ألقت المرجعية الدينية في النجف الاشرف بثقلها إلى جانب الحركة، وهو جانب الوطن والإسلام في الوقت نفسه، فقد عبرت فتاواها عن حاجة شعبية وتطلعات وطنية ودينية لمواجهة الغزاة، وكانت فتوى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء أقواها وأوضحها وأكثرها حماساً وتشجيعاً، بقوله عن حركة مايس: "هل يشك أحد من المسلمين، فضلاً عن العراقيين في وجوب الموازرة والنصرة لهذه الحركة الحافظة لسلامة البلاد وكرامتها.
كل إنسان بقدر استطاعته وأقصى ما في وسعه.. القريب والبعيد فيه سواء.. وليكونوا على ثقة من أن قضيتهم عادلة، وان الله جل شأنه منجز لهم وعده بقوله "إن تنصروا الله ينصركم". وقد وصف أعضاء الحكومة الوطنية الجديدة بـ "رجالات العراق وساسته المخلصون" وأن حركتهم "ترف عليها أجنحة النجاة والنجاح بعناية الحق جل شأنه، وروحانية الإسلام المقدسة".
ويذكر أن الأمير عبد الاله قبل هروبه حاول دفع رشوة للشيخ كاشف الغطاء مبلغها عشرون ألف جنيه إسترليني، مقابل قيامه بإثارة العشائر العراقية ضد حكومة الدفاع الوطني في بغداد، ويبدو أن الأمير لم يقدر نزاهة الشيخ ووطنيته، فتلقى إهانة موجعة منه، حينما رفض الأخير العرض بشدة، وأمر المبعوث الذي حمل المبلغ إليه أن يذهب به بنفسه إلى الكيلاني، لإيداعه في خزينة الدولة، يعده جزءاً من أموال اشعب.
ومن الجدير بالملاحظة أن الشيخ كاشف الغطاء كان قد تزعم الحركة الاحتجاج ضد سياسة التمييز الحزبي والطائفي التي مورست في عهد حكومة ياسين الهاشمي عام 1936 والتي كان الكيلاني فيها وزيراً للداخلية. فكان بإمكانه أن ينتهز الفرصة وينتقم من خصومه القدامى، لكن شيمته العربية والإسلامية الأصيلة، ومبادئه الثابتة، ومقامه الديني الرفيع جعلته يتناسى جراحاته التي ما زالت فاغرة، ويترفع عن أن يفضل مصلحة خاصة على المصالح العليا لوطنه.
وكانت فتوى المرجع الديني الأعلى السيد أبي الحسن الأصفهاني الصدارة في 5 آيار 1942 جلية المعنى، ناصعة الهدف، في وجوب الدفاع عن أرض العراق الطاهرة بالقول: "أن الواجب الديني يقضي على كل مسلم بحفظ بيضة الإسلام وبلاد المسلمين بقدر استطاعته، وهذه البلاد العراقية المشتملة على مشاهد الأئمة معاهد الدين يجب علينا جميعاً الحفاظ عليها من تسلط الكافر، والمدافعة عن نواميسها الدينية فإلى هذا أحثكم وأدعوكم".
يتبع...
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 182