين بهذا الأمر، وسأذكر فيما يأتي ما كان جواب الشهيد الصدر[10] على فعلهم هذا.
ومن أشكال تحضير الأرواح الأخرى ما هو معتمد في الغرب حيث يكون الافتراض أنّهم يحضرون الروح ويدخلونها في جسد شخص حي موجود، فيتكلم بلسان الميت، وهذه أيضًا إحدى الوسائل لمعرفة أخبار المستقبل وأنباء الغيب.
وهنا قد يسأل سائل: هل حركة الفنجان متأتية عن لا شيء؟ والجواب: بلى هناك شيء ما ولكن من قال إنه روح أحد الأموات. في يوم من الأيام، ذهبت ومجموعة من الأشخاص إلى الشهيد الصدر في النجف، وتحدّث يومها حول هذا الموضوع، معتبرًا أن من يحرّك الفنجان ليست هي روح الميت، ومثّل لذلك بقوله إن الشيخ الطوسي الذي هو من كبار علمائنا وأفنى عمره في طلب العلم والتحصيل، وانتقل إلى العالم الآخر ليرتاح، فهل
يقبل العقل أن يتسنى لشخصين يلهوان بفنجان أن يأتيا بروحه إلى الفنجان ليسألاها عن أنباء المستقبل؟!
فمن قال إنّ اللّه قد أعطى للبشر سلطةً من هذا النوع ليحضروا أرواح الأموات؟ فهذا غير معقول ولا وجه شرعي له. ومع فرض أنّ تكون هذه فعلًا روح ميت، فهل كان لهذا الميت عندما كان حيًا قدرة على علم الغيب؟ كما أننا لا نعلم عن أحوال الأموات شيئًا، ولا عما أجازه اللّه لهم أن يعرفوه بعد موتهم، نعم روح الميت قد تكون عارفةً بالماضي الذي عايشته وببعض الغيب، وهذا ليس طريقًا لمعرفة الغيب.
وبكلّ الأحوال، وقبل الانتقال إلى النقطة الآتية، أؤكد أن كل ما ذكرت من النقاط الستّ هي ظنون وأوهام ولا تفيد علمًا بالغيب، والدليل على ذلك الكثير من أخبار المنجمين والفلكيين والمبصّرين وجامعي الجنّ ومحضّري الأرواح وجماعة الحسابات لم تصح.
قد يصح منها جزء، ولكنه لا يدلّ على منهجية معرفة صحيحة. فنحن مثلًا لسنا منجمين ولا فلكيين ولا نعمل
بأي من الطرق التي ذكرنا، إلا أننا عندما نأتي لنتوقّع ونحلّل الجو السياسي فإن هناك أمورًا سيصح توقعنا لها كما أن هناك أمورًا لن تصح، ويكفي أن تكون بعض التحليلات والتنبّؤات غير صحيحة للاستدلال على عدم صحّة هذا الطريق في الوصول للغيب، وأن كلّ ما يقال فيه محض احتمالات. فالحامل مثلاً ستلد إمّا أنثى وإمّا ذكراً، ومن هُنا حتى السنة المقبلة إمّا سنصير إلى حرب أو لا.
وفي خصوص أولئك الذين يظهرون على شاشات التلفزة ويصرحون بتوقّعاتهم حول المستقبل، فإن كان توقّعهم ناتجًا عن ادعائهم العلم بالغيب، فتلك مشكلة كبيرة وفعلهم محرم وغير جائز شرعًا ولا مقبول عقلًا، نعم إن كان ادّعاؤهم أن توقعاتهم مستندة إلى الحدس والتحليل، فلا مشكلة في ذلك، إلا أن توقعاتهم كلّها تندرج في خانة الظنون، وليست إخبارًا عن المستقبل، ولا إنباءً عنه.
المنامات وعلاقتها بالمستقبل
وهناك طريق آخر أذكره وأعلق عليه هو المنامات، كأن يرى شخص مثلًا في منامه أنّ حربًا وقعت في البلد الفلاني. والإيمان بكون المنامات طرقًا لمعرفة المستقبل سائد اليوم، وهناك فضائيات قائمة على تفسير المنامات، والمفسرون فيها يقدمون كلامهم على نحو القطع، وتشمل توقعاتهم كل المجالات، كالبورصة والطقس والحروب وغيرها، فالمنامات وما يقدّم في تفسيرها بحسبهم له علاقة بالمستقبل، ويكفي عند هؤلاء رؤية أحد لشيء ما في منامه كدليل على ضرورة وقوع أمر ما في المستقبل.
وموضوع المنامات والأحلام بحثٌ طويل وعميق، مرتبط بمجالات الطب والثقافة والدين والعلم، فهناك علم واسع يتناول هذا البحث، لذا نقتصر هنا على خلاصة الفكرة في ثلاثة أمور وهي:
أوّلًا: لا شكّ أنّ الناس يرون منامات، وهذا لا يحتاج دليلًا.
ثانيًا: هذه المنامات قد تكون أضغاث أحلام.
ثالثًا: هناك من المنامات ما يعتبر رؤًى صادقةً، من غير رؤى الأنبياء، الذين تعتبر رؤاهم جزءًا من الوحي والتواصل مع اللّه، فرؤيا نبي اللّه يوسف مثلًا للشمس والقمر وحي، ورؤيا النبي (صلى الله عليه وآله) بفتح مكة وحي.
وليس من شروط الرؤيا الصادقة أن يراها شخص مؤمن وتقيّ وورع أو وليّ من أولياء اللّه، بل يمكن لأيّ شخص أن يرى رؤيا صادقةً، وقد أخبرنا القرآن عن قول عزيز مصر: ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰت سِمَان يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَاف وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡر وَأُخَرَ يَابِسَٰتۖ﴾[11]، حيث كانت رؤياه صادقةً فسّرها له النبي بأنها تنبئ عن مستقبل البلاد - وكان حينها عزيز مصر من عبدة الأوثان - وكذا ما ورد في السورة نفسها عن صاحبَي سجن يوسف اللذين أنبآه برؤًى شهداها كانت صادقةً وفسرها لهما فقال: ﴿يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا
فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡراۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ﴾[12]، على أنهما لم يكونا وقتها من المؤمنين.
إذًا فهناك من المنامات ما هو رؤى صادقة تنبئ عن المستقبل، ولا يشترط للرؤيا الصادقة أن يراها المؤمن الورع فقط، ولكن هناك أيضًا أضغاث أحلام، وهذا أمر محسوم على المستوى الفكري.
والمهم في الأمر أننا لا يسعنا، بناءً على هذا الواقع، أن نعتمد موضوع المنامات كطريق لمعرفة الغيب، ذاك أن تشخيص كون المنام رؤيًا صادقةً أو أضغاث أحلام أمر غير يسير، وحتى مع فرض بلوغنا القدرة على تشخيص كون الرؤيا صادقةً فمن يفسّرها؟ إنَّ رؤيا عزيز مصر فسّرها نبي من أنبياء اللّه، وكذا رؤيا “صاحبي السجن”، إذًا فليس بمقدور الإنسان العادي تفسير الرؤى الصادقة من المنامات.
هل المنامات حجة؟
من الواضح بناءً على ما سلف أنّ المنامات ليست حجّةً من الناحية الشرعية، ولا يصح من أحد أن يبني خطط مستقبله على منام رآه، كأن يترك تجارةً أو أن يطلّق زوجةً أو أن يقوم أحد الإخوان المجاهدين في خطوط الجبهة الأمامية بإطلاق صلية من الصواريخ دون مراجعة للقيادة بناءً على رؤيا في المنام. نعم المنامات لها آثار نفسية مبشّرة ومطمئنة، ولها في بعض الحالات بركات خاصة، ولكن هذا مغاير لموضوعنا، فهل المنامات طريق يقيني علمي يمكن الركون إليه في معرفة الغيب؟ الجواب الصريح: لا يمكن اعتمادها ولا البناء عليها.
لماذا أقفل اللّه باب الغيب؟
لقد فتح اللّه عزّ وجل بحلمه وكرمه للإنسان الكثير من أبواب العلم والمعرفة بحيث إنّه اليوم في عالم التكنولوجيا والاتّصال والأبحاث العقلية والفلسفية حصل على شيء هائل وقدم نتائج مذهلة، ولكنه [اللّه] أقفل
باب علم الغيب، فلماذا؟ اللّه الذي أعطانا كل الإمكانات وفتح لنا الكثير من أبواب العلم والمعرفة لماذا أقفل باب علم الغيب؟ مع القطع بأن اللّه لا يبخل على عباده بل هو أجود الأجودين كما ورد في الدعاء.
ونقول: إن اللّه قد أقفل باب العلم بالغيب لحكمة منه سبحانه، ولرحمة منه بالعباد. وسنوضح ذلك بإعطاء مثال:
لنفرض أن أحدًا منّا قد وهبه اللّه علم الغيب، واطّلع بعلمه على أنّ أباه سيموت في اليوم الفلاني، وأمّه بالمرض الفلاني، وزوجته أيضًا وابنه وهو، فكيف ستصبح حياة هذا الإنسان بعد علمه؟ كيف تهنأ حياة شخص بعد اطلاعه على تفاصيل ومواقيت وكيفيات منايا ذويه وأحبابه؟
ولو بات مثلًا يعلم أن فلانًا من أصدقائه المقربين سيموت بعد ثلاثة أشهر بمرض السرطان في المستشفى، فهل سيستطيع تحمّل رؤيته، فكيف إذًا سنتحمل هذه المعرفة؟
فقابليات الناس - حتى الأنبياء منهم - ومستويات تحمّلهم وقدراتهم متفاوتة، واللّه لرحمته بنا ولتعلق
إرادته بأن يعيش الإنسان حياةً سويةً أقفل علينا هذا الباب.
مضافًا إلى أنه عزّ وجل أراد لنا أن نكدّ ونسعى ونجاهد ونتعلّم ونعلّم ونصبر ونتحمّل، فالدنيا هذه إنما هي مقر الابتلاء للإنسان وصنع الكمال وتحقيق الرقي عبر الامتحان والاختبار، فإذا أصبح كلّ شيء واضحًا تعطّلت الحياة، وهي التي بناها اللّه على الحكمة.
ولذلك فما أخبر اللّه تعالى به بعض أنبيائه من الغيب هو بمقدار المصلحة المرتبطة بحياة الناس ودينهم ومستقبلهم وراحتهم الدينية والدنيوية والأخروية، أما غير ذلك فهو حجبه عنا رحمةً وحكمةً منه بنا.
خلاصة البحث
الخلاصة التي ننتقل منها إلى المبحث الثاني، هي أنّ الطريق الوحيد المفترض للراغب بمعرفة أخبار المستقبل معرفةً صحيحةً سليمةً مطمئنةً، هي ما يمكن أن يكون أساسه ومصدره إلهيًا. أما كيفية الوصول إليه، وكيفية
التعاطي معه حال الوصول إليه، فهو ما سنتناوله في المبحث التالي، ثم منه ندخل إلى موضوع العلامات وآخر الزمان.
المبحث الثاني
نظرة الإسلام إلى أخبار الغيب والمستقبل[13]
القرآن والسنّة، مصدران أساسيان للغيب
ذكرنا في المبحث السابق أنّ لبني الإنسان في الحاضر والماضي اهتمامًا كبيرًا بأخبار المستقبل، وقلنا إنّ أخبار المستقبل من الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه، وإن اللّه تعالى قد حجب هذه المعرفة عن عامّة الناس، رغم فتحه لهم أبوابًا أخرى كثيرة من المعرفة، وذكرنا أنه تعالى إنما حجب عنهم هذا النوع من المعرفة رحمةً بهم ولتستقيم حياتهم وتسير بشكلها الطبيعي، كما ذكرنا أن اللّه يُطلع بعض عباده على الغيب لحكمة وهدف، وخلُصنا في ذلك المبحث إلى أن الطريق الوحيد الموصل لأخبار المستقبل هو ما يعود فيه الخبر إلى عالِم الغيب وهو اللّه تعالى، وأهمّه الوحي.
وقلنا إنه لا غنى للمسلمين في هذا الإطار عن الاستناد
إلى مصدرَين أساسيَين أولهما القرآن الكريم، وثانيهما الأحاديث والروايات الشريفة التي وصلت إلينا.
فأما بالنسبة للمصدر الأول وهو القرآن فنحن المسلمون نُجمع على أنّ ما فيه جاء يقينًا من عند اللّه وأن كلّ ما فيه كلام اللّه، ولذلك يقال بالمصطلح: إنّه قطعيّ الصدور، أي صادر عن اللّه تعالى قطعًا، دون شكّ أو ريب، والمسألة هذه ليست مما يخضع للبحث والنقاش، فكلّ ما بين الدفتين هو كلام اللّه، ولكن المهم الذي يطاله البحث هنا هو فهمنا لمعاني الآيات ودلالاتها، فصدور الآيات عن اللّه محسوم ولكن تفسير معانيها هو مما يُختلف عليه.
القرآن الكريم والإخبار عن المستقبل
كثرت في القرآن الكريم الموارد التي يصح اعتبارها من أخبار الغيب والمستقبل، بل يصح القول إن الجزء الأكبر من القرآن يتحدث عن أمور غيبية لو لحظنا المعنى الواسع للغيب الذي ذكرناه في المبحث السابق. وأما
في خصوص المعنى الضيق الذي هو موضوع بحثنا، وهو الإخبار عن المستقبل وأخبار الأرض والأحداث التي ستجري على الناس، فالقرآن تناول هذا النوع أيضًا في آياته، وذلك في مواضع عديدة، وإخبار القرآن عن المستقبل لم يكن له علاقة فقط بأحداث آخر الزمان، بل بأحداث قريبة من زمن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لحكمة.
ومن بعض الأمثلة على ذلك ما ورد في سورة الروم، حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله) في مكّة مع قلة من المؤمنين في مواجهة أعداد كبيرة من المشركين، ووقعت حرب بين الفرس والروم وكانتا أكبر مملكتين، وقد كان الفرس مجوسيي المعتقد في حين كان الروم على النصرانيّة، فغلب المجوسُ الرومَ المسيحيين، وفرح لذلك مشركوا مكّة، مستبشرين بنصر المجوس المشركين على النصارى المؤمنين، وحملوا تلك الواقعة على محمل الخير والبشرى، بأنّهم سينتصرون على النبي (صلى الله عليه وآله) فجاءت الآيات الكريمة لتنبئ الرسول: ﴿الٓمٓ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ ٣ فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ
لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ﴾[14]، والهدف من هذا الإخبار كان التعبير عن إيمان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بما ينبئه به الوحي الذي ينزل عليه، كما وتقوية إيمان المسلمين بنصر اللّه، وغيرها من الغايات، فقد كان لهذا الإخبار في ذلك الزمان أغراض وحكم.
وفي مورد آخر حين كانت أعداد المشركين كبيرةً وأعداد المسلمين قليلة، كان المشركون يتباهون بكثرتهم ويتوعدون للمسلمين بالهزيمة، وكان الأمر في ظاهره منطقيًّا بالمقاييس العقلائية، إذ لا توازن ماديّ بين الفريقين، لا من حيث العدد، ولا من حيث الإمكانات، إلا أن اللّه تعالى قد أخبر مبكرًا في مكة قال: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ نَحۡنُ جَمِيع مُّنتَصِر٤٤سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ﴾[15]، وهي من جملة الآيات التي كان فيها تحدٍّ، وعد اللّه فيه المؤمنين بالنصر قريبًا، وأخبر عن ذلك.
ومن الشواهد أيضًا، وهو الشاهد الثالث والأخير قوله تعالى: ﴿لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحا قَرِيبًا﴾[16]، وهذا حدث في الواقع لاحقًا، حيث دخل النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون معه مكّة محلّقي رؤوسهم.
أخبار آخر الزمان ووراثة الصالحين
أشرنا في ما سبق إلى أن القرآن أخبر عن المستقبل القريب من فترة النزول - وهو ما استعرضناه في الفقرات السابقة - كما وأخبر عن المستقبل المرتبط بآخر الزمان. وأما فيما يخصُّ الصنف الثاني، فهناك آيات عديدة، سأختار من بينها ثلاث آيات تتعلق بشكل مباشر بموضوع بحثنا.
الآية الأولى: يقول اللّه تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ
ٱلۡوَٰرِثِينَ﴾[17]، وهي آية يشير اللّه تعالى فيها إلى إرادته المنّ على المستضعفين في الأرض، وإرادته التفضّل عليهم بأن يجعلهم قادة الأرض وحكّامها، لأنهم بحسب الآية هم الذين سيرثون تلك الأرض من كل الحكومات والحكام.
الآية الثانية: قال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡناۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾[18]، وهي تتحدّث عن وعدٍ إلهي للصالحين المؤمنين، بأنّ اللّه سيجعلهم خلائف الأرض، وسيمكن لهم، فيحكمون ويحصّلون الأمن والسلام والدِّعة من دون قلق وخوف.
الآية الثالثة: قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ
بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ﴾[19]. مفادها أن اللّه قد أنزل في الزبور أن مستقبل الأرض هو مستقبل الصالحين، ومجتمع وحكومة الصالحين.
والآيات السابقة كما لاحظت نصوصٌ قرآنية واضحة في إخبارها عن أخبار آخر الزمان، ودلالاتها أيضًا واضحة جدًا في تأكيدها على أنّ مستقبل البشرية ومستقبل الأرض سيؤول إلى المستضعفين والمسلمين، وأن حكومة الصلاح هي التي ستسود آخر الزمان، حيث ربطت الأولى الأمر بإرادة اللّه (نريد)، والثانية بوعد اللّه (وَعَد)، والثالثة بما أنزله اللّه في كتب سماوية سابقة (كَتَبنا).
وقد دلت على هذا المعنى آيات أخرى كثيرة، إلّا أنَّ القرآن الكريم لم يأتِ على تحديد الشخص الذي سيقيم هذه الحكومة العالمية في آخر الزمان، أو الكيفية التي ستقام بها تلك الحكومة، بل النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي ذكر هذه التفاصيل، ومفسرو القرآن يستندون في تفسير هذه
الآيات على الروايات لإعطاء صورة واضحة عن معانيها، ليفيدوا أنّ هذا الوعد سيتحقق في آخر الزمان على يد رجل عظيم هو المهدي(عجل الله تعالى فرجه) من ولد فاطمة (عليها السلام) بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) «الذي يملأ اللّه به الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا»[20]، وبهذا المضمون صرّحت روايات كثيرة عند الشيعة والسنّة.
فنحن نؤمن كمسلمين بأن هذا المخلّص سيظهر في آخر الزمان، ونعتقد أيضًا أن السيد المسيح (عليه السلام) سيعود ويظهر هو أيضًا، وأن على عاتق المهدي (عجل الله تعالى فرجه) والمسيح (عليه السلام) سيكون تحقيق وراثة المؤمنين المستضعفين الصالحين لهذا العالم، لتتشيد بعدها دولة السلام والعدل والرفاه على الأرض، ويتحقق، إن شاء اللّه، كلّ ما كانت تتطلّع إليه البشرية منذ بدء الخليقة، وهذا بالعودة إلى المصدر القرآني.
أخبار المستقبل في الروايات
المصدر الثاني للإخبار عن الغيب هو الروايات والأحاديث الشريفة، مما رواه المسلمون عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أو ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام).
وفي هذا المجال المتعلق بأخبار المستقبل وغيب آخر الزمان، فهناك مئات الروايات والأحاديث، بل عدّها بعض العلماء بآلاف الروايات، كما ورد في مضامين بعض الكتب باب من الأبواب أُطلِق عليه عنوان «الملاحم والفتن» تناول أخبار المستقبل، وقد قام بعض العلماء في الأزمنة الأخيرة بجمع كل الروايات التي تتّصل بشكل أو بآخر بالمهدي (عليه السلام) ضمن مجاميع روائية، دون التحقّق منها.
فهناك إذًا أعداد كبيرة من الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) تُحدّثنا عن المستقبل، وبالإمكان تقسيم هذه الأحاديث والروايات إلى أقسام من زوايا متعدّدة، ولكني سأعتمد ثلاثة تقسيمات، لأنّ لها علاقة بنتيجة البحث.
تقسيم الروايات المتعلّقة بالمستقبل
القسم الأوّل: هو أخبار المستقبل والغيبيّات التي لم يتمّ ربطها بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ودولة آخر الزمان، بل تحدّثت عن أنّه سيحدث في المستقبل أمرٌ كذا وكذا دونما ربط لما سيحدث بموضوع ظهور المهدي(عجل الله تعالى فرجه)، ومن هذه الروايات ما أتى بصيغة: «سيأتي على الناس زمان، أو على أمتي زمان كذا وكذا»، وأغلب هذه المرويات لم تُربط بسياق الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وموضوع الظهور.
وفي هذا القسم مثلًا ما أخبره النبي (صلى الله عليه وآله) عن مرحلة ما بعد وفاته من أنّه سيأتي زمان يحكم فيه بنو أمية، كما والروايات التي تحدثت عن ظلم وأداء حكّام بني أمية، وكذا الروايات التي ذكرت الرايات التي ستزيل حكم بني أمية، وغيرها من الروايات التي تتحدث عن موضوعات متنوعة ستأتي بعده، كزوال بني العباس، وأحوال بني العباس، وزحف المغول، وأحوال العالم والحروب والحكام والأمراء، والعلماء والقرّاء، والنساء والرجال، والعلاقات الاجتماعية، وعلاقة الولد بأهله، وعن الأحداث الكونية،
كطلوع الشمس من مغربها، والكسوف والخسوف والمطر والزلازل، فكلّ هذه الروايات تحكي عن هذا النوع من الأخبار.
وقد جُمعت في الجزء الثاني من كتاب الإرشاد للشيخ المفيد[21] مجموعة من هذه الروايات تتحدّث عن الزيّ والكتب والمساجد والمصاحف، وفيه تفاصيل كثيرة جدًا موجودة في كتب الشيعة والسنة، وكثير من هذه الإخبارات بإمكاننا - ونحن اليوم في عام 1436هـ - أن نلحظ تحققها إن نظرنا إلى العالم ومجرياته، أو ما جرى في الماضي.
والقسم الثاني: هو العلامات والأحداث التي تمّ ربطها بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، أو كان فيها نحو صلة بالإمام، دون إتيانها على ذكر رابط زمني بين تحقق مضمون الخبر وبين ظهور الإمام، بل تُرك الأمر فيها مفتوحًا من حيث الفاصل
الزمني، وبعضها قد تكون أحداثًا وقعت بالفعل في الماضي من الزمن وفي أزمنة بعيدة عن قيام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بقرون.
من هذا القسم المرويات التي تكون صيغتها: «لن يكون هذا الأمر قبل أن يكون كذا وكذا»، أو «لن تروا ما تحبّون قبل أن يكون كذا وكذا»[22]، على أن يتم ربط الأحداث والشخصيات والوقائع الوارد ذكرها بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه) عبر ذكر أنها ستكون قبل قيامه، لكن دون تحديد الفاصل الزمني كما ذكرنا.
ولا يمنع أن تُذكر بعض الأحداث في أخبار في القسم الأول والثاني على حدٍ سواء، كقيام دولة بني العباس وزوالها التي ذُكرت في القسم الأول، ولكن الفاصل الزمني بين دولة بني العباس وظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بعيد جدًا.
أمّا القسم الثالث، فهو الأحداث المتعلّقة بالظهور المرتبطة به ربطًا زمنيًا محددًا، ففي هذه الروايات يكون الكلام متعلّقًا بزمن محدد، ويشار فيها إلى أنّ هناك
أحداثًا متّصلةً بقيام الإمام، كربط تحقق مضمون الخبر بظهور الإمام في نفس السنة.
