البحث المتقدم

البحث المتقدم

١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦

الحرب على الحجاب

 

 

المقدِّمة

الحمد للَّه ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله) وعلى آله الطاهرين، وبعد...

لقد لحظ الدِّين الإسلاميّ في تشريعاته قضيَّة المرأة وحماها من الظلم الذي تعرّضت له عبر التاريخ، إذ حفظ منزلتها بعد أن أعطاها حقوقها كافَّة؛ فهي المولودة المحترمة والمدلّلة، وهي الفتاة والشابّة العفيفة التي تتلقّى التربية لتحميها من أيدي الفاسدين، وهي الزوجة الشريكة في بناء المدماك الأوَّل في الاجتماع البشري، وهي الأمّ المكرّمة التي تصنع الرجال.

من الواضح أنّ التشريع الإسلاميّ قد حفظ الحقوق المعنويَّة والمادّيَّة للمرأة، بما ينسجم مع طبيعتها وتكوينها كأنثى. وترتبط فلسفة هذه التشريعات في الدِّين الإسلاميّ بقضيَّة إنصاف المرأة كإنسان ذي تكوين جسديّ ونفسيّ فيه اختلاف عن الرجل، وبالتّالي فإنّ الإنصاف والرحمة يقتضيان وجود نوع من التفاوت والتمايز في التشريعات على مستوى الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، وهو ما يُحقّق للمرأة شأنها المتعالي والرفيع، كـ«إنسان» لا كـ«رجل»، إذ الرجولة ليست من لوازم إنسانيَّة المرأة.

وبنظرة موجزة إلى واقع المرأة نجد أنّ قضيتها في المجتمع ولناحية دورها وحقوقها قد خضعت لتجاذبات حادّة في القرون الأخيرة، فالغرب قد خلص إلى تصوّر خاصّ لهذه القضية، واختار لنفسه طريقًا محدّدًا على هذا الصعيد، بغضِّ النظر عن فلسفته وأهدافه في هذا المجال.

 

وأمَّا لناحية العالم الإسلاميّ، فإنّنا لم نشهد تصوّرًا أو وثيقة يُمكن نسبتها إلى الأمّة بمجملها، وتتعدَّد الأسباب، منها بشكل رئيسيّ يتمثّل في مرجعيَّة الغربيّ عند الكثيرين في عالمنا الإسلامي، أي أنّ فريقًا يرى الأمثولة في الأنموذج الغربيّ، فصارت الرؤى والقراءات تُصاحب هذه الأمثولة على الدوام أو غالبًا، بينما يتموضع فريقٌ آخر في مكانه، والمرجعيَّة العكسيَّة التي تدفعه إلى هذا التموضع هي الغرب نفسه؛ فلا يمكن فصل الغرب عن أيّ مشروعٍ فكريِّ عالميِّ. لكنّ الإسلاميّ الذي يريد تقديم صياغة متكاملة لموضوع المرأة لا يحقّ له من ناحية منهجيَّة ومعرفيَّة أن يتماهى والغربيّ في مشروعه، وهو أمرٌ مع الاعتراف بعولمة بعض فروع الثقافة اليوم، يؤول فيما يؤول إليه، إلى الخصوصيَّات الثقافيَّة للحضارات والأمم.

هذا الكتاب، هو حلقة من هذا الواقع الإشكاليّ من النواحي الفكريَّة والثقافيَّة والحقوقيَّة، حيث يتناول بالعرض والتحليل كيف تعامل الآخرون من الغربيِّين والمستغربين مع أحد الواجبات الرئيسة الخاصَّة بالمرأة، -والتي ترتبط بعفّتها وخصوصيّاتها كأنثى- وهي الحجاب والستر، والتي حوّلت التيارات الفكرية الغربية وغيرها من المثقفين المستغربين من قضيَّة حجاب المرأة المسلمة وسترها إلى قضيَّة رأي عام ترتبط بالحرّيَّات، وتتعارض مع أنظمة المؤسّسات التربويَّة وغيرها.

ترتبط القضيّة بنظرة الغربيِّين السلبيَّة والسطحيَّة إلى الشريعة الإسلاميَّة من منظار المستشرقين الذين اقتحموا تراث العالم العربيّ والإسلاميّ بالدراسة والبحث والتحقيق...، محكّمين في مناهجهم الكثير من الإسقاطات الفكريَّة والثقافيَّة على هذا التراث، ابتداءً من مصادر التشريع المتمثّلة بالقرآن والسنّة، وصولًا إلى شخصيَّة نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله)، وإلى أبسط الأحكام أو الأفكار وحتى القيم.

والجدير بالذكر، أنَّ هذه المقاربة النظريَّة جاءت مترافقة مع سلسلة من الدراسات الميدانيَّة التي أعدّها مركز المعارف للدراسات الثقافيَّة في المعاونيَّة الثقافيَّة حول موضوعاتٍ تتقاطع عند محوريَّة المرأة، بوصفها الشريك الأفعل في صناعة الإنسان والمجتمع؛ فكانت المقاربة الأولى لمسألة تمكين المرأة بين استنهاضها وبين النيل من هويّتها، فيما ركّزت المقاربة الثانية حول الأسرة ومستوى دور المرأة في تأدية وظائفها الأساسيَّة وفي علاقتها مع الآخر، أمَّا المقاربة الثالثة فاتّجهت نحو قراءة واقع الشباب، سيما العنصر الأنثوي في ظلّ ما يواجهونه من تحدّياتٍ مُعاصرة. وقد خرجت هذه الدراسات بمؤشّرات ذات دلالة هامّة في فهم المنحى الاستهدافي لحجاب المرأة المسلمة وفي الكشف عن عناصر القوّة لديها.

اعتمد هذا الكتاب العرض والتحليل، ولم يدخل في المناقشات النقديَّة المباشرة، حتى لا يخرج الكتاب عن هدفه المحدّد، وإنّما ذلك، كي يفتح الباب أمام الجميع للتصدّي والردّ والنقد على كل ما أثير حول حجاب المرأة في أبعاده المختلفة، والله ولي التوفيق.

والحمد لله ربّ العالمين

 

مدخل في أسباب الدراسة

يستوقف الباحث في قضايا المجتمع وتحدياته تناقضٌ لافتٌ بوضوحه، فبينما يجهد الغرب بثقافته المعولمة في تقديم نفسه بوصفه داعية للحرّيّة وعمادة حرّاسها، سيّما، في تعامل الأفراد والجماعات البشريَّة مع العناصر التي تشكِّل هويَّتهم الشخصيَّة والجامعة، هو في الوقت عينه، يذهب لتنصيب نفسه - وبكل فظاظة - كمعيار لصوابيَّة التفكير وحسن الاختيار وسط دفقٍ هائلٍ من الرسائل الثقافيَّة التي يقتحم بها الوعي البشريّ، من خلال ما يتوافر من شبكات تواصلٍ متعدَّدة وهائلة كمًّا ونوعًا.

صحيح أنّ الموضوعيَّة، تقتضي الإقرار بأنَّ التنوّع الثقافيّ في تقاطعاته هو مجالٌ حيويٌّ يحفّز الشخصيَّة - بأبعادها الفرديَّة والجماعيَّة - نحو المزيد من الارتقاء والتطوّر، وأنّ المجتمعات التي تفتقد أو ترفض هذا التنوّع، دائمًا ما يُنظر إليها على أنّها أسيرة تقليد وجمود يُعجزها عن مواكبة حركة الطبيعة الإنسانيّة في مسارها التصاعديّ.

كما تقتضي الموضوعيّة، العمل على رسم خطّ يفصل بين ما يمكن وصفه بالتفاعل والحوار والتلاقح الثقافيّ، وبين ما يأخذ شكل الغزو في هذا المجال.

ما إن بدأ احتكاك الغرب بالمجتمعات المسلمة، حتى بات حجاب المرأة يتصدّر قائمة استهدافاتهم، والتي ارتفعت وتيرتها مع تنامي مستوى هذا الاختراق للعالم الإسلاميّ، وبالتحديد، منذ عهد الخلافة العثمانيَّة، التي شهدت أشكال متعددة من الغزوات الغربيَّة، من جنود وقناصلة ومؤسّسات تعليميَّة وإعلاميَّة ومراكز تجاريّة. وتتعدد الشواهد حول هذا الاستهداف، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما قاله رئيس الوزراء البريطانيّ «وليم غلادستون» عام 1894، عندما أعلن عن رؤيته لمصالح بلاده في الشرق، بأنَّها لن تكون جيّدة، حتى نزيل الحجاب عن النساء ونغطّي به القرآن.

وهذا ما يثير البحث عن دوافع الغربيّين في تركيزهم على هذا اللباس الذي يستر جسد المرأة المسلمة ومفاتنها، إلى حدٍّ، صار فيه نزع هذا الستر من مؤشّرات بلوغهم الانتصار في حرب قالوا بأنّ غاياتها خير البشريَّة وصلاحها.

يبرز في مسألة الحرب على الحجاب [1]، طرح يشير إلى كونه معلمًا يسهم في تحديد الهويّة الدينيَّة - للأفراد والجماعات- ويمكن من خلاله قياس مستوى وحجم تمسّكهم بهويَّتهم، سيّما، اتّجاه التدفّقات الثقافيَّة التي تتوجَّه للنيل من مرتكزات تلك الهويَّة، أو [1] لا يوجد في فقه الإسلام ما يعرف بالحجاب الذي تستتر به المرأة، بل إنّ أبحاث الفقهاء وفتاويهم كلَّها تنصبّ حول مصطلح الستر والساتر، والذي يقصد به ما يستر به كامل جسد المرأة ما عدا الوجه والكفّين أمام الأجنبي الناظر إليها، وأن لا تظهر زينتها أمام الرجال الأجانب. نعم ذكر الفقهاء أن مقدار الحجاب الشرعيّ الذي يجب على المرأة هو: ستر جميع بدن المرأة عدا الوجه والكفّين عن الأجانب، وكذا يجب ستر الزينة ولو كانت الزينة في اللباس لأنّها مظهرة للبدن وكاشفة عن تفاصيله، بحيث توجب جلب نظر الرجال الأجانب الذين يحرّم عليهم النظر للمرأة إليه. أنظر: التبريزي، جواد بن علي، صراط النجاة، ج 9، قم - إيران، الناشر: دار الصديقة الشهيدة، ط1، 1427 هـ، ص 116.

في سعيها لإحداث تغييرات جوهريّة في هذه المرتكزات. ويبدو جلياً أنّ هذه الخاصيّة هي من جعلت الحجاب (ستر المرأة لمفاتنها) يتصدّر قائمة الموضوعات الأكثر استهدافًا.

كما تحضر في مسألة الحجاب بقوّة تلك التمايزات بين الجماعات والفرق الإسلاميّة في رسم الحدود الشرعيّة له، وإن التقت عند تعريفاته اللغويّة [1]. وهنا، راحت التفسيرات تتعدّد وتختلف حول هذا المطلوب حجبه أو ستره. فريق من المسلمين قال باحتجاب المرأة كليًّا عن الآخر من غير المحارم، بينما ذهب البعض إلى كون الجلباب [2] الساتر لكامل جسد المرأة من غير احتجابها، ومنهم من جعله في حدود ستر مفاتنها ليس أكثر، وصولًا إلى تفشّي الظاهرة التي تزداد توسّعًا في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، حيث يستر جسد المرأة وشعرها ويُظهر في الوقت نفسه مفاتنها بشكل غير مباشر، في محاولةٍ لجعله لا يتعارض مع ليبراليّة الثقافة التي ترى في إبراز المفاتن تعبيرًا عن حقيقة الطبيعة وحريتها. وبذلك، تولّدت اتجاهات داخل المجتمعات الإسلامية والتي تدرجت في تباينها إلى حدّ التناقض، بين اتّجاه يرى الدعوة إلى إزالة النقاب الساتر لوجه المرأة، هو بمثابة خلع للحجاب، وصولًا إلى اتّجاه [1] الحِجاب في اللغة بمعنى الستر. يُقال: حجب: الحِجابُ: السِّتْرُ. وحَجَبَ الشيءَ يَحْجُبُه حَجْبًا وحِجابًا وحَجَّبَه: سَترَه. وقد احْتَجَبَ وتحَجَّبَ إذا اكْتنَّ من وراءِ حِجابٍ. وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِترٍ. فالحجاب في اللغة بمعنى الستر، والتستر بستر. والحجاب هو اسم لما يُحتجب به. أنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج 1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408هـ. ص 298.

[2] الجلباب: هو ثوب أوسع من الخمار، دون الرداء تُغطي به المرأة رأسها وصدرها؛ وقيل: هو ثوب واسع، دون المِلحَفةِ، تلبسه المرأة؛ وقيل: هو المِلحفة. أنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج 1، ص 272. بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1408 هـ. وفي بعض الأحاديث ورد تعبير الجلباب مجازًا وكناية عن الإنسان الكيّس، وهو في الاصطلاح الدينيّ من كان يتّصف بصفة الحياء، كما عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: «الكيّسُ من تجلبب الحياء» محمد بن يعقوب الكليني، الأصول والفروع من الكافي، ج8، ص23.

يرى أنّ الحجاب هو مجرد غطاء لشعر المرأة وبعض جسدها ولو أدّى ذلك إلى إظهار مفاتنها.

أيضًا في مسألة الحجاب يطرح تساؤل حول حقيقة موقعه في التشريع الإسلامي: هل هو فريضة من الفرائض الدينيّة التي أوجبها الله تعالى على المرأة حينما تبلغ مستوى معيّن من العمر؟ أم أنّه مجرّد عادة وموروث اجتماعيّ؟ جاء الفارق الشاسع بين حجابٍ كفريضة إلهيّة لها فلسفتها الخاصّة بحركة المرأة في الانتظام الاجتماعيّ بصرف النظر عن المكان والزمان، وبين حجابٍ جاء كعادة وموروث اجتماعيّ في المنشأ والتطبيق.

ثمّة من يدعو إلى التروّي في قراءة دوافع الغرب وغاياته، لأنَّ المواقف التي تتوالد من أيديولوجيا جرت أخبارها إثر صراعٍ دمويٍّ مع الكنيسة المسيحيّة، هي ليست كالمواقف التي تحرص على إيجاد مساحة مشتركة بين العلمانيّة والدين. كما أنَّ دوافع الغرب وغاياته، على مستوى مجتمعاته ودوله، ليست نفسها بالضرورة على مستوى مجتمعات ودول هي ليست أكثر من مجال لتوسعة نفوذه وحضوره وقوّته. وهنا يُطرح تساؤلٌ مشروع هو هل كانت دوافع الغرب وغاياته، بعيدة عن المشهديَّات التي رسمتها أقلام المستشرقين، أو عكستها عدسة الماكينات الإعلاميّة - بموضوعيَّة أو بانحياز- عن أوضاع المرأة في المجتمعات الإسلاميَّة؟

كما يجدر التوقّف مليًّا أمام ما يطرح تحت لافتة تمكين المرأة، والذي يثير النقاش حول ماهيّة الحجاب الذي لا يتعارض مع تمكين المرأة بوصفه ضرورة لمواجهة قضايا التخلّف في العالم الإسلاميّ، والحجاب الذي يعدّ مسؤولًا عن احتجاب المرأة وعزلتها وامتناعها عن التطوّر والعمل والإنتاج والفاعليّة في الحياة. وبالتالي، ما هي الخطوات المطلوبة لإطلاق سراح المصطلح الرائج «تحرير المرأة» من الوصاية الأيديولوجيّة وإعادته إلى كنف الفطرة الإنسانيّة؟

 

هذه التساؤلات والموضوعات ستعالجها الدراسة في مباحث خمسة تتمحور حول الآتي:

| المبحث الأوّل: يتناول الدوافع التي تجعل العلمانيّة في موقف المقاتل للدين بشكل عام، والحجاب ضمنًا، والتي نجد تعبيراتها الواضحة في النموذج الفرنسيّ، حيث تمّ العمل في هذا المبحث لتفسير هذا الموقف الراديكالي وتحليله، بغية الاستفادة من دلالاته.

| المبحث الثاني: يناقش الفرضيّة التي تقول، إنّ شعار تحرير المرأة الشرقيّة من حجابها واحتجابها، يكشف عن حقيقة من حقائق الهجمة الاستعماريّة على بلاد المشرق العربيّ، وحجم العلاقة بين حريّة المرأة وتأمين الغرب لمصالحه في هذه البلاد. وفيه أيضًا، تمّ عرض الدور الذي لعبه الاستشراق في التحكّم بالفكر، الغربيّ والشرقيّ على السواء، وكيف استطاع أن يبني صورة نمطيّة لكلا المجتمعين وحدود وكيفيّة العلاقة بينهما.

| المبحث الثالث: يستعرض ويناقش الإستراتيجيّة الأميركيّة الذكيّة والناعمة اتجاه المرأة بشكل عام، وحجابها على وجه التحديد، وكيف استطاعت هذه الاستراتيجيّة أن تفتح علاقة بين المرأة المحجّبة وقيم العلمانيّة، بعد الذي أفسدته الراديكاليّة الفرنسيَّة.

| المبحث الرابع: يتناول لظاهرة مستجدّة آخذة بالتوسّع وسط المحجّبات، وهو الزيّ الذي يحاول التوليف بين مراعاة المرأة المسلمة لواجبٍ دينيٍّ يقضي بستر شعرها وجسدها، وبين الاستجابة إلى نظرة ليبراليّة غربيّة ترى مفاتن المرأة قوّة لها وعليها إظهارها.

| المبحث الخامس: يظهر كيف استطاع الغرب عامّة، والأمريكيّ تحديدًا، أن يعولم قيمه الليبراليّة ويدفع المرأة المسلمة للانجذاب نحو تبنّي فلسفته لمفاهيم (تمكين المرأة، والجندر والمساواة الكلّيّة بين الجنسين) وما أحدثه ذلك من انتشار لظواهر اجتماعيّة تتعارض مع المنظومة العقائديّة والقيميّة في الإسلام، منها، تلك التي تتعلّق بحجاب المرأة وحدود احتجابها في المجالات العامّة.

وقد خُتِمت الدراسة بعرض لجملة من الاستنتاجات التي يؤمل أن تكون قد أجابت عن تساؤلات تُطرح في سياق محاولة فهم وتفسير الأسباب والدوافع التي جعلت من حجاب المرأة على هذا المستوى من الاستهداف، مع تقديم توصيات يجدر عدم إغفالها.

المبحث الأوّل: حين تحارب العلمانيّة الحجاب

تشير مواقف الغرب وسلوكيّاته اتّجاه المجتمعات الإسلاميّة، إلى توافق استراتيجيّ على تأكيد وإدامة التفوّق والتمايز، وإلى تباين في التعامل مع مسألة حجاب المرأة، فالسلوك الفرنسي في هذا المجال هو غير الأمريكيّ، وما بينهما، البريطانيّ، مع أنّهم يلتقون جميعًا على العلمانيّة بوصفها الحلّ الأنسب لانتظام حركة المجتمعات.

منذ العام 1982، بدأت مدارس في فرنسا تأخذ قرارها- بمبادرات فرديّة ومن غير وجود قانون صريح - بطرد المسلمات المحجّبات، يؤيّدهم بذلك عدد من المسؤولين الفرنسيّين؛ فقد ترافق ازدياد وتيرة الطرد، مع تصاعد حدّة تصريحات المسؤولين الفرنسيّين. وفي العام الدراسي 1989-1990، مُنعت فتيات مسلمات مغربيّات مقيمات في فرنسا، من أن يرتدين الحجاب في مدرستهن الثانويّة، بدعوى خرقهنّ قانون العلمانيّة الذي لا يسمح بإدخال الرموز الدينيّة إلى المدرسة العموميّة، وأُرغمن على ترك الدراسة رغم أنهنّ مواطنات فرنسيّات ولدن في فرنسا ويعشن فيها. يومها، كوفئ مدير الثانوية «أرنست شانفير» تقديرًا له على هذا الموقف، ولُقّب في الصحافة الفرنسيَّة باسم «بابا العلمانيّة».

مع احتدام مستوى النقاش حول ارتداء الحجاب في فرنسا، أعلن رئيس الوزراء الفرنسيّ «جان بيار رافاران» في شهر أيّار العام 2003: أنَّ حكومته تسعى إلى منح المعلّمين سندًا قانونيًّا لطرد الطلبة الذين يخالفون التقاليد العلمانيّة للدولة. وعلى هذه الخلفيّة جاءت توصية الرئيس الفرنسي جاك شيراك في 17/12/2003، بدعمه لحظر ارتداء الحجاب في المدارس والمؤسّسات الحكوميّة في فرنسا، حيث قال: «يجب عدم السماح بارتداء أيّ زيّ دينيّ في المؤسّسات الحكوميّة الفرنسيّة»، ودعا البرلمان الفرنسيّ لسرعة تبنّي القانون الخاصّ بمنع العلامات الدينيّة المميَّزة في المدارس وأماكن العمل قبل حلول العام المقبل، وقال: «إنّ المدارس يجب أن تحترم مبدأ المساواة بين الجميع دون أيّ تمييزٍ دينيّ»، وقال: «يجب تكريس واحترام العلمانيّة التي تقوم عليها الجمهوريّة لحماية القيم الفرنسيّة»، ودعا إلى إعداد (مدوّنة علمانيّة) تكون مُلزمة لجميع الموظفين الذين يلتحقون بالإدارات العامّة.

أعقب ذلك، تصريح شهير للرئيس الفرنسي «جاك شيراك» ألقاه أثناء زيارته لتونس في كانون الأوّل 2003، حيث قال: «إنّ الحجاب اعتداء على المرأة يصعب على الفرنسيّين تقبّله» [1].

حقيقة المواقف الفرنسيَّة تلك، ترتبط بظروف تعيشها المجتمعات الغربيّة الرأسماليّة حين اضطرّت إلى فتح باب الهجرة والتجنيس أمام الشباب من العمّال والطلّاب، ومن مختلف الجنسيّات، لتعوّض النقص الحادّ لديها من هذه الفئات الاجتماعيّة، سيّما، من [1] موقع الجزيرة، سعدي بزيان، معركة الحجاب الإسلاميّ في فرنسا أصولها وفصولها، عرض مختصر للكتاب قدمته سكينة بوشلوح، 20/9/2005.

الشعوب التي تتكلّم اللغة الفرنسيَّة بحكم الاستعمار الفرنسيّ السابق لدولها. ولمّا كان جلّهم يدين بالإسلام كانت الخطّة باستيعابهم وإدماجهم في المجتمع الجديد، أي بإعادة صياغة عقليّة ونفسيّة هؤلاء، حتى تصبح متجانسة مع قيم العلمانيّة. ولكن عملية الإدماج والاستيعاب هذه لم تنجح، إذ أنّ نسبة المسلمين من السكّان تعدّت 10%، وصار الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا، ومعظم هؤلاء المسلمين قد حافظوا على هويّتهم الدينيّة.

تُبيِّن دراسة فرنسيّة أجرتها اللجنة الوطنيّة الاستشاريّة لحقوق الإنسان أنّ 35% من الفرنسيّين يعترفون بأنّ لديهم ميولًا عنصريّة ومعادية للأجانب، وشدّدت الدراسة على القلق من أنَّ الخطاب العنصريّ ضد المسلمين أمرٌ عاديٌّ، فنجد أنَّ 63% من الفرنسيّين يرون أنّ المسلمين يعانون مشاكل في الاندماج في المجتمع، فيما يرى 80% أن الحجاب يشكّل مشكلة للحياة في المجتمع الفرنسيّ [1].

