البحث المتقدم

البحث المتقدم

١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦

قدماء الشيعة وعلم التفسـير

 

إن القرآن هو المصدر الرئيسي للمسلمين في مجالي العقيدة والشريعة، وهو المعجزة الخالدة للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وقد قام المسلمون بأروع الخدمات لهذا الكتاب الإلهي على وجه لا تجد له مثيلاً بين أصحاب الشرائع السابقة، حتى أسسوا لفهم كتابهم علوماً قد بقي في ظلها القرآن مفهوماً للأجيال، كما قاموا بتفسيره وتبيين مقاصده بصور شتى، لا يسع المقام لذكرها. فأدوا واجبهم تجاه كتاب الله العزيز شكر الله مساعيهم من غير فرق بين الشيعة والسنة.
            إن مدرسة الشيعة ـ منذ أن ارتحل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا ـ أنتجت تفاسير على أصعدة مختلفة، وخدمة الذكر الحكيم بصور شتى، فأتى بوجه موجز، لما ألف في القرون الإسلامية الأولى.
            إن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بعد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) هم المفسرون الحقيقيون للقرآن الكريم، حيث فسروا القرآن بالقرآن بالعلوم التي نحلهم الرسول(صلى الله عليه وآله) بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم التي لا تشذ عن قول الرسول(صلى الله عليه وآله) وفعله وحجته، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسرين ولا نعترف بحقوق أئمة أهل البيت وهم عدله باتفاق الجميع.
               وهذا ما فعله في كتابه محمد حسين الذهبي، جعل علياً وهو الوصي وباب علم النبي(صلى الله عليه وآله) في الطبقة الثالثة من حيث نقل الرواية عنه، وجعل تلميذه ابن عباس في الدرجة الأولى(1)!!، ولم يذكر عن بقية الأئمة شيئاً مع كثرة ما نقل عنهم في مجال التفسير من الروايات الوافرة .
            أقول: ما أن ارتحل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) حتى عكف المسلمون على دراسة القرآن وتدبره، بيد أنهم وجدوا أن لفيفاً من المسلمين كانوا عاجزين عن فهم بعض ألفاظ القرآن. والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز إلا أنه يحوي ألفاظاً غير رائجة فيها وربما كانت رائجة بين القبائل الأخرى، وهذا النوع من الألفاظ ما سموه بـ (غريب القرآن) وقد سأل ابن الأزرق ـ رأس الخوارج ـ ابن عباس عن شي‏ء كثير من غريب القرآن وأجاب عنه مستشهداً بشعر العرب الأقحاح، وقد جمعها السيوطي في إتقانه(2).
              وبما أن تفسير غريب القرآن كان الخطوة الأولى لتفسيره، فقد ألف أصحابنا في أبان التدوين كتباً في ذلك المضمار، نذكر قليلاً من كثير منها:
   1ـ غريب القرآن، لأبان بن تغلب بن رباح البكري (المتوفى عام 141هـ)(3).
   2ـ غريب القرآن، لمحمد بن السائب الكلبي، من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)(4).
   3ـ غريب القرآن، لأبي روق، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي، قال ابن عقدة: كان ممن يقول بولاية أهل البيت(5).
   4ـ غريب القرآن، لعبد الرحمان بن محمد الأزدي الكوفي، جمع فيه ما ورد في الكتب الثلاثة المتقدمة(6).
   5ـ غريب القرآن، للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطبري الآملي الوزير الشيعي (المتوفى عام 313 هـ)(7).


           وقد توالى التأليف حول غريب القرآن في القرون الماضية، فبلغ العشرات، وكان آخرها ما ألفه السيد محمد مهدي الخراساني في جزئين(8).
 

   مجازات القرآن
           إذا كان الهدف من هذه الكتب بيان معاني مفردات القرآن وألفاظه، فإن في الجانب الآخر منه لون آخر من التفسير يهدف لبيان مقاصده ومعانيه إذا كانت الآية مشتملة على المجاز والكناية والاستعارة.إليك أخي القارئ‏ الكريم نماذج قليلة مما ألف في ذلك المجال بيد أعلام الشيعة:
   1ـ مجاز القرآن، لشيخ النحاة الفراء يحيى بن زياد الكوفي المتوفى عام 207هـ، وقد طبع أخيرا في جزئين(9).
   2ـ مجاز القرآن، لمحمد بن جعفر بن محمد، أبو الفتح الهمداني.قال النجاشي: له كتاب (ذكر المجاز من القرآن)(10).
   3ـ مجازات القرآن، للشريف الرضي المسمى بتلخيص البيان في مجازات القرآن، وهو أحسن ما ألف في هذا الباب وهو مطبوع.
 