وهذا النوع من العلامات، لاتصاله بالإمام اتصالًا زمنيًا، سنسميه بـ «العلامات الخاصّة»، وهي واردة عند أهل الشيعة كما أهل السنة، كخروج السفياني والخرساني، وخروج اليماني[23]، فالعلامة هنا هي الخروج، لا نفس وجود هؤلاء الأشخاص في الدنيا، فمن الممكن أن يكون الشخص موجودًا إلا أن خروجه لمّا يتحقق بعد.
ومن هذه الأحداث المرتبطة زمنيًا واتّصالًا أيضًا قتل النفس الزكية في الكعبة بين الركن والمقام، وبعض الروايات تحدد أنّ الذي يقتل هو شاب هاشمي حسني.
ومنها أيضًا الصيحة من السماء، حيث تذكر الروايات أنّ جبرائيل يصيح في السماء، ويخبر عن المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، ويسمّيه، ويدعو لنصرته، وأنّه يخاطب كلّ أناسٍ بلغتهم،
وأنّ هذا الصوت في لحظة واحدة يدخل إلى كلّ أذن على امتداد العالم، وأن له نوعًا من الشِّدة، وتشير بعض الروايات إلى أن رعشةً قويةً تصيب الناس جرّاء سماع ذلك الصوت.
ومن الأحداث المتّصلة أيضًا أنّه بعد الصيحة بأيام أو بأسابيع، يكون ظهور الإمام(عجل الله تعالى فرجه)، وبعض الروايات تشير إلى اليوم نفسه.
ومن هذا القسم أيضًا الخسف في البيداء، فالسفياني عندما يخرج يُرسل جيشًا إلى الحجاز وجيشًا إلى العراق، فيرتكب الجيش الذي يرسله إلى الحجاز الأفاعيل في المدينة كما فعل أجداده وأباؤه (يزيد بن معاوية)، فيُخسف به في أوّل الطريق بين المدينة ومكّة ويُباد، ولا يبقى منه إلا رجلين، وهذا وارد عند الشيعة والسنّة.
هذا النوع من الأحداث يسمّى بأحداث متزامنة، يحدث في دائرة زمنية ضيّقة، في سنةٍ واحدة أو أشهر أو أيام، مثلًا، بل ذهبت بعض الروايات إلى تشبيه الأمر
بالخيط من الخرز[24]، حيث يتلو الحدث أخاه كما تتلو الحبة من الخرز أختها، وهذه العلامات كما ذكرنا تسمّى بالعلامات الخاصّة.
فنحن إذًا أمام ثلاثة أقسام من الروايات، الأول هو أخبار المستقبل العامّة، والثاني هو ما رُبط بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه) دون توضيح للاتّصال المباشر والمدى الزمني، أما القسم الثالث فهو المرتبط بالإمام المهدي مع ذكر رابطة زمنية معينة.
وفي يومنا هذا، فإن بعض المطّلعين يتعامل مع هذه العلامات والأخبار تعاملًا صحيحًا، في حين يتعامل بعض آخر معها بشكل خاطئ، كما حال الإنسان مع كلّ شيء، كما العلم والماء والسلاح التي يمكن الاستفادة منها لأغراض الخير كما والاستفادة منها لأغراض السوء والفساد.
فائدة الاطّلاع على أخبار المستقبل
من النقاط التي ينبغي الوقوف عليها السؤال عن الفائدة من معرفة أو الاطلاع على هذه الأخبار التي تتحدّث عن آخر الزمان، وعن العلامات، سواء المتصلة منها بالإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه) أو غير المتصلة منها.
يدعي البعض عدم وجود فائدة مترتبة على علمنا أو عدمه، لأن هذه الأخبار إن كانت صحيحةً فإن مضامينها ستتحقق، وإن وقعت سنعلم بها. ولكن هذا غير صحيح، فإن للعلم بهذه الأمور فوائد جمة:
فائدة عقائدية
إنّ إخبار اللّه تعالى بأنباء المستقبل وإدراجها ضمن آيات القرآن لا بد أن يكون لحكمة ومصلحة، ذاك أن أفعاله تعالى تجلّ عن أن تخلو من الحكمة. وكذا كلّ إخبار لله عن الغيب لأنبيائه فإن له حكمةً ورحمةً.
ومثله حال النبي (صلى الله عليه وآله) الذي أشارت الروايات إلى إخباره بالغيب فهو إنما أخبر لحكمة ورحمة وهدف، وسواء
اكتشفنا الحكمة أو المصلحة من ذلك أم لم نكتشف، إلا أن من المؤكدّ أنّ هناك حكمة.
وإن متابعة هذه الأحاديث والتثبّت منها والتأكّد من صحّتها له فائدة كبيرة على المستوى العقائدي، حيث إن الأنبياء (عليهم السلام) كانوا عندما يبعثون إلى أقوامهم يُطالبون بدليل على نبوّتهم، ودليلهم كان حصول المعجزة على أيديهم، حتى لا يختلط الأمر على الناس، ويتسنى لأيّ شخصٍ ادعاء النبوة والاتصال بالغيب. وقد كان من جملة معاجز الأنبياء السابقين على نبينا (صلى الله عليه وآله)، كموسى وعيسى (عليه السلام) مثلًا، الإخبار عن المستقبل، حيث ورد في المروي أن النبي عيسى (عليه السلام) كان يخبر الناس عن الغيب، وعما يوجد في بيوتهم؛ كما ونُقل كذلك عن نبيّنا (صلى الله عليه وآله) كم كبير من الروايات التي تتناول الإخبار عن المستقبل، فنحن عند استقرائنا واقعنا المعيش - ماضيًا وحاضرًا - ووجداننا أن الكثير مما تحدَّث عنه النبي تحقّق ووقع، فإن ذلك سيكون بالنسبة إلينا دليلًا جديدًا على صدق هذا النبي وعظمة مقامه ورفعة شأنه، كما ودليلًا
على سعة علمه (صلى الله عليه وآله) بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة.
فليفترض أحدنا وجود شخص يخبره عن قضية فيصح مضمون إخباره مرةً، ثم يخبره عن أخرى فيصح مضمونها أيضًا، ثم يُخبره عن غيرها وغيرها حتى يبلغ مجموع ما أخبر عنه ما يزيد على المئة قضية صحّت كل مضامينها، أفلا يعزّز هذا الأمر الثقة بهذا المخبر؟ حتى لو لم يكن إخباره عن قضايا غيبية، إلا أن التثبّت من صدقه يعزز الثقة به عمومًا.
فكيف إذا كان هذا الشخص نبيًا يخبر عن الوحي، وينبئ عن الغيب بأنّه سيكون في آتي الزمان كذا وكذا، مما سيقع على مدى مئات السنين إلى قيام الساعة، وقد تحقّق أغلب ما أخبر به، فكيف سيصبح حالنا إزاءه؟ وكم سيتفعّل عامل تصديق هذا النبي في قلوب وعقول المؤمنين بنبوّته؟ وهذه فائدة عقائدية معرفية، ما كنا لنحصّلها لو أنّا أهملنا هذا البحث وأبقيناه مغمورًا في طيّات الكتب.
وعليه فالفائدة العقائدية الكبرى من اطلاعنا على أخبار
المستقبل هي دورها في تعزيز مفهوم النبوة وتصديق الأنبياء (عليهم السلام)، فنحن المؤمنون بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) يزيدنا هذا الأمر إيمانًا بنبوته وكرامته، وهي من الفوائد العظمى.
فائدة نفسية
وهي تعزيز الأمل في المستقبل، وهي على قدر كبير من الأهمية. فاليوم يتفشّى في واقعنا الإسلامي جو من الضغط النفسي أكثر من أيّ وقت مضى، يعود إلى عوامل كثيرة لم تكن موجودةً في الأزمان السابقة.
ففي الماضي لم يكن أهل المشرق يطلعون على ما يقع على أهل المغرب من أحداث، لبعد المسافات وضعف التواصل بين البلدان، فكان أهل كلّ بلد على دراية بشؤون بلدهم فقط. أما اليوم، وعبر الفضائيات ووسائل الاتّصال، فإنا نسمع ونرى كل شيء، ونطّلع على كل الأحداث، في مشارق الأرض ومغاربها، ونتأثّر بها، ما يرفع نسبة الضغط النفسي، خصوصًا إن كانت
الأحداث تطال المسلمين بسوء. كما أنها مترابطة بشكل كبير، ففي الماضي أيضاً لم يكن هناك تخطيط لإدارة العالم ككل، أما اليوم فقد اختلفت الظروف، حيث باتت بعض الدول الكبرى تسعى إلى إدارة العالم بالنحو الذي يخدم مصالحها، ما يفرز صراعًا دوليًا وإقليميًا وتحدياتٍ جديدة، على كلّ الصعد الفكرية والعسكرية والثقافية.
مضافًا إلى ذلك الكوارث والأمراض والمشاكل البيئية، كما وأعداد البشر المتزايدة باطّراد، ما يزيد من عامل الضغط النفسي ويؤدي إلى غياب الأمل.
لذا، فإعادة الأمل وفتح الأفق على مستقبل زاهر أمر ضروري كما لفتنا، والأمل هنا هو في الوعد الإلهي بأنّه سيأتي زمان يحكم فيه المؤمنون المستضعفون العدلاء، ليقام السلام العالمي ويتحقق الرفاه، فيفتحون أبوابًا للعلم لم يصل إليها أحد. والإنسان باطلاعه على أخبار الغيب إنما يتعلق بهذا الأمل، ما يولّد عنده العزم والإرادة والتصميم على العمل للتهيئة وللتحضير لهذا الأمل.
فائدة تمهيديّة للمستقبل
وهي على قدر من الأهمية فيما خص الجانب العملي في حياة المسلمين. فعندما يعلم الإنسان - عبر اطلاعه على أخبار المستقبل - أنّ حدثًا تاريخيًا وعالميًا غير مسبوق بهذا الحجم سيحصل، وهو انهيار الطواغيت والجبابرة وقيام حكومة الصالحين المؤمنين المستضعفين في الأرض، فإنه لا بد سيتشكل في نفسه دافع عملي كبير نحو التحضير لهذا الحدث العظيم، الذي هو حلم الأنبياء الذي سيتحقّق في آخر الزمان.
فحدثٌ كهذا لا يمكن حصوله مصادفةً، وبسحر ساحر، بل يحتاج إلى مقدّمات كثيرة وعلى كافة المستويات للوصول إليه، ومنها المستوى الذهني والفكري، وعلى بني البشر التحضير له وتهيئة الأسباب لتحقّقه؛ كما أنه لا يحدث دفعةً واحدة، ولا يقع دون مؤشرات وعلامات ودلائل، فلا يمكن أن نستيقظ يومًا لنجد أنّ كل الطواغيت قد سقطت، ودولة العدل قد قامت، والبشر هم أنفسهم أدوات تحقيق دولة العدل الإلهي.
فالفائدة هنا هي توليد الدافع النفسي والثقافي للتمهيد والتهيئة والتحضير لتحقق هذا الحدث، فقد كانت نبوة موسى (عليه السلام) مثلًا منتظرةً من بني إسرائيل لمئات السنين، حيث تعرّضوا ولسنوات طويلة للعذاب والاستعباد من قِبل الفراعنة، ولكن كان عندهم أمل بما أخبرهم به أنبياء بني إسرائيل، من أنّه سيأتي نبي عظيم يخلصهم من فرعون وعمله وظلمه.
وانتظار بني إسرائيل لنبيهم لم يكن مستندًا إلى المجهول، بل كانت هناك علامات للزمن الذي سيخرج فيه موسى (عليه السلام)، والعلامات تلك كانت معلومةً لبني إسرائيل، كما واطّلع عليها فرعون وأعوانه، فكانوا يذبحون في تلك السنة الأولاد الذين يولدون ليحول ذلك دون ولادة موسى (عليه السلام).
ثم انتظر اليهود بعد ذلك العهد السيدَ المسيح (عليه السلام)، ولكنهم عند ولادته اتهموا أمه مريم الطاهرة (عليها السلام) وظلموها، بأنّ فعلها إثم كبير، علمًا أنّهم كانوا ينتظرون ولادته لمئات السنين، حيث كان الأنبياء السابقون عليه
يبشّرون به، ويذكرونه في إخبارهم عن المستقبل، وكانت علامات زمن ظهوره متحققةً.
وكذا نبينا (صلى الله عليه وآله) فإنه مذكور في كتب اليهود، وقد كان علماؤهم يترصّدون ولادته ويخبرون العرب أنّه سيولد هنا نبي آخر الزمان، كما وكان هذا الأمر معلومًا عند المسيحيين أيضًا، بل كان معروفًا في إيران أيضًا، فإن سلمان الفارسي جاء من إيران بهدف اللقاء بالرسول (صلى الله عليه وآله).
وبناءً على ما مر، فنقول إن حدثًا بهذا المستوى، أي قيام المهدي وعودة السيد المسيح إلى الأرض، لا يمكن وقوعه فجأةً ومن دون مقدّمات وتمهيد واستعداد نفسي وروحي وثقافي وفكري وميداني وبشري.
بل إن عودة السيد المسيح (عليه السلام) إلى الدنيا لا تعود محمودةً مع غياب عامل الانتظار الإيجابي والجديّ وإلا تآمر عليه اليهود مجددًا، ولا يعود - مع غياب هذا العامل - مقبولًا بالمعايير العقلائية للمهدي (عجل الله تعالى فرجه) أن يقوم لِألّا يخذله الناس كما خذلوا جده الحسين (عليه السلام)، بل
المفترض وجود أنصار وعابدين مؤمنين ليرثوا الأرض، فيأذن اللّه حينها لأوليائه بالحركة والخروج.
اقتراب الأمل
وهي فائدة أخرى من فوائد الاطلاع على أخبار الغيب حيث يبشر تحقق كل علامة من علامات الظهور اقتراب الأمل بالفرج الإلهي، والحال معها كحال المسافر من محلة إلى أخرى، فإنه يشهد على الطريق طوال فترة سفره لافتات تدلّ على المسافة المتبقية لبلوغ المدينة المقصودة، وهذا أمر مفيد لما يغذي الأمل بالوصول، ويشحذ من همم المسير.
فالبشر لولا اطلاعهم على هذه الأخبار، لما كان لديهم أيّ قرينة وعلامة، ولضاقت عندئذ لديهم دائرة الأمل بالفرج، ولأدى ذلك بهم إلى الإحباط، إذ حتى الآيات القرآنية التي تحكي عن علامات آخر الزمان، فإن بالإمكان تأويلها - لولا هذه الإشارات والقرائن - بأنها تحكي عن يوم القيامة.
أما واقع الحال فإن بين أيدينا علامات وإخبارات وتوقّعات على أمر الظهور، وإن كل تحقق لواحدة من العلامات هو بشرى باقتراب الفرج وعامل لتعزيز الأمل كما ذكرنا، ولذا فالتعلّق بالمستقبل أمر حاسم لخلق الإرادة والعزيمة والجِدِّية.
العلامات مؤشّرات
بعد الذي ذكرناه نختم هذا المبحث بالقول إنه يجب علينا انتظار العلامات مع مواصلة الأمل، ولكن دون اعتبار العلامات عامل صناعة للحدث المنتظر، بل علينا أن نعلم أن اللّه سبحانه وتعالى وضع معطيات ووقائع وظروف لتحقيق هذا الوعد الإلهي، وجزء كبير من هذه الظروف تحققه ملقًى على عاتق البشرية، أما العلامات فهي تدلّنا على قرب المسافة، والعلامات الخاصّة منها هي مؤشّرات لاقتراب الوقت بحيث يفصل بينها وبين الظهور شهر أو أسبوع أو حتى يوم واحد.
إذًا فالعلامات تعطي مؤشرًا ورؤيةً وبصيرةً يمشي الناس
بها على هدى ووضوح وبينة، بحيث يصبح المستقبل أمامهم واضحًا، وهذا شرط أساسي للفوز والنجاح.
ويبقى للمعالجة بحث أخير هو كيفية التعامل مع هذه العلامات والأحاديث والروايات، وهو ما سنتناوله في المبحث الثالث.
المبحث الثالث
الضوابط المنهجية في دراسة علامات الظهور وتطبيقها[25]
مدخل
وصلنا في ختام المبحث السابق إلى نقطة مهمّة جدًا، وسنعمد في هذا المبحث إلى معالجة النتائج المبتغاة حول روايات الإخبار عن المستقبل وما سيأتي في آخر الزمان، وصولًا إلى ما يرتبط بقضية الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه).
منهجية العمل في نصوص السنة الشريفة
علينا أولًا، عند ورود أي خبر منقول عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال كذا وكذا، أن نعرف مَنْ نقل هذا الخبر عن رسول اللّه، فالروايات ترد في كتب الحديث منقولةً عن فلان عن فلان عن فلان عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، ووظيفتنا أثناء البحث في الأخبار أن نتأكّد من خلال القواعد والموازين العلمية أنّ هذه الروايات مقبولة، ويجوز الاعتماد عليها.
وسأعمد ههنا إلى تبسيط المطلب وتجنب استخدام مصطلحات علمية تخصصية.
إنّ لكل حديث منقول متنًا وسندًا، وللتطبيق سأذكر هنا حديثًا حفظته عن أحد كبار العلماء ولم يبارح حافظتي لحسن سنده ومتنه، منقول عن أحد الرواة، عن أبي الحسن عن أبي الحسن عن أبي الحسن عن الحسن عن الحسن عن الحسن بن علي (عليه السلام): «إنّ أحسن الحسن الخلق الحسن»[26].
فهنا عندما نقول: عن فلان عن فلان عن فلان، فهذا ما نسميه بسند الرواية، أما عندما نقول: «أحسن الحسن الخلق الحسن»، فهذا هو متنها.
وقد اتّفق علماء المسلمين بالإجماع على أنّ كلَّ ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) وعن الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يعتبر بالضرورة خبرًا صحيحًا، ولم يدّعِ أحد أن بإمكاننا أخذ الأحداث المروية عنهم والتمسك بها والعمل وفق ضامينها دون أن ندقّق فيها ونبحث للوصول إلى صحة نقلها عنهم، فالمسلمون يُجمعون على أنّ من الأحاديث ما هو صحيح ومقبول ومعتبر، ومنها ما هو غير ذلك.
وقد اتفق المسلمون أيضًا على أنّه قد كان في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعد حياته أشخاص يضعون أحاديثَ وينسبونها إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، ومعنى ذلك تأليف حديث زورًا وكذبًا ونسبته للنبي (صلى الله عليه وآله)، فوضع العلماء لذلك علمًا أسموه «علم الرجال» وآخر أسموه «علم الحديث» وغايتهم من ذلك وضع الضوابط والمعايير التي يتبين الباحث منها صحة الحديث ويدقق فيه، فمن ورد عنه من الرواة مثلًا أنه حفظ مئة ألف حديث، فالعلماء يقطعون بعدم صحة كل ما يروي من أحاديث، ولا يمكن بعدها للمسلمين التعاطي مع كل أحاديثه على أنّها صحيحة ومقبولة.
وعليه فالعلماء يهتمون بدراسة السند، أي فلان عن فلان، للتحقق من صدق الرواة والتثبت من وثاقتهم، وذلك باعتماد معطيات علوم الرجال والحديث في الحكم، وهذا عمل أهل الاختصاص.
المنهجية العقلائية في تلقي الأخبار
وإن شئت مزيدًا من التبسيط نقول: إن الإنسان العادي، ومن خلال السيرة العقلائية لعوام الناس، إن قيل له إنّ أخاه توفي، وعليه التحضير والدعوة للعزاء والتشييع وغيره، فهل يصدّق خبرًا كهذا إن ورد من أيّ شخص كان، فلو علم مثلًا أنّ المُخبر شخص كاذب، فإنه بالحد الأدنى يعمد للتأكّد من صحة كلامه قبل تصديقه، فالإنسان سليم العقل والفكر لا يبني على معطيات أي خبر مقتضاها، بل إنه يسعى قبل ذلك للتأكد من أصل صحة الخبر، ثم يعمد إلى التعاطي مع مضمونه، خصوصًا إن كان المخبر بالنسبة إليه مجهولًا أو مشكوك الصدق.
الأحاديث الموضوعة
فالإنسان إذًا لا يأخذ في شؤون حياته اليومية الأخبار ابتداءً إلّا مِنَ الثُّقاة، وكذلك علينا أن نتعاطى فيما خص موضوع الأحاديث الشريفة، لأن مجالها أكثر خطورةً وحساسية، وخصوصًا منها ما يتعلّق بأحكام ديننا وشريعتنا وجهادنا وسلوكنا وصومنا وصلاتنا، فإخبار شخص ما بشيء عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لا يعني بالضرورة أنه مخبر صادق.
وخصوصًا عند التعرّض لموضوع أخبار المستقبل، فإنه يلزمنا في هذا المجال تدقيق كثير؛ لأنّ من المتسالم بين علماء المسلمين أنّ هذا الباب من الأحاديث طاله كثير من التزوير من وضّاع الحديث، حيث يقال عند العلماء المتخصصين في هذا المجال إنّ أكثر بابَين وُضعت فيهما أحاديث هما: «الملاحم والفتن»، و«الفضائل».
وقد ساهم في توسيع المشكلة أداء بعض أحبار اليهود الذين دخلوا في الإسلام لاحقًا، حيث نقلوا من أخبار اليهود قصصًا ونسبوها لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، أو لم ينسبوها
له ولكن تعاطى بعضهم معها على أنها إخبارات عن الأنبياء (عليهم السلام)، وهذا طبعًا أمر غير مقبول. فالخبر لكي يكون مقبولًا يجب أن يُنقل من رجال معروفين وموثّقين بالحدّ الأدنى؛ ليكون بالإمكان التعويل على نقلهم بأنه نقل معتبر. وسنأتي لاحقًا إلى مسألة فهم المتن وفقه الحديث وما شاكل.
إذًا، فالتوصية الأولى لكلّ الإخوة والأخوات في هذا الزمان أن لا نأخذ الروايات من أيّ كتاب يقع بين أيدينا، أو أن نتبنى مضمون كل رواية تتحدّث عن آخر الزمان فنأخذ بها ونبني عليها. واعلموا أنّ هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة، أو التي لا أسانيد لها، أو نقلها أشخاص مجهولون، ولا نستطيع التعويل عليها.
علامات الظهور وخطورة التطبيق
وأما بخصوص موضوع بحثنا، وبناءً على ما ورد في المتون والنصوص الحديثية، وبلحاظ ما هو واضح من بعض الروايات المتواترة أو المستفيضة من حيث المعنى،
نقول إنّ أصل موضوع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) موضوع مسلّم وقطعيّ، فعلى المستوى الشيعي نحن نعتقد أنّ محمد بن الحسن من سلالة الحسين (عليه السلام)، ومن ذرية رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، ولد ومواصفاته موجودة في الروايات، وأما عند عموم المسلمين، فلعل أصل أنّ المهدي هو من ولد فاطمة (عليها السلام) أمر متسالم لا نقاش فيه.
أما موضوع السفياني، ففيه الكثير من الروايات[27]، وبالإمكان القول إنّ أصل السفياني من خلال كثرة الروايات الموجودة في كتب المسلمين محتوم، أمّا بالنسبة للتفاصيل فهناك روايات ضعيفة ومتفاوتة، وهذا يحتاج إلى التدقيق.
وأما موضوع خروج اليماني، فهو أمر جليّ في الروايات، كما موضوع الخرساني، أو الرايات الآتية من المشرق الممهّدة لهذا الأمر.
وكذا موضوع الصيحة - وأنا هنا أركز على خمس أو ست علامات هي المؤكدة؛ لكن هناك علامات أخرى إلا أن فيها الكثير من التفصيل، وإذا أردنا التركيز على كلّ علامة نجد العشرات من الروايات حولها - فالصيحة أو النداء من السماء أو الفزعة من السماء، كما والخسف في البيداء بجيش السفياني الخارج من المدينة إلى مكّة، هذه كلها أمور ثابتة.
كما تحدّثت الروايات عن سيد حسني يخرج قبل صاحب الزمان يسفك دمه في محيط الكعبة.