ساهم ذلك في تنامي الميل لطرد المسلمين الأجانب من فرنسا، فاستخدم حزب الجبهة الوطنيّة الفرنسيّ، أيديولوجيّة عنصريّة متطرّفة، معادية للعرب المسلمين المقيمين في فرنسا، حيث دعا نائبها «باسكال أريجي»، أثناء زيارة له إلى فلسطين المحتلّة عام 1988، إلى وقف الهجرة إلى فرنسا، وحذّر من أنَّ عدد النساء اللاتي يرتدين الحجاب في مرسيليا يزداد باستمرار، وأنّ الإسلام يشكّل خطرًا بالنسبة لفرنسا، وبالنسبة للعالم كله. كما دعا رئيس مصلحة الهجرة الفرنسيّة «جان كلود بارو» (كاهن كاثوليكي سابق ترك الكهنوت لكيّ يتزوج)، إلى طرد المسلمين من فرنسا، قائلًا: يجب التوقّف عن إخفاء المشكلة عن أنفسنا…الاستيعاب الناجح يمرّ عبر التخلّي عن ممارسة الإسلام الذي هو دين سياسيّ بعيد عن العلمانيّة [2].

لكن الحقيقة أيضًا، تقتضي بعدم الفصل بين هذه المواقف وبين ما تختزنه الذاكرة الفرنسيّة والأوروبيّة، منذ حملة نابليون على مصر (1798-1801)، ومن ثمّ غزوهم لبلاد [1] موقع القدس العربي، 5/7/2014.

[2] باسكال أريجي، من مقابلة له مع صحيفة (لوكوتيديان دي باري) بتاريخ 25/9/1991.

المغرب العربيّ بداية القرن التاسع عشر. وقد أشار إلى ذلك المؤرّخ «جورج فريديريك»، بأنّ تصوّرات الفرنسيّين عن المسلمين والعرب هي استجابة لوسم تاريخيّ لهم بأنّهم شعوب منحطّة غير قادرة على مواكبة التقدّم، ولا سبيل لدمجهم ضمن أسلوب الحياة الفرنسيّة. إذ لا يمكن فهم السجالات المعاصرة عن الحجاب بإهمال هذه الخلفيّات التاريخيّة، فالحجاب في عيون الفرنسيّين يشكّل الاختلاف الصارخ الذي لا يسمح بفهم واستيعاب الإسلام.

ما إن وطأ الاستعمار الفرنسي أرض الجزائر عام 1830، حتى راح يعلن عن بداية تطبيق «العلمانيَّة الفرنسيَّة المقاتلة» في المجال التربويّ والثقافيّ والمدنيّ [1]، وصار الحجاب مجالًا لاستهدافاتها، إذ كان خَلْعُ الحجاب قضيّة استراتيجيّة بالنسبةِ للجيشِ الفرنسيِّ، الذي عمل على نشر صور لجزائريّات وهنَّ يخلعن الحجاب وسط العاصمة في الجزائر، وأخريات يُحرقن حجابَهنَّ تحت حراسة الجيش والأمن [2].

وفق تعبير الباحث الفرنسيّ «جان بيار سيريني»، إنّ هذا المنحى، جعل الجزائريّين يتخوَّفون من أن يؤدّي تركُ الحِجاب إلى تمثُّلٍ تدريجيٍّ برؤيَة الغرب، ما يؤدّي إلى تدمير الهويّةِ الدينيّة والوطنيّة التي تمثِّلُها المرأة الجزائريّة المتخفِّيَة خلفَ حجابها والمنغلِقة في بيتِها.

تشير المؤرّخة «جون ولاش سكوت» [3] في كتابها «سياسة الحجاب» إلى ثبات موقف [1] سعدي بزيان، معركة الحجاب الإسلاميّ في فرنسا أصولها وفصولها، مصدر سابق.

[2] جان بيار سيريني، إسفارُ نساءٍ مُسلِماتٍ في الجزائر، استيهامٌ استِعماري، مقال بتاريخ 13 أيلول 2016.

[3]  جون ولاش سكوت: من مواليد 18 كانون الأول1941، وهي مؤرّخة أميركية مختصّة في الحركات العمَّاليَّة الفرنسيّة وتاريخ النساء، من زاوية النوع. وهي حاليًّا أستاذة بمدرسة العلوم الاجتماعيَّة بمعهد برانستاون، وعضو بلجنة التحرير في صحيفة التاريخ المعاصر. من أعمالها «المساواة: الكوني والاختلاف بين الجنسين» باريس، ألبان ميشيل 2005، و«المواطنة المتناقضة: النسوانيّات الفرنسيّات وحقوق الإنسان» ألبان ميشيل 1998.

الحكومات الفرنسيّة المتعاقبة في تناولها لقضايا الإسلام والمسلمين، بالرغم من اختلاف ألوانها الحزبيّة، يمينيّة كانت أم يساريّة، وتؤكّد على أنّه من الخطأ تفسير موجة العداء للحجاب وللإسلام بضغوط اليمين السياسيّ المتطرّف فقط، فاليساريّ في هذا المجال يتحوّل إلى «يمينيّ أكثر من اليمينيّين». وهذا الصحافيّ اليساريّ المعروف «جان دانييل»، يتجاوز الرئيس اليمينيّ «جاك شيراك»، ويدين أولئك الذين يسمحون بالحجاب، حيث يكتب: يسير المعادون للاستعمار نحو حملنا على قبول الاختلاف، ويشترط الوطنيّون الجمهوريّون المساواة لتخفيف هذا القبول، وبعبارة أخرى، إذا لم يصبحوا مثلنا فلا يمكن دمجهم تلقائيًّا، فهم ليسوا نحن ولن يصبحوا كذلك أبدًا [1].

هذا ما يثير الجدل حول علمانيّة فرنسا، ففيما تدعو العلمانيّة إلى التمييز بين الخاصّ (الاعتقاد الدينيّ) والعامّ (التزامات الفرد نحو الدولة) راحت العلمانيّة الفرنسيّة تكشف عن سلوك متطرّف ومتعصّب وتمييز عنصريّ. وهكذا، ليكون المرء فرنسيًّا يلزمه أن يكون غير مختلف عن الآخر؛ لأنَّ الاختلاف إنكار للمبادئ الفرنسيّة سواء كان هذا الاختلاف قائم على الثقافة أو الدين أو العرق أو الجنس.

في واقع الأمر الذي لا يمكن تجاوزه، إنَّ دخول أوروبا لبوابة الحداثة كان من خلال قضائها على الثنائيّة التي حكمت عصورها الوسطى، حيث خضع المجتمع لمركزيّة لاهوتيّة قسريّة، ولنظام كلّي مستقل عن الأعضاء الذين يؤلّفونه. أي في فكِّها الارتباط بين الدين والسياسة أو بين الكنيسة والدولة، وهو فصل ما كان ليتمّ لولا المحاولات الفكريّة المترافقة [1] موقع الجزيرة، كتاب سياسة الحجاب، جون ولاش سكوت - ترجمة: المصطفى حسوني وحسن ازريزي، دار توبقال للنشر، المغرب - الطبعة: الأولى/ 2010، نشر خلاصة وعرض حوله الكاتب الحسن سرات.

مع ثورات دمويّة. لقد أدّى الصراع الذي عرفته أوروبا في العصور الوسطى بين الكنيسة والدولة إلى الفصل الحادّ الذي نشهده اليوم في المنظومة الثقافيّة الأوروبيّة بين ما هو دينيّ وما هو دنيويّ.

فبحسب المفكر البلجيكي «غي هارشير» إنّ فرنسا وأوروبا عامّة، وبعد صراع الكنيسة مع الدولة بشكل دمويّ ومرير وصداميّ، أنتجت العلمانيّة الراديكاليّة أو المقاتلة أو العلمانيّة الشاملة [1].

إنَّ العلمانيَّة التي شكّلت أساس الحداثة في عموم الغرب، اكتسبت خصوصيّتها في فرنسا من خصوصيّة ثورتها في تاريخ الثورات الغربيَّة. حيث شهدت فرنسا أعنف الحروب الدينيّة في القارة الأوروبية. لقد وقعت بين عاميّ (1562-1598) ثماني حروب دينيَّة تخلّلتها مجازر «سانت بارتيليمي» الشهيرة التي قتل فيها نحو ثلاثين ألف بروتستانتي على أيدي الكاثوليك [2]. وفي القرن التالي، شهدت فرنسا ومجمل الدول الأوروبيّة حرب الثلاثين عامًا (1618-1648) التي بدأت دينيّة وانتهت سياسيّة [3]، ورافقها ثورات جانبيَّة [1] غي هارشير، العلمانيَّة، مكتبة بغداد، المؤسسة العربيَّة للتحديث الفكريّ، ط1، 2005، ص 81.

[2] مذبحة سان بارتيليمي حدثت في فرنسا عام 1572، والتي ذبح خلالها ما يزيد عن 30 ألف بروتستانتي فرنسي على يد السلطات الكاثوليكيّة «والمتعصبين من الكاثوليك» بأبشع وسائل القتل حيث كان الهدف منها القضاء على البروتستانت تمامًا، وذلك بأوامر من الملك شارل التاسع ووالدته خوفًا من سطوة وانتشار البروتستانتيّة. لقد كانت الكنيسة الكاثوليكيّة متواطئة ومشاركة في المجزرة، ففي يوم 24 أغسطس دقت أجراس الكنائس إشارة للجنود والمتطوعين من الأهالي المتحمسين الذين باتوا ليلتهم ينتظرون تلك الإشارة أمرًا صريحًا بالبدء في الفتك بالبروتستانت إلَّا أنَّها دقت بوقت أبكر من الوقت المعلوم للصلاة، فشعر البروتستانت بالخطر وهرب بعضهم خارج المدينة أو لجأوا لدى أقاربهم من الكاثوليك إلَّا أنَّ هؤلاء أيضًا خضعوا للهجوم، والذين لم يستطيعوا الهرب دوهموا في بيوتهم، وقتلوا بكافَّة أعمارهم. الأرقام متضاربة حول الضحايا منهم من يقول أنَّها تصل إلى ستين الفًا. أنظر: موقع ويكيبيديا الإلكتروني.

[3] حرب الثلاثين عامًا، هي سلسلة صراعات دامية مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648، وقعت معاركها بدايةً وبشكل عام في أراضي أوروبا الوسطى (خاصة أراضي ألمانيا الحالية) العائدة إلى الإمبراطوريَّة الرومانيَّة المقدسة، ولكن اشتركت فيها تباعًا معظم القوى الأوروبيَّة الموجودة في ذاك العصر، فيما عدا إنكلترا وروسيا. في الجزء الثاني من فترة الحرب امتدّت المعارك إلى فرنسا والأراضي المنخفضة وشمال إيطاليا وكاتالونيا. خلال سنواتها الثلاثين تغيرت تدريجيًّا طبيعة ودوافع الحرب: فقد اندلعت الحرب في البداية كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت وانتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى، بين فرنسا وهابسبورغ، بل ويعد السبب الرئيسي في نظر البعض، ففرنسا الكاثوليكيَّة تحت حكم الكردينال ريشيليو في ذلك الوقت ساندت الجانب البروتستانتيّ في الحرب لإضعاف منافسيهم آل هابسبورغ لتعزيز موقف فرنسا كقوَّة أوروبيَّة بارزة، فزاد هذا من حدّة التناحر بينهما، ما أدّى لاحقًا إلى حرب مباشرة بين فرنسا وإسبانيا. إلقاء ممثلي الامبراطور من النافذة في براغ كان شرارة إشعال الحرب ولكنّه لم يكن السبب الحقيقي لها.

كان الأثر الرئيسي لحرب الثلاثين عامًا والتي استخدمت فيها جيوش مرتزقة على نطاق واسع، تدمير مناطق بأكملها تركت جرداء من نهب الجيوش. وانتشرت خلالها المجاعات والأمراض وهلاك العديد من سكان الولايات الألمانيَّة وبشكل أقل حدة الأراضي المنخفضة وإيطاليا، بينما أُفقرت العديد من القوى المتورطة في الصراع. استمرت الحرب ثلاثين عامًا ولكن الصراعات التي فجرتها ظلت قائمة بدون حل لزمن أطول بكثير. انتهت الحرب بمعاهدة مونستر وهي جزء من صلح وستفاليا الأوسع عام 1648. وخلال الحرب انخفض عدد سكان ألمانيا بمقدار 30٪ في المتوسط؛ وفي أراضي براندنبورغ بلغت الخسائر النصف، في حين أنَّه في بعض المناطق مات مايقدر بثلثي السكان، وانخفض عدد سكان ألمانيا من الذكور بمقدار النصف تقريبًا. كما أنخفض عدد سكان الأراضي التشيكيَّة بمقدار الثلث. أنظر: موقع ويكيبيديا الإلكتروني.

في الداخل الفرنسي ضدّ الاقطاع والملكيّة المطلقة إلى أن شهدت فرنسا في القرن الثامن عشر نزاعات معادية لهذا الثالوث المستحكم، من خلال الانقلاب التامّ على القيم القديمة بإسم إيديولوجيّة العقل. وبإسم هذه الإيديولوجيّة، تحوّلت المقولات العلمانيّة إلى متعالٍ يناظر المقولات الدينيّة في قدسيّتها.

لقد خاضت قوى التغيير الفرنسيّة صراعًا عنيفًا مع دولة ذات صلة وثيقة بقوى تحاول الحفاظ على النسق الاجتماعي وإعادة إنتاجه، وعلى رأسها كنيسة لم تشهد أي حركة إصلاح. وهذا ما يفسر سبب الحركة العنيفة المناهضة للدين والكهنوت، وتفوّق المعارك السياسيّة والإيديولوجيّة على الإصلاحات المجتمعيَّة، وهي السمة التي طبعت الديمقراطيّة الفرنسيّة إلى الآن. «ففولتير» دعا إلى إعلان الحرب على الكنيسة، و«ديدرو» إلى قتل الملك، و«هولباخ وهلفتيوس» جاهروا بإلحادهم واضعين الدين في مرتبة دونيّة مع العامَّة.

إذا كان شعور الفلاسفة الفرنسيّين بالعداوة للدين نتيجة ثانويّة لعدائهم للكنيسة الكاثوليكيّة، كما تقول المفكرة الأميركيّة «غيرترود هيملفارب»[1]؛ فإنّ حدّة العنف والشراسة الدؤوبة والمستمرّة ضدَّ الدين في فرنسا بدت غير مفهومة لدى المفكر السياسيّ «ألكسي دي توكفيل»، حيث قال: «بينما التنوير الإنكليزي قد تسامح مع أنواع كثيرة من الإيمان، ولم تكن هناك حاجة للإطاحة بالدين، لكن هذا التسامح لا يزال مفقودًا إلى حدٍّ ما في فرنسا إلى الآن، ولا تزال الحدود غامضة فيها بين مسؤوليَّة الحريَّة ومسؤوليَّة احترام الآخر، والرسوم التي نشرت في صحيفة شارلي إيبدو دليل على هذا الغموض».

ويقول توكفيل: «أكّد فلاسفة فرنسا أنّ الحماسة الدينيّة ستخمد عندما تزيد الحريَّة، لأنَّ روح الدين وروح الحريَّة متناقضان، ولا يزال يُنظر إلى الدين على أنَّه تهديد للحرية في فرنسا». ومن هنا يمكن تفسير ارتفاع تعرّض المسلمين للاعتداء في فرنسا مقارنة بالدول الغربيَّة الأخرى، فخلال السنوات الماضية تعرضوا لأعمال عنف كثيرة بما يتناقض مع الديمقراطيّة الليبراليّة، ووصل الأمر «بماري لوبين» منذ سنوات إلى تشبيه المسلمين المصلّين في شوارع فرنسا بالاحتلال النازي. واليوم يتخوَّف مسلمو فرنسا من أن تشهد البلاد حالة هيجان ضد الإسلام والمسلمين، في ظل عدم التمييز بين الإسلام المحمديّ وبين الإسلام المتطرّف، لا على مستوى الشعبيّ فقط، بل على مستوى النخبة أيضًا. ما يدفع الحكومة الفرنسيّة إلى اتّخاذ إجراءات قاسية ضدّ المسلمين، بما يتناقض مع قيم الجمهوريَّة التي أعلنتها الثورة عام 1789، ورسّخها انتصار الجمهوريّين عام 1877.

[1] مجلة عالم المعرفة، غيرترود هيملفارب، الطرق إلى الحداثة، التنوير البريطانيّ والتنوير الفرنسيّ والتنوير الأمريكيّ- ترجمة د. محمود سيد احمد، سبتمبر 2009، العدد367.

لقد جانب «محمد أركون» الصواب حين وصف العلمانيّة الفرنسيّة بـ«العلمانويّة»، في إشارة إلى غلوّها وأساسها التاريخيّ المستمدّ من تجربة اليعاقبة زمن الثورة الكبرى، حيث اتّخذت العلمانيّة محتوى يخالف المعنى الأصلي، من حيث هي حياد الدولة تجاه الأديان من منطلق استقلاليّة المجال العامّ عن المجال الخاصّ.

برز مؤخرًا، تصريح لافت بدلالاته للرئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون» في معرض الإجابة عن سؤال حول رأيه في «ارتداء الحجاب» قال فيه: أحترم كلّ امرأة ترتدي الحجاب، وعلى الفرنسيّين احترام ذلك، لست من مؤيّدي حظر الحجاب[1]. وهنا، يُطرح تساؤلٌ جديرٌ بالتتبع والإجابة، هل يشير ذلك إلى حال من النقد الداخليّ لسياسات متجذّرة في القانون والوعي الفرنسيّ، أم مجرد إعادة تجميل للقوّة الناعمة الفرنسيّة بعدما فقدت الكثير من حضورها وفاعليّتها، سواءً في الداخل الفرنسيّ أو خارجه؟

 

المبحث الثاني: الاستعمار لنصرة المرأة في الشرق

من المعطيات التي تستوقف الباحث في تنقيبه عن الذي جعل حجاب المرأة على هذا القدر من الاستهداف، تلك التي تربط ما بين حركة الاستعمار الغربيّ وبين حماوة الحديث عن إنقاذ المرأة الشرقيّة مما تعانيه من ألوان القهر والتهميش. فهذه الحميّة الغربيّة برزت بقوّة منذ القرن التاسع عشر، أي في الفترة التي بدأ الشرق الأوسط يدخل عصر الاستعمار. ويبدو أنّ كثرة الحديث عن هذا التلازم هو ما دفع العديد من الباحثين إلى القول، بأنّ تحرير المرأة كان من المسوّغات الأساسيّة لغزو بلاد الشرق الأوسط واستعمارها.

وهنا، لا بدَّ من التوقّف قليلًا أمام أكثر الجهات التي ساهمت في صياغة الأفكار الغربيّة عن الإسلام ومجتمعاته، والتي مكّنت النخب الاستعماريّة بأدوات تبريريّة لشنّ غزواتها الاستعماريّة تحت لافتة

جلب الحضارة لتلك المجتمعات بوصفها أمم متخلّفة. فقد برع «الاستشراق» في إقناع الأوروبيّين على أنّهم يتربّعون فوق قمّة الحضارة، فالشرقي أصيل في دونيّته وهو يحتاج إلى الغربيّ حتى يمنحه الحضارة.

لقد صارت الأفكار الاستشراقيّة مواد تعليميّة تنهل منها شعوب الغرب فتزداد شعورًا بالتفوّق والتميّز والعظمة، كما تنهل منها شعوب الشرق فيزداد شعورها بالدونيّة والتخلّف. والأدهى من ذلك، أنّ هذه الأفكار فرضت المسار الغربيّ بوصفه النموذج الأمثل الذي لا مجال أمام الشعوب التوّاقة إلى التقدّم إلّا سلوكه بكلّ دقّة ومطواعيّة.

سبق أن قالها أحد ضباط الاستعمار الفرنسيّ عام 1846، إنّ الأمر الأساس الذي يمكن أن نفعله هو أن نجعل من الشعوب المستعمرة قابلة للسيطرة، بالقبض على عقولهم بعدما أحكمنا قبضتنا على أجسادهم، وقد تمّ ذلك بنجاح، عن طريق استقدام التعليم الأوروبيّ، فأهل الشرق الذين أخذوا بسطوة الغرب - الاقتصاديّة والعسكريّة- سيجلسون إلى الغربيّ ويتعلمون منه الأفكار التي صاغها الاستشراقيّون.

جعلت إحدى أطروحات الاستشراق، من الحجاب السبب الأساس لتقديم المرأة الشرقيّة بمكانة متدنيّة إلى جانب عزلتها في بيئة خاصة للحريم، وخضوعها لتشريعٍ إسلاميٍّ يبيح تعدّد الزوجات. وقد عبّرت جملة المستشرق «ويلسون» عن هذه الرؤية، بقوله، عن مشاهداته في بلاد مصر وفلسطين في العام 1823: «تبدو الزوجات في هذا الركن من العالم في حالة أسر تامَّة، فهنّ إماء أزواجهنّ، ولا يُسمح لهنّ برؤية أحد إلّا أفراد عائلاتهن وأقاربهن، وإذا حدث وظهرن في الشوارع، فإنّ وجوههنّ تكون مغطّاة تمامًا بالحجاب» [1].

[1]  William Rao Wilson, Travels in Egypt and the Holly Land,1823,quoted in Mabro,Veiled Half-Truths, p.197. (من كتاب نظرة الغرب إلى الحجاب) وها هي الرحّالة الألمانيّة «إيدا فون هنهان» تكتب في رسالةٍ إلى أخيها عن واحدة من السلوكيات التي ألبست زورًا بأنها من معالم المجتمعات المسلمة، والتي تعرف بجناح الحريم، قائلة: «أمرٌ مرعب بالنسبة لي أن أرى هذه الكميّة من الإناث المتوحشات»، وتابعت، «أُفضّل رؤية قطيع من البقر أو الغنم، لأنّ جناح الحريم ينزل بالمرأة إلى مستوى الحيوان» [1].

يشعر القارئ وهو يتابع كتابات الرحّالة الغربيّين عن الشرق بهذه الرغبة المرَضيّة في نزع صفة الإنسانيّة عن الآخر، وهي رغبة مازالت حاضرة بقوّة في كتاباتٍ غربيّةٍ عن النساء المسلمات، وفي الخطاب الإعلاميّ السائد، وهي رؤية تدخل في إطار أكبر: شرح النزعة الكولونياليَّة[2] التي سبق «لإدوار سعيد» أنّ فضح عنفها الرمزيّ ورفضها المرضيّ للمختلف والمغاير.

منذ أن حكم مصر أحد كبار رجالات الاستعمار البريطانيّ، المندوب الساميّ «اللورد كرومر»، ولمدّة ربع قرن، أي منذ بداية الاحتلال عام 1882 إلى حين استقالته في العام 1907، راح يرفع لواء الدعوة إلى الحداثة، فهو صاحب نظريَّة «التحديث في الإسلام» التي نشرها في كتاب له يقع في مجلّدين، بعنوان «مصر الحديثة».