   التفسير بصور متنوعة
               وهناك لون آخر من التفسير، يعمد فيه المفسر إلى توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصة كالمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وآيات الأحكام، وقصص الأنبياء، وأمثال القرآن، وأقسامه، والآيات الواردة في مغازي النبي(صلى الله عليه وآله)، والنازلة في حق العترة الطاهرة(عليهم السلام) إلى غير ذلك من الموضوعات التي لا تعم جميع آيات القرآن، بل تختص بموضوع واحد.
            وكان علماء الشيعة قد شاركوا غيرهم من علماء المسلمين في هذا الجانب الحيوي والمهم، ورفدوا المكتبة الإسلامية بهذه الأنواع من التفاسير، ومن أراد أن يقف عليها فعليه أن يرجع إلى المعاجم، وأخص بالذكر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة.
 

   الشيعة والتفسير الموضوعي
              إن نزول القرآن نجومًا، وتوزع الآيات الراجعة إلى موضوع واحد في سور متعددة، يطلب لنفسه نمطا آخر، غير النمط المعروف بالتفسير الترتيبي، فإن النمط الثاني يتجه إلى تفسير القرآن سورة بعد سورة، وآية بعد آية، وأما النمط الأول فيحاول فيه المفسر إيراد الآيات الواردة في موضوع خاص، في مجال البحث، وتفسير الجميع جملة واحدة وفي محل واحد.
           فيستمد المفسر من المعاجم المؤلفة حول القرآن، ومن غيرها، في‏الوقوف على الآيات الواردة في جانب معين، مثلا في خلق السماء والأرض، أو الإنسان، أو أفعاله وحياته الأخروية، فيفسر المجموع مرة واحدة، ويرفع إيهام آية بآية أخرى، ويخرج بنتيجة واحدة، وهذا النوع من التفسير وإن لم يهتم به القدماء واكتفوا منه بتفسير بعض الموضوعات كآيات الأحكام، والناسخ والمنسوخ،
          إلا أن المتأخرين منهم بذلوا جهدهم في طريقه، ولعل العلامة المجلسي (1037ـ1110 هـ) كان أول من فتح هذا الباب على مصراعيه في موسوعته الموسومة بـ(بحار الأنوار)، حيث أورد في أول كل باب من أبواب كتابه المتخصصة جملة الآيات الواردة حول موضوع الباب، ثم لجأ إلى تفسيرها إجمالا، ثم أورد ما جمعه من الأحاديث التي لها صلة بالباب.
          وقد قام كاتب هذه السطور بتفسير الآيات النازلة حول العقائد والمعارف وخرج منه حتى الآن سبعة أجزاء وانتشر باسم (مفاهيم القرآن) نسأل الله تعالى التوفيق لإتمامه.


   الشيعة والتفسير الترتيبي
             قد تعرفت على أن المنهج الراسخ بين القدماء وأكثر المتأخرين هو التفسير الترتيبي، وقد قام فضلاء الشيعة من صحابة الإمام علي التابعين له إلى العصر الحاضر بهذا النمط من التفسير، إما بتفسير جميع سوره، أو بعضها، والغالب على التفاسير المعروفة في القرون الثلاثة الأولى، هو التفسير بالأثر،
           ولكن انقلب النمط إلى التفسير العلمي والتحليلي من أواخر القرن الرابع.فأول من ألف من الشيعة على هذا المنهاج هو الشريف الرضي (359ـ406 هـ) مؤلف كتاب (حقائق التأويل) في عشرين جزءاً (11)،
           ثم جاء بعده أخوه الشريف المرتضى فسلك مسلكه في أماليه المعروفة بالدرر والغرر.ثم توالى التأليف على هذا المنهاج من عصر الشيخ الأكبر الطوسي (385ـ460هـ) مؤلف (التبيان في تفسير القرآن) في عشرة أجزاء كبار، إلى عصرنا هذا.
              فقد قامت الشيعة في كل قرن بتأليف عشرات التفاسير وفق أساليب متنوعة، ولغات متعددة.لا يحصيها إلا المتوغل في المعاجم وبطون المكتبات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذهبي: التفسير والمفسرون 1/89ـ .90
(2) السيوطي: الاتقان 4/55ـ 88.
(3) النجاشي: الرجال 1/73 برقم 6.
(4) المصدر نفسه: 1/78 برقم 6.
(5) ابن النديم: الفهرست 57، النجاشي:الرجال 1/ 78.
(6) النجاشي: الرجال 1/ 78.
(7) ابن النديم: الفهرست 58.
(8) الطهراني آغا بزرك: الذريعة 16/50 برقم 208.
(9) المصدر نفسه: 19/351 برقم 1567.
(10) النجاشي: الرجال 2/319 برقم 1054.
(11) وللأسف لم توجد منه نسخة كاملة في عصرنا الحاضر إلا الجزء الخامس وهو يكشف عن عظمة هذا السفر ويدل على جلالة المؤلف.

مواضيع ذات صلة