فهناك إذًا شخصيات مذكورة في الروايات، إلا أنها ذكرت بنحو غامض. وعليه فالحذر في فهمنا لهذه العلامات وفي تطبيقنا لمجريات الواقع عليها واجب؛ فهذا الباب أيضًا كأيّ باب آخر.
فكما أنّ القرآن الكريم يتاجَر به، وكما أن السلاح يستعمل للخير والشرّ، كذلك هذا العلم يتمّ استخدامه للأمور السيئة بالادّعاءات الكاذبة.
ادّعاء المهدويّة
وهو من بين الأمور الخطيرة التي تنبع من هذا الباب. فمنذ أيام بني العباس وحتى يومنا، ظهر الكثير من أدعياء المهدويّة[28]، وكلهم كاذب وضالّ؛ لأنّ المهدي الموعود بحسب الروايات هو الذي «يملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا»[29]، وهذا أيضًا ما ورد في الآيات الكريمة بخصوص دولة العدل، بينما كلّ الذين خرجوا لم تتحقّق دولة العدل على أيديهم.
وأنا أذكر قبل سنوات، وتحديدًا في سنة 1979، في 20 تشرين الثاني، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بعدّة أشهر، ويتزامن هجريًا مع 1 محرم 1400 هـ، أي اليوم الأول من السنة الأولى الهجرية من القرن الجديد الهجري 1400، ظهرت شخصيّتان جمعتا مجموعةً من المسلّحين في مكّة
عند الكعبة، أحدهم اسمه جهيمان العتيبي، والآخر محمد بن عبد اللّه القحطاني، فدعا الأول المسلّحين الذين معه إلى بيعة محمد بن عبد اللّه القحطاني على أنّه المهدي الموعود، ووقعت يومها معركة قُتِل فيها القحطاني، واعتُقل جهيمان وأُعدم لاحقًا، وأشيع لاحقًا أن القحطاني ادّعى المهدوية. اللافت أن هذا الأمر جاء بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فكان بالإمكان تطبيق العلامات على واقع رايات المشرق، وخروج الخرساني من إيران، والمهدي من مكّة، فالظروف والزمان والأحوال كانت سانحةً ومواتيةً لتطبيق العلامات عليها، إلا أنه كان تطبيقًا باطلًا ومضلّلًا، وأمور كهذه وقعت وستقع فعلينا التنبّه لذلك.
ولقد ورد في الروايات عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّ هناك أشخاصًا يدّعون المهدوية، والأخطر من بينهم هم السادة، لأنّ المهدي المنتظر من نسل فاطمة من ولد الحسين، وخصوصًا إن كان اسم أحدهم محمد واسم أبيه الحسن[30].
وقد ادعى في الأزمنة المتأخرة أشخاص المهدوية في إيران. كما وحصل ذلك في زمن بني العباس كما ذكرنا.
ويكفي القول إنَّ كل من ادّعى المهدوية أو أنّه الخرساني أو اليماني أو الحَسَني أو النفس الزكية فادعاؤه موقوف على دليل يقدمه، وما لم يقدم دليلًا فادعاؤه كذب وافتراء وتجرؤ كبير، كما وخطره على الأمة قد يكون كبيرًا ما لم يلتفت المؤمنون إلى تفاصيل الأمر كما بيّناها.
إذًا، لا يكفي التسليم بصحة الخبر وبدقة العلامة وبتحديد الشخصية، ولا يكفي العلم بأنّ أصل الحدث سيقع في آخر الزمان، بل الأمر يحتاج إلى حذر وانتباه، ولعلّ هذا واحدٌ من فوائد الحديث عن العلامات وفهمها وفهم أخبار آخر الزمان.
مخاطر تطبيق علامات الظهور
وقد لفتنا إلى هذه المسألة إلا أن من الضروري الوقوف عندها، لعظم خطرها على الأمة الإسلامية. ومسألة تطبيق العلامات معناها أن نسلّم أن العلامة تحقّقت، أو
أن إحدى الشخصيات المذكورة في الروايات هي فلان، وهذا غير الادّعاء، فالمُدَّعون ثبت كذبهم طوال التاريخ، أما التطبيق فأحيانًا يَدّعي الناس انطباق أحداث وعناوين على شخصيّات وأحداث معاصرة لنا، دون أن تدّعي هذه الشخصيات ذلك.
ذكرنا سابقًا أن العلامات تنقسم إلى أقسام ثلاثة، فالقسم الأوّل هو الأخبار العامّة التي تحدّث الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها عن آخر الزمان، عن الحُكّام والمساجد والعادات والتقاليد والملوك والأمراء والنساء والمصاحف والأوضاع الكونية والحروب والأمراض وغيرها، لكن دون ربط بموضوع قيام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). هذه العلامات - بالنظر إلى الأزمنة التي نعيش فيها - قد تحقق بعضها بلا خلاف.
فالحديث القائل إنّ الرجال تتزيّا بزيّ النساء، والنساء بزيّ الرجال، مثلًا، فهذا الأمر كائن الآن؛ وزوال مملكة بني أمية، ومملكة بني العباس أيضًا، فذلك مما تحقّق، ولا نقاش فيه؛ وهناك جزء كبير من هذه الأخبار تحقّق مضمونه.
أما القسم الثاني من العلامات فهي التي تتّصل بالظهور ولكن دون ربطها بزمن الظهور، وهذه هي العلامات العامّة، فيصح القول مثلًا إنّ زوال مملكة بني العباس هي من العلامات العامّة، أو مثلًا بعض الروايات التي ذكرت أنّ العلم ينضب في الكوفة ويزدهر في بلد اسمها قم[31]، دون ربط ذلك بزمن الظهور، فهذه أيضًا من العلامات العامّة التي تحقّقت، كما أن هنالك بعضًا منها لمّا يتحقّق حتى الآن.
وأما القسم الثالث، فهو قسم العلامات الخاصّة؛ أي ما ذكر في الروايات أنّها متّصلة بظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه)،
والتي هي بشكل خاص: السفياني واليماني والخرساني والصيحة في السماء والخسف في البيداء، ففي هذه العلامات يُلحظ عامل الزمن، حيث ذكرت عبارات من مثل «في يوم واحد»، أو «في شهر واحد»[32]، والصيحة مثلًا روي أنها مرتبطة بشهري رجب ورمضان، فقد تكون صيحةً واحدةً، وقد تكون صيحات متعدّدة.
وكذا الخسف في البيداء، فمعلوم أنّه يقع في عصر الظهور، حيث يخرج جيش من المدينة باتّجاه مكّة ليعتقل الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فتُخسف به الأرض.
في هذا القسم تكمن المشكلة في التطبيق لأسباب:
- الجهل بوقت حصول العلامة: حيث إنه لا علم لنا بوقت حصول هذه الأحداث المتلاحقة والمتزامنة، وهذا أمر لا يمكن لأحد ادعاؤه، إلا إن كان هناك رجال خاصُّون، حصّلوا علمًا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لم يصل إلينا.
- هذا التطبيق لا يلازمه ظهور الإمام المهدي: فعندما يقوم شخص بتطبيق الشخصيات في الروايات على شخصيات موجودة في الواقع، فإن ما افترضه من علامات لا يُلازمه قيام المهدي ودولة الحقّ، فهو وهم ينشره بفعله ولا منفعة عائدة بل يتبعه ضرر كبير.
- تطبيق بلا علم: ثم إن أحدًا من الذي يسعون إلى تطبيق العلامات عندما يقول للناس مثلًا إنّ فلانًا هو السفياني، فذاك مفاده أن انتظروا خروج المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بعد ستة أشهر أو خمسة أشهر أو ثلاثة أشهر، لأنّ الروايات ربطت بين ظهور السفياني وظهور المهدي بفترة زمنية هذا مقدارها؛ أو عندما يقول للناس: إنّ فلانًا هو اليماني أو الخرساني، أو إنّ الدوي الذي سمعناه البارحة هو الصيحة في السماء، فهذا مفاده أن انتظروا المهدي بعد أسبوع أو أسبوعين، وهذه مشكلة عظيمة، ومكمن المشكلة في هذا التطبيق أنه تطبيق بغير علم، بل هو في أحسن أحواله لا يتعدى كونه ظنًّا، والظن لا يُغني عن الحقّ شيئًا، فنحن بهذا التطبيق لا نعلم أنّ هذا هو فعلًا اليماني أو الخرساني أو السفياني.
- تضليل الناس: وهو من المخاطر الكبيرة التي تترتب على التطبيق الخاطئ للعلامات، ذاك أنّ الراية إذا كانت ممدوحةً فمفاد ذلك دعوة الناس إلى نصرتها، وإذا كانت مذمومةً فمفاده دعوة الناس إلى مواجهتها.
- إحداث الشك في القضية المهدوية وعلاماتها: وهو الناتج الأخطر للتطبيق الخاطئ للعناوين على الأشخاص، إذ عند موت الشخصية التي ربط المطبقون بينها وبين المذكور في الروايات، فإن هذا سيؤدّي عند البعض إلى الشكّ بكل العلامات والأخبار والروايات، بل قد يؤدّي إلى الشك بأصل الإيمان بالمهدوية، ما يستتبع ضررًا وأذًى يطال كل المنظومة العقائدية الإسلامية، ما يعود بالضرر على كل المسلمين.
والخطأ في التطبيق كما ذكرنا موجود في كلّ زمن؛ إمّا للاستغلال السياسي، أو رغبةً من البعض بإضفاء مشروعية على من يحبّ، أو في سبيل تحصيل شهرة شخصية، أو ترويجًا لكتاب أو مؤلف أو غيرها، إلا أننا بيّنّا أن المخاطر المترتبة على هذا الأمر أعظم من أن نتسبب
بها في سبيل تحصيل هذه المكاسب الجزئية، فعلينا الحذر.
أنموذج عن مخاطر التطبيق في العصر الحاضر
ذهب البعض، في مرحلة من المراحل، للقول إنّ السفياني هو صدام حسين، مستشهدين على ذلك بما ارتكبه من أفعال شنيعة، إلا أن صدام مات وبطل هذا الادعاء. ثم ذهب آخرون في العراق مثلًا إلى إنّ أبا مصعب الزرقاوي الذي قام بالتكفير والقتل والذبح وسفك الدماء هو السفياني، وبأنّ راية السفياني ظهرت، واشتبه الأمر على الناس أكثر لكون السفياني يخرج من المنطقة المسماة بالوادي اليابس، وهي واقعة بالمثلّث بين سوريا والأردن وفلسطين، وهي المنطقة التي تواجد فيها الزرقاوي، إلا أن الزرقاوي مات أيضًا.
والمشكلة الكبرى أن المدّعين يعمدون إلى نشر دعاواهم ساعين إلى نشر ثقافاتهم بين المؤمنين.
وقد ذهب البعض في مرحلة من المراحل - نتيجة
تأثّر الكثير من الناس - إلى أنّ الإمام الخميني{ هو الخراساني، باعتبار كونه من السادة، واعتبار أن كلّ إيران يصح اعتبارها خراسان، وخمين أو قم جزء من خرسان، فالإمام الخميني هو الخرساني وهو الذي سيسلم الراية للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، إلا أن إمامنا الخميني توفّاه اللّه تعالى، كما ذهب آخرون عند رؤيته على فراش المرض في المستشفى إلى أن المنتظري هو الخرساني، وقد توفّاه اللّه أيضًا.
وحتى في أيامنا هذه فإن البعض ذهبوا إلى ادعاء أن أبا بكر البغدادي (زعيم داعش) هو السفياني، بقرينة قتله سبعين شخصًا سنيًا من عشيرة أبو النمر منذ يومين كما روى البعض، وقتل مئتي شخص على رواية أخرى، وثلاثمئة على غيرها، بين قتل وذبح الرجال والنساء والأطفال.
كما قد يأتي البعض في أيامنا ليقول إنّ سماحة السيد القائد } هو الخرساني، وأنا من أكثر الذين يتمنون أن يكون الواقع كذلك، ولكن لا يمكننا ادعاء ذلك دون دليل وأساس وقرينة.
نعم، أحيانًا قد تتطابق بعض المواصفات المذكورة في المرويات مع بعض الأشخاص، ولكن ذلك يبقى في دائرة الظنّ، ولا يرقى لمراتب العلم واليقين.
وكذا عندما تصل النوبة إلى اليماني، فهناك ادّعاءات أكثر، فقد ادعى شخصان في العراق مثلًا أو ثلاثة أنهم اليماني. كما وذهب بعض المحبين لحزب اللّه في لبنان إلى ادّعاء أن راية حزب اللّه هي راية اليماني، وأنّ فلانًا هو اليماني[33]، وليت الأمر كذلك، ولكن ما الدليل عليه؟ المطلوب من المؤمن أن لا يقفو ما ليس له به علم، لأن الخطأ في التطبيق يؤدّي إلى نتائج غير سليمة.
وقد ذكرنا ونكرر، إن الخطأ في التطبيق قد يؤدّي إلى التشكيك في كلّ هذه العلامات، وهذا ما يجب أن نجتنبه بشكل حاسم. ولا يكفي في هذا الموضوع صفاء النية، بل الأمر بكل كيفياته خطأ ويؤدي للوقوع في المحرم، لما قد يسببه من خلل في الموازين.
من الممكن أن يفترض البعض إنه بفعله يضيف نوعًا من الشرعية والقداسة لسماحة السيد القائد }، ولكن هل السيد القائد يحتاج لإضافة الشرعية؟!
إنّ شرعيته أهمّ من هذه الشرعية المدعاة له لأنّها مبنية على قواعد سليمة، لأن سلوكه وأداؤه وورعه وزهده وحكمته وشجاعته وتجربته الراقية والمشرقة هي التي تزيده محبةً وقداسةً عند المؤمنين.
المنهج العملي عند حزب الله
يذهب بعض الأشخاص إلى القول أنّ القتال في سوريا هو قتال السفياني، ونحن في حزب اللّه لا نحتاج تسويغًا كهذا، وهو أمر غير معلوم الصحة، ولكن شرعية قتالنا مستندة إلى أسس فقهية وشرعية وعملية وواقعية، ولا حاجة إلى تعبئة من هذا النوع.
نحن إنما نقاوم في سوريا حمايةً للبنان ولسوريا ولفلسطين وللمنطقة ولشعوب المنطقة من الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية وهيمنة التكفيريين، الذين إن
أمسكوا بزمام الحكم، فسيفعلون بشعوب المنطقة ما فعله أبو بكر البغدادي بعشيرة (أبو النمر).
وإن ظهور كل من الخراساني واليماني والسفياني قد يكون بعد خمسين عامًا مثلًا، وقد لا نكون حينها موجودين.
فنحن لا نحتاج إذًا إلى مبرر كهذا، لأن منهجنا العملي قائم على تعاليم العقل والمنطق وله قواعد وأصول ومبانٍ، ولدينا قرآن وسُنّة نبوية ومنهج استدلال واستنباط وأصول متينة نبني عليها حركتنا وسلوكنا وفهمنا للأحكام الشرعية ولتكليفنا الشرعي، والكلام في هذه القضايا يستند كله إلى الظنون والاحتمالات والتوهّمات، حاله كحال ما سبق أن تحدثنا عنه من قضايا التبصير والضرب بالرمل والتنجيم، ومنهجنا لا يمكن أن يستند إلى أمور كهذه، فنحن أهل العلم والمعرفة.
نعم، قد يبقى لدينا احتمال أن يكون بعض ما يقال صحيحًا، وهذا لا بأس به إذ كلّ شيء محتمل، من قول أنّ فلان المذكور في الروايات هو الشخص الفلاني مثلًا،
أو أن العلامة الفلانية المذكورة في الروايات هي الحدث الفلاني الذي شهدناه، فلا مشكلة في الاحتمال، ولكن الخطأ أنّ تُقدّم الاحتمالات إلى الناس على أنها قطعيّات، وتُقدَم في الخطب على منابر الحسينيات والمساجد، من باب تحفيز وحث الروح التعبوية.
خصائص العلامات الخاصّة
إن التحديد الواضح للعلامات الخاصّة أمر ضروري للباحثين عن حقيقة أمر الظهور. وفي هذا السياق نقول إن البحث في الروايات، الصحيح منها والمعتبر، والوقوف على آراء العلماء في المسألة، يرشد أن العلامات الخاصة والتي تحدث في سنة الخروج هي ظهور اليماني والخرساني والسفياني، وصيحة في السماء، وخسف في البيداء، ونحن عندما نقترب من هذه العلامات فلن تتوه وجهتنا، وتكفينا المعرفة بهذه العلامات لنتمكن من إدراك اقتراب الظهور، لأنّ العلامات هذه إنما تقع متلاحقةً، بحيث يتلو واحدها الآخر، فتكون الأمور واضحةً لكل ذي نظر.
دلالية العلامة على ذاتها
وقد يسأل سائل أنه كيف لنا في ظل هذه الادعاءات والتدليسات أن نعرف السفياني أو اليماني عند ظهورهم، والجواب اللافت في هذا الخصوص نقرأه في بعض الروايات من أن الناس لن تخطئ في معرفة السفياني ولن تضيع بأمره بل سيكون تشخيصه جليًا وبيّنًا لجميع الناس، ومع ذلك فإن الرواية تُكمل بأنّكم إن ضيّعتم أمر معرفة السفياني فلن تضيّعوا أمر الصيحة في السماء، حيث ستسمعها كلّ أذن في كلّ العالم، وسيسمعها كل أهل لغة بلغتهم، وليس أمرها كما يدعي البعض مرتبطًا ببث فضائي عبر التلفزيونات، لأنها كما ذكرنا تبلغ كل أذن ومعلوم أن بعض الناس قد لا يملكون تلفازًا في بيوتهم بل بعض البلدان قد لا تحتوي على صحون لاقطة للإشارة أصلًا، فلو كانت المسألة محصورةً بالبث التلفزيوني لما أمكن أن تصل الصيحة إلى الجميع في حين أن الروايات أكدت ذلك. لذا فالصيحة من السماء لها عنوان وطابع المعجزة، وهي العلامة الحاسمة، التي لو أضعنا أي علامة فإنا لا نضيع أمرها بل ستكون علامةً واضحةً للجميع.
توقيت الظهور
ومن العناوين التي يجب تناولها في بحثنا موضوع التوقيت، حيث إن البعض يعمد إلى العمل على تحديد وقت محدد لظهور الإمام، مدعيًا دون التفاتٍ العلمَ بالغيب، فيحدده مثلًا بأنّه بعد ستة أشهر، أو يوم الجمعة بتاريخ كذا، أو في الواحد والعشرين من صفر، وهذا كلّه كذب والقائل به كاذب مذموم، ذاك أن أمر التوقيت من الأمور التي نها أئمتنا (عليهم السلام) عنها في غير موضع، وأكدوا على عدم الخوض فيها مطلقًا، ونقلوا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) النهي عن ذلك أيضًا، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت»[34]، وعن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله): «كذب الوقّاتون»[35] وهذا نص جلي بالنهي عن التوقيت وتكذيب الوقاتين، وقد ورد في
الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمحمد بن مسلم: «يا محمد، من أخبرك عنا توقيتًا فلا تهابنّ أن تكذّبه، وإنّا لا نوقّت لأحد وقتًا»[36].
وإن خطورة موضوع التوقيت تظهر لو ساءلنا عن مصدر علم هذا الموقّت بالوقت الذي حدده، فإنك لن تجد جوابًا يرضى به ذو عقل. ففلان مثلًا الذي رأى في نومه موشرًا ما - وقد سبق وذكرنا محذرين أنّ المنام ليس بحجّة - أو العالم الفلاني الذي وصل إلى هذا التوقيت، فمن أين أتوا به؟ كيف وفي بعض الروايات أنّ أمر الظهور علم يختصّ باللّه ولا يعلمه غيره، وأن هذا من علم الساعة، فكيف يتجرأ البعض إلى هذا المستوى ويدعي لنفسه العلم بالوقت.
فالنقطة الأولى التي نؤكد عليها ضمن هذا العنوان هي النهي عن التوقيت، وتكذيب من يوقّت، والحكمة منها - واللّه العالم - قد تكون الحد من تضليل العباد المنتظرين.
ولكنه قد يُفهم من التوقيت المنهي عنه تحديد وقت قريب للظهور، وهذا ليس وحده وجه الإشكال في مسألة التوقيت.
لأن هناك نقطةً أخرى يجب الإلفات إليها والتحذير من مغبّتها ضمن عنوان التوقيت وهي تيئيس الناس من موضوع الفرج بافتراض توقيت يطول على أساسه أمد الظهور، وهذا أيضًا أمر يقع البعض فيه بعلم أو بغير علم، فيقول للناس مثلًا إن أمر الظهور بعيد جدًا وليس في الأفق المنظور من الزمن أي أمل، بل أمر الخروج سيتأخر كثيرًا عن الزمن الذي تحيون فيه. وهذا أمر خطير لما قد يبثّه من اليأس في نفوس المنتظرين، وما ينشره من أجواء التثبيط لعزائمهم والحد بذلك من جهودهم الإصلاحية في مجتمعاتهم، وهو أمر يجب الحذر منه.
وقد ذكرت سابقًا ضمن الكلام على فوائد العلامات أنّ من فوائد هذه العلامات هو الأمل باقتراب الفرج، ولكن عندما يأتي شخص ليقول إن وقت الخروج سيكون بعد مئتي سنة على الأقل، ويأتي آخر ليقول أنّ الظهور مثلًا سيكون بعد الأسبوع، فكلتا الحالتين كلام خاطئ
بغير علم، وله مخاطر فكرية وعقائدية ونفسية كبرى، فإمّا يؤدي إلى التيئيس والإحباط، وإمّا إلى النكران.
فما هو التعامل السوي بحسب التوجيه والروايات؟ هذا ما سنطرحه في النقطة التالية.
الانتظار السليم
إنا نعتقد، بحسب ما وردنا من أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وبحسب ما جاء في القرآن الكريم، وبحسب ما نحمل من عقيدة قاطعة وحاسمة، بأنّ مستقبل الأرض هو مستقبل غلبة التوحيد، وغلبة الدين الإلهي والمستضعفين، وأنّ مستقبل الأرض هو مستقبل الحكمة والرخاء والرفاه، وبالتالي تحقق ما جاهد وناضل وضحى وجهد لأجله وجاء به أنبياء اللّه (عليهم السلام) طوال التاريخ؛ وهذا يتحقق على مستوى الدنيا وقبل الآخرة.
فما وردنا من أحاديث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وما ثبت لدينا صحته وقبلنا به، وما نعتبره مما يمكن التعويل عليه من الأخبار فإنا ننتظره، ولكننا لا نعمد حال الانتظار إلى التوقيت، لا تقريبًا ولا إرجاءً.
نعم التعامل الصحيح مع هذا الأمر هو كما يلي: أن ننتظر الأمر صباحًا مساءً ولا نستبعده، فهو محتمل في كلّ ليلة وكل ساعة وكل يوم، فهو ككل شيء خاضع لمشيئة اللّه سبحانه وتعالى، ولو شاء أن يحقّق وعده الليلة لحققه، فليست يد اللّه بمغلولة. لذا فمن الممكن على مدار الساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنين أن يشاء اللّه تحقيقه، وإن أحدًا منا لا يعلم الغيب ليحدد، ولا أحد منا محيط بعلم اللّه وإرادة اللّه. فيجب أن ننتظر الأمر في كل آن، وأن ندعو اللّه تعالى أن يقربه ويعجله.
وهذا هو الفهم السوي والإحساس السوي تجاه أمرنا هذا.
تحقيق الوعد الإلهي بإرادة اللّه
قد يعترض البعض على ما ذكرنا بأن هذا الأمر لن يكون قبل السفياني والخرساني واليماني والصيحة وغيرها من العلامات الخاصة، إذ حتى الروايات قسّمت العلامات إلى قسمين: محتومة وموقوفة غير محتومة، وهي التي يمكن حصولها ويمكن عدمه، فلو افترضنا عدم تحقق
الموقوفة إلا أن المحتومة لا بد من وقوعها، وبذلك لا يمكن أن يقع أمر الظهور فجأةً.