تنكشف حقيقة الادعاء البريطانيّ من أداء «كرومر» نفسه، فهو في بلاده الإنجليزيّة عضوًا مؤسسًا ورئيسًا لجمعيّة الرجال المعارضة حق المرأة في الانتخابات، إلّا أنّه عندما حكم مصر، كثيرًا ما عمل على تحرير المرأة المصريّة، من خلال تشجيعها على السفور ومهاجمة الحجاب بشكله الذي كان سائدًا، وتعدّد الزوجات

[1] رشيد بوطيب، الجدل حول الحجاب في أوروبا - حقد على الحجاب أم تاريخ منسيٌّ للمرأة الغربيَّة؟ مقال نشر عام 2011 على موقع قنطرة الألماني.

[2] تُعَرّف (الكولونياليّة) بمعنى (الهيمنة والسّيطرة) لدولةٍ ما على أراضي دولٍ أخرى وشعوبها، وقد درجتْ التّرجمات العربيّة على توصيفها (بالاستعمار والاستعماريّة).

والطلاق، وكل هذه الأشياء المتخلّفة، برأيه.

إنّ واحدة من التفسيرات التي تُقدَّم حول هذه الازدواجيّة، ذكرتها الباحثة الغربيّة «كاثرين بولوك» في كتابها عن نظرة الغرب إلى الحجاب، حيث تقول: «إنّ المندوب الساميّ البريطانيّ (كرومر) كان يجاهر بأنّ إقامة الأوروبيّ في مصر لها غاية واحدة وهي جني المال»، ولأنَّ المستعمرون يظنّون بأنَّ الشرقيّ كسول بطبعه وغير منتج وغير عقلاني وما إلى ذلك، فقد كان من الضروريّ تعليم الأساليب الأوروبيّة لأهل هذه البلاد، والبداية من النساء، لما لهنّ من أثر بالغ على أزواجهنّ وأطفالهنّ [1].

أمّا الباحثة «ليلى أحمد» فقد كان لها تحديدٌ صريحٌ وواضحٌ لمعنى «الأساليب الأوروبيّة» بقولها [2]: إنّ الأفكار الغربيّة تُستخدم أساسًا للتبرير الأخلاقي للهجوم على المجتمعات المحليّة، ولتدعم فكرة التفوّق الشامل لأوروبا. فالإستراتيجيّة الغربيّة واحدة، مفادها: علّموا المرأة في الشرق كيفيّة غرس الفضائل الغربيّة المسيحيّة في أطفالها، فيتقدّم المجتمع.

 

إنّ الأوروبيّون على اختلافهم، رجالًا ونساءً، مستعمرين أو سيّاحًا، فنانين أو مبشّرين، باحثين أو سياسيّين، قد أجمعوا في ذاك الزمن على رأي واحد يستند إلى قاعدة فكريّة تقول: «لا يمكن أن ترقى شخصيّة المرأة المسلمة بتعاليم غير التعاليم المسيحيّة، وما دامت المرأة تقبل حكم القرآن أساسًا لإيمانها، فإنها لن تتردّد في الإذعان إلى الحياة المشوّهة التي يحكم بها عليها» [3].

[1] كاثرين بولوك، نظرة الغرب إلى الحجاب، ترجمة شكري مجاهد - دار العبيكان, الرياض 2011، ص76.

[2] كاثرين بولوك، نظرة الغرب إلى الحجاب، المصدر نفسه، ص77.

[3]  Mabel Sharman Crawford, Through Algeria,1863,quoted in j. Marbo(ed),Veiled Half-Truths: Western Travellers “ Perception of Middel Eastern Women( London: I,B.Tauris,1991),P182.

إذًا، النظرة الغربيّة في فهمها لمسألة الحجاب، إنّما ترتكز على معطى استشراقي يشير إلى أنّ السلوكيّات الخاطئة التي تُمارس بحقّ المرأة المسلمة، إنّما تستمدّ مشروعيّتها من تعاليم الدين الإسلاميّ، وبالتالي، فإنّ المدخليّة الأساس لتحرير المرأة هي في إقناعها بأنّ القرآن بوصفه الدستور الإلهيّ لدى المسلمين هو من يقف خلف كلّ ما تعانيه من ظلم وقهر وتهميش، وعليها، أن تنزع الحجاب عن رأسها وتلفّ به القرآن لتحجب تعاليمه وتفعل فعلها في الحياة الاجتماعيّة. وهذا ما أوصى به رئيس الوزراء البريطانيّ «وليم غلادستون» عام 1894، بأنّ الأوضاع لن تكون جيّدة في الشرق، حتى نزيل الحجاب عن النساء ونغطّي به القرآن.

 

إنّ أولى الخطوات التي مورست لتنفيذ هذه الاستراتيجيّة كانت في دفع المرأة الشرقيّة للتخليّ عن دينها، وهذا ما يؤكّده «زويمر» المبشّر الشهير في الشرق الأوسط، حيث أشار إلى أثر الأمّهات على أطفالهنّ، بنين وبنات، ولأنَّ النساء هنّ العنصر المحافظ في الدفاع عن دينهنّ، فإنّنا نؤمن بأنّ الهيئات التبشيريّة ينبغي أن تولي اهتمامًا بالعمل مع النساء المسلمات، فهذا من شأنه أن يسرّع في تنصير بلاد المسلمين[1].

لقد حدد «الأب أيروت» أحد مؤلّفي كتاب «أخواتنا المسلمات» - وهو يسوعيّ عمل في ريف مصر في مطلع القرن العشرين- بأنّ التعليم والتربية والتوجيه، وخاصة للنساء، هو المدخليّة لإعادة بناء المجتمع المصريّ، فمن خلال المدارس الإرساليّة للبنات، يمكن هدايتهنّ للمسيح، وإذا كسبت البنات للمسيح فستكسب مصر كلّها للمسيح[2]. وتقول الباحثة «ليلى أحمد»: «إنّ معلمو المدارس الإرساليّة راحوا يقنعون البنات على تحدّي أولياء أمورهن، وذلك بعدم ارتداء الحجاب»[3].

[1]  كاثرين بولوك، نظرة الغرب إلى الحجاب، مصدر سابق، ص77.

[2]  Van Sommer and Zwemer, Our Moslem Sisters, p59.

[3]  Ahmed, Women and Gender in Islam, p154.

 

الإشارة في هذا السياق، إلى دهاء مارسه الاستشراق ببراعة، حين حصر نظرته للإسلام، بناءً على ممارسات شهدتها المجتمعات الإسلاميّة في عصور لاحقة على عصر النبوّة، بالرغم من اختلافها عن الذي كان قائمًا في ظل عهد النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله)، سيّما، لجهة التعامل مع المرأة على وجه التحديد.

إنَّ ما جرى لاحقًا، حدث بفعل الالتباس الثقافيّ بالدينيّ، وتفشّي الترف وكثرة الجواري، والاختلاط مع أجناس غير عربيّة، ومحاكاة نظمها الإداريّة والاجتماعيّة؛ هو ما أدّى في نهاية المطاف إلى تهميش وتغييب المرأة، ودفعها للانزواء داخل بيتها وحصر كل اهتماماتها داخله، وتخلّيها عن أيّ اهتمامات أو أعمال يمكن أن تُمارس خارجه؛ وهذا ما يعني أن التغيّرات المجتمعيّة في المجتمع الإسلاميّ هي التي أدّت إلى تقسيم العمل على النحو الذي نعرفه (داخل البيت وخارجه)، وإلى إفراز تلك الصورة النمطيّة المختزلة عن المرأة، ولا يعني شيوع تلك الصورة وتاريخيّتها أنّه يعبّر عن حقيقة التشريع الإسلاميّ بل يعبّر عن ثقافات تتّفق وتختلف مع التشريع.

في ظلّ هذا الواقع، راح «محمد علي باشا» يعمل لتأسيس دولة مصر الحديثة (1805-1848)، فشهد عهده تطورًا في العلاقات الثقافيّة بين مصر وفرنسا وعموم أوروبا، وتمّ إرسال بعثات من الطلاب المصريّين إلى فرنسا تحت عنوان دراسة الحضارة والمدنيّة والتمدّن. فأنتج ذلك نخبًا من بلاد الشرق كان لاحتكاكهم بالأفكار والسلوكيّات الغربيّة، تأثيراتها الواضحة على مخرجاتهم المعرفيّة وأدائهم في مجتمعاتهم.

منهم من تعرّف على نفسه من خلال عدسات الاستشراق، فجاهر بموافقته على التشخيص الأوروبيّ لمشاكل الشرق المتردّي، وقبوله ما يقدّمه من علاج، حيث يرى

الكاتب المغربيّ «رشيد بوطيّب» أنّ القراءات المغلوطة حول الحجاب قد ساهم في خلقها آراء لشخصيات تغرّبت عن ثقافتها وهويّتها العربيّة والإسلاميّة، ومكّنتها الميديا والنخب الغربيّة من أن تسجل لها حضورًا إعلاميًّا قويًّا[1]. وقال فيهم المندوب السامي البريطانيّ «كرومر»: إنّ هؤلاء هم حلفاء الأوروبيّون المصلحون، للحصول على مصر مستقلّة بالتدريج[2]. منهم على سبيل المثال، الكاتب القبطيّ المصريّ «مرقص فهمي» الذي كان صديقًا للمندوب الساميّ البريطانيّ، فطلب منه الأخير الكتابة عن قضايا المرأة، وكان له ذلك، من خلال نشره كتاب تحت عنوان (المرأة في الشرق) وذلك عام 1894، حيث هاجم فيه الحجاب الإسلاميّ، ودعا إلى خلعه، وحثَّ المرأة على الخروج من منزلها، والاختلاط.

كما نجد قراءات نقديّة لواقع المجتمعات الإسلاميّة كان لها تأثيرات مدويّة لا تزال تردّداتها إلى الآن، أوّل من كتب في ذلك، «رفاعة رافع الطهطاوي» في مؤلّفه الشهير «تخليص الإبريز في تلخيص باريس»[3] الذي صدر سنة 1834، حيث أشار فيه إلى قضيّة الحجاب

[1]  موقع قنطرة الألماني، رشيد بوطيب، الجدل حول الحجاب في أوروبا - حقد على الحجاب أم تاريخ منسيّ للمرأة الغربيّة؟، عام 2011.

[2]  موقع ساسة بوست، أحمد عامر، اللورد كرومر، مؤسّس مصر الحديثة، 2/3/2016.

[3]  هذا الكتاب ألّفه رفاعة رافع الطهطاوي عندما رشّحه الشيخ حسن العَطَّار إلى محمد علي بأن يجعله مشرفًا على رحلة التلاميذ إلى باريس في فرنسا ويرعاهم ويسجّل أفعالهم. نصحه مدير الرحلة الفرنسي بأن يتعلّم اللغة الفرنسيّة وأن يترجم مدوّناته في كتاب وقد ألّف عدّة كتب وقضى خمس سنوات في التدوين والترجمة في كتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريس». بقي الطهطاوي في باريس من 1324ه إلى 1347ه. ويعد هذا الكتاب أوفى مصدرٌ مباشرٌ لدراسة البعثة التعليميَّة المصريَّة التي أرسلت إلى باريس جامعًا عن باريس وصورة فرنسا في ذلك الوقت إذ أنَّه يحوي معلومات تاريخيَّة وجغرافيَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة فقد كان رفاعة الطهطاوى يشيد بما يعجبة وينتقد ما لا يعجبه ويعقد المقارنات بين أحوال فرنسا وأحوال مصر التي ينبغى إصلاحها.

والسفور والاختلاط كمقدّمة للحضارة والمدنيّة[1]. كما برز في هذا المجال إسم «قاسم أمين»، الذي سبق أن صاغ كتابه «المصريّون» عام 1894، والذي كان فيه مدافعًا شرسًا عن حجاب المرأة وعن عدم اختلاطها بالرجال، وبأنّها لا تعاني من مشكلة تستحقّ التغيير.

لكن بعد عودة «قاسم أمين» من إتمام دراسته في فرنسا، صار من أكثر الدعاة إلى تحرير المرأة وخلاصها من الموروثات التي تعيق تطورّها وتقدّمها، فأصدر كتابه الثاني عام 1899، تحت عنوان «تحرير المرأة»، وأتبعه عام 1900، بكتاب آخر بعنوان «المرأة الجديدة».

يلاحظ هنا حجم التغيير الذي أحدثه «أمين» في رؤيته لواقع المرأة في الشرق، إذ صارت أفكاره تتقاطع ببعض جوانبها مع تشخيصات غربيّة. فبينما كان يدافع عن المجتمع الانفصاليّ ويراه تنفيذًا لتعاليم الدين، أخذ يهاجم هذا الشكل من الانفصال لأنّه يحول دون قيام المرأة بواجباتها ومهمّاتها في الحياة[2]. كما انتقد «أمين» التصوّر الخيالي لمسألة الذكوريّة في المجتمعات الشرقيّة، إذ قال: «إنّ السلطة في البيت المصريّ في يد المرأة لا الرجل، فما الرجل إلّا ما ربّته أمّه عليه، ومن المستحيل تربية رجال ناجحين من دون أمّهات قادرات على تربيتهم ليكونوا ناجحين»، ومن أجل جعلهن قادرات قال «أمين»: «إنّ الحجاب حاجز ضخم بين المرأة ورقيّها، ومن ثم بين الأمّة وتقدّمها».

تجدر الإشارة هنا إلى التباسٍ حاصلٍ لجهة موقف «أمين» من الحجاب المعيق لتقدم المرأة وتطوّرها، فهو بحسب ما ذكره الباحث «محمد عمارة» في كتابه عن أمين، أنّه لم

[1] محمد اسماعيل المقديم، عودة الحجاب، دار طيبة للنشر والتوزيع، القاهرة، ط 10، مجلد1، 2006، ص 11 - 20.

[2]  محمد عمارة، أعلام 6 عن قاسم أمين وتحرير المرأة، دار الوحدة, بيروت 1985، ص76.

يرفض الحجاب بالمطلق بل طالب بالعدول عن الشكل السائد في حينه، حيث كان يغطّي المرأة بالكامل، بما فيه وجهها والكفّين، والذي وصفه «أمين» في كتابه «تحرير المرأة» أنّه مجرد موروث اجتماعيّ لا يستند إلى نصّ تشريعيّ يوجبه على هذا الشكل، فالحجاب الشرعيّ بنظره هو الذي يستر جسم المرأة ومفاتنها، عدا الوجه والكفّين.

أمّا ابنة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في الجمهوريّة اللبنانيّة «نظيرة زين الدين» التي تلقّت علومها وجانب من نشأتها في إرساليّات متعدّدة في بيروت، أصدرت كتابها بطبعته الأولى عام 1928، تحت عنوان «السفور والحجاب» تقول فيه: إنّ الأمم التي نبذت الحجاب، أمم راقية في العقل والمادّة، رقيًّا ليس للأمم المتحجّبة مثله. فالأمم السافرة هي التي اكتشفت بالبحث والتنقيب أسرار الطبيعة، وسخّرت لإرادتها العناصر، أمّا الأمم المتحجّبة فلم تكتشف سرًّا، ولم تسخّر لإرادتها عنصرًا، وإنّما تتغنّى بمجدٍ مضى، وتقليدٍ لها قديم[1]؛ وحقيقة ما تقصده بالمتحجّبة سيتمّ تناوله في المبحث الأخير من هذه الدراسة.

ظهرت عام 1928، الملكة الأفغانيّة «ثريّا» علنًا دون حجاب، بينما كان الملك يدعو إلى إلغاء الحجاب. ولاحقًا حظر أحد ملوك إيران «رضا شاه» الحجاب رسميًّا عام 1936، وظهرت زوجاته دون حجاب علنًا، ومُنع موظفو الحكومة من دخول السينما إذا كانت زوجاتهم يرتدين الزيّ التقليديّ «التشادور». كما قرّر غرامة على سائقي التاكسي إذا قبلوا ركوب المحجبات. وأكّد الشاه مرَّة أخرى في خطبه، على ضرورة أن تحمل النساء راية الحضارة الحديثة، لأنّهنّ سيكنّ مربّيات الجيل القادم. وقد تمّ تنفيذ الحظر بصرامة على يد الشرطة التي تلقت تعليمات بتمزيق حجاب أي امرأة بالمقص إذا

[1]  نظيرة زين الدين، السفور والحجاب، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت 2011، ص131.

ضُبطت مرتديةً للحجاب في مكان عام[1].

إلى جانب ذلك، بدأت تنمو ظاهرة الجرائد والصحف المحليّة، التي تدعم الأفكار «الإصلاحيّة»، وتُقدِّم دعاتها بوصفهم رموزًا للتنوير، منها على سبيل المثال لا الحصر، جريدة «المقطّم» التي صدرت في القاهرة (1888 - 1952)، على يد يعقوب صرّوف وفارس نمر وشاهين مكاريوس؛ تعاقب على رياسة تحريرها فارس نمر، وخليل ثابت، وكريم ثابت، وأنطون نجيب مطر. وجريدة «الجريدة»، التي دعت للسفور وخلع الحجاب، ومن خلالها راجت الآلاف من المقالات والأبحاث التي تزعم أن الحجاب ظاهرة اجتماعيّة وسلوك غير نصّي، وأنّ الأدلّة القرآنيّة لا تؤيّد كونه فريضة، في حين أنّ النصوص التراثيّة من السنّة النبويّة لا تنهض بكونه فريضة وأنّها ضعيفة السند وما شاكل. كما أنّ أوّل مجلّة نسائيّة صدرت في مصر أسّسها مسيحي سوري عام 1892، أكّد في افتتاحيّتها الأولى، التزامها بدفع المرأة المصريّة لتتقدّم في الطريق الذي اختارته النساء الأوروبيّات[2].

ويروي بعض الكُتَّاب والمؤرّخين المصريّين أنّ المستعمر البريطانيّ «كرومر» أنشأ حزب الأمّة، برئاسة «لطفي السيّد»، وتمّ إنشاء هذا الحزب الإنجليزيّ لمناهضة الحزب الوطنيّ، حزب مصطفى كامل، الثائر في وجه الإنجليز، المتمسّك بالقيم الإسلاميّة، والمناصر للحجاب، والمواجه الشرس ضد التغريب، والدعوة لخلع الحجاب[3].

 

كما اهتمّ «كرومر» كثيرًا في بالدعوات الإصلاحيّة التي قام بها بعض رجال الدين، واصفًا إيَّاها بضالّته المنشودة، لتمرير هدفه تحت عنوان «التحديث أو التجديد في الإسلام»، ويُنقل عنه أنّه قال: «لن يستطيع التغلّب على الإسلام، إلّا الإسلام الإصلاحيّ»[4].

[1]  Fatimah Givechian, Cultural Changes in Male-Fimale Relations, The Iranian journal of International Affairs,3,3,1991,p 526.

[2]  Ahmed, Women and Gender in Islam, p141.

[3]  أحمد عامر، اللورد كرومر مؤسّس مصر الحديثة، م.س.

[4]  أحمد عامر، اللورد كرومر مؤسّس مصر الحديثة، م.س.

 

المبحث الثالث: سرّ نعومة الاستراتيجيّة الأميركيّة

يجدر الاعتراف بأنَّ الغرب قد برع في تعامله مع مسألة المرأة، حين جعل منها محورًا أساسيًّا لتنفيذ سياساته، فالنيل من معتقدات المرأة ومنظومتها القيميّة، وما يحدثانه من انعكاسات على الأبناء والآباء، ستعمّ المجتمع كافّة، سيّما في المجتمعات التي تعدّ الأسرة ركيزتها الأولى.

لقد صارت قيم الحداثة والليبراليّة هي الموضوعات التي تستنفر الطاقات الأمريكيّة للترويج لها. وقد جاء هذا التحوّل إثر نقاشات جرت لعقود عدّة، بين تيارين في الثقافة الأميركيّة، حيث حُسمت لصالح تيّار الحداثة والليبراليّة بدل التبشير الدينيّ، في كلٍّ من، التعليم والتربية والإعلام والترفيه والتجارة والسياسة الخارجيّة[1].

[1]  للتوسع انظر: دراسة الجامعة الأمريكيّة في بيروت (AUB) والحرب الناعمة، إعداد مركز الحرب الناعمة للدراسات، بيروت،2017. وكذلك، كتاب بيتي أندرسون «الجامعة الأمريكيّة في بيروت القوميّة العربيّة والتعليم الليبرالي»، دار الأهلية للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 2014، ترجمة عزمي طبة.

فيما يتعلّق بالحجاب، تتمحور الاستراتيجيّة الأمريكيّة، حول فكرة أساسيّة مفادها، بأن لا جدوى من خوض الحرب مباشرة ضدَّه، فالمواقف المباشرة والحادَّة التي توجّهت للحجاب قد جعلت منه إشكاليّة كبرى اتّسعت مجالاتها في الإعلام وميادين الثقافة، حتى استقرّت في صلب الصراع بين الإسلام والغرب، لما تثيره من حفيظة لدى المجتمعات المسلمة.

إذ تدعو هذه الاستراتيجيّة، إلى تغلغل قيم الليبراليّة في المجتمعات المسلمة، والعمل على غرسها في عقول وقلوب المسلمات بصورة خاصّة، من خلال الترويج لمفاهيم اجتماعيّة جرى إعدادها بإتقان تحت لافتة «تمكين المرأة»، ولاسيّما، لجهة حريتها في اختيار نوعيّة اللباس والتجمّل والاستهلاك والسلوكيّات والآداب والضوابط القانونيّة، وأنّ النجاح في تحقيق ذلك، من شأنه الإسهام في تحجيم مكانة الحجاب في وعي المرأة المسلمة، والعمل على إزاحته عن مكانته بوصفه حارسًا من حرّاس هويّتها وما يتهدّدها من قيم وأفكار ومبادئ تتعارض معها إلى حدّ التناقض.

في الواقع، ليس من المبالغة القول، بأن الدعوات والجهود الأمريكيّة إلى «تمكين المرأة» وتقويتها وصولًا إلى المساواة الكليّة بالرجل، قد تلازمت مع انتشار نمط وأسلوب الحياة الأميركيّة والغربيّة بشكل عامّ، وفيما يعرّف الحجاب في القاموس الأميركيّ أنّه مجرّد غطاء للرأس هو أشبه بالقبّعة وهو جزء من هوية لها رمزيّة دينية لجماعة من الناس يعتنقون القيم والمفاهيم الأميركيّة ويسمّون بالمسلمين، فصار بالإمكان، لحاظ حجم انتشار المحجبات وهنّ يلبسن ويتزيّنّ بلباس وزيّ ليبراليّ لا يختلف إلَّا بغطاء الرأس، وحتى هذا الغطاء تمّ تزيينه بطريقة يتعارض مع ضوابط أقرّها الشرع الإسلاميّ.

لقد خرجت القوّة الناعمة الأميركيّة عن هدفيّة محاربة الحجاب كفريضة، ومن ثم استئصاله، ما دامت قد قبلت به الفتيات والنساء المسيحيات الأميركيّات. وهي بحسب تعبير المفكر «عبد الوهاب المسيري» قد ذهبت نحو ترويج القيم الليبراليّة في الفرديّة والعلمانيّة والنزعة الاستهلاكيّة وترويج قيم قطاع اللذّة (السينما، المجلات الإباحيّة، الشركات السياحيّة، صناعة الأزياء، الملبوسات، إلخ) وكل المنتجات التي بلغت بعدما بلغته من مقدرة على الإغواء وعلمنة ولبرلة «الوعي والذات والسلوك»، أو في ترويج المساواة الشاملة بين الرجل والمرأة من خلال مفهوم تمكين المرأة دون النظر إلى الفوارق بين الجنسين، ودون ترتيب أي آثار حقوقيّة وقانونيّة واجتماعيّة وتشريعيّة على هذه الفوارق.