ولكنّا نقول إن كل شيء خاضع لإرادة اللّه تعالى، كما في قوله ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ﴾[37]، فلا سيطرة على إرادته وعلمه وحكمته سبحانه وتعالى، فما هو غير محتوم فأمره واضح، أمّا ما هو محتوم فالعلماء اعتبروا أنّه يخضع لقاعدة ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ﴾ ولا يستثنى منها، أي إنه قد لا يحصل إن لم تشأ إرادة اللّه.
ورد في بعض المرويات أن الإمام الجواد (عليه السلام) سئل: هل السفياني من المحتوم؟ قال: «نعم، من المحتوم»، فسئل: هل يخضع ليمحو اللّه ما يشاء ويثبت؟ فقال: «نعم»، فسئل: هل المهدي يخضع؟ قال له: «لا، فالمهدي من الميعاد، واللّه لا يخلف الميعاد»[38].
وقد علّق البعض على هذه الرواية معتبرًا أن بإمكاننا القول إنّ ما هو محتوم سيتحقّق أما ما يمكن أن يتخلّف فهو التفصيل، فبالإمكان مثلًا أن لا يكون بين هذه العلامات المدة المذكورة في الروايات، بل قد يخرج اليماني والسفياني والخرساني وأن يخرج جبرائيل للصيحة في السماء ثم يأذن اللّه بظهور وليّه المخفي في خلقه لتحقيق الوعد الإلهي يحصل ذلك كله في ليلة واحدة، ويكفي في ذلك أنه لا مانع عقلي منه فيكون قابلًا للحصول وهذا تفسير مقبول أيضًا.
وبما سبق تكون قد عرفت معنى أن نترقّب وننتظر ظهور إمامنا، وأن ندعو وأن نحضِّر ونمهّد لذلك، وأن نتوقّع هذا الأمر صباحًا مساءً.
الأمل والانتظار
لعلنا بما قدمنا نكون قد أعطينا البحث قدره المطلوب، وأصبحت التفاصيل المفترض إيضاحها واضحةً، فأرجو من جميع من يبلغه كتابي أن نتعامل مع
هذه المسألة بانتباه وحرص مفرطَين، ذاك أنه موضوع شديد الحساسية في زمننا هذا، ويشكل مادّةً دسمةً لكثير من الذين يسعون إلى توظيف الموضوعات العقائدية في غايات دنيوية سياسية وثقافية وتجارية وغير ذلك، فعلى كل المؤمنين الطيبين من أهل الرجاء والأمل والانتظار، أن يحرصوا على أن يكون تعاطيهم مع هذا الأمر مُستندًا إلى أدقّ وأفضل الموازين العلمية والشرعية والعقلية، وأن لا نجنح لا إلى عالم الخرافات ولا إلى عالم الأساطير، ولا إلى اتباع الطرق التي لا تنتج علمًا، ولا تكون حجّةً بيننا وبين اللّه تعالى.
بعض الأشخاص يشغلون أنفسهم بدراسة العلامات، وهذا أمر محمود ومطلوب ولكن من أهل الاختصاص، أمّا نحن وغيرنا من أهل الإيمان، فإن لدينا مسؤولياتنا وتكاليفنا التي ينبغي أن نسعى إلى أدائها، وهذه أهم الدروس التي نتعلمها من أهل البيت (عليهم السلام)، الذين نسأل اللّه أن يوفقنا لاتباعهم حق الاتباع، ولخدمة خاتمهم وقائمهم إمام زماننا المهدي (عجل الله تعالى فرجه) إنه سميع مجيب.
الفهرس الموضوعي
سلسلة محاضرات لسماحة السيد حسن نصراللّه
الإمام المهدي وأخبار الغيب
سلسلة محاضرات لسماحة السيد حسن نصراللّه
الإمام المهدي وأخبار الغيب
فهرس العناوين المبحث الأوّل نظرة في طرق معرفة الغيب.. 11 الغيب والمستقبل، مثار جدلٍ واهتمام 14 الطُرق الموثوقة لمعرفة الغيب. 22 الوسائل غير الموثوقة في معرفة الغيب. 24 المنامات وعلاقتها بالمستقبل. 31 لماذا أقفل اللّه باب الغيب؟ 34
المبحث الثاني: نظرة الإسلام إلى أخبار الغيب والمستقبل 39 القرآن والسنّة، مصدران أساسيان للغيب. 41 القرآن الكريم والإخبار عن المستقبل. 42 أخبار آخر الزمان ووراثة الصالحين. 45 أخبار المستقبل في الروايات. 49 تقسيم الروايات المتعلّقة بالمستقبل. 50 فائدة الاطّلاع على أخبار المستقبل. 56 المبحث الثالث: الضوابط المنهجية في دراسة علامات الظهور وتطبيقها 67 منهجية العمل في نصوص السنة الشريفة. 69 المنهجية العقلائية في تلقي الأخبار. 72 علامات الظهور وخطورة التطبيق. 74 أنموذج عن مخاطر التطبيق في العصر الحاضر. 85 المنهج العملي عند حزب الله.. 88 تحقيق الوعد الإلهي بإرادة اللّه.. 96
المقدمةالحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على سيّدنا محمد وعلى آله الطاهرين وبعد. يتضمّن هذا الكتاب سلسلةً من المحاضرات الفكرية الهامة، ألقاها الأمين العام لحزب اللّه سماحة العلامة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه خلال ليالي عاشوراء لعام 1436هـ. تناول فيها قضية الإمام المهدي وأخبار الغيب بدقة وعمق، مع سلاسة في الأسلوب ووضوح في المنهجية. ونظرًا لأهمّية هذه الموضوعات، والحاجة الماسة إليها، عمدنا إلى تحرير نصوص المحاضرات، وإصدارها في هذه الدراسة لتعمّ الفائدة منها. الناشر
المبحث الأوّلنظرة في طرق معرفة الغيب[1]
مدخليعتبر السعي إلى الاطلاع على أخبار المستقبل وما يجري في الآتي من الأيام والسنين والعقود والقرون - وحتى قيام الساعة - من أبرز اهتمامات الناس في كافّة الأزمنة، الماضية كما الحاضرة، وهو موضوع يشغل حيِّزًا واسعًا من انتباه الناس، وخصوصًا في أزمنة المشاكل وأوقات المحن؛ إذ يبحث الناس في الشدّة عن بابٍ للخلاص من المآزق والأزمات، فتذهب إلى التوقُّعات والنبوءات، وهذا ما يسمّى بالغيبيّات. فعند اطلاعنا على ما خُطّ في صفحات التاريخ فإنّا نجد أنّ سلاطين وملوك وجيوش العصور القديمة كان لديهم مثل هذا التوجه أيضًا، فمن المعلوم، مثلًا، أنّ إرث بني إسرائيل، واليهود عمومًا، مليء بأخبار الغيب والإخبار
عن المستقبل، حيث بُعث إليهم عدد كبير من الأنبياء، فلو ورد على لسان كلُّ واحد من هؤلاء الأنبياء خبر واحد أو خبرين فقط حول أمور غيبية وجُمعت هذه الأخبار لشكّل ذلك مخزونًا كبيرًا، كما أن اليهود كانوا يلجؤون في شدائدهم، وخصوصًا السبي البابلي[2]، إلى الأنبياء لسؤالهم عن أبواب الفرج واليسر، فيخبرهم الأنبياء ببعض ما يُسكِّن أفئدتهم. الغيب والمستقبل، مثار جدلٍ واهتمامبرز في الأزمنة الأخيرة اسم لمتنبّئ أو منجّم هو «نستراداموس»[3]، له أشعار في أخبار الغيب وفي الحرب العالمية، وقد استفادت من أشعاره ونبوءاته الأطراف المتنازعة، فانتشرت بين الناس بتفسيراتها وتعبيراتها، بل استفيد منها أيضًا في الحرب الإعلامية.
أمّا في يومنا هذا، ومع تطوُّر وسائل الاتّصال والإعلام، فقد أصبح الموضوع أكثر انتشارًا، خصوصًا مع الأحداث والتطورات الهائلة والخطيرة التي يشهدها العالم، ويشهدها العالمان العربي والإسلامي، حيث بات الموضوع يُستغلّ لدى بعض الأشخاص بأشكال مختلفة، فعلى سبيل المثال: يلجأ بعض الناس إلى أخبار المستقبل وآخر الزمان ليبرهنوا أنّ طريقهم هو طريق الحقّ، وليؤكّدوا صوابية قراراتهم وخياراتهم، ويعمد آخرون إلى هذه الأخبار للاستفادة منها في الكلام على الانتصارات والهزائم، ولا ينحصر كلامنا عن التنبؤ والتنجيم بالذين لجؤوا إلى الروايات المنقولة عن الصحابة والرسول (صلى الله عليه وآله) فقط، بل يشمل الكلام بعضاً من غير المؤمنين من الذين يلجؤون إلى أصناف أخرى من النبوءات ويستخدمونها في الحرب النفسية، كجورج بوش وريغن[4] اللذَين كانا من هذا النوع. تصوّروا أنّ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية أو
بعضهم بالحد الأدنى كانوا يلجؤون إلى هذا الخيار، ويبنون مشاريع ضخمةً بناءً على هذه النبوءات، أضف إلى ذلك أنّ هذا الموضوع أصبح موضوعًا إعلاميًا واستثماريًا يستفاد منه كما ذكرنا. وعلى كلّ حال، بات الاهتمام بهذا الموضوع أمرًا طبيعيًا، ولم يعد بالإمكان منع الناس من الاهتمام بأخبار الغيب والمستقبل، وحتى القرآن الكريم، فقد أخبر عن المستقبل، بل إن في كتب المسلمين ثروة هائلة من الروايات عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، تحكي أنّه سيكون في آخر الزمان كذا وكذا، فهو بالتالي موضوع عناية وبحث وتركيز على المستوى الإسلامي، خصوصًا عندما يصل الأمر إلى مسألة عقائدية محورية كمسألة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، سواء أقلنا كما يقول الشيعة وبعض كبار علماء السنّة بكونه حيًا غائبًا عن الأبصار، أو قلنا كما يقول عموم إخواننا من أهل السنّة أنّه يولد في آخر الزمان ويحقق ما ورد في الأخبار عند بلوغه سن الأربعين. وبمعزل عن هذه الأخبار المتعلّقة بالمهدي(عجل الله تعالى فرجه) وغيرها
مما له علاقة بالمستقبل، فإن موضوع الغيب من المسائل الحساسة التي باتت تعتبر موضع تساؤل وتجاذب عند الكثير من الناس، بل وموردًا من موارد الابتلاء التي يواجهونها، أحببت أن أتناوله - وهو ليس موضوعاً نظرياً بل موضوع حقيقي تتناوله وسائل الإعلام والكتب - لمعرفة التوجيه الإسلامي في هذا الصدد. ما هو الغيب؟الغيب هو كل ما غاب عنّا من أحداث وأزمنة وغيرها، أي كل ما لم نشهده ولم نره بأنفسنا، ومنه الزمن المستقبل وما يجري فيه من أحداث، ذلك أننا نجهله ولمّا نعِش أحداثه بعد، ومن هنا فمن يدّعي القدرة على الإخبار عن المستقبل وأحداثه فعليه أن يكون عالمًا بالغيب، لأن المستقبل أمر غيبي. وقد قسّم العلماء عالم الوجود إلى قسمَين: عالم الغيب وعالم الشهادة؛ فالشهادة يشمل كل ما نشهده وما يمكن أن تحيط به بحواسنا، أمّا الغيب فهو ما غاب
عن الحواس وما خَفِي وبَطُن؛ فعالم الشهادة هو عالم المشهودات والمحسوسات، وعالم الغيب هو عالم ما وراء الحسّ أي ما ليس بمحسوس. وكلّ ما يتعلّق بالخالق عزّ وجلّ وبالوحي الذي أرسله اللّه، وما يتعلق بالملائكة والموت وما بعده، والقبر والبرزخ وأهوال القيامة وأحوالها، وبالثواب والعقاب والجنة والنار، هذا كلّه من الغيب. ومن الغيبيات أيضًا مسائل بدء الخلق، وما يتعلق بكيفية خلق اللّه للكون والإنسان والحيوان وآدم وحواء والجنّة والنار، فعلى الرغم من التطوّر العلمي الكبير، وعلى الرغم من النظريات العلمية المطروحة حوله، إلا أن كلها تخلو من الحقائق المحسومة اليقينية، ولهذا يعتبر ذلك كلّه من الغيب. وعلى ذلك فهنالك غيب مرتبط بالماضي، وغيب مرتبط بالمستقبل، والثاني هو المسمى بأحوال الغيبيات التي ستجري على الكون ومجمل الحياة، كما وعلى وجود الإنسان، مما له علاقة بنهاية هذا الوجود، فذلك كلّه وغيره من قضايا المستقبل من مسائل الغيب، والإخبار عنه يستلزم علم المخبر بالغيب كما سلف وذكرنا.
إيماننا بالغيبيؤمن المسلمون عمومًا بالغيب، بل يعتبر الإيمان به جزءًا من عقيدة الأنبياء (عليهم السلام) كافةً، لأننا في كلامنا عن الخالق والقيامة والوحي والملائكة إنما نتكلم عن قضايا غيبية، كما مر، وهي قضايا يؤكد الإسلام على ضرورة الإيمان بها، وهو من الأمور الواضحة في العقيدة الإسلاميّة، يقول اللّه تعالى في مطلع سورة البقرة: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾، فيجعل أوّل صفات المتقين إيمانهم بالغيب، ويتابع قائلًا: ﴿وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ﴾، وقد علمت أن ما أنزل إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قسم من أقسام الغيب، ﴿وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ﴾، وهو من الغيب أيضًا، ﴿وَبِٱلۡأٓخِرَةِ﴾، التي هي من مسائل الغيب أيضًا، ﴿هُمۡ يُوقِنُونَ﴾[5]. والآيات هذه وحدها كفيلة بإيضاح ضرورة الإيمان بالغيب في العقيدة الإسلامية.
نسبية الغيب والشهادةوهنا نقطةٌ يجب الالتفات إليها، هي أن الغيب والشهادة أمران نسبيّان، فعلى الرغم من جهلنا بما سيقع في الأيام القادمة من أحداث، ما يجعلها من الغيبيات، إلا أننا لو بقينا أحياءً وشهدنا تلك الأيام فإنها ستنقلب إلى شهادةً ولن تبقى غيباً، وكذلك الموت ونزع الروح من البدن وما يجري على الإنسان في ساعات حياته الأخيرة، التي يعتبرها كلٌ منّا غيبًا بالنسبة إليه، فإنها ستنقلب عند حلول ساعة موت الإنسان شهادةً، وكذلك القيامة وأحوالها وشؤونها الغيبية، ستصبح - عندما يُحشر الناس جميعًا ويُساق مِنهم مَن يُساق إلى الجنة والآخرون إلى النار - عالم شهادة. العلم بالغيبوهنا سؤال لا بد من الوقوف عليه هو: من الذي يعلم الغيب وأحداث المستقبل؟ سواء غيب الدنيا والكون وحياتنا الحاضرة، أو غيب ما بعد الدنيا، أو الغيب الماضي، من الذي يعرفه؟
من المعلوم أن لكلّ موضوع من الموضوعات أهله المختصّون به، فالمريض المحتاج إلى الشفاء إنما يقصد الطبيب، ومن أراد تشييد بناء لا غنى له عن الاستعانة بمهندس وبنّاء ونجار وغيرهم من أهل الاختصاص، ولكن إن أردنا معرفة الغيب فإلى من نذهب؟ ومن يعلم المستقبل الذي هو جزء من الغيب؟ إسلاميًا، الجواب القاطع والحاسم هو أنّه «لا يعلم الغيب إلا اللّه سبحانه تعالى»، ونحن كمسلمين لا ندّعي غير ذلك ولا ننسب لأيِّ مخلوق سمة العلم بالغيب. نعم، قد يُطْلِع اللّه سبحانه وتعالى بعضَ عباده - لحكمةٍ ورحمةٍ، ومن باب تحصيل مصلحة وهداية وإرشاد العباد - على بعض غيبه أو على بعض علمه. ولا بد من التأكيد على عبارة «بعض علمه»، لا كل علمه، لأن اللّه لم يُطلع أحدًا من المخلوقات - لا من البشر ولا من الملائكة - على علمه كله، ذاك أن أحدًا من المخلوقات المحدودة لا يسعه حيازة علم اللّه المطلق، ولهذا فهناك علم اختصّ اللّه تعالى وهنالك غيب لم يُطلع عليه أحدًا من المخلوقات.
أما هؤلاء البعض الذين أطلعهم اللّه على بعض الغيب فهم فئة من الأنبياء والمرسلين أو بعض الملائكة، وهؤلاء إنما يعلمون ما أعلمهم اللّه، وبحدود ما أطلعهم عليه لا أكثر، وهم لا يدّعون لأنفسهم أكثر من ذلك، يقول اللّه سبحانه: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡء مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ﴾[6]. ولكن مقدار علم وحدود معرفة كل واحد من هؤلاء العباد يختلف عن ما قد يعلمه سواه، فهم في ذلك متفاوتون، وخصوصًا فيما يتعلّق بما هو كائن إلى يوم القيامة. وهذه أيضًا من الأمور التي اختص اللّه سبحانه وتعالى نفسه بها، فكما يختار هو من عباده أولئك الذين سيطلعهم على شيء من غيبه، فكذلك يحدد مقدار ما سيطلع عليه كل واحد منهم. الطُرق الموثوقة لمعرفة الغيبلا ثقة في خصوص علم الغيب والمستقبل إلا بالطرق التي يعود منشؤها ومرجعها إلى اللّه سبحانه وتعالى،
وأهمّها القرآن الكريم، فنحن نؤمن بأنّ القرآن هو كتاب اللّه عزّ وجل أنزله على قلب نبيه الخاتم محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولذا فهو علم من عنده تعالى، وقد بث اللّه في هذا الكتاب أخبارًا عن المستقبل وأنباءً عن الغيب الآتي، فيكون هذا الطريق موثوقًا وأكيدًا، ولكن يبقى كلام في كيفية فهم الآيات وهو بحث آخر. وكذلك ما جاء عن الأنبياء من الأنبياء، أو ما سمعه الجيل الأوّل من الصحابة عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، أو ما وصلنا منقولًا عن طريق أهل البيت (عليهم السلام)، وهي أيضاً طرقٌ موثوقة. هذه الطرق هي الوحيدة المتاحة أمام الإنسان ليحصّل علمًا صحيحًا ويقينيًا عن المستقبل، أما سواها فلا يفيد إلا أوهامًا وظنونًا وخيالات، وهذا هو الجانب الأهمّ الذي أنوي الرجوع إليه بالتفصيل، لنحدّد كيفية المعرفة، وآليات الاطلاع، وحدود المسؤوليات، وكيف يجب أن نتعاطى مع هذا النوع من الأخبار المرتبطة بالمستقبل، خصوصًا ما يتعلّق منها بآخر الزمان وأخبار الظهور وما شاكل.
الوسائل غير الموثوقة في معرفة الغيبقبل الخوض في ما ذكرنا نقف على وسائل أخرى استند إليها الناس طوال التاريخ في سبيل تحصيل معرفة المستقبل، إلا أنها وسائل لا تستند إلى اللّه وكتبه، ولذلك نعتبرها طرقًا موهومةً ولا تفيد الثقة، ومنها: 1. التنجيم: وذلك نسبةً للاعتماد على علم النجوم وعلم الفلك في معرفة المستقبل، حيث يقال إنّ علم الفلك يمكن أن يفيد علمًا بأخبار المستقبل، وذلك عبر قراءة حركة الكواكب والنجوم والقمر والمدارات والمسارات، فأحوال الأفلاك تشير بحسبهم إلى أحوال وأخبار المستقبل، وقد اعتمد المنجمون طوال التاريخ على هذه الحركة ليقولوا إن فلانًا من الناس يموت في يوم كذا، وستقع حرب في عام كذا، ويحذروا الملوك من الخوض في حرب في السنة الفلانيّة، وهذا ما نجده في أخبار التاريخ.
2. الضرب بالرمل[7]: حيث يلجأ البعض إلى شخصٍ يضرب بالرمل، فينبئهم أن فلانًا سيُرزق بخمسة أولاد صحتهم كذا وأسماؤهم كذا، أو يفيدهم بشؤون تجاراتهم فينهاهم عن الدخول في تجارةٍ ما أو يحثّهم عليها، وغير ذلك. 3. التبصير: وله أشكال عديدة، كقراءة الكفّ وخطوطه، أو تبصير النساء لبعضهنّ بالفنجان، وغير ذلك مما يظن البعض أنّه يولّد علمًا بالمستقبل. 4. علم الأرقام والحروف والجُمَّل[8]: وذلك باحتساب قيمة الحروف في الأسماء والكلمات والجمل، حيث لكل حرف رقم يوازيه، فيتم احتساب قيمة أحرف كلمة أو جملة مرتبطة بصاحب العلاقة، وبالحسابات يتم الخلوص إلى نتائج أنّه سيصير معه كذا وكذا مثلًا.
5. تسخير الجنّ واستخدامه: فبعض الناس مثلًا يحضّرون الجنّ، ويسألونهم عن المستقبل وأخباره، وفي ذلك اشتباه كبير، حيث يظنّ كثيرون أنّ الجنّ يعلمون الغيب، مع أننا نجزم ونقطع أن الجنّ لا يعلم الغيب بل حاله حال الإنس، وقد أخبر اللّه عزّ وجلّ في سورة سبأ عن الجنّ بأنّهم كانوا يطيعون سليمان ويعملون لخدمته، وأنه عندما مات سليمان (عليه السلام) وقُبضت روحه وهو قائم على عصاه، والجنّ مشغولون ولم يعلموا بموته إلى أن جاءت حشرة وصارت تأكل العصا شيئًا فيشئًا، وهذا أمر من أمور الحاضر غاب عنهم فكيف بالمستقبل، فقد قال عزّ وجل: ﴿فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ﴾[9]، فلو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أنّه مات، والجنّ يعلمون
بقصورهم عن معرفة الغيب، ولكن هذا كان درسًا للبشر ليعرفوا أنّه لا يعلم الغيب إلا اللّه تعالى ومن أطلع من عباده. 6. تحضير أرواح الأموات: وهي من جملة الوسائل التي يلجأ إليها أناس كثيرون، ولا تنحصر فقط بأهل الشرق، بل يلجأ كثر في الغرب في أوروبا وأمريكا وأماكن مختلفة إليها. ولتحضير أرواح الأموات طرق من جملتها ما نعلم حصوله في لبنان أن يأتي الشخص بخشبة أو قطعة ورقة مقوّى ويكتب عليها آيات معينة أو أحرف الأبجدية، ثم يأتي بفنجان ويضعه في الوسط ويقرأ بعضهم آيات قرآنية، ثم ينادي روح الميت الفلاني أن تأتي من عالم البرزخ وتتجلّى في الفنجان، ويبدؤون بتوجيه الأسئلة فيتحرّك الفنجان على الأحرف ويستخلصون الكلمة، معتقدين أنّهم يجلبون روح الميت ليسألوه عن أخطائه وتجاربه. هناك في لبنان أناس كثيرون أضاعوا أوقاتهم بهذا العمل، وكذا في النجف الأشرف أيام دراستي هناك كان بعض طلّاب
العلم منشغلين بهذا الأمر، وسأذكر فيما يأتي ما كان جواب الشهيد الصدر[10] على فعلهم هذا. ومن أشكال تحضير الأرواح الأخرى ما هو معتمد في الغرب حيث يكون الافتراض أنّهم يحضرون الروح ويدخلونها في جسد شخص حي موجود، فيتكلم بلسان الميت، وهذه أيضًا إحدى الوسائل لمعرفة أخبار المستقبل وأنباء الغيب. وهنا قد يسأل سائل: هل حركة الفنجان متأتية عن لا شيء؟ والجواب: بلى هناك شيء ما ولكن من قال إنه روح أحد الأموات. في يوم من الأيام، ذهبت ومجموعة من الأشخاص إلى الشهيد الصدر في النجف، وتحدّث يومها حول هذا الموضوع، معتبرًا أن من يحرّك الفنجان ليست هي روح الميت، ومثّل لذلك بقوله إن الشيخ الطوسي الذي هو من كبار علمائنا وأفنى عمره في طلب العلم والتحصيل، وانتقل إلى العالم الآخر ليرتاح، فهل
يقبل العقل أن يتسنى لشخصين يلهوان بفنجان أن يأتيا بروحه إلى الفنجان ليسألاها عن أنباء المستقبل؟! فمن قال إنّ اللّه قد أعطى للبشر سلطةً من هذا النوع ليحضروا أرواح الأموات؟ فهذا غير معقول ولا وجه شرعي له. ومع فرض أنّ تكون هذه فعلًا روح ميت، فهل كان لهذا الميت عندما كان حيًا قدرة على علم الغيب؟ كما أننا لا نعلم عن أحوال الأموات شيئًا، ولا عما أجازه اللّه لهم أن يعرفوه بعد موتهم، نعم روح الميت قد تكون عارفةً بالماضي الذي عايشته وببعض الغيب، وهذا ليس طريقًا لمعرفة الغيب. وبكلّ الأحوال، وقبل الانتقال إلى النقطة الآتية، أؤكد أن كل ما ذكرت من النقاط الستّ هي ظنون وأوهام ولا تفيد علمًا بالغيب، والدليل على ذلك الكثير من أخبار المنجمين والفلكيين والمبصّرين وجامعي الجنّ ومحضّري الأرواح وجماعة الحسابات لم تصح. قد يصح منها جزء، ولكنه لا يدلّ على منهجية معرفة صحيحة. فنحن مثلًا لسنا منجمين ولا فلكيين ولا نعمل
بأي من الطرق التي ذكرنا، إلا أننا عندما نأتي لنتوقّع ونحلّل الجو السياسي فإن هناك أمورًا سيصح توقعنا لها كما أن هناك أمورًا لن تصح، ويكفي أن تكون بعض التحليلات والتنبّؤات غير صحيحة للاستدلال على عدم صحّة هذا الطريق في الوصول للغيب، وأن كلّ ما يقال فيه محض احتمالات. فالحامل مثلاً ستلد إمّا أنثى وإمّا ذكراً، ومن هُنا حتى السنة المقبلة إمّا سنصير إلى حرب أو لا. وفي خصوص أولئك الذين يظهرون على شاشات التلفزة ويصرحون بتوقّعاتهم حول المستقبل، فإن كان توقّعهم ناتجًا عن ادعائهم العلم بالغيب، فتلك مشكلة كبيرة وفعلهم محرم وغير جائز شرعًا ولا مقبول عقلًا، نعم إن كان ادّعاؤهم أن توقعاتهم مستندة إلى الحدس والتحليل، فلا مشكلة في ذلك، إلا أن توقعاتهم كلّها تندرج في خانة الظنون، وليست إخبارًا عن المستقبل، ولا إنباءً عنه.
المنامات وعلاقتها بالمستقبلوهناك طريق آخر أذكره وأعلق عليه هو المنامات، كأن يرى شخص مثلًا في منامه أنّ حربًا وقعت في البلد الفلاني. والإيمان بكون المنامات طرقًا لمعرفة المستقبل سائد اليوم، وهناك فضائيات قائمة على تفسير المنامات، والمفسرون فيها يقدمون كلامهم على نحو القطع، وتشمل توقعاتهم كل المجالات، كالبورصة والطقس والحروب وغيرها، فالمنامات وما يقدّم في تفسيرها بحسبهم له علاقة بالمستقبل، ويكفي عند هؤلاء رؤية أحد لشيء ما في منامه كدليل على ضرورة وقوع أمر ما في المستقبل. وموضوع المنامات والأحلام بحثٌ طويل وعميق، مرتبط بمجالات الطب والثقافة والدين والعلم، فهناك علم واسع يتناول هذا البحث، لذا نقتصر هنا على خلاصة الفكرة في ثلاثة أمور وهي: أوّلًا: لا شكّ أنّ الناس يرون منامات، وهذا لا يحتاج دليلًا.
ثانيًا: هذه المنامات قد تكون أضغاث أحلام. ثالثًا: هناك من المنامات ما يعتبر رؤًى صادقةً، من غير رؤى الأنبياء، الذين تعتبر رؤاهم جزءًا من الوحي والتواصل مع اللّه، فرؤيا نبي اللّه يوسف مثلًا للشمس والقمر وحي، ورؤيا النبي (صلى الله عليه وآله) بفتح مكة وحي. وليس من شروط الرؤيا الصادقة أن يراها شخص مؤمن وتقيّ وورع أو وليّ من أولياء اللّه، بل يمكن لأيّ شخص أن يرى رؤيا صادقةً، وقد أخبرنا القرآن عن قول عزيز مصر: ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰت سِمَان يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَاف وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡر وَأُخَرَ يَابِسَٰتۖ﴾[11]، حيث كانت رؤياه صادقةً فسّرها له النبي بأنها تنبئ عن مستقبل البلاد - وكان حينها عزيز مصر من عبدة الأوثان - وكذا ما ورد في السورة نفسها عن صاحبَي سجن يوسف اللذين أنبآه برؤًى شهداها كانت صادقةً وفسرها لهما فقال: ﴿يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا
فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡراۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ﴾[12]، على أنهما لم يكونا وقتها من المؤمنين. إذًا فهناك من المنامات ما هو رؤى صادقة تنبئ عن المستقبل، ولا يشترط للرؤيا الصادقة أن يراها المؤمن الورع فقط، ولكن هناك أيضًا أضغاث أحلام، وهذا أمر محسوم على المستوى الفكري. والمهم في الأمر أننا لا يسعنا، بناءً على هذا الواقع، أن نعتمد موضوع المنامات كطريق لمعرفة الغيب، ذاك أن تشخيص كون المنام رؤيًا صادقةً أو أضغاث أحلام أمر غير يسير، وحتى مع فرض بلوغنا القدرة على تشخيص كون الرؤيا صادقةً فمن يفسّرها؟ إنَّ رؤيا عزيز مصر فسّرها نبي من أنبياء اللّه، وكذا رؤيا “صاحبي السجن”، إذًا فليس بمقدور الإنسان العادي تفسير الرؤى الصادقة من المنامات.
هل المنامات حجة؟من الواضح بناءً على ما سلف أنّ المنامات ليست حجّةً من الناحية الشرعية، ولا يصح من أحد أن يبني خطط مستقبله على منام رآه، كأن يترك تجارةً أو أن يطلّق زوجةً أو أن يقوم أحد الإخوان المجاهدين في خطوط الجبهة الأمامية بإطلاق صلية من الصواريخ دون مراجعة للقيادة بناءً على رؤيا في المنام. نعم المنامات لها آثار نفسية مبشّرة ومطمئنة، ولها في بعض الحالات بركات خاصة، ولكن هذا مغاير لموضوعنا، فهل المنامات طريق يقيني علمي يمكن الركون إليه في معرفة الغيب؟ الجواب الصريح: لا يمكن اعتمادها ولا البناء عليها. لماذا أقفل اللّه باب الغيب؟لقد فتح اللّه عزّ وجل بحلمه وكرمه للإنسان الكثير من أبواب العلم والمعرفة بحيث إنّه اليوم في عالم التكنولوجيا والاتّصال والأبحاث العقلية والفلسفية حصل على شيء هائل وقدم نتائج مذهلة، ولكنه [اللّه] أقفل
باب علم الغيب، فلماذا؟ اللّه الذي أعطانا كل الإمكانات وفتح لنا الكثير من أبواب العلم والمعرفة لماذا أقفل باب علم الغيب؟ مع القطع بأن اللّه لا يبخل على عباده بل هو أجود الأجودين كما ورد في الدعاء. ونقول: إن اللّه قد أقفل باب العلم بالغيب لحكمة منه سبحانه، ولرحمة منه بالعباد. وسنوضح ذلك بإعطاء مثال: لنفرض أن أحدًا منّا قد وهبه اللّه علم الغيب، واطّلع بعلمه على أنّ أباه سيموت في اليوم الفلاني، وأمّه بالمرض الفلاني، وزوجته أيضًا وابنه وهو، فكيف ستصبح حياة هذا الإنسان بعد علمه؟ كيف تهنأ حياة شخص بعد اطلاعه على تفاصيل ومواقيت وكيفيات منايا ذويه وأحبابه؟ ولو بات مثلًا يعلم أن فلانًا من أصدقائه المقربين سيموت بعد ثلاثة أشهر بمرض السرطان في المستشفى، فهل سيستطيع تحمّل رؤيته، فكيف إذًا سنتحمل هذه المعرفة؟ فقابليات الناس - حتى الأنبياء منهم - ومستويات تحمّلهم وقدراتهم متفاوتة، واللّه لرحمته بنا ولتعلق
إرادته بأن يعيش الإنسان حياةً سويةً أقفل علينا هذا الباب. مضافًا إلى أنه عزّ وجل أراد لنا أن نكدّ ونسعى ونجاهد ونتعلّم ونعلّم ونصبر ونتحمّل، فالدنيا هذه إنما هي مقر الابتلاء للإنسان وصنع الكمال وتحقيق الرقي عبر الامتحان والاختبار، فإذا أصبح كلّ شيء واضحًا تعطّلت الحياة، وهي التي بناها اللّه على الحكمة. ولذلك فما أخبر اللّه تعالى به بعض أنبيائه من الغيب هو بمقدار المصلحة المرتبطة بحياة الناس ودينهم ومستقبلهم وراحتهم الدينية والدنيوية والأخروية، أما غير ذلك فهو حجبه عنا رحمةً وحكمةً منه بنا. خلاصة البحثالخلاصة التي ننتقل منها إلى المبحث الثاني، هي أنّ الطريق الوحيد المفترض للراغب بمعرفة أخبار المستقبل معرفةً صحيحةً سليمةً مطمئنةً، هي ما يمكن أن يكون أساسه ومصدره إلهيًا. أما كيفية الوصول إليه، وكيفية
التعاطي معه حال الوصول إليه، فهو ما سنتناوله في المبحث التالي، ثم منه ندخل إلى موضوع العلامات وآخر الزمان.
المبحث الثانينظرة الإسلام إلى أخبار الغيب والمستقبل[13]
القرآن والسنّة، مصدران أساسيان للغيبذكرنا في المبحث السابق أنّ لبني الإنسان في الحاضر والماضي اهتمامًا كبيرًا بأخبار المستقبل، وقلنا إنّ أخبار المستقبل من الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه، وإن اللّه تعالى قد حجب هذه المعرفة عن عامّة الناس، رغم فتحه لهم أبوابًا أخرى كثيرة من المعرفة، وذكرنا أنه تعالى إنما حجب عنهم هذا النوع من المعرفة رحمةً بهم ولتستقيم حياتهم وتسير بشكلها الطبيعي، كما ذكرنا أن اللّه يُطلع بعض عباده على الغيب لحكمة وهدف، وخلُصنا في ذلك المبحث إلى أن الطريق الوحيد الموصل لأخبار المستقبل هو ما يعود فيه الخبر إلى عالِم الغيب وهو اللّه تعالى، وأهمّه الوحي. وقلنا إنه لا غنى للمسلمين في هذا الإطار عن الاستناد
إلى مصدرَين أساسيَين أولهما القرآن الكريم، وثانيهما الأحاديث والروايات الشريفة التي وصلت إلينا. فأما بالنسبة للمصدر الأول وهو القرآن فنحن المسلمون نُجمع على أنّ ما فيه جاء يقينًا من عند اللّه وأن كلّ ما فيه كلام اللّه، ولذلك يقال بالمصطلح: إنّه قطعيّ الصدور، أي صادر عن اللّه تعالى قطعًا، دون شكّ أو ريب، والمسألة هذه ليست مما يخضع للبحث والنقاش، فكلّ ما بين الدفتين هو كلام اللّه، ولكن المهم الذي يطاله البحث هنا هو فهمنا لمعاني الآيات ودلالاتها، فصدور الآيات عن اللّه محسوم ولكن تفسير معانيها هو مما يُختلف عليه. القرآن الكريم والإخبار عن المستقبلكثرت في القرآن الكريم الموارد التي يصح اعتبارها من أخبار الغيب والمستقبل، بل يصح القول إن الجزء الأكبر من القرآن يتحدث عن أمور غيبية لو لحظنا المعنى الواسع للغيب الذي ذكرناه في المبحث السابق. وأما
في خصوص المعنى الضيق الذي هو موضوع بحثنا، وهو الإخبار عن المستقبل وأخبار الأرض والأحداث التي ستجري على الناس، فالقرآن تناول هذا النوع أيضًا في آياته، وذلك في مواضع عديدة، وإخبار القرآن عن المستقبل لم يكن له علاقة فقط بأحداث آخر الزمان، بل بأحداث قريبة من زمن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لحكمة. ومن بعض الأمثلة على ذلك ما ورد في سورة الروم، حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله) في مكّة مع قلة من المؤمنين في مواجهة أعداد كبيرة من المشركين، ووقعت حرب بين الفرس والروم وكانتا أكبر مملكتين، وقد كان الفرس مجوسيي المعتقد في حين كان الروم على النصرانيّة، فغلب المجوسُ الرومَ المسيحيين، وفرح لذلك مشركوا مكّة، مستبشرين بنصر المجوس المشركين على النصارى المؤمنين، وحملوا تلك الواقعة على محمل الخير والبشرى، بأنّهم سينتصرون على النبي (صلى الله عليه وآله) فجاءت الآيات الكريمة لتنبئ الرسول: ﴿الٓمٓ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ ٣ فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ
لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ﴾[14]، والهدف من هذا الإخبار كان التعبير عن إيمان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بما ينبئه به الوحي الذي ينزل عليه، كما وتقوية إيمان المسلمين بنصر اللّه، وغيرها من الغايات، فقد كان لهذا الإخبار في ذلك الزمان أغراض وحكم. وفي مورد آخر حين كانت أعداد المشركين كبيرةً وأعداد المسلمين قليلة، كان المشركون يتباهون بكثرتهم ويتوعدون للمسلمين بالهزيمة، وكان الأمر في ظاهره منطقيًّا بالمقاييس العقلائية، إذ لا توازن ماديّ بين الفريقين، لا من حيث العدد، ولا من حيث الإمكانات، إلا أن اللّه تعالى قد أخبر مبكرًا في مكة قال: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ نَحۡنُ جَمِيع مُّنتَصِر٤٤سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ﴾[15]، وهي من جملة الآيات التي كان فيها تحدٍّ، وعد اللّه فيه المؤمنين بالنصر قريبًا، وأخبر عن ذلك.
ومن الشواهد أيضًا، وهو الشاهد الثالث والأخير قوله تعالى: ﴿لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحا قَرِيبًا﴾[16]، وهذا حدث في الواقع لاحقًا، حيث دخل النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون معه مكّة محلّقي رؤوسهم. أخبار آخر الزمان ووراثة الصالحينأشرنا في ما سبق إلى أن القرآن أخبر عن المستقبل القريب من فترة النزول - وهو ما استعرضناه في الفقرات السابقة - كما وأخبر عن المستقبل المرتبط بآخر الزمان. وأما فيما يخصُّ الصنف الثاني، فهناك آيات عديدة، سأختار من بينها ثلاث آيات تتعلق بشكل مباشر بموضوع بحثنا. الآية الأولى: يقول اللّه تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ
ٱلۡوَٰرِثِينَ﴾[17]، وهي آية يشير اللّه تعالى فيها إلى إرادته المنّ على المستضعفين في الأرض، وإرادته التفضّل عليهم بأن يجعلهم قادة الأرض وحكّامها، لأنهم بحسب الآية هم الذين سيرثون تلك الأرض من كل الحكومات والحكام. الآية الثانية: قال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡناۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾[18]، وهي تتحدّث عن وعدٍ إلهي للصالحين المؤمنين، بأنّ اللّه سيجعلهم خلائف الأرض، وسيمكن لهم، فيحكمون ويحصّلون الأمن والسلام والدِّعة من دون قلق وخوف. الآية الثالثة: قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ
بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ﴾[19]. مفادها أن اللّه قد أنزل في الزبور أن مستقبل الأرض هو مستقبل الصالحين، ومجتمع وحكومة الصالحين. والآيات السابقة كما لاحظت نصوصٌ قرآنية واضحة في إخبارها عن أخبار آخر الزمان، ودلالاتها أيضًا واضحة جدًا في تأكيدها على أنّ مستقبل البشرية ومستقبل الأرض سيؤول إلى المستضعفين والمسلمين، وأن حكومة الصلاح هي التي ستسود آخر الزمان، حيث ربطت الأولى الأمر بإرادة اللّه (نريد)، والثانية بوعد اللّه (وَعَد)، والثالثة بما أنزله اللّه في كتب سماوية سابقة (كَتَبنا). وقد دلت على هذا المعنى آيات أخرى كثيرة، إلّا أنَّ القرآن الكريم لم يأتِ على تحديد الشخص الذي سيقيم هذه الحكومة العالمية في آخر الزمان، أو الكيفية التي ستقام بها تلك الحكومة، بل النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي ذكر هذه التفاصيل، ومفسرو القرآن يستندون في تفسير هذه
الآيات على الروايات لإعطاء صورة واضحة عن معانيها، ليفيدوا أنّ هذا الوعد سيتحقق في آخر الزمان على يد رجل عظيم هو المهدي(عجل الله تعالى فرجه) من ولد فاطمة (عليها السلام) بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) «الذي يملأ اللّه به الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا»[20]، وبهذا المضمون صرّحت روايات كثيرة عند الشيعة والسنّة. فنحن نؤمن كمسلمين بأن هذا المخلّص سيظهر في آخر الزمان، ونعتقد أيضًا أن السيد المسيح (عليه السلام) سيعود ويظهر هو أيضًا، وأن على عاتق المهدي (عجل الله تعالى فرجه) والمسيح (عليه السلام) سيكون تحقيق وراثة المؤمنين المستضعفين الصالحين لهذا العالم، لتتشيد بعدها دولة السلام والعدل والرفاه على الأرض، ويتحقق، إن شاء اللّه، كلّ ما كانت تتطلّع إليه البشرية منذ بدء الخليقة، وهذا بالعودة إلى المصدر القرآني.
أخبار المستقبل في الرواياتالمصدر الثاني للإخبار عن الغيب هو الروايات والأحاديث الشريفة، مما رواه المسلمون عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أو ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام). وفي هذا المجال المتعلق بأخبار المستقبل وغيب آخر الزمان، فهناك مئات الروايات والأحاديث، بل عدّها بعض العلماء بآلاف الروايات، كما ورد في مضامين بعض الكتب باب من الأبواب أُطلِق عليه عنوان «الملاحم والفتن» تناول أخبار المستقبل، وقد قام بعض العلماء في الأزمنة الأخيرة بجمع كل الروايات التي تتّصل بشكل أو بآخر بالمهدي (عليه السلام) ضمن مجاميع روائية، دون التحقّق منها. فهناك إذًا أعداد كبيرة من الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) تُحدّثنا عن المستقبل، وبالإمكان تقسيم هذه الأحاديث والروايات إلى أقسام من زوايا متعدّدة، ولكني سأعتمد ثلاثة تقسيمات، لأنّ لها علاقة بنتيجة البحث.
تقسيم الروايات المتعلّقة بالمستقبلالقسم الأوّل: هو أخبار المستقبل والغيبيّات التي لم يتمّ ربطها بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ودولة آخر الزمان، بل تحدّثت عن أنّه سيحدث في المستقبل أمرٌ كذا وكذا دونما ربط لما سيحدث بموضوع ظهور المهدي(عجل الله تعالى فرجه)، ومن هذه الروايات ما أتى بصيغة: «سيأتي على الناس زمان، أو على أمتي زمان كذا وكذا»، وأغلب هذه المرويات لم تُربط بسياق الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وموضوع الظهور. وفي هذا القسم مثلًا ما أخبره النبي (صلى الله عليه وآله) عن مرحلة ما بعد وفاته من أنّه سيأتي زمان يحكم فيه بنو أمية، كما والروايات التي تحدثت عن ظلم وأداء حكّام بني أمية، وكذا الروايات التي ذكرت الرايات التي ستزيل حكم بني أمية، وغيرها من الروايات التي تتحدث عن موضوعات متنوعة ستأتي بعده، كزوال بني العباس، وأحوال بني العباس، وزحف المغول، وأحوال العالم والحروب والحكام والأمراء، والعلماء والقرّاء، والنساء والرجال، والعلاقات الاجتماعية، وعلاقة الولد بأهله، وعن الأحداث الكونية،
كطلوع الشمس من مغربها، والكسوف والخسوف والمطر والزلازل، فكلّ هذه الروايات تحكي عن هذا النوع من الأخبار. وقد جُمعت في الجزء الثاني من كتاب الإرشاد للشيخ المفيد[21] مجموعة من هذه الروايات تتحدّث عن الزيّ والكتب والمساجد والمصاحف، وفيه تفاصيل كثيرة جدًا موجودة في كتب الشيعة والسنة، وكثير من هذه الإخبارات بإمكاننا - ونحن اليوم في عام 1436هـ - أن نلحظ تحققها إن نظرنا إلى العالم ومجرياته، أو ما جرى في الماضي. والقسم الثاني: هو العلامات والأحداث التي تمّ ربطها بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، أو كان فيها نحو صلة بالإمام، دون إتيانها على ذكر رابط زمني بين تحقق مضمون الخبر وبين ظهور الإمام، بل تُرك الأمر فيها مفتوحًا من حيث الفاصل
الزمني، وبعضها قد تكون أحداثًا وقعت بالفعل في الماضي من الزمن وفي أزمنة بعيدة عن قيام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بقرون. من هذا القسم المرويات التي تكون صيغتها: «لن يكون هذا الأمر قبل أن يكون كذا وكذا»، أو «لن تروا ما تحبّون قبل أن يكون كذا وكذا»[22]، على أن يتم ربط الأحداث والشخصيات والوقائع الوارد ذكرها بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه) عبر ذكر أنها ستكون قبل قيامه، لكن دون تحديد الفاصل الزمني كما ذكرنا. ولا يمنع أن تُذكر بعض الأحداث في أخبار في القسم الأول والثاني على حدٍ سواء، كقيام دولة بني العباس وزوالها التي ذُكرت في القسم الأول، ولكن الفاصل الزمني بين دولة بني العباس وظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بعيد جدًا. أمّا القسم الثالث، فهو الأحداث المتعلّقة بالظهور المرتبطة به ربطًا زمنيًا محددًا، ففي هذه الروايات يكون الكلام متعلّقًا بزمن محدد، ويشار فيها إلى أنّ هناك
أحداثًا متّصلةً بقيام الإمام، كربط تحقق مضمون الخبر بظهور الإمام في نفس السنة. وهذا النوع من العلامات، لاتصاله بالإمام اتصالًا زمنيًا، سنسميه بـ «العلامات الخاصّة»، وهي واردة عند أهل الشيعة كما أهل السنة، كخروج السفياني والخرساني، وخروج اليماني[23]، فالعلامة هنا هي الخروج، لا نفس وجود هؤلاء الأشخاص في الدنيا، فمن الممكن أن يكون الشخص موجودًا إلا أن خروجه لمّا يتحقق بعد. ومن هذه الأحداث المرتبطة زمنيًا واتّصالًا أيضًا قتل النفس الزكية في الكعبة بين الركن والمقام، وبعض الروايات تحدد أنّ الذي يقتل هو شاب هاشمي حسني. ومنها أيضًا الصيحة من السماء، حيث تذكر الروايات أنّ جبرائيل يصيح في السماء، ويخبر عن المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، ويسمّيه، ويدعو لنصرته، وأنّه يخاطب كلّ أناسٍ بلغتهم،
وأنّ هذا الصوت في لحظة واحدة يدخل إلى كلّ أذن على امتداد العالم، وأن له نوعًا من الشِّدة، وتشير بعض الروايات إلى أن رعشةً قويةً تصيب الناس جرّاء سماع ذلك الصوت. ومن الأحداث المتّصلة أيضًا أنّه بعد الصيحة بأيام أو بأسابيع، يكون ظهور الإمام(عجل الله تعالى فرجه)، وبعض الروايات تشير إلى اليوم نفسه. ومن هذا القسم أيضًا الخسف في البيداء، فالسفياني عندما يخرج يُرسل جيشًا إلى الحجاز وجيشًا إلى العراق، فيرتكب الجيش الذي يرسله إلى الحجاز الأفاعيل في المدينة كما فعل أجداده وأباؤه (يزيد بن معاوية)، فيُخسف به في أوّل الطريق بين المدينة ومكّة ويُباد، ولا يبقى منه إلا رجلين، وهذا وارد عند الشيعة والسنّة. هذا النوع من الأحداث يسمّى بأحداث متزامنة، يحدث في دائرة زمنية ضيّقة، في سنةٍ واحدة أو أشهر أو أيام، مثلًا، بل ذهبت بعض الروايات إلى تشبيه الأمر
بالخيط من الخرز[24]، حيث يتلو الحدث أخاه كما تتلو الحبة من الخرز أختها، وهذه العلامات كما ذكرنا تسمّى بالعلامات الخاصّة. فنحن إذًا أمام ثلاثة أقسام من الروايات، الأول هو أخبار المستقبل العامّة، والثاني هو ما رُبط بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه) دون توضيح للاتّصال المباشر والمدى الزمني، أما القسم الثالث فهو المرتبط بالإمام المهدي مع ذكر رابطة زمنية معينة. وفي يومنا هذا، فإن بعض المطّلعين يتعامل مع هذه العلامات والأخبار تعاملًا صحيحًا، في حين يتعامل بعض آخر معها بشكل خاطئ، كما حال الإنسان مع كلّ شيء، كما العلم والماء والسلاح التي يمكن الاستفادة منها لأغراض الخير كما والاستفادة منها لأغراض السوء والفساد.