لهذا، لا تمانع البراغماتيّة[1] الأميركيّة من بقاء غطاء الرأس، لكنّها لا تتهاون في الترويج للقيم النسويّة الخاصّة بالليبراليّة، فهذه البراغماتيّة لا تعارض تمسّك المسلمات بالحجاب كرمز دينيّ، ما دمن مشبعات بالقيم والأفكار الليبراليّة.

فقد عيّن الرئيس الأميركيّ السابق «باراك أوباما» سيّدة محجّبة من أصول مصريّة تدعى «داليا مجاهد» كمستشارة له في شؤون العالم الإسلاميّ. ومن جهتها، قالت المرشحة للرئاسة الأمريكيّة «هيلاري كلينتون» أنّها مع حرية المرأة في تحديد اللباس الذي تريده[2]. ولم تجد قناة BBC حرجًا من توظيف محجّبة لتقديم النشرات الإخباريّة والبرامج التلفزيونيّة والإذاعيّة،

[1] المذهب العمليّ أو فلسفة الذرائع أو العَمَلانِيَّة أو البراغماتيّة وهو مذهب فلسفي سياسيّ يعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد للحقيقة؛ رابطًا بين التطبيق والنظريّة، حيث أن النظريّة يتمّ استخراجها عبر التطبيق، نشأت هذه المدرسة في الولايات المتحدة في أواخر سنة 1878. والبراغماتيّة اسم مشتّق من اللفظ اليونانيّ: براغما ومعناه العمل.

 

[2]  جريدة الرياض، هيلاري تؤّيد حريّة المرأة في ارتداء الحجاب، دبي- علي القحيص، بتاريخ 16/1/2016.

وكذلك باتت سلسلة مطاعم مكادونالد وKFC توظّف فتيات مسلمات يضعن الغطاء على الرأس، بشرط أن يلبسن الزيّ الخاصّ بالمطعم، ويتعاملن مع الزبون وفق مقتضيات الجذب. وأيضًا لا تمانع الجامعات الأميركيّة من دخول المسلمات إلى الجامعات للدراسة، لا بل صارت ترحّب بهنّ، لأنَّه سَيُتاح لها تمرير القيم الليبراليّة إلى عقول وقلوب المحجَّبات، ولا يهمّ بعدها التوقّف عند لباس الرأس.

إنّ العلمانيّة بحسب النموذج الأمريكيّ، هي الفصل التامّ بين الدين والدنيا، وهذا ما صاغه الرئيس الأميركيّ جيفرسون بقوله: «هناك فصل بين الطقوس الدينيّة والتقاليد الخاصة بالأديان والمؤسسات الدينيّة (الحجاب من بينها) وبين نمط الحياة الدنيا ومؤسّسات الدولة والعلوم الاجتماعيّة والسلوكيّات والقيم الملازمة». وهو بذلك يرى، بأن لا تعارض بين التزام المرأة المسلمة بهذه القيم والسلوكيّات المدنيّة، وبين وضعها لغطاء الرأس، وهذا هو نموذج «الإسلام الأميركيّ» حسب تعبير الإمام الخمينيّ{.

على سبيل المثال، أصدرت هوليوود فيلمًا عام 2014، بعنوان «أميرة وسام»[1] يتحدّث عن لاجئة عراقيّة تقع في حبّ جنديّ أميركيّ حاول مساعدتها للبقاء في أميركا، وفيما تحاول الممثلة «أميرة» المحافظة على غطاء رأسها طوال الفيلم، لكنّها في الوقت نفسه كانت ترتدي ألبسة لا تراعي الاحتشام وتتصرّف في حياتها كما لو أنها غير محجّبة.

كما كشفت مؤخّرًا الوثائق التي نشرتها ويكيليكس عام 2010، عن معطيات حول جهود تبذلها السفارات الأميركيّة بالتنسيق مع قنوات خليجيّة لضخّ البرامج والمسلسلات التي تؤدّي إلى إحداث تغيّر اجتماعي في البنية العامّة لثقافة المجتمعات المسلمة من خلال ضخّ القيم الغربيّة عبر ما يتوافر لديها من قوى ناعمة[2].

كما تسرد برقيّة صنّفت تحت خانة «سرّي» مؤرّخة في 11 أيار 2009، عن مجريات

[1]  موقع العربية، «أميرة وسام» فيلم عن معاناة اللاجئين العرب، 24/1/2015.

[2]  قناة الجزيرة، الدراما الأميركيّة تغير المجتمع السعودي، 19/12/2010.

لقاءات بين دبلوماسيّين ومسؤولين إعلاميّين في السفارة الأميركيّة من جهة، ومسؤولي تحرير ومديري قنوات تلفزيونيّة سعوديّة من جهة أخرى، لمناقشة التوجّهات الأيدولوجيّة وإجراءات وزارة الداخليّة السعوديّة ضد الصحفيّين الذين لا يلتزمون بالتوجّهات الجديدة التي اعتمدها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز.

تحدّث في هذه اللقاءات، أشخاص- حُذِفت أسماؤهم وبقيت صفاتهم- عن أهميّة الدور الذي تلعبه البرامج والمسلسلات الأميركيّة المدبلجة التي تبث على قنوات «أم بي سي» السعوديّة في تغيير توجّهات وثقافة المجتمع السعودي، بطريقة عجزت عنها الدعاية المباشرة التي تنتهجها قناة الحرّة الأمريكيّة وماكينات الدعاية الأميركيّة.

وبحسب أحد المتحدّثين السعوديّين، فإن البرامج الأميركيّة التي تبث على قنوات «أم بي سي» هي الأكثر شعبيّة بين السعوديّين، مثل، ربات بيوت يائسات (House wives (Desperate وبرنامج أصدقاء (Friends) لـ«ديفد ليترمان»، والتي تبثّ - مع ترجمة بالعربيّة - إلى الشعب السعوديّ.

يتّضح من دراسة الحالة السعوديّة في تعاملها مع برامج التلفزيون ومسلسلاته، كيف تعمل القوّة الناعمة الأمريكيّة على دفع المرأة تدريجيًّا نحو تغيير ثقافيّ اجتماعيّ قيميّ سلوكيّ، يبدأ باللاوعي ويصل إلى الدفع نحو اختيار الموضة والأزياء التي يريدها الغرب تحت تأثير أدوات التسويق الإعلاميّ التي تعزّز من سريان روح الاستهلاك والشراء بدون وعي عبر ثلاثيّة الإعلانات المؤلّفة من «قوّة التسويق العصبيّ» و«قوّة العلامات والماركات التجاريّة» و«جاذبيّة وسحر الإعلانات»[1].

[1] مارتن ليندستروم، دوافع الشراء، حقائق وأكاذيب، الدار العربيّة للعلوم ناشرون، 2010، ط1.

بناءً على ما تقدّم، يمكن تحديد عناصر الاستراتيجيّة الأميركيّة الناعمة لجهة الحجاب، بالآتي:

 

1. إحداث تغيير تدريجيّ اتّجاه قيم تتعلّق بالحجاب والعفّة والحشمة والاختلاط.

 

2. الترويج لأدبيّات ومعايير تربط ما بين تمكين المرأة وحرّيّتها في اختيار الملبس.

 

3. جذب عقول وقلوب الفتيات المسلمات نحو قيم الغرب وأنماط حياته.

 

4. التسويق لحجاب ليبرالي تحت مسمى «المسلمة العصريّة».

 

5. بثّ روح الاستهلاك لتصاميم وملبوسات غربيّة.

 

يبدو جليًّا، حجم النعومة الأميركيّة في التعامل مع مسألة الحجاب، قبالة الخشونة الفرنسيّة التي بدت بقوانينها المناهضة للحجاب بشكل مباشر من دون مواربة. فمن جهة أميركا، لقد حُسِم الصراع حول مفهوم العلمانيّة على أنها «علمانيّة حياديّة» تقوم على احترام رموز الدين في المجتمع مع فصله الوظيفيّ عن مؤسّسات الدولة، وعدم محاربة الدين بوصفه هويّة ومؤسّسة دينيّة أو اجتماعيّة خاصّة، وفي ضوئه قبلت الدولة الأميركيّة لباس المحجّبات المسيحيّات والمسلمات في المجتمع والمؤسّسات الأميركيّة كمواطنين في دولة متساوين في الحقوق، لا كأعضاء في أديان تطالب بالمشاركة في السلطة ووظائف الدولة من منظور دينيّ.

 

إنّ إحدى التفسيرات التي تُعطى للسلوك الأمريكيّ هذا، أنّه عائد بجذوره إلى عدم احتدام الصراع بين مؤسّسة الكنيسة والدولة الأميركيّة كما يقول «أليكسي دي توكفيل» في كتابه «الديمقراطيّة في أميركا» حيث لم تشارك الكنيسة البروتستانتيّة في أيّ صراع مع الدولة الأميركيّة،

وانسجمت مع الثورة الأميركيّة. خلافًا للكنيسيَّة الكاثوليكيَّة الفرنسيَّة التي اصطدمت بقوّة مع الثورة الفرنسيَّة، لأنَّها كانت صاحبة سلطة شاملة دنيويّة وزمنيّة ودينيّة[1].

 

كما يساعد «عبد الوهاب المسيري» صاحب نظريّة التمييز ما بين «العلمانيّة الجزئيّة والعلمانيّة الشاملة»، على فهم أعمق للموقف الأميركيّ من قضيّة «الحجاب»، وتاليًا فهم آليّات القوّة الناعمة الأميركيّة، التي تستخدم آليّات المجتمع الغربيّ الحديثة للتحويل الثقافيّ بدل القهر وفرض القيم، مثل «التطبيع» و«التحييد» و«التعاقديّة» و«العقل الأداتيّ» و«التسلّع» و«التشيّؤ» و«الاغتراب» و«نهاية التاريخ» و«الاستنارة المظلمة» و«اللامعنى».

 

دائمًا ما يشير «المسيري» إلى ما يسمّيه «العلمنة البنيويّة الكامنة» لوصف ما يتصوّر أنّه أهمّ أشكال العلمنة وأكثرها ظهورًا وشيوعًا، والتي تتسرّب لنا، وتتغلغل في وجداننا، دون أي شعور من جانبنا، من خلال منتجات حضاريّة يوميّة وأفكار شائعة وتحوّلات اجتماعيّة تبدو كلّها بريئة أو لا علاقة لها بالعلمانيّة أو الإيمانيّة.

 

على سبيل المثال، سلعة التِّيشيرت T-Shirt  الأكثر شيوعًا وأبسطها، التي يرتديها أي طفل أو رجل قد كتب عليها ترويج لمنتج أمريكيّ «اشـرب كوكاكولا». فإن الرداء الذي كان يُوظَّف في الماضـي لسـتر عورة الإنسان ولوقايته من الحر والبرد، وربما للتعبير عن الهويّة، قد وُظِّف في حالة التِّيشيرت بحيث أصبح الإنسان مساحة لا خصوصيّة لها غير متجاوزة لعالم الحواس والطبيعة/ المادّة. ثم تُوظّف هذه المساحة في خدمة شركة الكوكاكولا (على سبيل المثال) وهي عمليّة توظيف تُفقد المرء هويّته وتحيّده بحيث يصبح منتجًا بائعًا (الصدر كمساحة) ومستهلكًا للكوكاكولا (هذا مع

 

 

 

 

 

[1]  غي هارشير، العلمانيَّة، مكتبة بغداد، المؤسَّسة العربيَّة للتحديث الفكريّ، ط1، 2005، ص 111 - 113.

العلم بأنَّ الكوكاكولا ليست محرّمة فهي حلال)، أي أنَّ التِّيشيرت أصبح آليّة كامنة من آليّات العلمنة إذ حوّلت الإنسان إلى مادّة استعماليّة، ومع هذا لا يمكن القول بأنَّ الكثيرين يدركون ذلك[1].

 

كما تحدّث المسيري عن ما سمّته «إحداهنّ مؤخّرًا بالـ «الإغراء الراقي» ممّا يدلّ على عمقها الفكريّ الذي لا يمكن أن تسبر أغواره. أليس هذا أيضًا علمنة للوجدان والأحلام إذ تحوَّلت النجمة إلى مصدر للقيمة وأصبح أسلوب حياتها هو القدوة التي تُحتذى، وأصبحت أقوالها المرجعيّة النهائيّة. وقد يكون وصف أقوال هذه النجمة بأنّها منافية للأخلاق أو للذوق العامّ وصفًا دقيقًا، ولكنّه مع هذا لا يُبيِّن الدور الذي تلعبه النجمة وأفكارها في إعادة صياغة رؤية الإنسان لنفسه وتَصوُّره لذاته وللكون بشكل غير واعٍ، ربما من جانبها ومن جانب المتلقي معًا»[2].

 

إنّ بعض المنتجات الحضاريّة التي قد تبدو بريئة تمامًا ومجرّد تسلية مؤقّتة تؤثّر في وجداننا وتُعيد صياغة رؤيتنا لأنفسنا وللعالم، إذ إنّ أولئك الذين يرتدون التِّيشيرت، ويشاهدون الأفلام الأميركيّة (إباحيّة كانت أم غير إباحيّة) ويسمعون أخبار وفضائح النجوم ويتلقّفونها، ويشاهدون كمًّا هائلًا من الإعلانات[3] التي تغويهم بمزيد من

 

 

 

[1]  موقع قناة الجزيرة، عبد الوهاب المسيري، بين العلمانيّة الجزئيّة والشاملة، 8/2/2007.

 

[2]  عبد الوهاب المسيري، بين العلمانيّة الجزئيّة والشاملة، مصدر سابق.

 

[3]  لتصوير أثر الإعلام على المجتمع الإنسانيّ، يكفي أن نذكر الإعلام الموجّه إلى الإنسان - بوسائله وأساليبه العديدة والمتنوّعة- والذي لا يتوقّف في أيّ لحظة من لحظات النهار والليل، فالتلفزيون بقنواته المحليّة والفضائيّة العربيّة والأجنبيّة حاضر على مدار الساعة، والإذاعات لا تكفّ عن بثّ إرسالها لتصطحب الإنسان أينما ذهب، وأمّا صحف الصباح، والمجلّات فهي تعرض في الأماكن الرسميّة والعامّة وعلى جانبي الطرقات، حاملة معها شتّى أنواع الأفكار والمعلومات، وإذا خرج الإنسان إلى الشوارع الرئيسة لاحقته ملصقات ورقيّة، ولوحات إلكترونيّة عملاقة، هذا إلى جانب عروض السينما والمسرح ذات الأهداف المتباينة، والمحاضرات، والندوات، والمعارض. وأمَّا في الوقت الراهن فإن الإنترنت والإعلام الجديد بوسائله المتطوّرة والمتنوّعة فهو عالم قائم بذاته وهو وسيلة جامعة لكلّ عناصر العمليّات الإعلاميّة، بأساليبها ومضامينها وأهدافها وغاياتها، والأهم أنّه يلاحق الإنسان بل ويلازمه أينما ذهب أو يمّم وجهه.

 

 الاستهلاك، ويهرعون بسياراتهم من عملهم إلى محلّات الطعام الجاهز، وأماكن الشراء الشاسعة، يجدون أنفسهم يسلكون سلوكًا ذات توجُّه علمانيّ شامل ويستبطنون عن غير وعي مجموعة من الأحلام والأوهام والرغبات التي في جوهرها علمانيّة شاملة دون أيّ دعاية صريحة أو واضحة[1]؛ إنّ الإنسان في هذا العصر لا يأوي إلى فراشه، قبل أن يقرأ ويسمع كمًّا هائلًا من المعلومات والمشاهد التي تعرض أفكارًا واتجاهات وفنونًا ودعايات، تستهدف كلّها شدّ انتباهه وتوجيهه نحو هدف من أهدافها، وهي تحاصره حصارًا محكمًا لا سبيل إلى الإفلات منه، حصارًا لم يشهده الإنسان في أي عصر[2].

 

وربما كان بعضهم لا يزال يقيم الصلاة في وقتها ويؤدّي الزكاة، ونظرًا لعدم إدراكه لأشكال العلمنة البنيويّة الكامنة هذه، فإنّه لا يرصدها. ولذا، يُخفق هذا البعض في تحديد مستويات العلمنة الحقيقيّة. وعلى هذا، فقد يُصنَّف بلد ما كونه بلدًا مسلمًا مع أن معدّلات العلمنة فيه قد تكون أعلى من بلد دستوره ليس بالضرورة إسلاميًّا، ولكن معظم سكّانه لا يزالون بمنأى عن آليّات العلمنة البنيويّة الكامنة التي أشرنا إليها.

 

 

 

 

 

[1]  عبد الوهاب المسيري، بين العلمانيّة الجزئيّة والشاملة، مصدر سابق.

 

[2]  الإعلام في القرآن، ص36، بتصرّف.

 

 

 

 

إنّ سياقات البحث في موضوع الحرب على الحجاب، تأخذ بيد الباحث نحو واحدة من أكثر الظواهر انتشارًا وتوسّعًا في المجتمعات الإسلاميّة، هو اللباس الذي بلغ حدّ يمكن وصفه بالسفور المقنّع، والذي يعني خروج المرأة إلى غير محارمها بزيّ تستر فيه جسدها وشعرها، لكنَّها تبرز بعض مفاتنها أو أغلبها.

 

يوافق بهذا المعنى والوصف ما يبتكره عالم الموضة في سعيه لجعل المرأة أكثر إغراءً وجاذبيّة، ما يحيل جسدها ليكون شأنًا عامًّا أكثر منه خاصًّا بها، ولكي يستحوذ على اهتمام المحجّبات منهنّ، راح يقدّم هذا الشكل من اللباس بوصفه يحاكي تطلّعات المرأة العصريّة، وأطلق عليه تسميات عدّة، مثل، الحجاب المودرن.

 

كما وهو بهذا المعنى، يخالف فلسفة الحجاب في سعيه لتحرير

المرأة من الأهواء التي تنزلها عن مرتبة الحارسة لقيم الإنسانيّة ورفعتها. ووفقًا للتصوّر الإسلاميّ فإن للستر فلسفة خاصَّة تستند إليها «فلسفة العفاف»، وغايتها ليست ستر البدن فقط، وهو ما عبّرت عنه الآية الكريمة: ﴿وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرۚ﴾[1]. وفي هذا الإطار لا يعدّ الحجاب مجرّد زيّ تقليديّ، بل هو زيّ إسلاميّ، يحمل قيمة دينيّة، والتمسّك به يعني تمسّكًا بالتشريع الإلهيّ.

 

في الوقت الذي يمكن الجزم فيه بأنّ هذه الظاهرة من الحجاب هي إحدى نتاجات الاستراتيجيّة الأمريكيّة الناعمة، لكن ليس من دليل قاطع لتاريخ نشوء هذه الظاهرة، إنّما لوحظ توسّعها منذ عقدين من الزمن تقريبًا، حيث ينتشر هذا الشكل من الحجاب في معظم الأمكنة والجغرافيا العربيّة والإسلاميّة بشكل متوازٍ، من بلاد المشرق العربيّ إلى المغرب العربيّ وتركيا وإيران ودول آسيا. وبينما كان محطّ اهتمام الفئة الشابّة من الفتيات، بات مظهرًا لفئات عمريّة هي في مرحلة الرشد الاجتماعيّ، وأصبح محل حديث الناس ونقاش لدى الخبراء والباحثين.

 

تتقاطع المعطيات على تلازم حاصل بين الظاهرة وتنامي «العولمة» بأدواتها العابرة للقارّات والمجتمعات على اختلاف ثقافاتها. فالفضائيّات وشبكات الإنترنت جعلت المجتمعات تنفتح على بعضها، غربيّة كانت أم شرقيّة، مسيحيّة أم إسلاميّة، علمانيّة وليبراليّة أم محافظة، وتداخلت منظومات القيم وتصادمت. فمع انتشار البرامج والمسلسلات التي تحاكي أنماط الحياة الغربيّة والأميركيّة بصورة خاصة، انتشرت قيمهم في الاستهلاك والموضة[2].

 

صحيح أنَّ التغيّر الاجتماعيّ سمة المجتمعات الإنسانيّة، لكنّه طالما كان يجري ببطء

 

 

 

 

 

[1]  سورة الأعراف، الآية 26.

 

[2] موقع الشاهد، جيهان سليم، الحجاب العصري انتاج العولمة والغزو الثقافي، 8/11/2009.

 

ويحتاج إلى عقود نظرًا لما يواجهه من مقاومة. أمّا مع عصر العولمة، بتقنيّاتها الحديثة، بات يشاهد في أحيان كثيرة عمليّات انقلاب في العادات والتقاليد والسلوكيّات العامّة في المجتمعات وليس عمليّات تغيير وحسب. ومع طغيان وهَيْمنة الولايات المتّحدة الأميركيّة كقطب أوحد يتحكّم في اقتصاديّات العالم، ويفرض سياساته ورؤاه، أضحى نموذج الحياة الأميركيّة، هو النموذج الثقافيّ الذي تسعى المجتمعات كافّة لتقليده، للوصول إلى الحداثة والتطوّر، بخاصَّة أنّه يحظى بعمليّة ترويج إعلاميّة مبرمجة ومخطّطة بعناية. وهذا النموذج يترك بصماته في مختلف مناحي السلوكيّات الاجتماعيّة، ومنها طريقة اللّباس ومواصفاته[1].

 

اللافت هنا، أنّ أغلب اللواتي اعتمدن هذا الشكل من الحجاب، ومن يؤيّدنه، يَرَيْن فيه محاكيًا للموضة ومتماشيًا مع ضوابط الإلتزام الدينيّ. أعدّت القناة الألمانية «دويتشه فيلله» تحقيقًا موسّعًا حول ذلك جاء فيه[2]: «لم يعد عالم الأناقة والموضة حكرًا على فئة معيّنة من النساء فقط، بل بات بإمكان الملتزمات دينيًّا أيضًا الدخول إلى «صندوق الفرجة» هذا، والتبضّع بشتى أشكاله وألوانه». وتنطلق القناة الألمانية تحقيقها من فرضيّة تقول: «بعد أن كانت الموضة والحجاب تشكلان خطين متوازيين لا يلتقيان ويتنافر كلّ منهما مع الآخر، أصبحت المحجبات يجدن ضالتهن في عالم الأناقة والزينة».

 

كما تصف القناة الألمانيّة شكل الحجاب المتماشي مع الموضة بما يلي: قبالة سلسلة محلّات الألبسة العالميّة المشهورة في شارع الحمرا في بيروت، تقترب مجموعة الفتيات

 

 

 

 

 

[1] موقع مجلة «بقية الله»، سحر مصطفى، الحجاب في شكل مشوّه، 2/9/2016.

 

[2]  موقع القنطرة، دارين العمري، الحجاب المودرن يعانق الموضة ويتماشى مع الالتزام الديني، تحقيق لتلفزيون دويتشه فيلله الألماني، مراجعة: شمس العياري، 2011.

 

المحجّبات من إعلان عُلّق فوق متجر، ويظهر فيه فتاة شقراء بسروال جينز ضيّق يصل إلى ما تحت الخصر ويعلوه قميص قصير بلا أكمام يبرز مفاتن الجسد.