فائدة الاطّلاع على أخبار المستقبلمن النقاط التي ينبغي الوقوف عليها السؤال عن الفائدة من معرفة أو الاطلاع على هذه الأخبار التي تتحدّث عن آخر الزمان، وعن العلامات، سواء المتصلة منها بالإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه) أو غير المتصلة منها. يدعي البعض عدم وجود فائدة مترتبة على علمنا أو عدمه، لأن هذه الأخبار إن كانت صحيحةً فإن مضامينها ستتحقق، وإن وقعت سنعلم بها. ولكن هذا غير صحيح، فإن للعلم بهذه الأمور فوائد جمة: فائدة عقائديةإنّ إخبار اللّه تعالى بأنباء المستقبل وإدراجها ضمن آيات القرآن لا بد أن يكون لحكمة ومصلحة، ذاك أن أفعاله تعالى تجلّ عن أن تخلو من الحكمة. وكذا كلّ إخبار لله عن الغيب لأنبيائه فإن له حكمةً ورحمةً. ومثله حال النبي (صلى الله عليه وآله) الذي أشارت الروايات إلى إخباره بالغيب فهو إنما أخبر لحكمة ورحمة وهدف، وسواء
اكتشفنا الحكمة أو المصلحة من ذلك أم لم نكتشف، إلا أن من المؤكدّ أنّ هناك حكمة. وإن متابعة هذه الأحاديث والتثبّت منها والتأكّد من صحّتها له فائدة كبيرة على المستوى العقائدي، حيث إن الأنبياء (عليهم السلام) كانوا عندما يبعثون إلى أقوامهم يُطالبون بدليل على نبوّتهم، ودليلهم كان حصول المعجزة على أيديهم، حتى لا يختلط الأمر على الناس، ويتسنى لأيّ شخصٍ ادعاء النبوة والاتصال بالغيب. وقد كان من جملة معاجز الأنبياء السابقين على نبينا (صلى الله عليه وآله)، كموسى وعيسى (عليه السلام) مثلًا، الإخبار عن المستقبل، حيث ورد في المروي أن النبي عيسى (عليه السلام) كان يخبر الناس عن الغيب، وعما يوجد في بيوتهم؛ كما ونُقل كذلك عن نبيّنا (صلى الله عليه وآله) كم كبير من الروايات التي تتناول الإخبار عن المستقبل، فنحن عند استقرائنا واقعنا المعيش - ماضيًا وحاضرًا - ووجداننا أن الكثير مما تحدَّث عنه النبي تحقّق ووقع، فإن ذلك سيكون بالنسبة إلينا دليلًا جديدًا على صدق هذا النبي وعظمة مقامه ورفعة شأنه، كما ودليلًا
على سعة علمه (صلى الله عليه وآله) بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة. فليفترض أحدنا وجود شخص يخبره عن قضية فيصح مضمون إخباره مرةً، ثم يخبره عن أخرى فيصح مضمونها أيضًا، ثم يُخبره عن غيرها وغيرها حتى يبلغ مجموع ما أخبر عنه ما يزيد على المئة قضية صحّت كل مضامينها، أفلا يعزّز هذا الأمر الثقة بهذا المخبر؟ حتى لو لم يكن إخباره عن قضايا غيبية، إلا أن التثبّت من صدقه يعزز الثقة به عمومًا. فكيف إذا كان هذا الشخص نبيًا يخبر عن الوحي، وينبئ عن الغيب بأنّه سيكون في آتي الزمان كذا وكذا، مما سيقع على مدى مئات السنين إلى قيام الساعة، وقد تحقّق أغلب ما أخبر به، فكيف سيصبح حالنا إزاءه؟ وكم سيتفعّل عامل تصديق هذا النبي في قلوب وعقول المؤمنين بنبوّته؟ وهذه فائدة عقائدية معرفية، ما كنا لنحصّلها لو أنّا أهملنا هذا البحث وأبقيناه مغمورًا في طيّات الكتب. وعليه فالفائدة العقائدية الكبرى من اطلاعنا على أخبار
المستقبل هي دورها في تعزيز مفهوم النبوة وتصديق الأنبياء (عليهم السلام)، فنحن المؤمنون بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) يزيدنا هذا الأمر إيمانًا بنبوته وكرامته، وهي من الفوائد العظمى. فائدة نفسيةوهي تعزيز الأمل في المستقبل، وهي على قدر كبير من الأهمية. فاليوم يتفشّى في واقعنا الإسلامي جو من الضغط النفسي أكثر من أيّ وقت مضى، يعود إلى عوامل كثيرة لم تكن موجودةً في الأزمان السابقة. ففي الماضي لم يكن أهل المشرق يطلعون على ما يقع على أهل المغرب من أحداث، لبعد المسافات وضعف التواصل بين البلدان، فكان أهل كلّ بلد على دراية بشؤون بلدهم فقط. أما اليوم، وعبر الفضائيات ووسائل الاتّصال، فإنا نسمع ونرى كل شيء، ونطّلع على كل الأحداث، في مشارق الأرض ومغاربها، ونتأثّر بها، ما يرفع نسبة الضغط النفسي، خصوصًا إن كانت
الأحداث تطال المسلمين بسوء. كما أنها مترابطة بشكل كبير، ففي الماضي أيضاً لم يكن هناك تخطيط لإدارة العالم ككل، أما اليوم فقد اختلفت الظروف، حيث باتت بعض الدول الكبرى تسعى إلى إدارة العالم بالنحو الذي يخدم مصالحها، ما يفرز صراعًا دوليًا وإقليميًا وتحدياتٍ جديدة، على كلّ الصعد الفكرية والعسكرية والثقافية. مضافًا إلى ذلك الكوارث والأمراض والمشاكل البيئية، كما وأعداد البشر المتزايدة باطّراد، ما يزيد من عامل الضغط النفسي ويؤدي إلى غياب الأمل. لذا، فإعادة الأمل وفتح الأفق على مستقبل زاهر أمر ضروري كما لفتنا، والأمل هنا هو في الوعد الإلهي بأنّه سيأتي زمان يحكم فيه المؤمنون المستضعفون العدلاء، ليقام السلام العالمي ويتحقق الرفاه، فيفتحون أبوابًا للعلم لم يصل إليها أحد. والإنسان باطلاعه على أخبار الغيب إنما يتعلق بهذا الأمل، ما يولّد عنده العزم والإرادة والتصميم على العمل للتهيئة وللتحضير لهذا الأمل.
فائدة تمهيديّة للمستقبلوهي على قدر من الأهمية فيما خص الجانب العملي في حياة المسلمين. فعندما يعلم الإنسان - عبر اطلاعه على أخبار المستقبل - أنّ حدثًا تاريخيًا وعالميًا غير مسبوق بهذا الحجم سيحصل، وهو انهيار الطواغيت والجبابرة وقيام حكومة الصالحين المؤمنين المستضعفين في الأرض، فإنه لا بد سيتشكل في نفسه دافع عملي كبير نحو التحضير لهذا الحدث العظيم، الذي هو حلم الأنبياء الذي سيتحقّق في آخر الزمان. فحدثٌ كهذا لا يمكن حصوله مصادفةً، وبسحر ساحر، بل يحتاج إلى مقدّمات كثيرة وعلى كافة المستويات للوصول إليه، ومنها المستوى الذهني والفكري، وعلى بني البشر التحضير له وتهيئة الأسباب لتحقّقه؛ كما أنه لا يحدث دفعةً واحدة، ولا يقع دون مؤشرات وعلامات ودلائل، فلا يمكن أن نستيقظ يومًا لنجد أنّ كل الطواغيت قد سقطت، ودولة العدل قد قامت، والبشر هم أنفسهم أدوات تحقيق دولة العدل الإلهي.
فالفائدة هنا هي توليد الدافع النفسي والثقافي للتمهيد والتهيئة والتحضير لتحقق هذا الحدث، فقد كانت نبوة موسى (عليه السلام) مثلًا منتظرةً من بني إسرائيل لمئات السنين، حيث تعرّضوا ولسنوات طويلة للعذاب والاستعباد من قِبل الفراعنة، ولكن كان عندهم أمل بما أخبرهم به أنبياء بني إسرائيل، من أنّه سيأتي نبي عظيم يخلصهم من فرعون وعمله وظلمه. وانتظار بني إسرائيل لنبيهم لم يكن مستندًا إلى المجهول، بل كانت هناك علامات للزمن الذي سيخرج فيه موسى (عليه السلام)، والعلامات تلك كانت معلومةً لبني إسرائيل، كما واطّلع عليها فرعون وأعوانه، فكانوا يذبحون في تلك السنة الأولاد الذين يولدون ليحول ذلك دون ولادة موسى (عليه السلام). ثم انتظر اليهود بعد ذلك العهد السيدَ المسيح (عليه السلام)، ولكنهم عند ولادته اتهموا أمه مريم الطاهرة (عليها السلام) وظلموها، بأنّ فعلها إثم كبير، علمًا أنّهم كانوا ينتظرون ولادته لمئات السنين، حيث كان الأنبياء السابقون عليه
يبشّرون به، ويذكرونه في إخبارهم عن المستقبل، وكانت علامات زمن ظهوره متحققةً. وكذا نبينا (صلى الله عليه وآله) فإنه مذكور في كتب اليهود، وقد كان علماؤهم يترصّدون ولادته ويخبرون العرب أنّه سيولد هنا نبي آخر الزمان، كما وكان هذا الأمر معلومًا عند المسيحيين أيضًا، بل كان معروفًا في إيران أيضًا، فإن سلمان الفارسي جاء من إيران بهدف اللقاء بالرسول (صلى الله عليه وآله). وبناءً على ما مر، فنقول إن حدثًا بهذا المستوى، أي قيام المهدي وعودة السيد المسيح إلى الأرض، لا يمكن وقوعه فجأةً ومن دون مقدّمات وتمهيد واستعداد نفسي وروحي وثقافي وفكري وميداني وبشري. بل إن عودة السيد المسيح (عليه السلام) إلى الدنيا لا تعود محمودةً مع غياب عامل الانتظار الإيجابي والجديّ وإلا تآمر عليه اليهود مجددًا، ولا يعود - مع غياب هذا العامل - مقبولًا بالمعايير العقلائية للمهدي (عجل الله تعالى فرجه) أن يقوم لِألّا يخذله الناس كما خذلوا جده الحسين (عليه السلام)، بل
المفترض وجود أنصار وعابدين مؤمنين ليرثوا الأرض، فيأذن اللّه حينها لأوليائه بالحركة والخروج. اقتراب الأملوهي فائدة أخرى من فوائد الاطلاع على أخبار الغيب حيث يبشر تحقق كل علامة من علامات الظهور اقتراب الأمل بالفرج الإلهي، والحال معها كحال المسافر من محلة إلى أخرى، فإنه يشهد على الطريق طوال فترة سفره لافتات تدلّ على المسافة المتبقية لبلوغ المدينة المقصودة، وهذا أمر مفيد لما يغذي الأمل بالوصول، ويشحذ من همم المسير. فالبشر لولا اطلاعهم على هذه الأخبار، لما كان لديهم أيّ قرينة وعلامة، ولضاقت عندئذ لديهم دائرة الأمل بالفرج، ولأدى ذلك بهم إلى الإحباط، إذ حتى الآيات القرآنية التي تحكي عن علامات آخر الزمان، فإن بالإمكان تأويلها - لولا هذه الإشارات والقرائن - بأنها تحكي عن يوم القيامة.
أما واقع الحال فإن بين أيدينا علامات وإخبارات وتوقّعات على أمر الظهور، وإن كل تحقق لواحدة من العلامات هو بشرى باقتراب الفرج وعامل لتعزيز الأمل كما ذكرنا، ولذا فالتعلّق بالمستقبل أمر حاسم لخلق الإرادة والعزيمة والجِدِّية. العلامات مؤشّراتبعد الذي ذكرناه نختم هذا المبحث بالقول إنه يجب علينا انتظار العلامات مع مواصلة الأمل، ولكن دون اعتبار العلامات عامل صناعة للحدث المنتظر، بل علينا أن نعلم أن اللّه سبحانه وتعالى وضع معطيات ووقائع وظروف لتحقيق هذا الوعد الإلهي، وجزء كبير من هذه الظروف تحققه ملقًى على عاتق البشرية، أما العلامات فهي تدلّنا على قرب المسافة، والعلامات الخاصّة منها هي مؤشّرات لاقتراب الوقت بحيث يفصل بينها وبين الظهور شهر أو أسبوع أو حتى يوم واحد. إذًا فالعلامات تعطي مؤشرًا ورؤيةً وبصيرةً يمشي الناس
بها على هدى ووضوح وبينة، بحيث يصبح المستقبل أمامهم واضحًا، وهذا شرط أساسي للفوز والنجاح. ويبقى للمعالجة بحث أخير هو كيفية التعامل مع هذه العلامات والأحاديث والروايات، وهو ما سنتناوله في المبحث الثالث.
المبحث الثالثالضوابط المنهجية في دراسة علامات الظهور وتطبيقها[25]
مدخلوصلنا في ختام المبحث السابق إلى نقطة مهمّة جدًا، وسنعمد في هذا المبحث إلى معالجة النتائج المبتغاة حول روايات الإخبار عن المستقبل وما سيأتي في آخر الزمان، وصولًا إلى ما يرتبط بقضية الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه). منهجية العمل في نصوص السنة الشريفةعلينا أولًا، عند ورود أي خبر منقول عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال كذا وكذا، أن نعرف مَنْ نقل هذا الخبر عن رسول اللّه، فالروايات ترد في كتب الحديث منقولةً عن فلان عن فلان عن فلان عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، ووظيفتنا أثناء البحث في الأخبار أن نتأكّد من خلال القواعد والموازين العلمية أنّ هذه الروايات مقبولة، ويجوز الاعتماد عليها.
وسأعمد ههنا إلى تبسيط المطلب وتجنب استخدام مصطلحات علمية تخصصية. إنّ لكل حديث منقول متنًا وسندًا، وللتطبيق سأذكر هنا حديثًا حفظته عن أحد كبار العلماء ولم يبارح حافظتي لحسن سنده ومتنه، منقول عن أحد الرواة، عن أبي الحسن عن أبي الحسن عن أبي الحسن عن الحسن عن الحسن عن الحسن بن علي (عليه السلام): «إنّ أحسن الحسن الخلق الحسن»[26]. فهنا عندما نقول: عن فلان عن فلان عن فلان، فهذا ما نسميه بسند الرواية، أما عندما نقول: «أحسن الحسن الخلق الحسن»، فهذا هو متنها.
وقد اتّفق علماء المسلمين بالإجماع على أنّ كلَّ ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) وعن الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يعتبر بالضرورة خبرًا صحيحًا، ولم يدّعِ أحد أن بإمكاننا أخذ الأحداث المروية عنهم والتمسك بها والعمل وفق ضامينها دون أن ندقّق فيها ونبحث للوصول إلى صحة نقلها عنهم، فالمسلمون يُجمعون على أنّ من الأحاديث ما هو صحيح ومقبول ومعتبر، ومنها ما هو غير ذلك. وقد اتفق المسلمون أيضًا على أنّه قد كان في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعد حياته أشخاص يضعون أحاديثَ وينسبونها إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، ومعنى ذلك تأليف حديث زورًا وكذبًا ونسبته للنبي (صلى الله عليه وآله)، فوضع العلماء لذلك علمًا أسموه «علم الرجال» وآخر أسموه «علم الحديث» وغايتهم من ذلك وضع الضوابط والمعايير التي يتبين الباحث منها صحة الحديث ويدقق فيه، فمن ورد عنه من الرواة مثلًا أنه حفظ مئة ألف حديث، فالعلماء يقطعون بعدم صحة كل ما يروي من أحاديث، ولا يمكن بعدها للمسلمين التعاطي مع كل أحاديثه على أنّها صحيحة ومقبولة.
وعليه فالعلماء يهتمون بدراسة السند، أي فلان عن فلان، للتحقق من صدق الرواة والتثبت من وثاقتهم، وذلك باعتماد معطيات علوم الرجال والحديث في الحكم، وهذا عمل أهل الاختصاص. المنهجية العقلائية في تلقي الأخباروإن شئت مزيدًا من التبسيط نقول: إن الإنسان العادي، ومن خلال السيرة العقلائية لعوام الناس، إن قيل له إنّ أخاه توفي، وعليه التحضير والدعوة للعزاء والتشييع وغيره، فهل يصدّق خبرًا كهذا إن ورد من أيّ شخص كان، فلو علم مثلًا أنّ المُخبر شخص كاذب، فإنه بالحد الأدنى يعمد للتأكّد من صحة كلامه قبل تصديقه، فالإنسان سليم العقل والفكر لا يبني على معطيات أي خبر مقتضاها، بل إنه يسعى قبل ذلك للتأكد من أصل صحة الخبر، ثم يعمد إلى التعاطي مع مضمونه، خصوصًا إن كان المخبر بالنسبة إليه مجهولًا أو مشكوك الصدق.
الأحاديث الموضوعةفالإنسان إذًا لا يأخذ في شؤون حياته اليومية الأخبار ابتداءً إلّا مِنَ الثُّقاة، وكذلك علينا أن نتعاطى فيما خص موضوع الأحاديث الشريفة، لأن مجالها أكثر خطورةً وحساسية، وخصوصًا منها ما يتعلّق بأحكام ديننا وشريعتنا وجهادنا وسلوكنا وصومنا وصلاتنا، فإخبار شخص ما بشيء عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لا يعني بالضرورة أنه مخبر صادق. وخصوصًا عند التعرّض لموضوع أخبار المستقبل، فإنه يلزمنا في هذا المجال تدقيق كثير؛ لأنّ من المتسالم بين علماء المسلمين أنّ هذا الباب من الأحاديث طاله كثير من التزوير من وضّاع الحديث، حيث يقال عند العلماء المتخصصين في هذا المجال إنّ أكثر بابَين وُضعت فيهما أحاديث هما: «الملاحم والفتن»، و«الفضائل». وقد ساهم في توسيع المشكلة أداء بعض أحبار اليهود الذين دخلوا في الإسلام لاحقًا، حيث نقلوا من أخبار اليهود قصصًا ونسبوها لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، أو لم ينسبوها
له ولكن تعاطى بعضهم معها على أنها إخبارات عن الأنبياء (عليهم السلام)، وهذا طبعًا أمر غير مقبول. فالخبر لكي يكون مقبولًا يجب أن يُنقل من رجال معروفين وموثّقين بالحدّ الأدنى؛ ليكون بالإمكان التعويل على نقلهم بأنه نقل معتبر. وسنأتي لاحقًا إلى مسألة فهم المتن وفقه الحديث وما شاكل. إذًا، فالتوصية الأولى لكلّ الإخوة والأخوات في هذا الزمان أن لا نأخذ الروايات من أيّ كتاب يقع بين أيدينا، أو أن نتبنى مضمون كل رواية تتحدّث عن آخر الزمان فنأخذ بها ونبني عليها. واعلموا أنّ هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة، أو التي لا أسانيد لها، أو نقلها أشخاص مجهولون، ولا نستطيع التعويل عليها. علامات الظهور وخطورة التطبيقوأما بخصوص موضوع بحثنا، وبناءً على ما ورد في المتون والنصوص الحديثية، وبلحاظ ما هو واضح من بعض الروايات المتواترة أو المستفيضة من حيث المعنى،
نقول إنّ أصل موضوع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) موضوع مسلّم وقطعيّ، فعلى المستوى الشيعي نحن نعتقد أنّ محمد بن الحسن من سلالة الحسين (عليه السلام)، ومن ذرية رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، ولد ومواصفاته موجودة في الروايات، وأما عند عموم المسلمين، فلعل أصل أنّ المهدي هو من ولد فاطمة (عليها السلام) أمر متسالم لا نقاش فيه. أما موضوع السفياني، ففيه الكثير من الروايات[27]، وبالإمكان القول إنّ أصل السفياني من خلال كثرة الروايات الموجودة في كتب المسلمين محتوم، أمّا بالنسبة للتفاصيل فهناك روايات ضعيفة ومتفاوتة، وهذا يحتاج إلى التدقيق. وأما موضوع خروج اليماني، فهو أمر جليّ في الروايات، كما موضوع الخرساني، أو الرايات الآتية من المشرق الممهّدة لهذا الأمر.
وكذا موضوع الصيحة - وأنا هنا أركز على خمس أو ست علامات هي المؤكدة؛ لكن هناك علامات أخرى إلا أن فيها الكثير من التفصيل، وإذا أردنا التركيز على كلّ علامة نجد العشرات من الروايات حولها - فالصيحة أو النداء من السماء أو الفزعة من السماء، كما والخسف في البيداء بجيش السفياني الخارج من المدينة إلى مكّة، هذه كلها أمور ثابتة. كما تحدّثت الروايات عن سيد حسني يخرج قبل صاحب الزمان يسفك دمه في محيط الكعبة. فهناك إذًا شخصيات مذكورة في الروايات، إلا أنها ذكرت بنحو غامض. وعليه فالحذر في فهمنا لهذه العلامات وفي تطبيقنا لمجريات الواقع عليها واجب؛ فهذا الباب أيضًا كأيّ باب آخر. فكما أنّ القرآن الكريم يتاجَر به، وكما أن السلاح يستعمل للخير والشرّ، كذلك هذا العلم يتمّ استخدامه للأمور السيئة بالادّعاءات الكاذبة.
ادّعاء المهدويّةوهو من بين الأمور الخطيرة التي تنبع من هذا الباب. فمنذ أيام بني العباس وحتى يومنا، ظهر الكثير من أدعياء المهدويّة[28]، وكلهم كاذب وضالّ؛ لأنّ المهدي الموعود بحسب الروايات هو الذي «يملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا»[29]، وهذا أيضًا ما ورد في الآيات الكريمة بخصوص دولة العدل، بينما كلّ الذين خرجوا لم تتحقّق دولة العدل على أيديهم. وأنا أذكر قبل سنوات، وتحديدًا في سنة 1979، في 20 تشرين الثاني، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بعدّة أشهر، ويتزامن هجريًا مع 1 محرم 1400 هـ، أي اليوم الأول من السنة الأولى الهجرية من القرن الجديد الهجري 1400، ظهرت شخصيّتان جمعتا مجموعةً من المسلّحين في مكّة
عند الكعبة، أحدهم اسمه جهيمان العتيبي، والآخر محمد بن عبد اللّه القحطاني، فدعا الأول المسلّحين الذين معه إلى بيعة محمد بن عبد اللّه القحطاني على أنّه المهدي الموعود، ووقعت يومها معركة قُتِل فيها القحطاني، واعتُقل جهيمان وأُعدم لاحقًا، وأشيع لاحقًا أن القحطاني ادّعى المهدوية. اللافت أن هذا الأمر جاء بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فكان بالإمكان تطبيق العلامات على واقع رايات المشرق، وخروج الخرساني من إيران، والمهدي من مكّة، فالظروف والزمان والأحوال كانت سانحةً ومواتيةً لتطبيق العلامات عليها، إلا أنه كان تطبيقًا باطلًا ومضلّلًا، وأمور كهذه وقعت وستقع فعلينا التنبّه لذلك. ولقد ورد في الروايات عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّ هناك أشخاصًا يدّعون المهدوية، والأخطر من بينهم هم السادة، لأنّ المهدي المنتظر من نسل فاطمة من ولد الحسين، وخصوصًا إن كان اسم أحدهم محمد واسم أبيه الحسن[30].
وقد ادعى في الأزمنة المتأخرة أشخاص المهدوية في إيران. كما وحصل ذلك في زمن بني العباس كما ذكرنا. ويكفي القول إنَّ كل من ادّعى المهدوية أو أنّه الخرساني أو اليماني أو الحَسَني أو النفس الزكية فادعاؤه موقوف على دليل يقدمه، وما لم يقدم دليلًا فادعاؤه كذب وافتراء وتجرؤ كبير، كما وخطره على الأمة قد يكون كبيرًا ما لم يلتفت المؤمنون إلى تفاصيل الأمر كما بيّناها. إذًا، لا يكفي التسليم بصحة الخبر وبدقة العلامة وبتحديد الشخصية، ولا يكفي العلم بأنّ أصل الحدث سيقع في آخر الزمان، بل الأمر يحتاج إلى حذر وانتباه، ولعلّ هذا واحدٌ من فوائد الحديث عن العلامات وفهمها وفهم أخبار آخر الزمان. مخاطر تطبيق علامات الظهوروقد لفتنا إلى هذه المسألة إلا أن من الضروري الوقوف عندها، لعظم خطرها على الأمة الإسلامية. ومسألة تطبيق العلامات معناها أن نسلّم أن العلامة تحقّقت، أو
أن إحدى الشخصيات المذكورة في الروايات هي فلان، وهذا غير الادّعاء، فالمُدَّعون ثبت كذبهم طوال التاريخ، أما التطبيق فأحيانًا يَدّعي الناس انطباق أحداث وعناوين على شخصيّات وأحداث معاصرة لنا، دون أن تدّعي هذه الشخصيات ذلك. ذكرنا سابقًا أن العلامات تنقسم إلى أقسام ثلاثة، فالقسم الأوّل هو الأخبار العامّة التي تحدّث الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها عن آخر الزمان، عن الحُكّام والمساجد والعادات والتقاليد والملوك والأمراء والنساء والمصاحف والأوضاع الكونية والحروب والأمراض وغيرها، لكن دون ربط بموضوع قيام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). هذه العلامات - بالنظر إلى الأزمنة التي نعيش فيها - قد تحقق بعضها بلا خلاف. فالحديث القائل إنّ الرجال تتزيّا بزيّ النساء، والنساء بزيّ الرجال، مثلًا، فهذا الأمر كائن الآن؛ وزوال مملكة بني أمية، ومملكة بني العباس أيضًا، فذلك مما تحقّق، ولا نقاش فيه؛ وهناك جزء كبير من هذه الأخبار تحقّق مضمونه.
أما القسم الثاني من العلامات فهي التي تتّصل بالظهور ولكن دون ربطها بزمن الظهور، وهذه هي العلامات العامّة، فيصح القول مثلًا إنّ زوال مملكة بني العباس هي من العلامات العامّة، أو مثلًا بعض الروايات التي ذكرت أنّ العلم ينضب في الكوفة ويزدهر في بلد اسمها قم[31]، دون ربط ذلك بزمن الظهور، فهذه أيضًا من العلامات العامّة التي تحقّقت، كما أن هنالك بعضًا منها لمّا يتحقّق حتى الآن. وأما القسم الثالث، فهو قسم العلامات الخاصّة؛ أي ما ذكر في الروايات أنّها متّصلة بظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه)،
والتي هي بشكل خاص: السفياني واليماني والخرساني والصيحة في السماء والخسف في البيداء، ففي هذه العلامات يُلحظ عامل الزمن، حيث ذكرت عبارات من مثل «في يوم واحد»، أو «في شهر واحد»[32]، والصيحة مثلًا روي أنها مرتبطة بشهري رجب ورمضان، فقد تكون صيحةً واحدةً، وقد تكون صيحات متعدّدة. وكذا الخسف في البيداء، فمعلوم أنّه يقع في عصر الظهور، حيث يخرج جيش من المدينة باتّجاه مكّة ليعتقل الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فتُخسف به الأرض. في هذا القسم تكمن المشكلة في التطبيق لأسباب: - الجهل بوقت حصول العلامة: حيث إنه لا علم لنا بوقت حصول هذه الأحداث المتلاحقة والمتزامنة، وهذا أمر لا يمكن لأحد ادعاؤه، إلا إن كان هناك رجال خاصُّون، حصّلوا علمًا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لم يصل إلينا.
- هذا التطبيق لا يلازمه ظهور الإمام المهدي: فعندما يقوم شخص بتطبيق الشخصيات في الروايات على شخصيات موجودة في الواقع، فإن ما افترضه من علامات لا يُلازمه قيام المهدي ودولة الحقّ، فهو وهم ينشره بفعله ولا منفعة عائدة بل يتبعه ضرر كبير. - تطبيق بلا علم: ثم إن أحدًا من الذي يسعون إلى تطبيق العلامات عندما يقول للناس مثلًا إنّ فلانًا هو السفياني، فذاك مفاده أن انتظروا خروج المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بعد ستة أشهر أو خمسة أشهر أو ثلاثة أشهر، لأنّ الروايات ربطت بين ظهور السفياني وظهور المهدي بفترة زمنية هذا مقدارها؛ أو عندما يقول للناس: إنّ فلانًا هو اليماني أو الخرساني، أو إنّ الدوي الذي سمعناه البارحة هو الصيحة في السماء، فهذا مفاده أن انتظروا المهدي بعد أسبوع أو أسبوعين، وهذه مشكلة عظيمة، ومكمن المشكلة في هذا التطبيق أنه تطبيق بغير علم، بل هو في أحسن أحواله لا يتعدى كونه ظنًّا، والظن لا يُغني عن الحقّ شيئًا، فنحن بهذا التطبيق لا نعلم أنّ هذا هو فعلًا اليماني أو الخرساني أو السفياني.
- تضليل الناس: وهو من المخاطر الكبيرة التي تترتب على التطبيق الخاطئ للعلامات، ذاك أنّ الراية إذا كانت ممدوحةً فمفاد ذلك دعوة الناس إلى نصرتها، وإذا كانت مذمومةً فمفاده دعوة الناس إلى مواجهتها. - إحداث الشك في القضية المهدوية وعلاماتها: وهو الناتج الأخطر للتطبيق الخاطئ للعناوين على الأشخاص، إذ عند موت الشخصية التي ربط المطبقون بينها وبين المذكور في الروايات، فإن هذا سيؤدّي عند البعض إلى الشكّ بكل العلامات والأخبار والروايات، بل قد يؤدّي إلى الشك بأصل الإيمان بالمهدوية، ما يستتبع ضررًا وأذًى يطال كل المنظومة العقائدية الإسلامية، ما يعود بالضرر على كل المسلمين. والخطأ في التطبيق كما ذكرنا موجود في كلّ زمن؛ إمّا للاستغلال السياسي، أو رغبةً من البعض بإضفاء مشروعية على من يحبّ، أو في سبيل تحصيل شهرة شخصية، أو ترويجًا لكتاب أو مؤلف أو غيرها، إلا أننا بيّنّا أن المخاطر المترتبة على هذا الأمر أعظم من أن نتسبب
بها في سبيل تحصيل هذه المكاسب الجزئية، فعلينا الحذر. أنموذج عن مخاطر التطبيق في العصر الحاضرذهب البعض، في مرحلة من المراحل، للقول إنّ السفياني هو صدام حسين، مستشهدين على ذلك بما ارتكبه من أفعال شنيعة، إلا أن صدام مات وبطل هذا الادعاء. ثم ذهب آخرون في العراق مثلًا إلى إنّ أبا مصعب الزرقاوي الذي قام بالتكفير والقتل والذبح وسفك الدماء هو السفياني، وبأنّ راية السفياني ظهرت، واشتبه الأمر على الناس أكثر لكون السفياني يخرج من المنطقة المسماة بالوادي اليابس، وهي واقعة بالمثلّث بين سوريا والأردن وفلسطين، وهي المنطقة التي تواجد فيها الزرقاوي، إلا أن الزرقاوي مات أيضًا. والمشكلة الكبرى أن المدّعين يعمدون إلى نشر دعاواهم ساعين إلى نشر ثقافاتهم بين المؤمنين. وقد ذهب البعض في مرحلة من المراحل - نتيجة
تأثّر الكثير من الناس - إلى أنّ الإمام الخميني{ هو الخراساني، باعتبار كونه من السادة، واعتبار أن كلّ إيران يصح اعتبارها خراسان، وخمين أو قم جزء من خرسان، فالإمام الخميني هو الخرساني وهو الذي سيسلم الراية للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، إلا أن إمامنا الخميني توفّاه اللّه تعالى، كما ذهب آخرون عند رؤيته على فراش المرض في المستشفى إلى أن المنتظري هو الخرساني، وقد توفّاه اللّه أيضًا. وحتى في أيامنا هذه فإن البعض ذهبوا إلى ادعاء أن أبا بكر البغدادي (زعيم داعش) هو السفياني، بقرينة قتله سبعين شخصًا سنيًا من عشيرة أبو النمر منذ يومين كما روى البعض، وقتل مئتي شخص على رواية أخرى، وثلاثمئة على غيرها، بين قتل وذبح الرجال والنساء والأطفال. كما قد يأتي البعض في أيامنا ليقول إنّ سماحة السيد القائد } هو الخرساني، وأنا من أكثر الذين يتمنون أن يكون الواقع كذلك، ولكن لا يمكننا ادعاء ذلك دون دليل وأساس وقرينة.
نعم، أحيانًا قد تتطابق بعض المواصفات المذكورة في المرويات مع بعض الأشخاص، ولكن ذلك يبقى في دائرة الظنّ، ولا يرقى لمراتب العلم واليقين. وكذا عندما تصل النوبة إلى اليماني، فهناك ادّعاءات أكثر، فقد ادعى شخصان في العراق مثلًا أو ثلاثة أنهم اليماني. كما وذهب بعض المحبين لحزب اللّه في لبنان إلى ادّعاء أن راية حزب اللّه هي راية اليماني، وأنّ فلانًا هو اليماني[33]، وليت الأمر كذلك، ولكن ما الدليل عليه؟ المطلوب من المؤمن أن لا يقفو ما ليس له به علم، لأن الخطأ في التطبيق يؤدّي إلى نتائج غير سليمة. وقد ذكرنا ونكرر، إن الخطأ في التطبيق قد يؤدّي إلى التشكيك في كلّ هذه العلامات، وهذا ما يجب أن نجتنبه بشكل حاسم. ولا يكفي في هذا الموضوع صفاء النية، بل الأمر بكل كيفياته خطأ ويؤدي للوقوع في المحرم، لما قد يسببه من خلل في الموازين.
من الممكن أن يفترض البعض إنه بفعله يضيف نوعًا من الشرعية والقداسة لسماحة السيد القائد }، ولكن هل السيد القائد يحتاج لإضافة الشرعية؟! إنّ شرعيته أهمّ من هذه الشرعية المدعاة له لأنّها مبنية على قواعد سليمة، لأن سلوكه وأداؤه وورعه وزهده وحكمته وشجاعته وتجربته الراقية والمشرقة هي التي تزيده محبةً وقداسةً عند المؤمنين. المنهج العملي عند حزب اللهيذهب بعض الأشخاص إلى القول أنّ القتال في سوريا هو قتال السفياني، ونحن في حزب اللّه لا نحتاج تسويغًا كهذا، وهو أمر غير معلوم الصحة، ولكن شرعية قتالنا مستندة إلى أسس فقهية وشرعية وعملية وواقعية، ولا حاجة إلى تعبئة من هذا النوع. نحن إنما نقاوم في سوريا حمايةً للبنان ولسوريا ولفلسطين وللمنطقة ولشعوب المنطقة من الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية وهيمنة التكفيريين، الذين إن
أمسكوا بزمام الحكم، فسيفعلون بشعوب المنطقة ما فعله أبو بكر البغدادي بعشيرة (أبو النمر). وإن ظهور كل من الخراساني واليماني والسفياني قد يكون بعد خمسين عامًا مثلًا، وقد لا نكون حينها موجودين. فنحن لا نحتاج إذًا إلى مبرر كهذا، لأن منهجنا العملي قائم على تعاليم العقل والمنطق وله قواعد وأصول ومبانٍ، ولدينا قرآن وسُنّة نبوية ومنهج استدلال واستنباط وأصول متينة نبني عليها حركتنا وسلوكنا وفهمنا للأحكام الشرعية ولتكليفنا الشرعي، والكلام في هذه القضايا يستند كله إلى الظنون والاحتمالات والتوهّمات، حاله كحال ما سبق أن تحدثنا عنه من قضايا التبصير والضرب بالرمل والتنجيم، ومنهجنا لا يمكن أن يستند إلى أمور كهذه، فنحن أهل العلم والمعرفة. نعم، قد يبقى لدينا احتمال أن يكون بعض ما يقال صحيحًا، وهذا لا بأس به إذ كلّ شيء محتمل، من قول أنّ فلان المذكور في الروايات هو الشخص الفلاني مثلًا،
أو أن العلامة الفلانية المذكورة في الروايات هي الحدث الفلاني الذي شهدناه، فلا مشكلة في الاحتمال، ولكن الخطأ أنّ تُقدّم الاحتمالات إلى الناس على أنها قطعيّات، وتُقدَم في الخطب على منابر الحسينيات والمساجد، من باب تحفيز وحث الروح التعبوية. خصائص العلامات الخاصّةإن التحديد الواضح للعلامات الخاصّة أمر ضروري للباحثين عن حقيقة أمر الظهور. وفي هذا السياق نقول إن البحث في الروايات، الصحيح منها والمعتبر، والوقوف على آراء العلماء في المسألة، يرشد أن العلامات الخاصة والتي تحدث في سنة الخروج هي ظهور اليماني والخرساني والسفياني، وصيحة في السماء، وخسف في البيداء، ونحن عندما نقترب من هذه العلامات فلن تتوه وجهتنا، وتكفينا المعرفة بهذه العلامات لنتمكن من إدراك اقتراب الظهور، لأنّ العلامات هذه إنما تقع متلاحقةً، بحيث يتلو واحدها الآخر، فتكون الأمور واضحةً لكل ذي نظر.
دلالية العلامة على ذاتهاوقد يسأل سائل أنه كيف لنا في ظل هذه الادعاءات والتدليسات أن نعرف السفياني أو اليماني عند ظهورهم، والجواب اللافت في هذا الخصوص نقرأه في بعض الروايات من أن الناس لن تخطئ في معرفة السفياني ولن تضيع بأمره بل سيكون تشخيصه جليًا وبيّنًا لجميع الناس، ومع ذلك فإن الرواية تُكمل بأنّكم إن ضيّعتم أمر معرفة السفياني فلن تضيّعوا أمر الصيحة في السماء، حيث ستسمعها كلّ أذن في كلّ العالم، وسيسمعها كل أهل لغة بلغتهم، وليس أمرها كما يدعي البعض مرتبطًا ببث فضائي عبر التلفزيونات، لأنها كما ذكرنا تبلغ كل أذن ومعلوم أن بعض الناس قد لا يملكون تلفازًا في بيوتهم بل بعض البلدان قد لا تحتوي على صحون لاقطة للإشارة أصلًا، فلو كانت المسألة محصورةً بالبث التلفزيوني لما أمكن أن تصل الصيحة إلى الجميع في حين أن الروايات أكدت ذلك. لذا فالصيحة من السماء لها عنوان وطابع المعجزة، وهي العلامة الحاسمة، التي لو أضعنا أي علامة فإنا لا نضيع أمرها بل ستكون علامةً واضحةً للجميع.
توقيت الظهورومن العناوين التي يجب تناولها في بحثنا موضوع التوقيت، حيث إن البعض يعمد إلى العمل على تحديد وقت محدد لظهور الإمام، مدعيًا دون التفاتٍ العلمَ بالغيب، فيحدده مثلًا بأنّه بعد ستة أشهر، أو يوم الجمعة بتاريخ كذا، أو في الواحد والعشرين من صفر، وهذا كلّه كذب والقائل به كاذب مذموم، ذاك أن أمر التوقيت من الأمور التي نها أئمتنا (عليهم السلام) عنها في غير موضع، وأكدوا على عدم الخوض فيها مطلقًا، ونقلوا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) النهي عن ذلك أيضًا، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت»[34]، وعن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله): «كذب الوقّاتون»[35] وهذا نص جلي بالنهي عن التوقيت وتكذيب الوقاتين، وقد ورد في
الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمحمد بن مسلم: «يا محمد، من أخبرك عنا توقيتًا فلا تهابنّ أن تكذّبه، وإنّا لا نوقّت لأحد وقتًا»[36]. وإن خطورة موضوع التوقيت تظهر لو ساءلنا عن مصدر علم هذا الموقّت بالوقت الذي حدده، فإنك لن تجد جوابًا يرضى به ذو عقل. ففلان مثلًا الذي رأى في نومه موشرًا ما - وقد سبق وذكرنا محذرين أنّ المنام ليس بحجّة - أو العالم الفلاني الذي وصل إلى هذا التوقيت، فمن أين أتوا به؟ كيف وفي بعض الروايات أنّ أمر الظهور علم يختصّ باللّه ولا يعلمه غيره، وأن هذا من علم الساعة، فكيف يتجرأ البعض إلى هذا المستوى ويدعي لنفسه العلم بالوقت. فالنقطة الأولى التي نؤكد عليها ضمن هذا العنوان هي النهي عن التوقيت، وتكذيب من يوقّت، والحكمة منها - واللّه العالم - قد تكون الحد من تضليل العباد المنتظرين.
ولكنه قد يُفهم من التوقيت المنهي عنه تحديد وقت قريب للظهور، وهذا ليس وحده وجه الإشكال في مسألة التوقيت. لأن هناك نقطةً أخرى يجب الإلفات إليها والتحذير من مغبّتها ضمن عنوان التوقيت وهي تيئيس الناس من موضوع الفرج بافتراض توقيت يطول على أساسه أمد الظهور، وهذا أيضًا أمر يقع البعض فيه بعلم أو بغير علم، فيقول للناس مثلًا إن أمر الظهور بعيد جدًا وليس في الأفق المنظور من الزمن أي أمل، بل أمر الخروج سيتأخر كثيرًا عن الزمن الذي تحيون فيه. وهذا أمر خطير لما قد يبثّه من اليأس في نفوس المنتظرين، وما ينشره من أجواء التثبيط لعزائمهم والحد بذلك من جهودهم الإصلاحية في مجتمعاتهم، وهو أمر يجب الحذر منه. وقد ذكرت سابقًا ضمن الكلام على فوائد العلامات أنّ من فوائد هذه العلامات هو الأمل باقتراب الفرج، ولكن عندما يأتي شخص ليقول إن وقت الخروج سيكون بعد مئتي سنة على الأقل، ويأتي آخر ليقول أنّ الظهور مثلًا سيكون بعد الأسبوع، فكلتا الحالتين كلام خاطئ
بغير علم، وله مخاطر فكرية وعقائدية ونفسية كبرى، فإمّا يؤدي إلى التيئيس والإحباط، وإمّا إلى النكران. فما هو التعامل السوي بحسب التوجيه والروايات؟ هذا ما سنطرحه في النقطة التالية. الانتظار السليمإنا نعتقد، بحسب ما وردنا من أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وبحسب ما جاء في القرآن الكريم، وبحسب ما نحمل من عقيدة قاطعة وحاسمة، بأنّ مستقبل الأرض هو مستقبل غلبة التوحيد، وغلبة الدين الإلهي والمستضعفين، وأنّ مستقبل الأرض هو مستقبل الحكمة والرخاء والرفاه، وبالتالي تحقق ما جاهد وناضل وضحى وجهد لأجله وجاء به أنبياء اللّه (عليهم السلام) طوال التاريخ؛ وهذا يتحقق على مستوى الدنيا وقبل الآخرة. فما وردنا من أحاديث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وما ثبت لدينا صحته وقبلنا به، وما نعتبره مما يمكن التعويل عليه من الأخبار فإنا ننتظره، ولكننا لا نعمد حال الانتظار إلى التوقيت، لا تقريبًا ولا إرجاءً.
نعم التعامل الصحيح مع هذا الأمر هو كما يلي: أن ننتظر الأمر صباحًا مساءً ولا نستبعده، فهو محتمل في كلّ ليلة وكل ساعة وكل يوم، فهو ككل شيء خاضع لمشيئة اللّه سبحانه وتعالى، ولو شاء أن يحقّق وعده الليلة لحققه، فليست يد اللّه بمغلولة. لذا فمن الممكن على مدار الساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنين أن يشاء اللّه تحقيقه، وإن أحدًا منا لا يعلم الغيب ليحدد، ولا أحد منا محيط بعلم اللّه وإرادة اللّه. فيجب أن ننتظر الأمر في كل آن، وأن ندعو اللّه تعالى أن يقربه ويعجله. وهذا هو الفهم السوي والإحساس السوي تجاه أمرنا هذا. تحقيق الوعد الإلهي بإرادة اللّهقد يعترض البعض على ما ذكرنا بأن هذا الأمر لن يكون قبل السفياني والخرساني واليماني والصيحة وغيرها من العلامات الخاصة، إذ حتى الروايات قسّمت العلامات إلى قسمين: محتومة وموقوفة غير محتومة، وهي التي يمكن حصولها ويمكن عدمه، فلو افترضنا عدم تحقق
الموقوفة إلا أن المحتومة لا بد من وقوعها، وبذلك لا يمكن أن يقع أمر الظهور فجأةً. ولكنّا نقول إن كل شيء خاضع لإرادة اللّه تعالى، كما في قوله ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ﴾[37]، فلا سيطرة على إرادته وعلمه وحكمته سبحانه وتعالى، فما هو غير محتوم فأمره واضح، أمّا ما هو محتوم فالعلماء اعتبروا أنّه يخضع لقاعدة ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ﴾ ولا يستثنى منها، أي إنه قد لا يحصل إن لم تشأ إرادة اللّه. ورد في بعض المرويات أن الإمام الجواد (عليه السلام) سئل: هل السفياني من المحتوم؟ قال: «نعم، من المحتوم»، فسئل: هل يخضع ليمحو اللّه ما يشاء ويثبت؟ فقال: «نعم»، فسئل: هل المهدي يخضع؟ قال له: «لا، فالمهدي من الميعاد، واللّه لا يخلف الميعاد»[38].