 

ثم تكتمل هذه الصورة التي لا تبدو غريبة عن المكان، هي بعكس مجموعة الفتيات المحجبات اللواتي بدين لبرهة وكأنهن خارج المشهد المألوف. لكن نظرة إضافية على لباسهن الموحّد بسراويل جينز وقمصان فاقعة اللون ومناديل لُفّت بطرق متقنة تخفي شعورهن، تبدو كافية لمعرفة أن هدفهنّ الأساسيّ هو التبضّع. دقائق طويلة ستخرج بعدها الفتيات المحجّبات من محل الألبسة الحديث محمّلات بأكياس تحتوي على قطع مما جاءت به الموضة من ابتكارات في الأزياء[1].

 

تتابع الوسيلة الإعلاميَّة الغربيّة الوصف «بالقرب من المتجر نفسه الذي دخلت إليه المجموعة، تقترب فتاة محجّبة وصلت حديثًا إلى الشارع، لكنّها تبدو وكأنّها عارضة أزياء تستقطب عيون المارة والجالسين في مقاهي الرصيف. نظرات مشدوهة إلى ذلك السروال القماشيّ الفضفاض الأصفر اللون المزموم عند الخصر الذي يعلوه قميص ضيّق قصير مزركش بباقة من الورود وتحته قميص قطنيّ ضيّق «يخفي» الصدر واليدين وحذاء فضي اللون بكعب عالٍ. تبدو الفتاة ذات الحجاب الخمريّ اللون كأنها تدرك مبتغاها، إذ أنَّها وبعد أن تأمَّلت لثوانٍ قليلة في العارضة البلاستيكيّة في الواجهة الزجاجيّة للمتجر وهي ترتدي فستان زهريّ اللون مخرَّم بلا أكمام يعلو الركبة بقليل، تدخل المحل بثقة وتقرّر شراء الفستان»[2].

 

مثال عمليّ آخر على دور أدوات العولمة في نشر هذا النمط من الحجاب، الضجة التي أحدثتها الفتاة الجامعيّة «رزان المومني» من عاصمة الأردن، حيث استقطبت 16 ألف متابع على موقع «الإنستجرام»، بعد أن نشرت طريقة ارتدائها لحجاب «التوربان»، من خلال فيديوهات قصيرة[3].

 

 

 

 

 

[1] موقع القنطرة، دارين العمري، مصدر سابق.

 

[2]  موقع القنطرة، دارين العمري، المصدر نفسه.

 

[3] موقع عربي 21، فتاة أردنية تستقطب الآلاف بطريقة ارتدائها للحجاب، عمان - محمد العرسان، نشر بتاريخ 9/8/2015 .

 

 

إنَّ «التوربان»، الذي يعدّ من صرعات «حجاب الموضة»، يعني بالعربيّة «العمامة»، وهي موضة استوحاها «مصمّمو أزياء» من عمامة طائفة السيخ  في الهند، حيث يستر شعر الرأس ويظهر الرقبة والأذنين بشكل خارج عن ضوابط الحجاب التقليديّ أو ما يصنّف بالشرعيّ.

 

ما يجدر ذكره في هذا المجال، إسهامات الفاعلين المحلّيّين الذين بفضلهم صار بالإمكان رؤية المزيد من المحجبات بأزياء ضيّقة شفّافة تبرز المفاتن بشكل - يعادل أو يفوق- ما تبرزه أزياء مخصّصة لغير المحجّبات. فهذا الزي الذي ترتديه إحدى الأميرات في قطر، أدخله مصمّمون عرب كغطاء للرأس، وأصبح فيما بعد موضة الحجاب المنتشرة خصوصًا في مصر. وهذا ما يفتح النقاش حول دور مصمّمي الأزياء ومنتجيها - من بلاد العرب والمسلمين- في الترويج لهذه النماذج من الألبسة للفتيات المحجّبات، سيّما، أنّهم وجدوها موضع اهتمام واسع في دول الشرق الأوسط، فقاموا بتصاميم لأزياء تتعارض مع الشرع ووضعوا لها عنوان «ملابس شرعيّة للمحجبات». ولترويج أكثر لهذا النوع من الحجاب، انشأوا العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، وتويتر، و...).

 

إنَّ التصاميم وحدها غير كافية ما لم يتوفّر لها أسواق تجعلها بمتناول الراغبين باستهلاكها، وهنا، تتوجّه الأصابع نحو المسلمين من أصحاب المتاجر والمحلّات وصالات العرض، الذين اتّخذوا من «اللباس الشرعي» مجالًا لتجارتهم، وأغلبهم ممن يجاهر بالتزامه الدينيّ

 

وحرصهم على إيكال مهمّة إقناع الزبائن لبائعات محجبات، أضِف إلى مهارتهن بالتسويق، التشخيص والتشريع الدينيّ في جواز ما يعرضونه من ألبسة وأزياء على الفتيات. حول ذلك، تقول «زينب» وهي أم لفتاة محجبة، إنّ أكثر ما يحرجها أثناء مرافقتها ابنتها لشراء الثياب، الدور الذي تمارسه البائعة في محاولة إقناع ابنتها بألبسة لا تتوافق مع الضوابط الشرعيّة للحجاب على أنّها أزياء شرعيّة والكلّ يلبسها، وأنّ عليها التحرّر من نظرة أمّها التقليديّة.

 

إنَّ لعمليّة التحرّر هذه دعاة كُثر، في مقدّمتهم المؤسّسات التعليميّة، التي ثبت بشكل حاسم وقاطع أنّ أغلبها صارت ميادين لصناعة أفراد مشبعين بالمنهجيّات والقيم الغربيّة، فإن لم تكن المؤسّسة هادفة للترويج لثقافة الغرب، فإن تغافلها عن جهازها التعليميّ، يتيح لهم نقل أفكارهم ومنظومتهم القيميّة بشكل سلس، مستفيدين في ذلك من موقعهم المؤثّر. فالمعلّمة الجاذبة في أسلوبها تصبح قدوة في سلوكيّاتها.

 

من المفيد استعادة ما قاله أحد رؤساء الجامعة الأمريكيَّ في بيروت حينما كان يعدّد إنجازاته بعد انتهاء ولايته، إنّ الطالبات مع بداية عهده، كنّ يخجلن حين تلاحقهنّ أعين الطلاب، وكنّ يرتدين الحجاب، ويسبحن في ساعات منفصلة عن الرجال، ويلعبن التنس مرتديات تنانير طويلة، ولا يسمح لهنّ بالتمثيل المسرحيّ، ولا في ممارسة الرقص. أمّا مع نهاية عهده، يتفاخر، بأنّ المشهد صار مختلفًا بشكل كلّي، فالفتيات والفتية يجلسن جنبًا إلى جنب دون إحراج، ويرقصن ويمثلون على المسرح سويًّا، ويسبحن بملابس سباحة حديثة، ويلعبن التنس بملابس قصيرة.

 

يمتدّ الموقف من الحجاب التقليديّ- كما يُرغب في وصفه- ليلامس واحدة من أهم الموضوعات التي تطرح في سياق البحث عن البيئة التي أحدثت تغيّرات في فلسفته. فالانطباع السائد بأنّ الزيّ

 

التقليديّ للحجاب يحدّ من مجالات العمل للفتاة التي ترتديه. وتكثر الأمثلة المعبّرة عن حقيقة هذا الطرح، منها ما قالته «فاتن» الموظفة في إحدى الشركات: «أنا كموظّفة أرى نفسي واجهة للمؤسّسة التي أعمل فيها، وتفرض طبيعة عملي، أن أقابل يوميًّا عشرات الزبائن»، ثم تضيف: «لا يمكنني أن آتي بحجاب تقليديّ فمظهري مهم لعملي وأنا أحبّ أن أبدو جميلة وأنيقة أمامهم». وتلفت «فاتن» ذات العقد الثلاثين من العمر، إلى مسألة ذات دلالة، أنّ زوجها يساعدها على ذلك بانفتاحه على الحجاب العصريّ كما تحبّ أن تسمّيه. وما لم تقله «فاتن» أنّ الكثير من أرباب العمل لم يعد يكفيهم معيار الأناقة والترتيب للباس الموظفات لديهم، بل يضيفون إليه ما بات يعرف «بالإغراء الراقي» كضرورة مهذّبة لجذب الزبائن.

 

ليس من السهولة الانسياق نحو حجاب يصنّف في خانة الإغراء الراقي، وهو في نفس الوقت تعبير عن الالتزام بواحدة من العبادات التي أمر الله بها الفتاة حين بلوغها سنًّا معينًّا من العمر، إلّا إذا كان نفس هذا الالتزام مبنيّ على مرتكزات هشّة أو مغلوطة.

 

قد تساعد الفتاة «هبة»، ذات 18 ربيعًا، على فهم ما يشار إليه، إذ تقول: «لقد نشأت في بيت محافظ دينيًا، فوالدتي محجّبة كسائر نساء العائلة ووالدي ملتزم دينيًّا، ومنذ ثلاثة أعوام بدأت في ارتداء الحجاب»، مشيرة إلى أنّها لم تختره عن قناعة ووعي بل تمّ فرضه عليها. ثم تكمل وتقول: «لقد وجدت طريقة أرضي بها عائلتي وأرضي بها نفسي أيضًا»، فوضعت الحجاب بطريقة تصفها «بالثورة على القديم»، إذ تلفّه إلى الوراء أو تضعه كجدولة أو من دون دبابيس.

 

وتقول «هبة»: «أنا ما زلت شابّة وأريد أن أبدو جميلة وأنيقة وليس كما تبدو والدتي وجدتي، وخزانتي مليئة بما تلبسه الفتيات غير المحجّبات، يوجد لديّ تنانير قصيرة وفساتين

وسراويل ضيّقة وقمصان بلا أكمام». الفرق الوحيد الذي تقتنيه في خزانتها كإضافة إلى كل ما ذكر، هو القمصان القطنيّة التي ترتديها تحت الثياب. وتقول «هبة»: «هكذا لا أكسر كلمة أهلي ولا أدع الموضة تغضب منّي أيضًا».

 

من المفيد هنا التوقّف أمام مسألة أشار إليها عالم النفس «فيرين سوامي»، بأنّ تفاعل المرأة مع الحجاب في مجتمعات يعدّ فيها ارتداءه أمر اختياريّ واعٍ، قد يكون مختلفًا عن التي تجبر فيها على ارتدائه. كما ويختلف عن البلاد التي لا يسمح لها فيها بارتداء الحجاب، حيث يُعدّ ارتداءه أمرًا غير قانونيّ.

 

كما إنّ انجذاب المحجّبة للموضة وحرصها على مواكبة تغيّراتها المتسارعة، لا يبتعد عن ارتفاع معدّلات قلقها من عدم الزواج، والتي تضغط بثقلها في هذا المجال. ومع ارتباط هذا القلق بجملة من الدوافع، إلّا أن دافعيّة المظهر الخارجيّ قد بلغت مستويات متقدّمة، سيّما، في ظلّ ما تفرضه ميديا الثقافة الغربيّة من معايير الانجذاب نحو الآخر. وعلى الرغم من تعارض أكثر صورها مع قيم «الغيرة والحميّة» لدى الرجل الشرقيّ اتّجاه ما يطلق عليه صفة العُرض، إلّا أن المعطيات تشير إلى تراجع في فاعليّة هذه القيم، فكثير من مظاهر عدم الاحتشام لدى النساء، باتت تأتي من تشجيع الرجال أو من تغافلهم عنها.

 

يرتبط نمو مظاهر عدم الاحتشام أيضًا بانطباع يزداد ترسّخًا، بأنّ الحجاب لا يحمي المرأة من التحرّش، بل يشكّل دافعًا له. فقد وصفت صحيفة «واشنطن بوست الأمريكيّة» الجمهوريّة المصريّة بأنّها واحدة من أسوأ دول العالم في نسبة التحرّش بالنساء في الشوارع والأماكن العامّة، إذ أنّها تأتي في المرتبة الثانية بعد أفغانستان، وأشارت الصحيفة إلى أنّ حجاب النساء يزيد من تعرّضهن للتحرش، بالاستناد إلى دراسة أعدها المركز المصري لحقوق المرأة، والتي

تظهر زيادة تعرّض المحجّبات للتحرّش، حيث ثبت أن 72% ممن تعرّضن للتحرّش هنّ محجّبات[1].

 

إلّا أنّ الدراسة تلك، لم تكلّف نفسها الإشارة إلى ماهيّة الحجاب الذي بدل أن يصون المرأة ويحميها في وسطها الاجتماعيّ قد جعلها أكثر عرضة للتحرّش، والتي لا تحتاج إلى المزيد من الجهد، فهي حاضرة على ألسن الكثيرين، بأنّ المحتشمة بلباسها من دون غطاء للرأس- على الرغم من عصيانها لربها- هي من وجهة نظرهم أعفّ من محجّبة لا تراعي الاحتشام في لباسها وسلوكيّاتها.

 

في رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنَّه قال: «من ألقى جلباب الحياء لا غِيبة له»[2]. لقد استعمل الحديث تعبير إلقاء الجلباب في توصيف الفاسق الذي يرتكب الذنوب في هتك ستر المحرمات الإلهية. وورد في الروايات أيضًا ذكر الحياء في مقابل العُري[3]. وعليه؛ يمكن القول إنّ من ألقى جلباب الحياء فهو إنسان عارٍ وذلك أنّ الستر سلوك إلهيّ ذو قيمة خاصة تكون في مواجهة المفاسد وتنشأ عن صفة الحياء نفسه، وهو يأتي في مقابل العُريّ كسلوك شيطانيّ ومضادّ للقيم السامية؛ وللحياء أنواع ومصاديق أخرى كثيرة. ولكن الأكيد أنَّ الحياء في اللباس والستر أحد أنواعه.

 

أمّا المسألة التي تستحق المزيد من البحث، هي في تحديد حجم العلاقة بين ما يشهده الحجاب من إضعاف وتفريغ لماهيّته، وبين ما يُبذل من موارد هائلة بغية تعميم ما بات يعرف «بأدبيّات التمكين» والتي تركّز في أطروحاتها على تفكيك المباني الثقافيّة

 

 

 

 

 

[1]  موقع مساواة المرأة، التحرّش الجنسيّ أحد ثمار التديّن المزيّف، 28/10/2012.

 

[2]  محمد بن أحمد بن نعمان، الشيخ المفيد، الاختصاص، تحقيق علي أكبر غفاري، ص242.

 

[3]  محمد بن حسن الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج5، ص22.

 

للمجتمعات بحيث تصبح أكثر هشاشة. فإنّ تفشّي هذه الظاهرة من الحجاب غير المحتشم، هي بالتأكيد، وإن كانت تعكس قرارًا شخصيًّا اتّخذته الفتاة التي ترتديه، إنّما هي على صلة بما تشهده بيئتها الاجتماعيّة من تحوّلات في مبانيها الثقافيّة.

المبحث الخامس: «تمكين المرأة» للتحرّر من الحجاب

 

لم يعد من المجدي البحث في تفشّي العديد من الظواهر الاجتماعيّة، سيّما المتعلّقة بالمرأة على وجه التحديد، من دون الأخذ بعين الاعتبار لما بات يعرف «بأدبيات غربية لتمكين المرأة»؛

 

منذ إعلان الميثاق الأمميّ في سان فرانسيسكو عام 1945، عن مبدأ المساواة بين الجنسين بوصفه حقّ أساس من حقوق الإنسان، والمنظمة الدوليّة تجهد لوضع استراتيجيّات ومعايير وبرامج وأهداف تحت لافتة «تمكين المرأة» للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدها[1].

 

 

 

[1]  في العام 1945، وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، نشأت أول هيئة دوليّة معنيّة بقضايا المرأة، تحت إسم «لجنة الأمم المتّحدة المعنيّة بوضع المرأة»، وهي عبارة عن لجنه فنّيّة تابعة للمجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ للأمم المتحدة. وتعتبر الهيئة الأساسيّة الرئيسيّة المخصّصة لصنع السياسة العالميّة فيما يتعلّق بالمساواة ما بين الجنسين والنهوض بالمرأة، وتهدف إلى إعداد التوصيات والتقارير للمجلس حول تعزيز حقوق المرأة في المجال السياسيّ والاقتصاديّ والمدنيّ والاجتماعيّ والتعليميّ.

 

يجتمع ممثلو الدول الأعضاء كل عام في المقر الرئيسيّ للأمم المتّحدة في مدينة نيويورك لتقييم التقدّم في مجال المساواة بين الجنسين وتحديد التحدّيات ووضع معايير عالميّة ووضع سياسات ملموسة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في جميع أنحاء العالم. وقد تضمّنت المواد الأولى لدستور الهيئة وميثاقها، الذي كتب في سان فرانسيسكو في تاريخ 26/6/1945: التأكيد على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق. وتفرّع عن الهيئة عدّة لجان هي: لجنة مركز المرأة، وصندوق الأمم المتّحدة للسكّان، وصندوق الأمم المتّحدة الإنمائيّ للمرأة، وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ، والمعهد الدوليّ للبحث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة، وجامعة الأمم المتّحدة، ومعهد الأمم المتّحدة لبحوث التنمية الاجتماعيّة، واللجنة المعنيّة بالقضاء على التمييز ضد المرأة، ومنظمة الأمم المتّحدة للطفولة، ومنظمة الأمم المتّحدة للتربية والتعليم والثقافة. وتحول اسمها بموجب قرار صادر عن الأمم المتّحدة في شهر تموز 2010، وأصبح ساري المفعول بتاريخ 1/1/2011، تحت إسم «هيئة الأمم المتّحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» وتعرف قانونًا بـإسم «هيئة الأمم المتّحدة للمرأة». وقد ضمَّت الهيئات الرئيسة التي يتمحور عملها بشكل رئيسيّ على مساواة الجندر، واستقواء المرأة: مكتب المستشارة الخاصّة لقضايا الجندر والنهوض بالمرأة (OSAGI)، وشعبة النهوض بالمرأة في الأمانة العامّة (DAW)، وصندوق الأمم المتّحدة الإنمائيّ للمرأة (UNIFEM)، ومعهد الأمم المتّحدة الدوليّ للبحث والتدريب من أجل تقدم المرأة (INSTRAW).

وما ذلك إلَّا انعكاسًا للحداثة الغربيّة (الليبراليّة) القائمة على أساس الحريّة المطلقة والمساواة التماثليّة، التي نادت بها الثورة الفرنسيّة، والثورة الأمريكيّة في القرن الثامن عشر، والتي قام على أساسها النظام العالميّ المعاصر(الأمم المتّحدة).

 

ثمّ أُعلن في المكسيك عام 1975، عن عقد الأمم المتحدة للمرأة (المساواة، والتنمية، والسلم) وأُعلن ذلك العام: العام العالميّ للمرأة، حيث اعتمد أوّل خطّة عالميّة متعلّقة بوضع المرأة. كما وعُقد في العام 1980، مؤتمر آخر لاستعراض وتقويم التقدّم المحرز في تنفيذ توصيات المؤتمر الأول، ولتعديل البرامج المتعلّقة بالنصف الثاني من العقد الأمميّ للمرأة، مع التركيز على الموضوع الفرعيّ للمؤتمر: العمالة والصحة والتعليم.

 

أمّا اتفاقيّة «سيداو» الشهيرة التي صدرت عن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في العام 1979، اتّخذت بنودها صيغة الإلزام القانونيّ للدول التي تُوافق عليها، بُغية القضاء على كافّة أشكال التمييز ضدّ المرأة، وانتُظِر سريان مفعولها حتى تاريخ 3 كانون الأول عام 1981، مع بداية توقيع الدول عليها، والتي بلغت 186 دولة حتى العام 2009، بما فيها لبنان (بموجب القانون رقم 572/96 تاريخ 24-7-1996)، بينما رفضت التوقيع عليها كلّ من، الولايات المتحدة الأميركيّة والفاتيكان وإيران وبعض الدول. وراحت العديد من الدول العربيّة والإسلاميّة- الموقّعة عليها- تقدّم تحفّظاتها واعتراضاتها على بعض بنودها، كونها تتعارض ضمنًا

مع الشريعة الإسلاميّة[1]. وفيما أُعلن من مدينة (نيروبي) بكينيا عام 1985، عن الإستراتيجيّات المرتقبة للنهوض بالمرأة، وذلك من العام 1986 حتى العام 2000، صدر عن المؤتمر العالميّ الرابع المعنيّ بالمرأة، في الصين (بكّين) عام 1995، ما يعرف بوثيقة «منهاج بكّين».

 

في حقيقة الأمر، لقد أحدثت هذه المؤتمرات واتفاقيّاتها، نقلة نوعيّة وعالميّة في مقاربة لواحدة من أكثر الموضوعات الاجتماعيّة تعقيدًا، إذ ليس من عاقل يرفض فكرة تمكين المرأة بوصفها نصف المجتمع، وهي المعنيّة بصناعة النصف الآخر، فالإمام الخميني{ كان موفّقًا جدًّا في تشخيصه لمكانة المرأة حين قال: «المرأة والقرآن كلاهما أوكل إليه مهمّة صنع الرجال»[2]. وبالتالي، يصبح تمكينها أمرًا لازمًا وبديهيًّا حتّى تؤدّي دورها على أكمل وجه.

 

إنَّ ما جعل من تمكين المرأة موضوعًا إشكاليًّا، ما تضمّنته بعض بنود الاتفاقيّات المقرّة حول مسألة حقوق المرأة وكيفيّة النهوض بها، بحيث تجاوز تمكينها الحدّ من طغيان الذكوريّة في أكثر من مجال في الحياة، نحو دخوله دائرة الصراع المحتدم على جبهته الأيديولوجيّة. فقد صار تمكين المرأة بصيغته المقرّة دوليًّا، والأدبيّات التي فسّرته، في موقفٍ يتعارض مع الديانات السماويّة، سيّما، الإسلام منها على وجه التحديد.

 

[1] باب التوقيع على هذه الاتفاقيّة والإنضمام إليها مفتوح لجميع الدول. ويجوز لأيّ دولة من الدول الأطراف أن تطلب إعادة النظر في هذه الاتفاقيّة، ويتلقى الأمين العام للأمم المتّحدة نص التحفظات التي تبديها الدول وقت التصديق أو الانضمام، ويقوم بتعميمها على جميع الدول. لكن لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافيًا لموضوع هذه الاتفاقيّة وغرضها. ويجوز سحب التحفظات في أي وقت بتوجيه إشعار بهذا المعنى الى الأمين العام للأمم المتحدة.

[2] شبكة المعارف الإسلاميّة، المرأة والعلم ومهمة صناعة الإنسان، 4/9/2017.

أكثر المواد إثارةً للإشكاليّات تلك المتعلّقة بإقرار مبدأ المساواة الكليّة بين المرأة والرجل دون الأخذ بعين الاعتبار لأيَّ فوارق بينهما، وبلحاظ جميع الحقوق والواجبات والمسؤوليّات، لا بلحاظ المساواة في القيمة التي هي مرتكز المسؤوليّة الدينيّة. وأنّ على الحكومات بموجب الاتفاقيّات الدوليّة المقرّة، إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنيّة أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أُدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة، منها، تغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكّل تمييزًا ضد المرأة.

 

صحيح أنّ لبنان وافق على الاتفاقيات مع تحفظه على بعض بنودها، لكن في حقيقة الأمر، إنّ هذه القرارات الأمميّة لم تنتظر من الحكومات، لا في لبنان، ولا في البلدان العربيّة والإسلاميّة، الموافقة عليها والالتزام الكلّي بها، بل راحت تسلك طريقها نحو المجتمعات عبر وسائل شتّى، في محاولة جادة، لإحداث تغييرات في المنظومة القيميّة لتلك المجتمعات، والتي من شأنها أن تزيل العوائق أمام سريان مفاعيل القرارات والتوجهات الأمميّة، وبالتالي، تدفع الحكومات لسحب تحفّظاتها، لأنَّ التغيير لا يتمّ من خلال ثورة تنشأ في أيام قليلة، بل حالة ذهنيّة، وأنّ القوانين بحدّ ذاتها ليست كافية.

 

صار الإعلام ببرامجه ومسلسلاته منافذًا لتعميم مفهوم تمكين المرأة بكل مندرجاته، تسانده في ذلك، المناهج التعليميّة التي تتوجّه إلى الطلاب لطرح المساواتيّة بين الرجل والمرأة دون الأخذ بعين الاعتبار للتحفّظات التي قدّمتها الدولة اللبنانيّة في هذا المجال. بالإضافة إلى ما يمكن قوله، أنّه قلّ ما يمر شهر لا تُعقد خلاله ندوة أو مؤتمر أو ورشة عمل، تقوم بها منظّمات وجمعيّات محليّة، بتمويل من منظّمات وهيئات دوليّة، تتناول مسألة

 

المرأة وكيفيّة بلوغها مرحلة المساواتيّة الكليّة مع الرجل، وفي الميادين كافّة[1].

 

قبل الدخول في المفاعيل العمليّة لأدبيات التمكين على مسألة حجاب المرأة وعفّتها، يجدر التوقّف أمام مسألتين جوهريّتين تفيدان في تبيان الحقيقة بموضوعيّة.

 

تشير الحقيقة الأولى، إلى أنّ إدراج تلك الأدبيّات في متون الوثائق الأمميّة، لم يكن بعيدًا عن الأفكار الراديكاليّة التي سادت في الغرب، والتي تنظر إلى طبيعة العلاقة بين جنسي البشر-الإناث والذكور- أنّها تقوم بالمبدأ على النِديّة والصراع، وليس التكامل والسكينة.

 

كل ذلك هو نتاج حقبة تاريخيّة عاشت خلالها المرأة، واقعًا مؤلمًا جدًّا على امتداد فترة طويلة من الزمن حيث عانت فيها التحقير، والتهميش، والسطوة، بسبب النظرة الدونيّة السائدة آنذاك في أوساط المجتمع الغربيّ تجاه المرأة، والمأخوذة من التراث الديني المتداول، ومن التراث الفلسفيّ؛ والتي سرعان ما تسرّبت إلى المجتمعات الإسلاميّة بطرق شتّى.

 

إنّ السائد في التراث اليهوديّ والمسيحيّ هو النظرة الدونيّة للمرأة، وذلك بحسب رواية الخلق في العهد القديم. حيث يرد فيه أن الله سلّط آدم على جميع المخلوقات، وخلق حوّاء من ضلعه (سِفر التكوين2). وهذه الرواية تشكّل قاعدة لتفوّق الرجل الذي «سيعمّده» القديس بولس في العهد الجديد في رسائله الشهيرة: «رأس كل رجل هو المسيح، أما رأس المرأة فهو الرجل، الرجل لا ينبغي أن يغطّي رأسه لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل، لأنّ الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل» (كورنثوس11). ولعلّ كثيرين استمعوا لهذا المقطع من رسالة بولس التي

 

 

 

 

 

[1] من مقدمة دراسة تمكين المرأة، مركز المعارف للدراسات الثقافيّة، 2019.

تُتلى أثناء الأعراس: أيها النساء إخضعن لرجالكن كما للرب، لأنّ الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة، ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهنّ في كل شيء (أفسس5).

 

في القرن الثالث عشر، وضع توما الأكويني فلسفةً حول الاختلاف الجذريّ بين الطبيعة الإنسانيّة للذكر وبين الطبيعة الإنسانيّة للأنثى. وقد رأى هذا القدّيس الإيطالي أن الرجل مختلف عن المرأة لأنّه موجّه إلى العمليّات الفكريّة. وأكّد في كتابه Summa theologica، أنّ المرأة خاضعة للرجل لأن العقل يهيمن لدى هذا الأخير، كما يأتي تفوّق الرجل من كونه «خُلق أولًا»، ولأنّ المرأة خُلقت كمساعدة للرجل على التكاثر. فلسفة الأكويني هيمنت على أوروبا المسيحيّة، وهي لا تزال حتّى اليوم مرجعيّة لدى المفكّرين المسيحيّين في نظرتهم للمرأة، وأبرزهم الفيلسوفة الألمانيّة «إديت شتاين» التي طُوّبت قدّيسة عام 1998.

 

ليس بعيدًا عن تلك النظرة الدينيّة تبرز النظرة الدونيّة اتّجاه المرأة لدى بعض روّاد فلاسفة الغرب والمفكرين، والتي سطّرتها كتبهم، منهم الفيلسوف اليوناني المشهور»أرسطو« الذي يقول في كتابه «السياسة»: «إنّ طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى، هي أن الذكر متفوّق والمرأة متدنّية، ما يجعل من الذكر قائدًا، فيما تكون الأنثى تابعة». وقد اشتهر الفيلسوف الألماني «نيتشه»، بموقفه المعادي جدًا للمرأة، ما حدا به لاحتقار أمّه وأخته في كتابه «هذا هو الإنسان». ويتابع «نيتشه» في حديثه عن المرأة أنَّ المرأة إنّما هي فخٌ نصبته الطبيعة للرجل[1].

 

كما يرى إيمانويل كانط أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل. وينقل عن الفرنسيّ « كوستاف لوبون» موقف المجتمع العلمي في عصره بعبارات موغلة في الانحطاط: «في أكثر العرقيّات الذكيّة - كما في الباريسيّين- هناك عدد كبير من النساء اللواتي حجم أدمغتهن أقرب إلى الغوريلات من الرجال الأكثر تطوّرًا»[2]. أمّا «جون لوك» فقد اتّجهت فلسفته

 

[1] موقع ويكيبيديا الإلكتروني، آراء فريدريك نيتشه عن المرأة.

 

[2]  أدمغة المرأة، ستيفن جاي جولد، أستاذ الجيولوجيا وتاريخ العلوم في جامعة هارفورد.

الاقتصاديّة إلى إقصاء المرأة عن الحياة الاقتصاديّة ولم ترفع قيمة المرأة عن مستوى الممتلكات. ولم يختلف الأمر كثيرًا عند هيجل وهيوم وفرويد وديكارت وهوبز وغيرهم من كبار عقول الفلسفة الغربيّة.

 

يلاحظ في القرن الحاليّ وإلى حدود سنة 2007، أنّ نسبة المقالات الفلسفيّة المنشورة من قبل النساء لم تتجاوز %21[1]. ويقول أستاذ علم الاجتماع «كيرين هيلي»[2] أنّ النساء المشاركات في أربع مجلات علميّة مشهورة لا يمثّلن سوى 3.6%، ويشكّل النساء في المملكة المتّحدة أقلّ من ربع أساتذة الفلسفة في الجامعات، وتنخفض النسبة في الجامعات الأمريكيّة إلى17% [3].

 

تشير هذه الأرقام إلى موقف المرأة من مسألة الفلسفة خلافًا لمجالات علميّة أخرى كالتاريخ أو الطب، يأتي التفسير من الفلسفة نفسها، حيث يرى المدير التنفيذيّ للجمعيّة الأمريكيّة الفلسفيّة «ديفيد شريدر» أنّ سبب ضعف تمثيليّة المرأة اليوم في المجال الأكاديميّ الفلسفيّ هو وجود جيوب مقاومة ضد المرأة بسبب النظرة الفلسفيّة التاريخيّة للمرأة. وقد أعلنت الجمعيّة الكندية الفلسفيّة[4] سنة 1992، أن هناك تحيّزًا ضد المرأة في المجال الأكاديميّ الفلسفي. وتقول الفيلسوفة الأمريكيّة «سالي هاسلنجر»[5]:

[1]  Scott jaschik, Philosophy and Sexism, 10/9/2007.

 

[2] أستاذ علم الاجتماع (ايرلاندي) في جامعة ديوك Duke، وعضو في معهد كينان للأخلاقيات.

 

[3]  Scott jaschik, Philosophy and Sexism, 10/9/2007.

 

[4] جمعيّة كنديّة تأسست سنة 1958 وتضم أكاديميّين وفلاسفة كنديّين، ومقرّها حاليًا في جامعة سانت بول.

 

[5]  فيلسوفة أمريكية تولّت التدريس في عدد من الجامعات الأمريكيّة وعضو بالجمعيّة الفلسفيّة الأمريكيّة.

«يصعب على المرأة أن تجد موطئ قدم داخل وسط فلسفيّ معادٍ للمرأة». ويبدو أنّ هذا ما دفع بكثير من النسويّات لإنشاء تيار نسوي راديكاليّ يغالي في مكانة المرأة، وتحوّل بعض الحركات النسويّة إلى حركات تتمركز حول فكرة: الوثنيّة النسويّة[1].

 

أمّا الحقيقة الثانية التي تتصل بعلاقة أدبيّات التمكين مع مسألة الحجاب، هي الدمج الحاصل بين مفهوم تمكين المرأة وبين مفهوم المساواة بين الجندر، الذي ذكر بحدود 233 مرة في وثيقة «مؤتمر بكّين للمرأة» عام 1995. فالجندر يُشكل استراتيجيَّة رئيسيّة في أصل التمكين الكامل، وتُعرّفه منظّمة «الصحّة العالميّة» على أنّه: «يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركّبة اجتماعيّة». وهذا ما يعني، أنّ هذه الخصائص لا علاقة لها بالاختلافات العضويّة، بل بالاجتماعيّة، وبالتالي، هي قابلة للتغيّر، أي تتغيَّر عبر الزمن وتختلف باختلاف الثقافات.

 

بحسب هذا التعريف، إنّ تشكّل الهويّة الجندريّة ليس ثابتًا منذ الولادة، بل تؤثّر فيه العوامل النفسيّة والاجتماعيّة، فهذه الهويّة تتغيّر وتتوسّع بتأثير العوامل الاجتماعيّة خلال نموّ الفرد. أي إنّ الأنوثة والذكورة بالمعنى العضويّ منفصلة عن البنية النفسيّة والأدوار الاجتماعيّة للأفراد، لأنّ هذه الأدوار هي مفاهيم اجتماعيّة مكتسبة ليس لها علاقة بالطبيعة العضويّة والفسيولوجيّة لكلا الجنسين.

 

أمَّا عند السؤال عن الأسباب التي أدّت إلى هذا التغيير الكبير في الثقافة والتربية، يأتي الجواب من الفيلسوف الغربيّ «ويل ديورانت» حيث قال: «إنّ سبب هذا التغيير الكليّ والسريع في العادات والتقاليد، هو في وفرة وتعدّد الآلات، فتحرير المرأة هو ناتج عن الثورة الصناعيّة»[2]. وكان للكاتبة «إستيل فريدمان» تفصيل لهذا الرأي، أوردته في كتابها «لا رجوع للخلف، تاريخ الحركة النسويّة ومستقبل المرأة»، بأنّ دخول أنماط إنتاج

 

 

 

[1]  جريدة الغارديان البريطانية، الفلسفة مخصّصة للأولاد البيض- لماذا يوجد عدد قليل من النساء؟، ريبيكا راتكليف، 5/1/2015.

 

[2]  ويل ديورانت، لذات الفلسفة، صفحة 158.

 

جديدة على المجتمعات هو ما دفع بموضوع حقوق المرأة إلى الواجهة. وتضيف «فريدمان» أنّ المجتمعات البطريركيّة لطالما وُجدت، ولم تدفع بالنساء إلى المطالبة بحقوقهنّ، ولكن حلول المصنع، بدلًا من الإنتاج اليدويّ المنزليّ أو الزراعيّ، فاقم في فارق الدخل بين الرجل والمرأة، وهذا الجانب له زاوية نظر ماليّة أدَّت إلى توليد وصناعة دوافع نفسيّة بضغط من الفوارق الطبقيّة والاجتماعيّة. بالإضافة إلى أنّ الرأسماليّة أدخلت مفاهيم الحقوق الفرديّة والعقد الاجتماعيّ في مقابل الأفكار التي كانت تكرّس الحقوق الطبيعيّة والهرميّة، السماويّة أو الدينيّة[1].

 

تقوم هذه الدوافع النفسيّة على نظريّة غربيّة انتشرت مع نهاية ثمانينيّات القرن الماضي، تقول، بأنّ معاناة المرأة تقع بالدرجة الأولى على الرجل، فهو من اختلق فكرة تقسيم الأدوار بالاستناد على العامل البيولوجيّ، متّخذًا من مسألة خاصيّة الحمل والإنجاب عند المرأة لتحديد أدوارها، بينما راح يحتكر الأهليّة والقدرة على العمل والإنتاج الماديّ، ما مكّنه من التحكّم في الموارد الاقتصاديّة، وبالتالي، السيطرة على الأسرة بسبب إنفاقه عليها. لذلك، كي تخرج المرأة من حال «التهميش» عليها الاتّجاه نحو سوق العمل ومنافسة الرجل بغية كسر ما كرّسه من تنميط للأدوار الاجتماعيّة.

 

كما إنّه من دواعي طرح أدبيّات تمكين المرأة على جدول الأعمال الدوليّ ما أحدثته الحرب العالميّة الثانيّة عام 1945، فقد دمّرت الحرب نصف الكرة الأرضيّة، وقتلت ما بين 50 و85 مليون إنسان (ثلثهم من الذكور) وجرحت وأعاقت حوالي 100 مليون إنسان، وما

[1]  الأمجد سلامة، تحدّيات المرأة المسلمة- العلاقة الإشكاليّة مع الحركات النسويّة - لبنان نموذجًا، جريدة الأخبار، العدد 3046 الاربعاء 30 تشرين الثاني 2016.

أنتجته من مآسي وويلات اجتماعيّة واقتصاديّة، دفع كلّ ذلك، إلى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والعديد من الاتّفاقيّات والإعلانات والمعاهدات التي عالجت قضايا الإنسان، من بينها، تلك المتعلّقة بموضوع المرأة، التي اضّطرّت للدخول إلى سوق العمل لتعويض النقص الحاصل في اليد العاملة من الرجال، جرّاء الحروب العالميّة[1].

 

تقول الوقائع أيضًا، بأنّ التغيرات الجوهريّة التي أحدثها الغرب في مبانيه الاجتماعيّة، ترتبط بسياق متّصل من الأفكار والممارسات الخاطئة، منها الكنسية، التي لامست العقيدة والدور، ما جعل من العلمانيّة هي الأيديولوجيا الحاكمة بلا منازع. ولذلك لمّا توجّه الغرب في حركته التوسعيّة نحو المجتمعات الإسلاميّة، فقد تعامل معها وكأنها تماثل أوضاعه الاجتماعيّة ما قبل عصر الأنوار، فراح يستهدف الدين الإسلاميّ والمنظومة القيميّة الاجتماعيّة - بالأسلوب الفرنسيّ الخشن أو الأمريكّي الناعم- بوصفهما عقبات أساسيّة تحول دون استقرار أوضاع الغرب في بلاد الشرق.

 

إحدى استهدافات الإسلام، ما يتعلق بإلزامه الحجاب على المرأة ووضعه الضوابط لحركتها في المجال العام، فقد اتّخذ الغرب ما يُمارس بحقِّ المسلمة من سلوكيّات خاطئة موضوعًا لتحريرها، ومع أنّ هذه الممارسات هي مجرَّد موروثات اجتماعيَّة وأعراف وتقاليد أكثر منها شرعيّة، راح يصوّب على مرتكزاتها العقائديّة بوصفها المسؤولة عن قهرها وتهميشها.

 

صحيح أن تلك الأدبيّات الغربيّة حول تمكين المرأة، لم تتناول الحجاب بشكل صريح، لكنَّها تناولت موضوعات على صلة به، بغية تجريده من مضمونه. فحين تقوم فلسفة

[1] موسوعة ويكبيديا، مفردة نتائج الحرب العالمية الثانية.

التمكين على مفهوم الجندر للجنسين، إنّما تلغي أيّ اختلاف اجتماعيّ بين الذكر والأنثى، وهذا ما يجعل من مسألة الحجاب وتنظيم الاختلاط بين الجنسين أصلًا منتفيًا، أي لا فارق بينهما على أساس جنسيّ، فما الداعي للبس الحجاب أو وضع ضوابط للاختلاط؟! بل يصبح ذلك تعبيرات عن أشكال التمييز ضد المرأة كونه يقوم على أساس التمييز الجنسي. وللسيّد القائد توصيف لهذه الحال: بأن خطاب الغرب يدعو إلى ترجيل المرأة أي تشبهها بالرجل.

 

في هذا السياق، يجدر التوقّف أمام مسعى أدبيّات التمكين للنيل من مرتكز إسلاميّ جرى التأكيد عليه، فقال تعالى في القرآن الكريم: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰت لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ﴾[1] وذلك من خلال إلغاء مسألة القواميّة في الحياة الأسريّة. فتلك الأدبيّات ترى بأنّ القواميّة، تقف خلف أغلب ما تعانية المرأة المسلمة من قهر وتهميش، سيّما في إلزامها الحجاب والحدّ من حرّيّتها، وأنّ تبعيَّة المرأة ماديًّا للرجل هي من أعطى للقواميّة مبرراتها.

 

لذلك، وفق هذه التعديلات الأمميّة، وجب أن تخرج المرأة لكسب المال من عمل خارج المنزل، وهذا ما سوف يحقّق لها استقلالها الاقتصاديّ عن الرجل (الأب- الزوج)، ويمكّنها أكثر في التحكّم بقراراتها، وينمّي لديها منحى الاستقلاليّة في حياتها.

 

تجد الباحثة «كفانيسا جريفين» أنّ تمكين المرأة يعني ببساطة مزيدًا من حيازتها القوّة، والقوّة تعني، مستوى عالٍ من التحكم ومزيدًا من التحكم[2]. يرى الباحث الاجتماعي الدكتور «طلال عتريسي» من جهته، أنَّ الخطورة تكمن في هذه الأدبيّات وتطبيقاتها،

 

[1] سورة النساء، الآية 34.

 

[2]  رأفت صلاح الدين، المرأة بين الجندرة والتمكين، موقع المسلم.

أكثر من محاربة الحجاب بصورة مباشرة، حيث تعمل لجعل المرأة متجرّدة من الإطار الاجتماعي والثقافيّ التربويّ داخل الأسرة، وهنا يكمن الخطر، فالأساس الإسلاميّ لدينا هو مفهوم الأسرة ودور المرأة المركزيّ والبنيويّ[1].

 

ويبدو أنّ الطروحات الغربيّة لتمكين المرأة قد بلغت تأثيراتها في المجتمع اللبناني، سيّما، اتّجاه الدعوة إلى إلغاء القواميّة في الأسرة، ففي دراسة ميدانيّة قام بها مركز المعارف للدراسات الثقافيّة، تبيّن من خلال الإجابة عن سؤال حول دوافع عمل المرأة خارج المنزل، أنّ إثبات الذات قد حلّ في المرتبة الثانية (30.2%) مباشرةً بعد تأمين الحاجة المادّيّة (35.7%)، وليس بعيدًا عن هذه المؤشرات فقد قال (32%) من المشاركات في الدراسة بأنّ سلطة المرأة العاملة يجب أن تتساوى مع سلطة الرجل داخل الأسرة. ووافق(33%) على أنّ المرأة تحصل على حقوقها عندما تتساوى مع الرجل في كل المجالات. وأنّ ما نسبته (40%) من المشاركات في الدراسة قلن: أنّه عند الاختلاف في القرارات الأسريّة ليس على المرأة الالتزام بقرار الزوج. ودعى ما نسبته (43%) من المشاركات إلى ضرورة تعديل القوانين المتعلّقة بقوامة الرجل على المرأة.

 

تشير تلك المعطيات، إلى حال من الازدواجيّة على مستوى الشخصيَّة، بين محافظة المرأة على حجابها بوصفه يرمز إلى التزامها إحدى تعاليم الدين الإسلاميّ، وبين تأثّرها بالوافد من الثقافات الغربيّة. ولمّا كان الحجاب من أكثر الظواهر الخارجيّة تعبيرًا عن هويّة المرأة، فتولَّد هذا الشكل المشوّه والغريب من الحجاب. وفي دراسة قام بها مركز أمان للإرشاد السلوكيّ والاجتماعيّ حول الاتّجاهات القيميّة والسلوكيّة لتلامذة المرحلة

 

 

 

 

 

[1] مداخلة د. طلال عتريسي، خلال ندوة أقامها مركز الحرب الناعمة للدراسات حول الحجاب.

الثانويّة في لبنان، فقد اقتصر تأييد ما يُطلق عليه صفة «الحجاب المودرن»، على 10% من التلامذة، لكنّ المفارقة اللافتة كما تقول الدراسة، أنّ قسمًا من الفتيات اللواتي عارضنَه إنّما يرتدينَه[1].

 

إنَّ ما يزيد الأمور تعقيدًا هو تراجع كل من آليّات الضبط الاجتماعيّ وممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لصالح مفهوم الحريّات الشخصيّة، وفق الثقافة الغربيّة. وجاء التأكيد على ذلك من معطيات الدراسة الميدانيّة لمركز المعارف للدراسات الثقافيّة، حيث وافق (27.8%) من المشاركات على القول، بأنّ تمرّد المرأة على العادات هو دليل قوّة شخصيّتها؛ وقوّة الشخصية يتعلّق بتواصلها وانفتاحها على الجنس الآخر، من غير الأرحام، حيث رأى (37%) من المشاركات أنّ هذا الشكل من التواصل سوف يؤدّي بالمرأة إلى اكتسابها شخصيّة قويّة.

 

عند البحث عن تفسيرات موضوعيّة لهذه الظاهرة من الازدواجيّة، يلاحظ حضور ثنائيّة الثقافة والجمال، فبينما تدعو أدبيّات الغرب إلى ضرورة تقوية المرأة لمستواها الثقافيّ، هي تدعو أيضًا، إلى التحرّر من القيود التي تحول دون إظهارها لمفاتنها كافة (إن كنت تملكينها فأظهريها) كون تلك القيود هي عائق أمام الاستغلال الأمثل لعناصر قوّتها. لكن ما يمكن لحاظه، أنَّ جمال المرأة هو من يحصل على الاهتمام الأكبر من المجتمع والمُحيط، قياسًا بما تحصل عليه ثقافة المرأة!. إلى حدٍّ صُوِّرَت فيه المرأة المثقّفة أنّها لا تشبه أبدًا المرأة الجميلة كونها -بنظرهم- لا تعير الاهتمام المطلوب لمَظهرها الخارجيّ ولِباسِها وغيره من مظاهر الأنوثة!.

 

بات من الضروري السؤال عن أكثر عناصر المرأة قوّة، هل ثقافتها وقوّة شخصيّتها أم جاذبيّة مفاتنها؟ وبالتالي، من الذي يحسن استغلال الكشف عن مفاتن المرأة، هل الجنس الأنثويّ أم الجنس الذكوريّ في المجتمع؟

[1]  مجلة بقية الله، سحر مصطفى، الحجاب في شكل مشوّه، 2/3/2016.

لقد قام فريق مؤلّف من عالم النفس «فيرين سوامي» وزملاء له من «جامعة وستمنستر» في لندن، باستطلاع رأي شمل ما يقارب من 600 إمرأة مسلمة في بريطانيا، إلى جانب المحجّبات كان من بين المستطلعات 200 قلن بأنّهن لم يرتدين الحجاب قطّ، وأخريات يرتدينه في بعض الأحيان. وطرح «سوامي» وزملاؤه مجموعة من الأسئلة لقياس مدى شعورهن حيال أجسادهنّ. وخلال دراسة النتيجة، تبيّن أنّ النساء اللواتي يرتدين الحجاب والملابس المحافظة أو المحتشمة، لديهنّ صورة ذهنيّة صحيّة أكثر إيجابيّة تجاه أجسادهنّ، وأنّ الرسائل الإعلاميّة حول معايير الجمال كانت أقلّ تأثيرًا عليهن. وبذلك خرج «سوامي» بفكرة أنّ الحجاب يوفّر نوعًا من الحماية ضد تشيُّؤ المرأة وحصرها في قالب جنسيّ[1].

 

من جهتها، تقول «تبسُّم روبي»، التي تدرس قضايا المساواة بين الجنسين في جامعة ميشيغان الغربيّة، أنّها لم تتفاجأ بارتباط الحجاب بصورة ذاتيّة أفضل لدى بعض النساء، لأنَّ ارتداء الحجاب يمكن أن يكون تحريرًا بالنسبة لهنّ، لأنَّه يتيح لهن التركيز على عقولهن، وليس أجسادهن. ثم تطرح سؤالًا يجدر الإجابة عليه، لماذا لا تُسأل المرأة عن سبب ارتدائها للملابس القصيرة والمكشوفة، بينما يتركّز السؤال فقط عن الحجاب؟

 

يأتي الجواب من دراسة أجراها «جون بيرجر» عن الجسد الأنثوي في تاريخ التصوير(الرسم) الغربيّ، وفيها، ملخصًا محكمًا عن النظرة الذكوريّة في المجتمع، حيث

[1]  ساسة بوست، ماجي حسن، كيف يؤثر الحجاب على تقدير المرأة لجسدها؟، 14/3/2015.

يقول: «الرجال تفعل والنساء تظهر: ينظر الرجال للنساء، ويشاهد النساء أنفسهن في أثناء حملقة الرجال فيهنّ. ولا يحدّد هذا أغلب علاقات الرجال بالنساء فحسب، بل كذلك علاقة النساء بأنفسهنّ، فالذي يحملق في المرأة ذكر، وبهذا تُحوّل نفسها إلى شيء وبالتحديد الدقيق هدفًا للنظر: أي منظرًا». ولا تتوقف المرأة عند استبطان النظرة الذكوريّة، فتحكم على نفسها بعيون رغباتهم، بل يلتفت النساء بعضهن لبعض، فتحكم احداهن على الأخرى بعيون الذكر ذاتها[1].

 

فعندما رأت «فيرونيكا دبلداي»[2] النساء في هيرات بأفغانستان (قبل حكم طالبان) يرتدين أجمل ثيابهنّ ويستمتعن باستعراض أنفسهنّ بعضهنّ لبعض، علّقت على ذلك بالقول: «يبدو ذلك غريبًا بالنسبة لنا نحن الغربيّات، إذ لماذا يزعجنّ أنفسهنّ بعناء ارتداء أحسن الثياب برغم أنّ كلّهنّ نساء؟ ما الغرض من ذلك إذا لم يوجد رجال؟ والسؤال هنا كاشف للغاية، أليس كذلك؟ لأنَّه يفترض أن يكون «غرض» النساء من ارتداء أحسن ثيابهنّ واستعراض جمالهنّ هو الرجال، أي النظرة الذكوريّة».

 

خلص باحثون غربيّون إلى حقيقة نظرتهم الذكوريّة تلك، بأنّ الرجال يعدّون النساء «نساءً» أولًا قبل أن يكنّ «زميلات» سواء في مراكز العمل أو على مقاعد الدراسة. فقد أجرت «هيلين واطسون»[3]

[1]  Berger et al., Ways of seeing, p.47. (من كتاب نظرة الغرب إلى الحجاب)

[2] V. Doubleday, Three Women of Herat ( London: Jonathan Cape, 1988), pp.84-85.

[3]  Helen Watson, “Red Herrings and Mystifications: Conflicting Perceptions of Sexual Harassment”, in Rethinking Sexual Harassment, (eds.), Clare Brant and Yun Lee Too( London: Pluto Press, 1994), p.81; L. Farley, Sexual Shakedown: The sexual Harassment of Women on the Job ( New York: Warner, 1980).

لقاءات شخصيّة مع رجال حول التحرّشات الجنسيّة في أماكن العمل، خلصت منها إلى أن الرجال يرون العاملات كائنات جنسيّة لا موظفات. وتشير «نعومي وولف»[1] إلى أنّ مسحًا أجري على 114 طالبًا جامعيًّا قدّم هذه الاستجابات (أحبُّ أن أسيطر على المرأة، 91.3% تبدو بعض النساء كأنهنّ يطلبن الاغتصاب 83.5%).

 

يبدو أنّ هذه النظرة الذكوريّة في الغرب، وجدت مداها في الشرق، وإن بصورة مختلفة، حيث ذهب البعض إلى وضع الحجاب في إطار تأكيد ذكوريّة الدعوة إليه في المجتمعات الإسلاميّة، فالنساء دائمًا مصدر غواية، وأن الرجال بفطرتهم عاجزون عن التحكّم بأنفسهم، ومن ثم تسقط مسؤوليّاتهم نحو النساء، وتحمل النساء عبء هذا الإخفاق الفطريّ الذكوريّ، فيفرض الرجال الحجاب على النساء لصالح الرجال.

 

كما تمثّل تعليقات «هالة عفشر»[2] نموذجًا لهذا النوع من ردود الأفعال النسويّة على الحجاب؛ حيث تقول: «يكمن وراء الحديث عن الشرف ومحاربة الفتنة اقتناع راسخ، ليس بضعف النساء، كما يعلن، بل بهشاشة الرجال. إذ يعتقد أنّ الرجال شديدو الضعف، أمام «المفاتن الأنثويّة»، ممّا دفع النظام الإيرانيّ إلى فرض الحجاب على النساء لأنّهنّ وحدهنّ يقوّضن السلامة العقليّة للرجال، والحقيقة أن «خندق العفّة» هذا ليس مفروضًا لحماية النساء، بل لمنع الهلاك التامّ لجنس الذكور المعرّض للخطر من قبل النساء».

 

لكن ما يلفت في أطروحة «هالة عفشر» ومن يوافقها، التعامي عن أن خندق العفّة هذا كما تحب أن تطلق عليه، ليس مفروضًا في الإسلام على النساء فقط بل على الرجال أيضًا، باعتبار أن الشهوة الجنسيّة ليست حكرًا على الرجال فقط. فقد أمر الله الرجال في الآية الكريمة: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا

[1]  Wolf, The Beauty Myth, p.165.

 

[2]  Haleh Afshar, “ Women, Marriage, and the Sate in Iran”, in Women, State and Ideology: Studies from Africa and Asia, (ed.), Haleh Afshar (London: Macmillan, 1987), p.74. See also Macleod, Accommodating Protest, p.83; Brooks, Nine Parts of desire, p.24.

يَصۡنَعُونَ﴾[1]، كما أمر النساء مباشرة في الآية اللاحقة ﴿وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ﴾[2].

 

في حقيقة الأمر، إنّ الاهتمام الليبراليّ أو الغربيّ بالدعوات والضوابط التي تجعل من الحجاب قيمة اجتماعية، إنما يستمد جدواه من كون الحجاب أمرًا غير حسن، وليس لأنَّهم لا يقبلون الضبط اللازم لانتظام حركة المجتمع. فهم يشرّعون قوانين لإقناع الأفراد (أو إجبارهم) على سلوكيّات تحدّ من رغباتهم الخاصة، منها على سبيل المثال لا الحصر: يمنع شرب الخمر أثناء قيادة السيارة. أو لأنّ التدخين ضار بالصحة يحظر في الأماكن العامة والطائرات ونحوها. إلى جانب القوانين التي تمنع الكتابات المحرضة على الكراهيّة، وما إلى ذلك. فهذه الحملات وما يتبعها من ضوابط هدفها تغيير السلوك لجعله يتوافق مع الانتظام الاجتماعيّ. وهذا ما يلحّ بالسؤال عن الدوافع في التعامل مع الحجاب على أنّه يتعارض مع السلوك الاجتماعيّ الحسن؟

يأتي الجواب من داخل المجتمعات الغربيّة، فقد كتبت سلطانة يوسفالي، وهي طالبة محجبة بالمرحلة الثانويّة عمرها سبعة عشر عامًا، مقالة في العام 1997، نشرتها صحيفة (ذا تورنتوستار) الكنديّة، بعنوان «جسدي شأني الخاص»[3] تقول فيها: «عندما ينظر أغلب الناس إليّ يخطر ببالي أنّي بنظرهم تلك الأنثى المقهورة، فمن استطاع منهم أن يستجمع شجاعته ليسألني عن طريقة ملبسي، فإنّ سؤاله يكون على نحو: هل يجبرك والداك على ارتداء هذا؟ أو ألا ترين أنّ ذلك ليس إنصافًا؟» وتتساءل سلطانة يوسفالي عن سبب طرد التلميذات المحجبات في مقاطعة كويبك: «لماذا تتسبب قطعة قماش صغيرة في مثل هذا الجدل الحادّ؟».

 

[1]  سورة النور، الآية 30.

 

[2]  سورة النور، الآية 31.

 

[3]  S. Yusufali: “My Body is my Own Business”, Toronto Star (Tuesday, February 17, 1998), p.C:1.

 

وسرعان ما تجيب «سلطانة» عن ذلك، بأنّ حجابي وضعني في موقع المتمرّدة، ليس لأن لديّ وشم ظاهر، أو أرتدي أيّة أقراط في أماكن غريبة، بل أتمرّد على الأولويّة التي تعطيها الثقافة الغربيّة للجمال الجسديّ للنساء، فالناس تحكم «على أساس ملبسنا ومجوهراتنا وشعرنا وتبرّجنا». والحجاب أداةٌ تُقوِّي المرأة على المقاومة ورفض لماديّة الثقافات الرأسماليّة المعاصرة، بما فيها من تَشيِيء وسلعنة للجسد الأنثويّ. وترى «سلطانة» أنّ الحجاب أقرب إلى الوصول بالنساء إلى المساواة من سماح الثقافة الغربيّة باستغلال أجساد النساء لأغراض تجاريّة.

 

كما قامت كل من سوزي أوباك، وسوزان بوردو، ونعومي وولف، وجين أوشر، وكاثرين ماكينون و أ. دوركن، وكثيرات من النسويات غيرهنّ بتحليل تفصيليّ لصور النساء في الثقافات الغربيّة[1]، ودرسن مشكلة تشييء الجسد الأنثويّ واستخدامه في الإعلام والصور والأفلام الجنسيّة والرسم والأفلام السينيمائيّة وغيرها (حيثما وجدت صور للجسد الأنثويّ)؛ وخرجن بمقولة رئيسة: «إنّ أجساد النساء تُقَدَّم بصورة لإرضاء الآخر وإشباع رغباته».

 

لا يحتاج الباحث إلى بذل جهود مضنية للتحقّق من هذه المقولة، فالمعطيات التي قدّمتها الدراسات وافرة في هذا المجال، وذلك منذ أن تدفّقت النساء بأعداد هائلة إلى سوق العمل في السبعينيّات. منها على سبيل المثال، معطيات لدراسة ميدانيّة تَبيّن من خلالها أن اللواتي يلتزمن ارتداء بزّات العمل يشعرن بأنّهن يُعامَلن معاملة الموظّفات التنفيذيّات بمعدّل يزيد مرة ونصف عن غيرهنّ، ويقلّ شعورهنّ بأنّ الرجال يتحدّون سلطتهنّ بمقدار الثلث. أمّا اللواتي يرتديَن ملابس تبرز الجاذبيّة الجنسيّة فكانت تنخفض مكانتهم بوصفهنّ عاملات[1]. ولاحقًا أصدر «جون مولوي» كتابًا صار من أكثر الكتب مبيعًا في العام 1977، تحت عنوان «زيّ المرأة لتحقيق النجاح». وقد حقّقت البزّة التي روّج لها مولوي مبيعات هائلة.

 

 

 

 

 

 

[1]  See Berger et al., Ways of seeing.

 

حدث ما توقعه «مولوي» إذ لم ترض صناعة الموضة عن هذه البزّة الجديدة. وهو قد قال لقرّائه: «إنّ صناعة الموضة «ستنزعج» من اتّخاذ النساء هذا «الزيّ الموحّد» في العمل، وسيرى القائمون عليها أنّه يهدّد هيمنتهم على النساء، وسيكون كلامهم هذا صحيحًا»[2].

 

وإذا كان صنّاع الموضة ضد الزيّ الموحّد والمحتشم في العمل، فهم بالتأكيد سيحاربونه خارج العمل بكلّ ما يتوافر لديهم من حجج ومبرّرات، وهذا ما يفتح النقاش حول شكل لباس المرأة المسلمة الذي يُمَكّنها من الحضور الفاعل والمؤثّر في المجال العامّ.

 

إنّ من يرصد مقولات دعاة السفور وتحرير المرأة من الحجاب، يلاحظ حرصهم الدائم على تقديمه بصورة نمطيّة موحّدة سادت خلال العقود المتقدّمة في الإسلام، وأنّ هذه الصورة هي الشكل المعبّر عن حقيقة ما فرضه الدين الإسلاميّ على المرأة من لباس حين تخرج إلى غير الأرحام.

 

بما أنّ هذا الشكل من اللباس يشكّل عائقًا أمام انطلاق المرأة في المجالات العامّة التي استحدثتها الحركة الطبيعيّة - أو المصطنعة - لتطوّر الحياة البشريّة ونموّ مجتمعاتها، فصارت المرأة أمام موقفين لا ثالث لهما، إمّا تمسّكها بحجاب يعيق حركتها أو التخلّي عنه والانطلاق في الحياة. وهم بذلك يسطّرون رسالة مفادها: «الإسلام بما فرضه على المرأة من ضوابط إنّما هو بذلك يمنعها من ممارسة دورها كشريكة فاعلة في المجتمع».

 

[1]  Susan Faludi, Backlash: The Undeclared War against American Women (New York: Crown, 1991), p.175.

 

[2]  Wolf, The Beauty Myth, p.44; Faludi, Backlash, p.176.

اللافت بدلالاته، أنّ دعاة التحرّر من الحجاب حين يدعمون مقولاتهم يستحضرون من التاريخ وقائع ومواقف، يقدّمونها على أنّها شواهد لثورات أو انتفاضات (نسويّة وذكوريّة) ضد الحجاب، وعلى الرغم من أنّها لا تحاكي الحقيقة وتجافي الموضوعيّة في التقديم، إلّا أنها باتت سائدة بوصفها حقائق يُقرّ بها - بشكل غير مبرر- حتى البعض من المدافعين عن الحجاب. ونورد منها الآتي:

 

قصة الناشطة المصرية «هدى شعراوي» حول خلعها للحجاب، والتي دائمًا ما يستند إليها دعاة تحرير المرأة في معرض تشجيعها كي تتخلّى عن حجابها، باعتباره يعيقها عن أداء دورها في الحياة، جاعلين من خطوة «شعراوي» قدوة في هذا المجال. بحيث أنّ معظم من كتب عن «شعراوي» عنون مقالته بأنّها في سياق دفاعها عن حقوق المرأة قامت بخلع الحجاب. لكن بالعودة إلى ما كتبته «شعراوي» في مذكراتها، تقول: «أثناء استقبال سعد زغلول فى العام 1921، قمت أنا و«سيزا نبراوي» برفع «النقاب»[1]، وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلّم الباخرة «مكشوفتي الوجه»، وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذى يبدو ظاهرًا لأوّل مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيرًا أبدًا لأنّ كل الناس كانوا متّجهين نحو سعد متشوّقين إلى طلعته». وهذا ما يعني أنّها لم تخلع الحجاب بل خلعت البرقع الذي

[1]  النِقاب: وهو القناع تجعله المرأة على مارن أنفها تستر به وجهها، كما أنّ البرقع ما تستر به المرأة وجهها، والفرق بينه وبين الحجاب أنّ الحجاب ستر للمرأة جميعها عن غير المحرم، والنقاب مختص بالوجه. أنظر: الفيومي، المصباح المنير، ص 45. يغطّي وجهها فقط. فالمرأة في ذلك الزمن، لم يكن من المسموح لها أن تسفر عن وجهها أمام غير الأرحام.

 

نحن لسنا من القائلين بأنَّ البرقع هو الشكل الواجب على المرأة المسلمة، لكن الأمانة تقضي الإشارة إلى أنّه فيما يتمّ التركيز على خطوة «هدى شعراوي» بنزع البرقع، يتمّ التغافل على أنها حين كانت ترتديه تصدّرت الناشطات في الدعوة للمطالبة بحقوق المرأة، في التعليم حتى مرحلة الجامعة، والسماح لها بالانخراط فى العمل السياسيّ، وتكوين الأحزاب، والإسهام فى دفع عمليّة التنمية والإصلاح، إلى جانب كونها تنظّم المظاهرات وتقودها في وجه الاستعمار الانكليزيّ.

 

كما يستند دعاة تحرير المرأة من الحجاب إلى الفتوة الشهيرة التي أطلقها «الشيخ محمد عبده» (1849-1905) تحت عنوان عدم وجوب وضع المرأة النقاب على وجهها في التشريع الإسلاميّ، حيث جرى التعمّد في تحريف كلامه حين تمّ وضعه تحت عنوان: أنّه أفتى بعدم وجوب الحجاب. ومن يبحث في الدراسات والمقالات التي تناولت الموضوع يلفته عناوينها (شيخ الليبراليّين، الشيخ الذي أفتى بأن الحجاب ليس من الدين، شيخ أزهري: حجاب المرأة عادة موروثة)، وغيرها الكثير من العناوين.

 

إلّا أنَّ «الشيخ محمد عبده» يخالف بأقواله كلّ ما ذكر سابقًا: فهو يرى بأنّه لو تضمّنت الشريعة الإسلاميّة نصوصًا تقضي «بحجاب النقاب» على ما هو معروف الآن عند بعض المسلمين لوجب عليّ اجتناب البحث فيه، ولمّا كتبت حرفًا يخالف تلك النصوص مهما كانت مضرّة في ظاهر الأمر، لأنّ الأوامر الإلهيّة يجب الإذعان لها بدون بحث ولا مناقشة. لكنّنا لا نجد في الشريعة نصًّا يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة، وإنّما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارّة التي تمكّنت في الناس باسم الدين والدين منها براء[1].

[1]  محمد عمارة، أعلام 6 عن قاسم أمين وتحرير المرأة، دار الوحدة, بيروت 1985، ص73-74.

يورد الشيخ محمد عبده علل عدّة، منها: «كيف لإمرأة محجوبة على هذا الشكل أن تعمل بصناعة أو تجارة. وفي حالات التخاصم واللجوء إلى المحكمة من المهم لطرف الخصومة مع إمرأة وللقاضي أيضًا الكشف عن وجه المرأة «ولا أظن أنّه يسوغ للقاضي أن يحكم على شخص مستتر الوجه ولا أن يحكم له». والجدير بالذكر، أنّ هذه الآراء الفقهيّة الثوريّة التي أطلقها الشيخ عبده هي من استند إليها حرفيًا المفكر «قاسم أمين» في دعوته إلى تحرير المرأة عام 1899.

 

حتى الذي كتبته الناشطة والباحثة اللبنانية «نظيرة زين الدين» عن السفور والحجاب في كتاب يراه المخالفون للحجاب مرجعيّة يستندون إليها في سعيهم لتأكيد عدم وجوبه في الإسلام، وأنّه يعيق المرأة عن الانطلاق في الحياة بفاعليّة، فمن خلال قراءة هادئة وموضوعيّة للكتاب يتبيّن ضعف مطلبهم. فالست «نظيرة» كما كانت تحبّ أن يطلق عليها، هي من البيئة الثقافيّة للموحدين الدروز، الذين يعتمدون مظهرًا موحّدًا للحجاب هو أقرب ما يكون إلى النقاب وإن اختلف بالشكل بعض الشيء. بحيث أنّه لا يوجد وسط بيئتها إلّا نموذجين في هذا المجال، فإمّا محجّبة على هذا الشكل وإمّا سافرة من دون حجاب.

 

كما أنّها كتبت حول موضوع الحجاب (1927) في فترة زمنيّة شهدت تنامي حركة الدعوة إلى تحرير المرأة من معوقاتها، وقد تصدّر لبس النقاب واحتجاب المرأة عن المجال العام قائمة تلك المعوّقات، سيّما، أنّه قد سبقها إلى ذلك شخصيّات دينيّة وعلميّة مرموقة. ومن يقرأ كتابها جيّدًا يراها قد تمسّكت بآراء تلك الشخصيّات بوصفها المجاديف التي من دونها ما كان لكتابها أن يعبر إلى دائرة الضوء. ولذلك أصابها ما أصابهم من التباسات في تحديد المقصد. إن لجهة الخلط بين خلع الحجاب وبين إزالة النقاب عن الوجه، أو لجهة الخلط بين تفلّت المرأة من الضوابط الاجتماعيّة وبين الحدّ من تلك الضوابط التي تلغيها. والجدير بالذكر، أنَّ «الست نظيرة» تضع على غلاف كتابها صورة لمرأة سافرة الوجه وتغطي شعرها بحجاب، وهي عندما تزوّجت قد تفرّغت لتربية أولادها حتى وافتها المنيّة.

 

في ختام المبحث، يلاحظ أن الذين يُدرجون مسألة نزع المرأة لحجابها بوصفه إحدى التعبيرات عن بلوغها مرحلة متقدّمة من التمكين، إنّما يحرصون على الدوام في استحضار أديولوجيَّات وسلوكيّات ثبت ضلوعها - عن قصد أو عن جهل- في خلق الحافزيّة لجعل تلك الأدبيّات في موضع الضرورة لشقّ المجتمعات العربيّة والإسلاميّة مسارها نحو التقدّم. وهم في الوقت عينه، يحاولون التعمية أو التشويه لأيديولوجيّات وسلوكيّات، ثبت أنّها استطاعت- كلما أتيحت لها الفرصة- أن تفرض رؤيتها وتجربتها في بناء مجتمع للمرأة المحجبة دور رياديّ في شقّ طريقه نحو التقدّم.

 

وسط هذا الصخب الممنهج يخرج الإمام علي الخامنئي (دام ظله) بأطروحة يقول فيها: «إنّ الإسلام ينظر إلى المرأة من زاوية الكرامة. فجميع الخصائص الإنسانيّة مشتركة بين المرأة والرجل. فالإنسان قبل أن يتّصف بالأنوثة والذكورة فإنه متّصف بالإنسان. وفي الإنسانيّة لا وجود للمرأة والرجل فالجميع سواسية. هذه هي نظرة الإسلام. لقد جعل الله سبحانه خصائص جسمانيّة في كل من الجنسين، يكون لها دور في استمرار الخلقة وفي تكامل الإنسان ورقيّه وفي حركة التاريخ؛ وإن دور المرأة أهم»[1].

 

وحول الحجاب يقول: «إنّه مدعاة لرفعة شخصيّة المرأة وحريّتها. خلافًا للدعايات البلهاء والسطحيّة للماديّين، ليس الحجاب مدعاة لأسر المرأة. المرأة بتركها حجابها وبتعرية الشيء الذي أراد الله تعالى والطبيعة أن تستره إنما تصغّر نفسها وتحطّ من قدرها وتهين نفسها. الحجاب وقار ورصانة وقيمة للمرأة، إنّه رجحان كفة سمعتها واحترامها. ينبغي معرفة قدر ذلك حق المعرفة ويجب تقديم الشكر للإسلام لقضية الحجاب هذه فهذا من النعم الإلهيّة»[1].

[1] من كلمة الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله) بتاريخ 7/11/2012.

 

وحول عمل المرأة يقول: «إنّ عملها هو من جملة الأشياء التي نوافق عليها. سواء كان من نوع العمل الاقتصاديّ أو من نوع العمل السياسيّ والاجتماعيّ والأنشطة الخيريّة وأمثالها؛ فهي جيدة جدًا، النساء نصف المجتمع، وأمر جيّد جدًا، أن نتمكن من الاستفادة من نصف المجتمع هذا في المجالات المتنوّعة. ولكن خلاصة القول إنّ هناك أصلين ينبغي رعايتهما وعدم تجاهلهما، أوّلًا أن لا يلقي هذا العمل بظلاله على العمل الأساسيّ والذي هو عمل الأسرة والزوجيّة والأمومة والتدبير المنزليّ؛ وهذا أمر ممكن. المسألة الثانية هي المحرَّم وغير المحرَّم. إنّ هذه المسألة جديّة في الإسلام ولا شك بأنَّ الجزء الأكبر من هذه القضيّة يرجع إلى الأسرة[2].

[1] من كلمة الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله) بتاريخ 12/5/2012.

[2]  من كلمة الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله) بتاريخ 1/4/2012.

الإستنتاجات

 

حوى هذا الكتاب جملة من المعطيات التي تساهم في الكشف عن حقيقة المواقف من حجاب المرأة، وذلك في سياق البحث عن المعوّقات الحائلة دون بلوغ المجتمعات الإسلاميّة القدرة على تقديم نموذجها الصالح لتقدّم البشريّة ورقيّها. فالمسألة تعدّت كونه مجرّد قطعة قماش تستر بها المرأة بعضًا من جسدها، بل هو حدود حاجزة تدفع محاولات استباحة كيانيّة المرأة بوصفها نصف المجتمع، والشريك الأول والأساس في صناعة النصف الآخر. ولأنّه كذلك، يتعرّض إلى هذا المستوى من الضغوط لدرجة يمكن توصيف بعض معالمها بالحرب. ولكي يحسن التعامل مع هذه الضغوط يجدر مقاربتها بموضوعيّة، آملين أن توضع معطيات هذه الدراسة في هذا الإطار، والتي خرجت بالاستنتاجات الآتية:

 

أولًا: لقد سبقنا الغرب بمستشرقيه في قراءة أنفسنا، حتى عندما قرّرنا التعرّف على حقيقتنا انطلقنا من الصور النمطيّة التي سبق له أن كرّسها عن ثقافتنا ومجتمعاتنا، على أنّها مسلّمات واقعيّة لا يحوجها النقد. فقد برع «الاستشراق» في إقناع الأوروبيّين على أنّهم يتربعون فوق قمّة الحضارة، فالشرقيّ أصيل في دونيّته وهو يحتاج إلى الغربيّ حتى يمنحه الحضارة. وبذلك، ليس من المبالغة أو مجافاة للموضوعيّة القول، بأنّ أطروحات الاستشراق غدت - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- حدودًا وقيودًا للفكر، سواء لدى الغربيّين أو الكثير من الشرقيّين. لقد صارت الأفكار الاستشراقيّة موادّ تعليميّة تنهل منها شعوب الغرب فتزداد شعورًا بالتفوّق والتميّز والعظمة، كما تنهل منها شعوب الشرق فيزداد شعورها بالدونيّة والتخلّف. والأدهى من ذلك، أنَّ هذه الأفكار فرضت المسار الغربيّ بوصفه النموذج الأمثل الذي لا مجال أمام الشعوب التوّاقة إلى التقدّم إلّا سلوكه بكل دقّة ومطواعيّة.

 

ثانيًا: غريب أمر العلمانيّة التي يحرص الغرب على تقديمها بوصفها أيقونة فكره التنويري، ففيما تدعو إلى التمييز بين الخاصّ (الاعتقاد الدينيّ) وبين العامّ (التزامات الفرد نحو الدولة) يلاحظ أنّها راحت في تركيزها على مسألة الحجاب تكشف عن سلوك متعالٍ ومتطرّف بلغ حدّ التمييز العنصريّ، وإن تباينت فيما بينها في كيفية الضغط على الحجاب بغية تعطيل ماهيّته. فالعلمانيّة الفرنسيّة واضحة في موقفها العدائيّ للدين بكلّ أطيافه، لاعتقاد راسخ لدى فلاسفتها بأنَّ الحماسة الدينيَّة ستخمد عندما تزيد الحرية، فروح الدين وروح الحرية متناقضان، لذلك لا يزال ينظر في فرنسا إلى الدين على أنّه تهديد للحريّة بما فيه حجاب المرأة. وذلك على خلاف العلمانيّة الإنكليزيّة التي تركّز على الدين الإسلاميّ، سيّما القرآن والحجاب، لأنّ من شأن الإلتزام بفلسفتهما إعاقة الخطوات التوسعيّة والاستعماريّة. أمّا العلمانيّة الأمريكيّة، فقد كشفت عن وجه ناعم يستبطن أعلى درجات الدهاء، عندما أخرجت الدين من دائرة الاستهداف المباشر، وراحت تصوّب باتجاه المنظومات القيميّة للمجتمعات والشعوب، لاستبدالها بقيم تطلق عليها تسمية الليبرالية الأمريكيّة. وهكذا، لكيّ يكون المرء حرًّا -وفق الوصفة الأمريكيّة- عليه أن يتنكّر لقيمه.

 

ثالثًا: ليس من السهل الفصل بين ما نشهده من مواقف راديكاليّة اتّجاه الحجاب، وبين النماذج الخاطئة التي قُدّمت باسم الدين، خلال حقبات متعدّدة من الزمن. ولن يكون آخرها ما نعايشه الآن، حيث تُقدَّم أدبيّات وسلوكيّات - منفّرة وجاهليّة- على أنّها تعبيرات عن حقيقة الدين، والدين منها براء. إذ ليس من الموضوعيّة القفز فوق موروثات اجتماعيّة غابرة أُلصقت بكتب سماويّة (التوراة والإنجيل) قد جعلت من المرأة في منزلة متدنّية كونها أصل الخطيئة، لذلك وجب حجابها واحتجابها بأشكال ألغت كينونتها. وقد شكّلت هذه الوصايا مرتكزات استند إليها فلاسفة كبار في العصور المتقدّمة والمتأخّرة. والأدهى من ذلك، أنّ هذه التحريفات الدينيّة ثمّ الفلسفيّة التي عجزت عن تسرّبها إلى متن القرآن الكريم، قد وجدت مجالًا للتغلغل على شكل نصوص تقدّم بوصفها أحاديث مسندة عن النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله).

 

رابعًا: في الحقيقة، إن حماسة الغرب لتحرير المرأة الشرقيّة من حجابها واحتجابها، لم تكن غايته الأساسية خلاصها ممّا تعانيه من أذيّة وتهميش، ألم يكن حماسه لإعلان حقوق الإنسان، سيّما المرأة، ودفعها نحو سوق العمل، يرتبط بالتعويض عن النقص الحاصل في اليد العاملة من الرجال، جرّاء الحروب العالميّة. إنّ الباحثة الغربيّة «كاثرين بولوك» كانت صريحة في كتابها عن نظرة الغرب إلى الحجاب، حين تقول: «إنّ غاية الأوروبيّ من بلاد الشرق هي «جني المال»، لذا كان من الضروريّ تعليم الأساليب الأوروبيّة لنساء هذه البلاد لما لهنّ من تأثير على الرجال». وهنا، يجدر الاعتراف بأنّ الغرب قد برع في تعامله مع مسألة المرأة، حين جعل منها محورًا أساسيًّا لتنفيذ سياساته، فمع كلّ خطوة أثّر فيها على معتقدات المرأة ومنظومتها القيميّة، رأينا انعكاساتها على الأبناء والآباء، وعامّة المجتمع، سيّما في مجتمعاتنا التي تُعَدّ الأسرة ركيزتها الأولى.

خامسًا: يجدر التنبّه إلى تحريف ممنهج لمواقف صدرت عن شخصيّات دينيّة وثقافيّة وازنة خلال الحقبة الزمنيّة التي شهدت بداية الحديث عن حريّة المرأة في الشرق، بحيث يجري العمل على توظيفه لتدعيم الدعوة إلى خلع المرأة حجابها والتحرّر المطلق من احتجابها، بوصف ذلك مجرّد موروثات اجتماعيّة لا علاقة للدين بها. فمن المهم الالتفات إلى أنّ مواقف تلك الشخصيّات قد ركّزت بشكل أساسيّ على تغيير لواقعٍ ساد في تلك الحقبة، حيث كان الحجاب عبارة عن جلباب يغطّي المرأة بالكامل بما فيه الوجه والكفين، وأنّها كانت محجوبة عن أيّ فاعليّة في الشأن العام. أي أنّ تلك المواقف كانت تدعو إلى خلع النقاب وليس خلع الحجاب، وإلى ضرورة انطلاق المرأة في المجال العامّ وفق ضوابط وليس على شكل التفلت القائم في بلاد الغرب.

 

سادسًا: إنّ واحدة من أخطر الاستراتيجيّات الأمريكيّة الناعمة، هي الترويج لمفاهيم اجتماعيّة جرى إعدادها بإتقان تحت لافتة «تمكين المرأة»، وغايتها الأساسيّة عولمة القيم الليبراليّة الأمريكيّة، سيّما، في الملبس والتجمّل والاستهلاك والسلوكيّات والآداب والضوابط القانونيّة. وفيها الكثير الذي يتعارض مع قيم الإسلام وضوابطه، وخصوصًا ما يتعلق بحجاب المرأة ودورها في الأسرة وعلاقتها بالآخر في المجالات العامّة. ولأنّها كذلك، فإنّ تلك الأدبيّات تُصَوَّب للحدّ من تأثير قيم الإسلام وضوابطه، ليس لأنَّ الغرب ضد ضوابط الشأن العام، فهي كثيرة ومتشعّبة وصارمة في مجتمعاته، بل لأنّ قيم الإسلام وضوابطه، خاصّة في ما يتعلق بالمرأة، تُقوِّي المرأة على المقاومة والرفض لماديّة الثقافات الرأسماليّة المعاصرة، بما فيها من تَشيِيء وسلعنة الجسد الأنثويّ. وفيما تجاهر أدبيّات التمكين أنّها جاءت لتحدّ من ذكوريّة المجتمع، يأتي الجواب من ملخّص محكم قدّمه الباحث «جون بيرجر» عن النظرة الذكوريّة في المجتمع الغربيّ، حيث يقول: الرجال تفعل والنساء تظهر: فالنساء يشاهدن أنفسهن في أثناء حملقة الرجال فيهنّ. ولا يحدد هذا أغلب علاقات الرجال بالنساء فحسب، بل كذلك علاقة النساء بأنفسهنّ، فالذي يحملق في المرأة ذكر، وبهذا تحول نفسها إلى شيء وبالتحديد الدقيق هدفًا للنظر: أي منظرًا.

سابعًا: من أكثر الظواهر وضوحًا في تعبيراتها عن حجم اختراق القيم الليبراليّة لمجتمعاتنا، هو ما نشاهده من زيّ ترتديه محجبات ويمكن وصفه بالسفور المقنّع، والذي يقصد به، خروج المرأة إلى غير محارمها بزيٍّ يحجب جسدها وشعرها، ويسفر في آن، عن بعض مفاتنها أو أغلبها. وتتقاطع المعطيات على تلازم حاصل بين الظاهرة وتنامي «العولمة» بأدواتها العابرة للقارّات والمجتمعات على اختلاف ثقافاتها. كما يرتبط تنامي هذا الحجاب- بتغافل أو بتشجيع- لوصفه غير منافٍ للزيّ الإسلاميّ، ويسهم في ذلك فاعلون محليّون، أمثال، مصمّمي الأزياء ومنتجيها في بلادنا، وإلى جانبهم أصحاب المتاجر والمحلّات وصالات العرض، الذين اتّخذوا من «اللباس الشرعيّ» مجالًا لتجارتهم. كما يبرز دور المعلّمة التي ترتدي هذا الزي، باعتبار أنّها الجاذبة لطلابها فتصبح قدوتهم في سلوكيّاتها. وإلى جانب ذلك، هناك انطباع يجري تكريسه، بأنّ هذا الزيّ من الحجاب يسهم في توسعة المجالات أمام الأنثى، لجهة تأمين فرص أفضل.

 

ثامنًا: يمكن الخروج باستنتاج يربط بين تنامي الظواهر والإشكاليّات السلبيّة المتعلّقة بالحجاب، وبين تنامي المعطيات التي تتحدث عن خلل في فهم المرأة لفلسفة الحجاب، لاسيّما، لدى الفتاة في المرحلة الأولى من بلوغها سنّ التكليف الشرعيّ. فبعض الأهل، يُكْرِهون الفتاة على الالتزام بالحجاب من دون اللجوء إلى لغة الإقناع، إمّا لأنّهم يفتقدون هذا الإسلوب، أو لأنّهم يجهلون حقيقة فلسفة الحجاب ببعدَيْها الذاتيّ والاجتماعيّ. وهذا ما يشير إلى تقصير - وقصور أحيانًا- من قبل الجهات المعنيّة في عرض وشرح غاية تشريع الله عزّ وجلّ الحجاب.

 

تاسعًا: نختم مع ظاهرة مؤلمة تشهدها مجتمعاتنا، هي على صلة وطيدة بما سبق ذكره، تشير إلى تراجع قيمة «الغيرة والحميّة» لدى بعض الرجال اتّجاه ما يطلق عليه صفة العُرض. فبينما كانت الشكوى من الآثار السلبيّة التي تحدثها المبالغة والشدّة في ممارسة هذه القيمة، صارت الشكوى من حال التراخي والاستهتار الذي يمارس تحت عنوان الحريّة. وهنا، يُطْرح افتراض يحتاج إلى تأكيد أو نفي، بأنّ تنامي هذه الظاهرة يعود إلى تراجع في التعامل مع قاعدة قرآنيّة قدّمها الله في سبيل انتظام المجتمعات، وهي مسألة قيوميّة الرجل داخل أسرته. فليس من باب الصدفة أن تبدأ الأدبيّات الغربيّة لتمكين المرأة من ضرورة تحرّرها من إنفاق الزوج أو الأب عليها، كمدخلية أساسية لتحرّرها بالمطلق.

 

التوصيات

استنادًا إلى استنتاجات الدراسة، تبيَّن أنَّ الاستراتيجيَّات الأميركيَّة الناعمة هي أكثر ما يجب رصده وتتبّعه من خلال برامجها وسياساتها ودراساتها، التي تقوم على موضوع حجاب المرأة كفكرة أساسيَّة، وأنَّ ليس على الغرب استهدافه مباشرةً، لأنه من شأنه أن يدفع المرأة نحو التمسك به وبهويّتها أكثر، بلا عليه أن يستهدف كيانها الداخلي من خلال جذبها نحو القيم الليبراليَّة ضمن شعار «تمكين المرأة»؛ عندها، لن يحيد منطقها وتصرّفاتها عن إملاءات هذه القيم.

 

وعليه، نوصي بالآتي:

إبراز وتعزيز قيمة الحجاب في الإسلام ومكانته التشريعيَّة والقيميَّة في البرامج الثقافيَّة والتربويَّة والأنشطة العامَّة للأخوات.

العمل على إيلاء مسألة الحجاب أولويَّة في برامجنا الإعلاميَّة على القنوات التلفزيونيَّة والإذاعيَّة ووسائل التواصل الاجتماعي.

ضرورة العمل الجادّ على تحجيم مستوى الانتماء الهويَّاتي التقليدي عند المرأة، من خلال تبيين المرتكزات الأصليَّة لهذه الهويَّة، وهذا من شأنه أن يسهم في تشكّل المناعة الذاتيَّة لديها حيال محاولات الاختراق لهويّتها وبالتحديد لمنظومتها القيميَّة.

 

إنَّ الحجاب وُفق التشريع الإلهي يأتي في إطار تأكيد المكانة العالية للمرأة ولكرامتها، وهذا ما يستدعي أن تكون المرأة المحجّبة على دراية واقعيَّة في فهم هذا الدور لحجابها بعيدًا عن الموروثات الخاطئة التي جرى تحميلها ظلمًا لهذا التشريع الإلهي.

التنبّه لحقيقة المستغربين المنتشرين وسط المجتمعات المسلمة والذين تجنّدوا ليكونوا وكلاء محلّيّين لتسييل ونشر الأدبيَّات الغربيَّة وسلوكيَّتها المتناقضة لقيم الإسلام وبالتحديد لجهة ظاهرة السفور المقنّع، من حجاب الاحتشام والعفَّة إلى حجاب الإغراء الذي لا يراعي الضوابط الشرعيَّة للحجاب والستر الإسلامي للمرأة.

دعوة المحجّبة للاطّلاع أكثر على دورها ضدّ الهجمة على هويّتها ومنظومتها القيميَّة، فالرفض القلبي أو الهامس ما عاد مجديًا أمام شراسة ما تتعرّض له المرأة من استهداف، سيّما وقد بات لديها وسائل للتعبير من هواتف ذكيَّة وغيرها، الأمر الذي يمكّنها من تحويل التهديد إلى فرصة.

العمل على فضح الأنموذج الغربي وما يُحدثه بأدبيَّاته وقيمه الليبراليَّة من ظواهر مؤلمة على مستوى مجتمعاته. إنَّ التقارير والدراسات التي تنتشر في الغرب تزداد وتيرتها، وتكشف عن الحجم الانحطاط الذي بلغته المرأة خاصة والمجتمع بشكلٍ عامّ إثر ابتعادها عن الحشمة والعفّة.

مراجع الدراسة

 

المراجع العربية:

القرآن الكريم

ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج1، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1408هـ.

التبريزي، جواد بن علي، صراط النجاة، ج 9، قم - إيران، الناشر: دار الصديقة الشهيدة، ط1، 1427 هـ.

جان بيار سيريني، إسفارُ نساءٍ مُسلِماتٍ في الجزائر، استيهامٌ استِعماري.

جون ولاش سكوت، سياسة الحجاب، ترجمة: المصطفى حسوني وحسن ازريزي، دار توبقال للنشر، المغرب، الطبعة: الأولى 2010.

دراسة الجامعة الأمريكيّة في بيروت (AUB) والحرب الناعمة، مركز الحرب الناعمة للدراسات، بيروت، 2017.

دراسة تمكين المرأة، مركز المعارف للدراسات الثقافيّة.

ستيفن جاي جولد «أستاذ الجيولوجيا وتاريخ العلوم في جامعة هارفورد»، أدمغة المرأة.

الشيرازي، محمد، الأسئلة والأجوبة- اثنا عشر رسالة، ج 2.

الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، ج 1، قم ، إيران، الناشر: مؤسسة البعثة، 1414 هـ.

غي هارشير، العلمانية، مكتبة بغداد، المؤسسة العربية للتحديث الفكري، ط1، 2005.

الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير، قم، إيران، مؤسسة الهجرة، 1405 هـ.

كاثرين بولوك، نظرة الغرب إلى الحجاب، ترجمة شكري مجاهد، دار العبيكان، الرياض 2011.

مارتن ليندستروم، دوافع الشراء، حقائق واكاذيب، الدار العربيّة للعلوم ناشرون.

مجلة عالم المعرفة، غيرترود هيملفارب، الطرق إلى الحداثة، التنوير البريطانيّ والتنوير الفرنسيّ والتنوير الأمريكيّ، ترجمة د. محمود سيد أحمد، سبتمبر 2009، العدد 367.

المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن، المعتبر في شرح المختصر، ج 1، تحقيق وتصحيح: محمد علي الحيدري، السيد مهدي شمس الدين، السيد أبو محمد المرتضوي، السيد علي الموسوي، قم، إيران، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، ط1، 1407 ه‍.

المقديم، محمد اسماعيل، عودة الحجاب، دار طيبة للنشر والتوزيع، القاهرة، ط 10، المجلد1، 2006.

محمد بن أحمد بن النعمان، الشيخ المفيد، الاختصاص، تحقيق علي أكبر غفاري.

الحر العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ج5.

الكليني، محمد بن يعقوب، الأصول والفروع من الكافي، ج8.

عمارة، محمد، أعلام 6، عن قاسم أمين وتحرير المرأة، دار الوحدة، بيروت 1985.

مداخلة د. عتريسي، خلال ندوة أقامها مركز الحرب الناعمة للدراسات حول الحجاب.

زين الدين، نظيرة، السفور والحجاب، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت 2011. الإعلام في القرآن.

ويل ديورانت، لذات الفلسفة.

المراجع الأجنبيَّة

 

Ahmed, Women and Gender in Islam.

Berger et al., Ways of seeing.

Fatimah Givechian, Cultural Changes in Male-Fimale Relations, The Iranian journal of International Affairs,3,3,1991.

Haleh Afshar, “ Women, Marriage, and the Sate in Iran”, in Women, State and Ideology: Studies from Africa and Asia, (ed.), Haleh Afshar (London: Macmillan, 1987), See also Macleod, Accommodating Protest, p.83; Brooks, Nine Parts of desire.

Helen Watson, “Red Herrings and Mystifications: Conflicting Perceptions of Sexual Harassment”, in Rethinking Sexual Harassment, (eds.), Clare Brant and Yun Lee Too( London: Pluto Press, 1994); L. Farley, Sexual Shakedown: The sexual Harassment of Women on the Job (New York: Warner, 1980).

Mabel Sharman Crawford, Through Algeria,1863,quoted in j. Marbo (ed),Veiled Half-Truths: Western Travellers “ Perception of Middel Eastern Women (London: I,B.Tauris,1991).

S. Yusufali: “My Body is my Own Business”, Toronto Star (Tuesday, February 17, 1998), p.C:1.

Scott jaschik, Philosophy and Sexism, 10/9/2007.

Berger et al., Ways of seeing.

Susan Faludi, Backlash: The Undeclared War against American Women (New York: Crown, 1991).

V. Doubleday, Three Women of Herat (London: Jonathan Cape, 1988).

Van Sommer and Zwemer, Our Moslem Sister.

Wolf, The Beauty Myth، Faludi, Backlash.

المواقع الإلكترونيّة:

 

موقع الجزيرة.

موقع القدس العربي.

موقع القنطرة.

موقع ساسة بوست.

موقع العربية.

جريدة الرياض.

موقع الشاهد.

موقع العربي 21.

موقع مساواة المرأة.

شبكة المعارف الإسلاميّة.

موقع المسلم.

مواضيع ذات صلة