وقد علّق البعض على هذه الرواية معتبرًا أن بإمكاننا القول إنّ ما هو محتوم سيتحقّق أما ما يمكن أن يتخلّف فهو التفصيل، فبالإمكان مثلًا أن لا يكون بين هذه العلامات المدة المذكورة في الروايات، بل قد يخرج اليماني والسفياني والخرساني وأن يخرج جبرائيل للصيحة في السماء ثم يأذن اللّه بظهور وليّه المخفي في خلقه لتحقيق الوعد الإلهي يحصل ذلك كله في ليلة واحدة، ويكفي في ذلك أنه لا مانع عقلي منه فيكون قابلًا للحصول وهذا تفسير مقبول أيضًا. وبما سبق تكون قد عرفت معنى أن نترقّب وننتظر ظهور إمامنا، وأن ندعو وأن نحضِّر ونمهّد لذلك، وأن نتوقّع هذا الأمر صباحًا مساءً. الأمل والانتظارلعلنا بما قدمنا نكون قد أعطينا البحث قدره المطلوب، وأصبحت التفاصيل المفترض إيضاحها واضحةً، فأرجو من جميع من يبلغه كتابي أن نتعامل مع
هذه المسألة بانتباه وحرص مفرطَين، ذاك أنه موضوع شديد الحساسية في زمننا هذا، ويشكل مادّةً دسمةً لكثير من الذين يسعون إلى توظيف الموضوعات العقائدية في غايات دنيوية سياسية وثقافية وتجارية وغير ذلك، فعلى كل المؤمنين الطيبين من أهل الرجاء والأمل والانتظار، أن يحرصوا على أن يكون تعاطيهم مع هذا الأمر مُستندًا إلى أدقّ وأفضل الموازين العلمية والشرعية والعقلية، وأن لا نجنح لا إلى عالم الخرافات ولا إلى عالم الأساطير، ولا إلى اتباع الطرق التي لا تنتج علمًا، ولا تكون حجّةً بيننا وبين اللّه تعالى. بعض الأشخاص يشغلون أنفسهم بدراسة العلامات، وهذا أمر محمود ومطلوب ولكن من أهل الاختصاص، أمّا نحن وغيرنا من أهل الإيمان، فإن لدينا مسؤولياتنا وتكاليفنا التي ينبغي أن نسعى إلى أدائها، وهذه أهم الدروس التي نتعلمها من أهل البيت (عليهم السلام)، الذين نسأل اللّه أن يوفقنا لاتباعهم حق الاتباع، ولخدمة خاتمهم وقائمهم إمام زماننا المهدي (عجل الله تعالى فرجه) إنه سميع مجيب.
الفهرس الموضوعي
In the Name of Allah The All-beneficent, the All-merciful Abstract: All praise belongs to Allah, Lord of all the worlds, and may Allah descend his peace and mercy upon prophet Muhammad (pbuh) and ʾAhl al-Bayt (as). This book outlines a series of important lectures delivered by Seyyed Hasan Nasrallah (may Allah protect him) on the nights of ʿĀshūrāʾ in 1436 H. In these lectures, Seyyed Hasan expounds thoroughly upon the very question of Imam Mahdi and the ghayb per se, with clear methodology and coherence. As these questions are of a great importance, the lectures were edited and published in this study to spread the benefits thereof. All praise belongs to Allah, Lord of the worlds [1] كلمة سماحة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه في المجلس العاشورائي في بيروت، الليلة الخامسة من محرم لعام 1436ه - 29/10/ 2014م. [2] السبي البابلي: حادثة شهيرة من حوادث التاريخ اليهودي، حيث تمّ أسر مملكة يهوذا القديمة، على يد نبوخذ نصر الكندي في بابل والعراق، الذي قام بإجلاء اليهود من فلسطين مرّتين. [3] نستراداموس (1503 - 1566م): منجّم فرنسي، نشر مجموعة من التوقّعات في كتابه (النبوءات). [4] رؤساء سابقون للولايات المتحدة الأميركية. [5] الآيات المذكورة هي الآيات الأربع الأوائل من سورة البقرة. [6] سورة البقرة، الآية 255. [7] ضرب الرمل: أو العِرافة، طريقة لقراءة المجهول، تعتمد على نقاط متتالية بدون عدها على عدد من الأسطر في الرمل ثم تستخرج منها قراءة ما لمعرفة المجهول كما يتوهمون. [8] حساب الجُمل: طريقة لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام الحروف الأبجدية؛ إذ يُعطى كلّ حرف رقمًا معينًا يدلّ عليه، فكانوا من تشكلية هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما نعنيه من تاريخ مقصود، وبالعكس كانوا يستخدمون الأرقام للوصول إلى النصوص. [9] سورة سبأ، الآية 14. [10] هو الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان اللّه عليه. [11] سورة يوسف، الآية 43. [12] سورة يوسف، الآية 41. [13] كلمة سماحة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه في المجلس العاشورائي، الليلة الخامسة من محرم لعام 1436هـ. - 31/10/2014م. [14] سورة الروم، الآيات 1 – 5. [15] سورة القمر، الآيتان 44 و 45. [16] سورة الفتح، الآية 27. [17] سورة القصص، الآية 5. [18] سورة النور، الآية 55. [19] سورة الأنبياء، الآية 105. [20] راجع: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبع : محرم الحرام 1405 - 1363 ش، طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 258. [21] راجع: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، تحقيق وتصحيح: مؤسسة آل البيت R، الناشر: مؤتمر الشيخ المفيد، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1413 هـ، الطبعة: الأولى، ج2، ص 368. [22] راجع: ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 33. [23] راجع الشيخ الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي، الخصال، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، الناشر: جماعة المدرسين، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1403 هـ، الطبعة: الأولى؛ ج1 ؛ ص303، عَنْ الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: «خَمْسٌ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ خُرُوجُ الْيَمَانِيِ وَالسُّفْيَانِيِّ وَالْمُنَادِي يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ وَ خَسْفُ الْبَيْدَاءِ وَ قَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ». [24] راجع: ابن أبي زينب، محمد بن إبراهيم، الغيبة، تحقيق علي أكبر غفاري، الناشر: نشر الصدوق، مكان الطبع: طهران، تاريخ الطبع: 1397 هـ، الطبعة: الأولى، ص255، وفيه: «خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَ الْخُرَاسَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ نِظَامٌ كَنِظَامِ الْخَرَز». [25] كلمة سماحة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه في المجلس العاشورائي، الليلة التاسعة من محرّم لعام 1436هـ - 2/11/2014م. [26] راجع: الخصال، ابن بابويه، محمد بن علي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر غفاري، الناشر: جماعة المدرسين، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1403 هـ، الطبعة: الأولى، ص 29، وفيه: «حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَسْوَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ السِّجْزِيُ الْمُذَكِّرُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ السَّرَخْسِيُّ بِمَرْوَ الرُّوذَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الْحَسَنِ إِنْ أَحْسَنَ الْحَسَنِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ». قال الصدوق: فأما أبو الحسن الأول فمحمد بن عبد الرحيم التستري وأما أبو الحسن الثاني فعلي بن أحمد البصري التمار وأما أبو الحسن الثالث فعلي بن محمد الواقدي وأما الحسن الأول فالحسن بن عرفة العبدي وأما الحسن الثاني فالحسن بن أبي الحسن البصري وأما الحسن الثالث فالحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). [27] راجع الشيخ الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي، الخصال، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، الناشر: جماعة المدرسين، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1403 هـ، الطبعة: الأولى؛ ج1؛ ص303، عَنْ الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: «خَمْسٌ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ خُرُوجُ الْيَمَانِيِ وَ السُّفْيَانِيِّ وَ الْمُنَادِي يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ وَ خَسْفُ الْبَيْدَاءِ وَ قَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ». [28] راجع: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، تحقيق وتصحيح: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، الناشر: مؤتمر الشيخ المفيد، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1413 هـ، الطبعة: الأولى، ج2، ص 369، وفيه : «وَخُرُوجُ سِتِّينَ كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَ خُرُوجُ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّهُمْ يَدَّعِي الْإِمَامَةَ لِنَفْسِه». [29] راجع: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبع : محرم الحرام 1405 - 1363 ش، طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 258. [30] فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق (عليه السلام) قَالَ: «لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ حَتَّى يَخْرُجَ قَبْلَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كُلُّهُمْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ»، راجع الغيبة للطوسيّ، ص 437و 428، إعلام الورى، ص 426، ونقله العلّامة المجلسي في البحار، ج52، 209و 47. [31] راجع: المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الناشر: دار إحياء التراث العربي، مكان الطبع: بيروت، تاريخ الطبع: 1403هـ، الطبعة: الثانية، ج 57 ص 213، وفيه: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أَنَّهُ ذُكِرَ كُوفَةُ وَ قَالَ سَتَخْلُو كُوفَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ يأزر «يَأْرِزُ» عَنْهَا الْعِلْمُ كَمَا تأزر «تَأْرِزُ» الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا ثُمَّ يَظْهَرُ الْعِلْمُ بِبَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا قُمُّ وَتَصِيرُ مَعْدِنًا لِلْعِلْمِ وَالْفَضْلِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مُسْتَضْعَفٌ فِي الدِّينِ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ فِي الْحِجَالِ وَذَلِكَ عِنْدَ قُرْبِ ظُهُورِ قَائِمِنَا فَيَجْعَلُ اللّهُ قُمَّ وَأَهْلَهُ قَائِمِينَ مَقَامَ الْحُجَّةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ فَيُفِيضُ الْعِلْمُ مِنْهُ إِلَى سَائِرِ الْبِلَادِ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَيَتِمُّ حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الْخَلْقِ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَبْلُغْ إِلَيْهِ الدِّينُ وَالْعِلْمُ ثُمَّ يَظْهَرُ الْقَائِمُ | ويَسِيرُ سَبَبًا لِنَقِمَةِ اللّهِ وَسَخَطِهِ عَلَى الْعِبَادِ لِأَنَّ اللّهَ لَا يَنْتَقِمُ مِنَ الْعِبَادِ إِلَّا بَعْدَ إِنْكَارِهِمْ حُجَّةً». [32] فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ (عليه السلام) قَالَ: «خُرُوجُ الثَّلَاثَةِ السُّفْيَانِيِّ وَالْخُرَاسَانِيِّ وَالْيَمَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِيهَا رَايَةٌ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِ»، الغيبة للنعمانيّ، ص 255 نحوه، الغيبة للطوسيّ، ص 443 و 446، إعلام الورى، ص 429، و نقله العلّامة المجلسي في البحار، ج 52، ص 210. [33] سماحته يقصد نفسه أي إن بعض المحبين ادّعى أن سماحته هو اليماني. [34] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق : فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 289. [35] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر غفاري ومحمد آخوندي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، مكان الطبع: طهران، تاريخ الطبع: 1407 هـ، الطبعة: الرابعة، ج 1، ص 368. [36] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق : فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 289. [37] سورة الرعد، الآية 39. [38] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق : فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 203، وفيه: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيُّ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليه السلام) فَجَرَى ذِكْرُ السُّفْيَانِيِّ وَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ مِنَ الْمَحْتُومِ، فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) هَلْ يَبْدُو لِلهِ فِي الْمَحْتُومِ» قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْنَا لَهُ فَنَخَافُ أَنْ يَبْدُوَ لِلهِ فِي الْقَائِمِ فَقَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ مِنَ الْمِيعَادِ وَاللّهُ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ». |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عالم البرزخ: 27 |
علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري ( أبو الحسن): 70 |
|
عالم الغيب والشهادة: 17 |
علي بن محمد الواقدي: 70 |
|
عبد العزيز بن علي السرخسي (أبو محمد): 70 |
عيسى ابن مريم: 57 |
|
عزيز مصر: 32 |
(غ) |
|
علامات الظهور: 79 |
الغيبيات: 18 |
|
علماء أهل السنّة: 16 |
(ف) |
|
الفراعنة: 62 |
||
علم الأرقام: 25 |
الفرس: 43 |
|
علم الجمّل: 25 |
الفلكيون: 29 |
|
علم الحديث: 71 |
||
علم الحروف: 25 |
||
فتح مكة: 32 |
||
فرعون: 62 |
||
علم الفلك: 24 |
||
علم المنايا: 35 |
|
|
|
||
علي بن أحمد البصري (أبو الحسن): 70 |
|
|
(ق) |
(ل) |
|
القمر: 44 |
(م) |
|
أبو مصعب الزرقاوي: 85 |
||
قراءة الكف: 25 |
المبصرون: 29 |
|
قطعي الصدور ( القرآن الكريم): 42 |
||
المجوس: 43 |
||
(ك) |
المرسلون: 22 |
|
الكليني (الشيخ محمد بن يعقوب): 92 |
||
الكواكب: 24 |
||
الكوفة: 81 |
||
كتب السنة: 51 |
المغول: 50 |
|
كتب الشيعة: 51 |
المفسرون: 47 |
|
كتب اليهود: 63 |
||
المقام: 53 |
||
محمد بن مسلم: 93 |
||
محمد بن يعقوب الكليني: 92 |
||
المنجمون: 29 |
مرو الروذ: 70 |
|
المهدي المنتظر (عليه السلام): 9، 16، 48، 50، 51، 52، 53، 55، 56، 63، 75، 77، 78، 80، 81، 82، 83، 86، 97 |
مريم بنت عمران: 62 |
|
محضرو الأرواح: 29 |
||
محمد آخوندي: 92 |
مصر: 32 |
|
محمد باقر بن محمد تقي: 81 |
||
محمد بن الحسن العسكري: 75 |
مملكة بني أمية: 80 |
|
محمد بن عبد الرحيم التستري: 70 |
مملكة بني العباس: 81 |
|
محمد بن عبد الله القحطاني: 78 |
مملكة يهوذا: 14 |
|
محمد بن علي الرضا (عليه السلام) ( أبو جعفر): 97 |
منتظري ( الإمام): 86 |
|
|
||
|
(ن) |
|
|
||
|
||
النبي (صلى الله عليه وآله) = رسول الله (صلى الله عليه وآله): 32، 43، 47، 49، 56، 57، 59، 71، 92، 95 |
||
الولايات المتحدة الأمريكية: 15 |
||
النجوم: 24 |
(ي) |
|
النفس الزكية: 79 |
||
نبوخذ نصر الكندي: 14 |
||
نستراداموس (منجم فرنسي): 14 |
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: 54 |
|
(و) |
||
الوادي اليابس: 85 |
|
|
In the Name of Allah
The All-beneficent, the All-merciful
Abstract:
All praise belongs to Allah, Lord of all the worlds, and may Allah descend his peace and mercy upon prophet Muhammad (pbuh) and ʾAhl al-Bayt (as). This book outlines a series of important lectures delivered by Seyyed Hasan Nasrallah (may Allah protect him) on the nights of ʿĀshūrāʾ in 1436 H. In these lectures, Seyyed Hasan expounds thoroughly upon the very question of Imam Mahdi and the ghayb per se, with clear methodology and coherence.
As these questions are of a great importance, the lectures were edited and published in this study to spread the benefits thereof.
All praise belongs to Allah,
Lord of the worlds
[1] كلمة سماحة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه في المجلس العاشورائي في بيروت، الليلة الخامسة من محرم لعام 1436ه - 29/10/ 2014م.
[2] السبي البابلي: حادثة شهيرة من حوادث التاريخ اليهودي، حيث تمّ أسر مملكة يهوذا القديمة، على يد نبوخذ نصر الكندي في بابل والعراق، الذي قام بإجلاء اليهود من فلسطين مرّتين.
[3] نستراداموس (1503 - 1566م): منجّم فرنسي، نشر مجموعة من التوقّعات في كتابه (النبوءات).
[4] رؤساء سابقون للولايات المتحدة الأميركية.
[5] الآيات المذكورة هي الآيات الأربع الأوائل من سورة البقرة.
[6] سورة البقرة، الآية 255.
[7] ضرب الرمل: أو العِرافة، طريقة لقراءة المجهول، تعتمد على نقاط متتالية بدون عدها على عدد من الأسطر في الرمل ثم تستخرج منها قراءة ما لمعرفة المجهول كما يتوهمون.
[8] حساب الجُمل: طريقة لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام الحروف الأبجدية؛ إذ يُعطى كلّ حرف رقمًا معينًا يدلّ عليه، فكانوا من تشكلية هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما نعنيه من تاريخ مقصود، وبالعكس كانوا يستخدمون الأرقام للوصول إلى النصوص.
[9] سورة سبأ، الآية 14.
[10] هو الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان اللّه عليه.
[11] سورة يوسف، الآية 43.
[12] سورة يوسف، الآية 41.
[13] كلمة سماحة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه في المجلس العاشورائي، الليلة الخامسة من محرم لعام 1436هـ. - 31/10/2014م.
[14] سورة الروم، الآيات 1 – 5.
[15] سورة القمر، الآيتان 44 و 45.
[16] سورة الفتح، الآية 27.
[17] سورة القصص، الآية 5.
[18] سورة النور، الآية 55.
[19] سورة الأنبياء، الآية 105.
[20] راجع: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبع : محرم الحرام 1405 - 1363 ش، طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 258.
[21] راجع: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، تحقيق وتصحيح: مؤسسة آل البيت R، الناشر: مؤتمر الشيخ المفيد، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1413 هـ، الطبعة: الأولى، ج2، ص 368.
[22] راجع: ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 33.
[23] راجع الشيخ الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي، الخصال، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، الناشر: جماعة المدرسين، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1403 هـ، الطبعة: الأولى؛ ج1 ؛ ص303، عَنْ الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: «خَمْسٌ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ خُرُوجُ الْيَمَانِيِ وَالسُّفْيَانِيِّ وَالْمُنَادِي يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ وَ خَسْفُ الْبَيْدَاءِ وَ قَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ».
[24] راجع: ابن أبي زينب، محمد بن إبراهيم، الغيبة، تحقيق علي أكبر غفاري، الناشر: نشر الصدوق، مكان الطبع: طهران، تاريخ الطبع: 1397 هـ، الطبعة: الأولى، ص255، وفيه: «خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَ الْخُرَاسَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ نِظَامٌ كَنِظَامِ الْخَرَز».
[25] كلمة سماحة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه في المجلس العاشورائي، الليلة التاسعة من محرّم لعام 1436هـ - 2/11/2014م.
[26] راجع: الخصال، ابن بابويه، محمد بن علي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر غفاري، الناشر: جماعة المدرسين، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1403 هـ، الطبعة: الأولى، ص 29، وفيه: «حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَسْوَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ السِّجْزِيُ الْمُذَكِّرُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ السَّرَخْسِيُّ بِمَرْوَ الرُّوذَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الْحَسَنِ إِنْ أَحْسَنَ الْحَسَنِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ».
قال الصدوق: فأما أبو الحسن الأول فمحمد بن عبد الرحيم التستري وأما أبو الحسن الثاني فعلي بن أحمد البصري التمار وأما أبو الحسن الثالث فعلي بن محمد الواقدي وأما الحسن الأول فالحسن بن عرفة العبدي وأما الحسن الثاني فالحسن بن أبي الحسن البصري وأما الحسن الثالث فالحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
[27] راجع الشيخ الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي، الخصال، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، الناشر: جماعة المدرسين، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1403 هـ، الطبعة: الأولى؛ ج1؛ ص303، عَنْ الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: «خَمْسٌ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ خُرُوجُ الْيَمَانِيِ وَ السُّفْيَانِيِّ وَ الْمُنَادِي يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ وَ خَسْفُ الْبَيْدَاءِ وَ قَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ».
[28] راجع: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، تحقيق وتصحيح: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، الناشر: مؤتمر الشيخ المفيد، مكان الطبع: قم، تاريخ الطبع: 1413 هـ، الطبعة: الأولى، ج2، ص 369، وفيه : «وَخُرُوجُ سِتِّينَ كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَ خُرُوجُ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّهُمْ يَدَّعِي الْإِمَامَةَ لِنَفْسِه».
[29] راجع: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبع : محرم الحرام 1405 - 1363 ش، طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 258.
[30] فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق (عليه السلام) قَالَ: «لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ حَتَّى يَخْرُجَ قَبْلَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كُلُّهُمْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ»، راجع الغيبة للطوسيّ، ص 437و 428، إعلام الورى، ص 426، ونقله العلّامة المجلسي في البحار، ج52، 209و 47.
[31] راجع: المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الناشر: دار إحياء التراث العربي، مكان الطبع: بيروت، تاريخ الطبع: 1403هـ، الطبعة: الثانية، ج 57 ص 213، وفيه: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أَنَّهُ ذُكِرَ كُوفَةُ وَ قَالَ سَتَخْلُو كُوفَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ يأزر «يَأْرِزُ» عَنْهَا الْعِلْمُ كَمَا تأزر «تَأْرِزُ» الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا ثُمَّ يَظْهَرُ الْعِلْمُ بِبَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا قُمُّ وَتَصِيرُ مَعْدِنًا لِلْعِلْمِ وَالْفَضْلِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مُسْتَضْعَفٌ فِي الدِّينِ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ فِي الْحِجَالِ وَذَلِكَ عِنْدَ قُرْبِ ظُهُورِ قَائِمِنَا فَيَجْعَلُ اللّهُ قُمَّ وَأَهْلَهُ قَائِمِينَ مَقَامَ الْحُجَّةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ فَيُفِيضُ الْعِلْمُ مِنْهُ إِلَى سَائِرِ الْبِلَادِ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَيَتِمُّ حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الْخَلْقِ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَبْلُغْ إِلَيْهِ الدِّينُ وَالْعِلْمُ ثُمَّ يَظْهَرُ الْقَائِمُ | ويَسِيرُ سَبَبًا لِنَقِمَةِ اللّهِ وَسَخَطِهِ عَلَى الْعِبَادِ لِأَنَّ اللّهَ لَا يَنْتَقِمُ مِنَ الْعِبَادِ إِلَّا بَعْدَ إِنْكَارِهِمْ حُجَّةً».
[32] فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ (عليه السلام) قَالَ: «خُرُوجُ الثَّلَاثَةِ السُّفْيَانِيِّ وَالْخُرَاسَانِيِّ وَالْيَمَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِيهَا رَايَةٌ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِ»، الغيبة للنعمانيّ، ص 255 نحوه، الغيبة للطوسيّ، ص 443 و 446، إعلام الورى، ص 429، و نقله العلّامة المجلسي في البحار، ج 52، ص 210.
[33] سماحته يقصد نفسه أي إن بعض المحبين ادّعى أن سماحته هو اليماني.
[34] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق : فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 289.
[35] الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر غفاري ومحمد آخوندي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، مكان الطبع: طهران، تاريخ الطبع: 1407 هـ، الطبعة: الرابعة، ج 1، ص 368.
[36] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق : فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 289.
[37] سورة الرعد، الآية 39.
[38] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، تحقيق : فارس حسون كريم، الطبعة الأولى، سنة الطبع 1422، مطبعة مهر - قم، نشر أنوار الهدى، ص 203، وفيه: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيُّ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليه السلام) فَجَرَى ذِكْرُ السُّفْيَانِيِّ وَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ مِنَ الْمَحْتُومِ، فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) هَلْ يَبْدُو لِلهِ فِي الْمَحْتُومِ» قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْنَا لَهُ فَنَخَافُ أَنْ يَبْدُوَ لِلهِ فِي الْقَائِمِ فَقَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ مِنَ الْمِيعَادِ وَاللّهُ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ».