دور المرجعية الدينية في الانتخابات البرلمانية
حظيّ موضوع الانتخابات بأهمية خاصة، بوصفه آلية ديمقراطية لدى المرجعية الدينية بعد عام 2003م في عملية إعادة بناء العراق على أسس جديدة تختلف عن تلك التي سادت في زمان النظام السابق، ويبدو أن المرجعية الدينية قد وقفت ضد سلطات الاحتلال سواء في تأسيس مجلس الحكم، أم في كتابة الدستور، أم في تعيين الحكومة، وأصرت منذ البداية أن ينبثق كل شيء من الإرادة الشعبية وعبر آلية الانتخابات العامة على الرغم من الظروف الصعبة التي كان يمر بها العراق آنذاك، ودخلت في صراع شديد مع سلطة الائتلاف حتى تمكنت في نهاية المطاف من إجبارها على النزول عند رغبة الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي، وأن عملية الانتخابات هي الطريقة السلمية لإشراك الشعب في تحديد البلاد واخراجها من أزمتها السياسية التي تمر بها، ومنع تسلط أية جهة أو جماعة على مقدرات الوطن بأي سبب من الأسباب وليتمكن الشعب من حكم نفسه بإرادته بعيداً عن الانقلابات العسكرية والضغوط الخارجية، مؤكداً بشدة عدم نية المرجعية ممارسة السلطة والحكم.
وقد أصر السيد السيستاني على الانتخابات لأسباب مبدئية في الأساس، تتصل بخشيته من أن تتحول الحكومة المؤقتة إلى حكومة دائمة، وألا يصار بعد تشكيلها من جانب المجلس الجديد المعين إلى الانتخابات المتفق عليها بعد أشهر، وكان يرى أن الانتخابات هي الطريقة المثلى لتمكين الشعب العراقي من تشكيل حكومة ترعى مصالحه في بلدٍ مثل العراق متنوع الأعراق والطوائف، ولا يمكن تجاوز المحاصصة العرقية والطائفية في أي تشكيلة حكومية فيه إلا بالرجوع إلى صناديق الاقتراع، وكان يشدد مرارً على ضرورة أن تكون الحكومة العراقية ذات سيادة منبثقة من انتخابات حرة نزيهة يشارك فيها الشعب العراقي بصورة عامة.
ولما كانت الانتخابات إحدى الفعاليات السياسية داخل الدولة من جهة ولسكانها من جهة ثانية، فجدير أن نتعرف على دور المرجعية فيها وما أصدرت من فتاوى وبيانات واستفتاءات[1].
بعد سقوط النظام البائد في العراق عام 2003 بتدخل قوات الاحتلال الأمريكي، حدث فراغ سياسي وإداري في السلطة مما أدى إلى قيام قوات الاحتلال بالتفكير من أجل تأسيس إدارة جديدة بدأت في السلطة بزعامة الجنرال والحاكم العسكري الأمريكي (جي غارنر) للفترة من التاسع من نيسان عام 2003 إلى السادس عشر من أيار عام 2000 والتي فشلت جهوده بتشكيل حكومة عراقية مقبولة من قبل الشعب العراقي، إذ تم وضع العراق تحت سلطة الحاكم المدني الأمريكي( بول بريمير) الذي ترأس سلطة التحالف المؤقتة( CPA ) التي تأسست بموجب قرار مجلس الأمن الدولي المرقم( 1438) في الثاني عشر من تموز عام ( 2003 )، والذي استند إلى الفقرة التاسعة من قرار( 1438 ) التي تنص على ( قيام شعب العراق بمساعدة سلطة الاحتلال، وبالعمل مع الممثل الخاص ( للأمم المتحدة سيرجون دي ميلو) بتكوين إدارة عراقية مؤقتة بوصفها إدارة انتقالية يسيرها العراقيون إلى أن ينشئ شعب العراق حكومة تمثيلية معترف بها دولياً وتتولى مسؤوليات السلطة) وألزم هذا القرار أعضاء مجلس الأمن الدائمي بتنفيذ هذا القرار ، فضلا عن ذلك منح قرار( 1483 ) صلاحيات أخرى لمجلس الحكم من أجل مصالح العراق منها: حق تعيين مجلس تأسيس يشرف على عملية إعداد الدستور الدائم للبلاد يطرح على الاستفتاء العام، ثم إجراء انتخابات عامة؛ لغرض تشكيل مجلس وطني، ثم قيام حكومة عراقية منتخبة تتمتع بكامل السيادة تُعطى لها كافة سلطات ومسؤوليات سلطة التحالف، وأعلن ( بول بريمر ) في الثالث عشر من تموز عام( 2003 )عن تأسيس مجلس الحكم الانتقالي الذي يمثل أول مؤسسة تشريعية تنفيذية بعد سقوط النظام البائد، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت عن تشكيل ذلك المجلس نتيجة لتخوفها من المرجعية الدينية بزعامة السيد السيستاني، واعتبر السيد السيستاني تأسيس ذلك المجلس امراً واقعياً يتحمل مسؤولية إدارة البلاد بدلاً من الحكم الأمريكي المباشر، وكان سماحته يستقبل أعضاء ذلك المجلس لأجل مناقشة القضايا والشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأجل مصلحة البلاد ولاسيما في مسألة الانتخابات[2].
عاش العراق عدد من الانتكاسات وخيبات الأمل طوال الفترات السابقة مما أدى بالمواطنين للعزوف عن الانتخابات، فقد كانت المرجعية الدينية في بياناتها تحث المواطنين على المشاركة الفعالة في الاقتراع من أجل التغيير، وانتخاب الأصلح، وتركت قضية الاختيار المناسب لقناعة المواطن نفسه دون الإشارة لدعمها لأي جهة، وهنا ترى المرجعية أن الحل ليس بالعزوف عن الانتخابات، وإنما المشاركة فيها بحسن الاختيار من القائمة والمرشح معا، ولأن صندوق الاقتراع هو أفضل وسيلة للتغيير، فقد كانت المرجعية دائماً ما تحث الشعب العراقي على الإصلاح من طريق الانتخابات، حيث حرمت بيع بطاقة الناخب، وحثت الشعب على اختيار الصالح ، وتغيير الوجوه، ولأن لبنة الإصلاح الحقيقي تعتمد على القاعدة الصالحة والآلية الصالحة للتغيير، إذ أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وإلا فلا تغيير دون قاعدة صالحة[3].
مرَّ العراق بحقبٍ كثيرة وأزمات اكثر، وما تهيأت له فرصة اختيار من يمثله بنفسه إلا بعد سقوط نظام البعث المجرم الذي ظلم العباد والبلاد وأكثر فيها الفساد ما أن آن للشعب اختيار من يدير أمره ،حتى نعقت أصوات تود التخريب وعدم الارتياح والهدوء لهذا البلد المضطهد المظلوم إلا أن الله برأفته قيض للناس من يكون لهم ردئاً ووقاء وسندا واتقاء أي السيد السيستاني (دام ظله الوارف) فاطلق صيحات الحق بوجه الظلم والكبت والإرادات التي كان هدفها الأسمى إفشال العملية الانتخابية آنذاك رافضا الإجبار الذي مارسته السياسات السابقة في أن تفرض على الناس من يقود زمام أمرها وحقوقها معطية الحرية في الاختيار إلى الشعب نفسه، مخرجة إياه من استبداد الأمس وظلم الظلمة وجور الجائرين بأن حثت على الانتخابات ووضع أطر لها من طريق البيانات والتوجيهات الصادرة من منبر الجمعة من الصحن الحسيني الشريف.
تمتلك المرجعية الدينية في النجف موضعاً مهماً في نفوس الشعب العراقي؛ لما تمتلكه من مقامٍ سامٍ ورمزية مهمة، ولما تدخلت به في المواقف، وقد سعى المشرع العراقي لتثبيت دور الأفراد في المشاركة الفاعلة في الانتخابات[4]، وبذلك أكد المرجعية الدينية على قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لا بد من عرضه على ممثلي الشعب في المجلس الوطني الانتقالي؛ لغرض التصديق عليه تأميناً لشرعيته، إذ كان السيد السيستاني يصر ويؤكد على ضرورة إجراء انتخابات عامة من أجل تشكيل مجلس وطني انتقالي يضمن تمثيل العراقيين بشكل متساوٍ وعادل، ويتولى التصديق على القانون الانتقالي[5].
فقد أظهر السيد السيستاني اهتماماً كبيراً في الانتخابات البرلمانية وعملية تشكيل الجمعية الوطنية العراقية، والسبب في ذلك، لأن الجمعية الوطنية من مهامها تدوين دستور دائم للعراق، كما أنها ستضع قانون الانتخابات الذي يحدد كيفية إجراء الانتخابات في العراق مستقبلا، كما أن الجمعية مسؤولة مباشرة عن تشكيل الحكومة القادمة من النواحي السياسية والمذهبية والقومية، بالإضافة إلى ذلك أنها تتولى المصادقة على ميزانية الدولة العامة. وفي أسئلة عدة لوكالات اجنبية للسيد السيستاني بخصوص وضع العراق ومنها (وكالة الاسوشييد برس) الامريكية التي قالت للسيد، ماهي الحكومة المقبلة التي تريدون في العراق ما بعد صدام حسين ويجب أن يتم تشكيلها؟ وهل ستلعبون دوراً فيها؟ فكان جوابه كالآتي: (شكل نظام الحكم في العراق يحدده الشعب العراقي وآليه ذلك أن تجري انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي من يمثله في مجلس تأسيس لكتابة الدستور، ثم يطرح الدستور الذي يقره هذا المجلس على الشعب للتصويت عليه، والمرجعية لا تمارس دوراً في السلطة والحكم)[6].
ومن أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية للسيد السيستاني، ما هو رأيكم بصياغة الدستور الجديد للعراق؟ ومن هو المخول برأيكم والمسؤول عن صياغته؟ فكان جواب السيد السيستاني كالآتي: (الدستور العراقي يجب أن يكتب من قبل ممثلي الشعب العراقي الذي يتم اختيارهم عن طريق الانتخابات العامة وأي دستور يضعه مجلس غير منتخب من قبل الشعب لا يمكن القبول به، ولابد أولاً من إجراء انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي مؤهل لانتخاب من يمثله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ثم يجري التصويت العام على الدستور الذي يقرّه هذا المجلس)[7].
وعلى هذا فأن السيد السيستاني يؤكد في اجاباته للأسئلة المتعددة على دور الشعب في الانتخابات واختيار من يمثله لإدارة بلاده.
وأكد السيد السيستاني على حق الشعب في ممارسة حقه في اختيار الدستور الذي يراه مناسباً، واختيار نوابه في إطار انتخابات عامة نزيهة بإشراف دولي مع ضمان مشاركة كافة قطاعات الشعب العراقي في هذه الانتخابات[8]. وكشفت مصادر عراقية قريبة من المرجع الديني الأعلى آية الله علي السيستاني لصحيفة الرأي العام الكويتية عن مبادرة يمكن أن يطرحها مكتب السيستاني في الأيام القليلة المقبلة لمحاورة كيانات سياسية وشخصيات من الجانب السني من أجل وفاق وطني موحد حول الانتخابات العراقية المنتظر إجراؤها، فأشارت المصادر إلى أن الفتوى التي أصدرها السيد السيستاني حول وجوب المشاركة في الانتخابات لم تذكر الشيعة فقط، بل شملت كل عراقي مؤهل للمشاركة في الانتخابات ، مضيفةً أن السيد السيستاني دائماً ما يُشدد على أن أي حكومة مقبلة لا تمثل كل العراقيين بل يكون باستطاعتها الطلب من الأمريكيين الخروج من العراق إلا إذا انبثقت عن صوت عراقي موحد في صيغة وفاق وطني يجمع الشعب كله بمختلف أطرافه ويتحدث بما يريده العراقيون[9].
في نهاية عام 2004 المصادف 1/ 11 تم توجيه سؤال إلى مكتب المرجعية الدينية مفادهُ: إنكم على علمٍ بأن المفوضية العليا للانتخابات قد قررت فتح مراكز تسجيل الناخبين في جميع أرجاء العراق لمدة ستة أسابيع اعتبارا من 1/11/2004، فما هي توجيهات سيدنا المرجع (دام ظله) للمؤمنين في هذا الخصوص؟ فيُجيب المرجعية الدينية قائلاً: يجب على جميع المواطنين المؤهلين للتصويت من الذكور والأناث التحقق من إدراج أسمائهم في سجل الناخبين بصورةٍ صحيحة، ومن لم يدرج اسمه أو أدرج بصورة مغلوطة فعليه مراجعة اللجنة الانتخابية في منطقته وإبراز المستمسكات المطلوبة للتدارك والتصحيح، وعلى أصحاب الفضيلة الوكلاء والمعتمدين تشكيل لجان شعبية في مناطقهم لمساعدة المواطنين على إنجاز هذا الأمر المهم، حتى يتسنى للجميع المشاركة في الانتخابات التي نأمل أن تجرى في موعدها المقرر وأن تكون حرة ونزيهة وبمشاركة جميع العراقيين والله الموفق.
إن ما طالبت به المرجعية الدينية بضرورة إجراء انتخابات لم يأتِ من فراغ وإنما هو تعبير حقيقي وصادق عن رغبة وإرادة الشارع العراقي بكل أصنافه وأطيافه، إذ لا يوجد عراقي واحد يرفض مبدأ الانتخابات والقبول بالرفض والتعيين وخاصة بعد معاناة طويلة دامت أكثر من ثلاث عقود لم يذق فيها الشعب العراقي طعم الحرية في ضل حكم استبدادي قامع للشعب، ومقيد للحريات، ومحتكر للسلطة، فسخر كل شيء في خدمة الدكتاتورية، وحوّل العراق إلى سجن كبير، واليوم بعد سقوط النظام الصدامي البائد والخروج من سجن الطاغوت وتحرير واحتلال العراق، خرج الشعب ليمارس حريته وينتخب حكومته وبرلمانيه ومؤسساته، ليبني عراقاً ديمقراطياً جديداً على انقاض الدكتاتورية، وبعد تسعة شهور بدأ التلكؤ والتأجيل والمراوغات بحججٍ واهية كالوضع الأمني والتعداد السكاني، وكأن السيد السيستاني والعلماء والمراجع والجماهير المليونية المطالبة بالانتخابات كلها جاهلة بالوضع.
وفي عام 2004 وجهت رسالة من مكتب السيد السيستاني –دام ظله- في النجف الأشرف إلى السيد الأخضر الابراهيمي جواباً على رسالة منه تستوضح موقف المرجعية الدينية من الدور القادم للأمم المتحدة في العراق؟ وقد جاء فيها بعد السلام والتحية، التوضيحات التالية:
- إن المرجعية الدينية التي بذلت جهوداً مضنية في سبيل عودة الأمم المتحدة إلى العراق، وإشرافها على العملية السياسية وإجراء الانتخابات العامة كانت تتوقع أن يترك لممثلي الشعب العراقي في الجمعية الوطنية المنتخبة حرية إدارة البلد في المرحلة الانتقالية وكتابة الدستور الدائم والاستفتاء عليه وفق الآلية التي يقررها المندوبون ، ولكن بعد إقرار ما يسمى بـ (قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية) ستكون الجمعية الوطنية القادمة مكبلة بقيود كثيرة لا تسمح لها باتخاذ ما تراه مطابقاً لمصلحة الشعب العراقي، حيث أملى عليها مجلس غير منتخب هو مجلس الحكم الانتقالي وبالتنسيق مع سلطة الاحتلال قانوناً (غريباً) لإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية، كما أملى عليها – وهو الأخطر – مبادئ وأحكاماً وآليات معينة فيما يخص كتابة الدستور الدائم وإجراء الاستفتاء عليه، أن هذا (القانون) الذي لا يتمتع بتأييد معظم الشعب العراقي– كما تؤكد ذلك استطلاعات الرأي العام وملايين التوقيعات التي جمعت خلال الأيام القليلة الماضية في رفضه أو المطالبة بتعديله – يصادر حق ممثلي الشعب العراقي المنتخبين بصورة لا نظير لها في العالم ، وبذلك تفقد الانتخابات التي طالما طالبت بها المرجعية الدينية الكثير من معناها وتصبح قليلة الجدوى، فهذا (القانون) الذي يعهد بمنصب الرئاسة في العراق إلى مجلس يتشكل من ثلاثة أشخاص – سيكون أحدهم من الكرد والثاني من السنة العرب، والثالث من الشيعة العرب – يكرس الطائفية والعرقية في النظام السياسي المستقبلي للبلد، ويعيق اتخاذ أي قرار في مجلس الرئاسة إلاّ بحصول حالة التوافق بين الأعضاء الثلاثة وهي ما لا تتيسر عادة من دون وجود قوة اجنبية ضاغطة – كما وجدنا مثل ذلك في حالات مماثلة – وإلاّ يصل الأمر إلى طريق مسدود ويدخل البلد في وضع غير مستقر وربما يؤدي إلى التجزئة والتقسيم لا سمح الله تعالى.
- إن المرجعية الدينية التي سبق لها أن طالبت بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي يحدد موعد الانتخابات العامة تخشى أن تعمل سلطة الاحتلال على إدراج هذا (القانون) في القرار الجديد في مجلس الأمن ليكتسب صفة الشرعية الدولية، ويلزم به الشعب العراقي رغماً عليه.
- في ضوء ما تقدم وبالرغم مما يتمتع به شخصكم من احترام وتقدير لدى سماحة السيد إلاّ انه لا يرغب أن يكون طرفاً في أية لقاءات واستشارات تجريها البعثة الدولية في مهمتها القادمة في العراق ما لم يصدر من الأمم المتحدة موقف واضح بأن هذا (القانون) لا يلزم الجمعية الوطنية المنتخبة بشيء، ولن يذكر في أي قرار جديد لمجلس الأمن الدولي بشأن العراق.
في عام (2004) نُشر في مقر الأمم المتحدة في (نيوريوك) التقرير الذي أعده فريق المنظمة الدولية لتقصي الحقائق الذي زار العراق مؤخراً، وقد لوحظ اشتمال التقرير على العديد من النقاط التي توافق رؤى المرجعية الدينية بما تم بيانها سابقاً، فقد أكد التقرير على إنشاء حكومة مكتملة الأهلية يتوقف على إجراء (انتخابات وطنية مباشرة) وأن فكرة نظام المجمعات التي بني عليها اتفاق (15 تشرين الثاني) ليست عملية ولا تتمتع بدعم كاف من العراقيين وليست بديلا عن الانتخابات.
كما أوضح التقرير أنه بغض النظر عن الآلية التي ستقرر لتشكيل الحكومة الانتقالية في( 30 حزيران )، فلا بد من فهم أن هذه الحكومة ستكون لمدة قصيرة ، ويتعين أن تحل محلها في أسرع وقت ممكن حكومة منتخبة ديمقراطيًا ومكتملة الأهلية، وفي الوقت الذي قرر الفريق الدولي أنه لا يمكن إجراء انتخابات مؤقتة بحلول( 30 حزيران) أكد على إمكانية إجرائها بعد بضعة أشهر من ذلك التاريخ (بحلول نهاية عام 2004 أو بعد ذلك بقليل) إذا تم (الشروع فورا بالأعمال التحضيرية لها) وبهذا الصدد أوصى الفريق بالعمل فورا على إنشاء هيئة انتخابية عراقية مستقلة بدون مزيد من الإبطاء للقيام بهذه المهمة.
وقد أشار التقرير إلى العديد من العيوب الخطيرة في اتفاق 15 تشرين الثاني ومنها انشاؤه على قيام مجلس الحكم بصياغة القانون الإسلامي على أساس تشاور وثيق مع سلطة التحالف وتضمنه تفاصيل محددة تنص على أحكام رئيسية في القانون الأساسي تُلزم مشرعي المستقبل، وما نص عليه من أن ما يتفق عليه مجلس الحكم وسلطة التحالف مما لا يمكن أن يعدل لاحقا، وأيضا إبقاؤه على إقرار ترقيبات أمنية غير مجددة تلزم الحكومة التي ستقام في المستقبل باتفاقيات غير معروفة بين سلطة التحالف ومجلس الحكم وغير ذلك من مسائل لم تناقش ولم يتفق عليها لا على مستوى الشعب العراقي ولا على مستوى ممثليه المنتخبين، وعلى الرغم من استبعاد الفريق الدولي فكرة نقل السيادة إلى حكومة منتخبة بصورة مباشرة، إلا أن ما قرره من إمكانية إجراء الانتخابات في نهاية عام 2004 يحظى بأهمية بالغة ، ولا سيما مع اقتراح إجرائها لاختيار جمعية وحيدة تناط بها مهمتان هما وضع دستور البلد والعمل في الوقت نفسه بوصفها الهيئة التشريعية إلى حين إقرار الدستور الدائم.
وإن المرجعية الدينية تطالب بضمانات واضحة – كقرار من مجلس الأمن الدولي- بإجراء الانتخابات وفق ذلك التاريخ، ليطمئن الشعب العراقي بأن الأمر لا يخضع مرة أخرى لمزيد من التسويف والمماطلة لذرائع مشابهة للتي تطرح اليوم.
كما تطالب المرجعية بأن تكون (الهيئة غير المنتخبة) التي تسلّم لها السلطة في الثلاثين من حزيران إدارة مؤقتة ذات صلاحيات واضحة ومحدودة تهيئ البلد لانتخابات نزيهة وحرة، وتدير شؤونه خلال الفترة الانتقالية من دون تمكينها من اتخاذ قرارات مهمة تلزم الحكومة المنبثقة من مجلس منتخب، وأما فيما يتعلق بالألية التي سيتقرر اعتمادها في عملية نقل السلطة فأن هناك قلقا متزايدًا من أن لا يتيسر للأطراف المعنية التوصل في المدة المتبقية إلى آلية تتمتع بتأييد الشعب العراقي على أوسع نطاق، كما طالبت بذلك الأمم المتحدة، وأن تجد هذه الأطراف نفسها في مطب المحاججات العراقية والطائفية والسياسية التي سعت المرجعية في تجاوزها بالدعوة إلى الاعتماد على آلية الانتخابات العامة.
حصلت الانتخابات البرلمانية في الثلاثين من كانون الأول عام 2005 وبمشاركة شعبية كبيرة، وتعد أول انتخابات حرة ومستقلة في تاريخ العراق المعاصر، وفي ضوء نتائجها تشكلت الجمعية الوطنية التي مثلت أول برلمان عراقي يعبر عن آراء جميع مكونات الشعب العراقي، ونتيجة الأداء غير الجيد للجمعية وجهت إليها جملة من الانتقادات منها؛ اهتمام أعضاء الجمعية في إقرار قوانين غايتها المصالح الشخصية مثلا في: (الرواتب والامتيازات والتقاعد)، مما أدى إلى استياء لدى الأوساط الدينية والسياسية والشعبية والإعلامية[10]، وعلى هذا الأساس أبدى السيد السيستاني اهتماماً ملحوظاً بالانتخابات التشريعية وعملية تشكيل الجمعية الوطنية العراقية، ويعود ذلك الاهتمام إلى أن المجلس يمثل المؤسسة الأقوى في الدولة والذي يكون للشعب العراقي دوره الهام في تشكيله واختيار أعضائه بالانتخاب الحر المباشر[11].
وكان السيد السيستاني من الذين انتقدوا أداء أعضاء الجمعية الوطنية ولا سيما أعضاء الائتلاف العراقي الموحد الذي حظي برعايته المعنوية والسياسية، فضلا عن ذلك انتقد الأحزاب التي لم تراع الكفاءة في ترشيح أعضائها للجمعية والمناصب الحكومية، مما حدا بالسيد السيستاني من ذلك أن يعيد حساباته وتقييم موقفه من الانتخابات القادمة، لذلك قرر عدم تأييد أية قائمة أو كيان في الانتخابات، و منع وكلائه من دعم أي كيان سياسي أو مساندة أي مرشح في الانتخابات، فضلا عن منع وكلائه وممثليه من الترشيح في الانتخابات ضمن قائمة أحد الأحزاب، والذي يفعل ذلك تلغي وكالته كممثل للمرجعية الدينية، وبذا حاولت المرجعية في هذه الانتخابات وما بعدها من انتخابات لمجالس المحافظات الابتعاد قدر الإمكان عن دعم أي قائمة انتخابية، ومنعت استخدام صور المرجع الأعلى في الدعاية الانتخابية، ودعت الشعب العراقي لانتخاب الأصلح لهم مؤكدةً على الثوابت الوطنية التي تحفظ مصالح الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والقومية والإثنية.
فأكد المرجعية الدينة في العراق السيد علي السيستاني أنه لم يدعم أي قائمة انتخابية، وأن ما أُشيع اخيراً حول دعمه لقائمة ما أو طلبه من الناخبين الامتناع عن التصويت لقوائم معينة هو غير صحيح، وذكر بيان أصدره مكتب السيد السيستاني (أن كل ما يصدر غير موقع أو مختوم بختمهِ الشريف أو غير مختوم بختم مكتبه فهو لا يمثل بأي شكل من الاشكال رأي السيد المرجع أو وجهة نظره)[12] . وبذا أوضح المرجعية الدينية أنه لم يصدر أي بيان أو فتوى تدعم حزب سياسي على حساب الأحزاب الأخرى، معرباً عن (استيائه من الانتهازية التي أظهرها أولئك الذين يستخدمون اسمه للحصول على الأصوات).
وبهذا الصدد قال علاء القطب آل طعمة الأمين العام لمنظمة العمل الإسلامي (القيادة المركزية) أن القول بأن هذه القائمة مباركة من المرجع السيستاني أنها دعاية سياسية، فالسيستاني أكثر عقلانية في أن يدعم قائمة دون أخرى وأن مكتبه نفى أكثر من مرة من أنه يدعم أو يؤيد أية قائمة، وأن تضخيم هذه القائمة يهدف إلى ابتزاز الشعب العراقي على اعتبار أن هذه القائمة تحظى بالشرعية من المرجعية الدينية مما يضعف فرص القوائم الأخرى.
ونشر موقع صوت العراق خبراً بعنوان (المرجعيتان الشيعية والسنية تعلنان موقفهما من الانتخابات) وقد ورد في الخبر ما يلي: وكالة ( آكي) الإيطالية للأنباء – نفى وكلاء معتمدون للمرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي السيستاني إصدار سماحته أية فتوى تدعو إلى انتخاب القوائم الدينية الشيعية وتحرم انتخاب القوائم العلمانية، وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي وكيل السيد السيستاني في محافظة كربلاء: (لقد تناقلت بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية خبراً غير صحيح عن تحريم السيد السيستاني انتخاب القوائم التي يتزعمها علمانيون وغير متدينين، وأنه يدعو الناخبين إلى انتخاب القوائم الشيعية الرئيسية على وجه التحديد فضلا عن عدم انتخاب القوائم الصغيرة كي لا تتشتت الأصوات، وهذا أمر عار عن الصحة، وليس له أي أساس)[13].
وأوضح أن (السيستاني عندما يصدر أي فتوى فانه لا بد أن يمهرها بختمهِ الخاص وهذا ما لم يحصل)[14].
وكما أوضح الموقف الصريح للمرجع الأعلى بشأن المشاركة في الانتخابات، إذ أنه يدعو العراقيين الذين يحق لهم التصويت للقائمة التي يعتقدون بأنها تخدم مصلحة البلد بغض النظر عن العرق والطائفية والمذهب، وأن هذه المشاركة الشعبية تراها المرجعية واجبة من باب إرساء دعائم الديمقراطية في البلد ليتيح عملية التبادل السلمي للسلطة، وعدم هيمنة الديكتاتورية والتفرد بالقرار، كما أن المرجع بين أنهُ يقف من جميع القوائم المشاركة في الانتخابات على مسافة واحدة، فلم يدعم قائمة معينة بعينها، بل ترك الخيار للناخب العراقي، فهو يفحص ويتأكد ويفتش في القوائم والأشخاص، ويتوخى الدقة في من يصوت لهم، وهذا ما يعزز استمرار وديمومة المسار الديمقراطي في البلد، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد: ( أن المرجع الديني الأعلى يدعو الناخبين إلى التصويت للقائمة التي يرون أنها تخدم مصلحة البلاد دون أي اعتبار للطائفية التي يرفضها جميع العراقيين وهو يوجب المشاركة في العملية الديموقراطية دون تحديد أي قائمة)[15].
إن التجرد من الانتماءات الحزبية والقبلية والقومية والتركيز على انتماء واحد، هو حب الوطن يعطي صورة واضحة للخدمة الحقة للبلد، لذا لم تغفل المرجعية الدينية أنْ تنبه الاخوة في مجالس المحافظات أنْ يتجردوا من كل انتماءاتهم الحزبية، لكون ذلك يذكر الناس بوحدوية السلطة وأحادية الحزب الواحد، وما زالت ذاكرة العراقيين رطبة غير جافة من تجربة الحزب الواحد، ونظام السلطة الأحادي الجائر، وما دعوة المرجعية لذلك التجرد إلا لإبقاء شمعة الوطنية، أي أنها دعوة غير مباشرة إلى كل من لامس مقعد السلطة، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد:( أن يتخلى الجميع عن الروح الحزبية التي تحكمهم، وأن يبتعدوا عن جعل المراكز المهمة والخدمية تدار من قبل جهة حزبية واحدة)[16].
إن النقطة الحقيقية التي أضاءت تاريخ العراق الحديث هي تلك الثورة البنفسجية التي عن طريقها نشد العراقيون حريتهم، وبها اثبت تجربة ديمقراطية هي الأولى في تاريخه، ومفادها أن يحدد المواطنين مصيرهم بأيديهم دون ضغط أو خوف، فهي ثورة مهدت الطريق لجمعية وطنية ، ومجالس محافظات أخذوا على عاتقهم حمل أرث عتيد، فالمهمة ليست بالسهلة ولا بالمستحيلة، ومن هنا انطلقت المرجعية الدينية واضعة النقاط على الحروف، في أن توجه أعضاء مجالس المحافظات ببذل قصارى جهدهم في خدمة الناس لرفع الحيف عن الشعب العراقي، وإبعاد الجزء اليسير من المعاناة التي كابدها العراقيون، شعبٌ تخطى سنين عجاف من الظلم والعدوان، ولطالما أنتظر لحظة يسر فيها، ليهنأ كباقي الشعوب بالرفاهية والمسرات، ويزيل كابوس الخوف الذي جثم على صدر حلمه لعقود وعقود.
شعبٌ صبر ليظفر بالحرية والكرامة ولا حرية تجنى إلا بأكف أبناء البلد لا غيرهم، فهي الدعوة من المرجعية لأعضاء المجالس أن يكونوا الأبناء البررة لعراقهم الجريح، وبذات الوقت هي مسؤوليتهم الوطنية والشرعية التي يحاسبون عليها في الدنيا والآخرة، فوقت الأعذار قد ولى، وانقلبت صفحة التسويف، وأيام العمل أوقدت شموعها، وعجلة الانطلاق دار سيرها، وكل ذلك عائد فضله لدماء أريقت، وأجساد جُرحت، ونفوس كُسرت، فيتمت أطفال، ورملت نساء، لإنجاح ثورة البنفسج وإشراق شمس هوية العراقيين بيوم انتخابهم، فالواجب يحتم على كل عضو في مجالس المحافظات أن يكون على قدر مسؤوليته الوطنية والشرعية والأخلاقية، فلهم صلاحيات لا يمكن أن تُبدد، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد( المرجو من الاخوة جميعاً أن ينتبهوا إلى أن لهم صلاحيات واسعة، وهذه الصلاحيات إنما أُعطيت بفضل جهود الاخوة الذين خرجوا أيام الانتخابات)[17].
إن المرجعية الدينية في النجف الأشرف حريصة كل الحرص على كل ما من شأنه أن يصب في مصلحة المواطن العراقي بغض النظر عن انتمائه وعرقه وقوميته، لذلك جاء تشددها على كتابة الدستور، والحرص على الانتخابات؛ لما لها من أثرٍ بالغٍ في حياة الناس، إذ المرجعية الدينية تؤكد على إجراء الانتخابات في وقتها المحدد على أن تكون حرة نزيه يشارك فيها جميع أبناء الشعب بكافة طوائفهم وقومياتهم، مع ذلك فهي تحترم كل الأطراف سواء شاركوا في الانتخابات أم لم يشاركوا فيها، فهي تؤمن بالحرية في التعبير عن الرأي ولا يحق لأحد أن يسيء للآخر بمجرد اختلاف في وجهات النظر، وكذلك قد صدرت فتوى من لدن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني بقصد حفظ الحقوق، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد: ( كل من يصوت في الانتخابات بقصد حفظ الحقوق والمبادئ في الدستور فأصابه مكروه فأجره على الله تعالى)[18] ، فهنا المرجعية تبين الأجر الذي يحصل عليه من يذهب إلى الانتخابات من أجل تخليص البلد من المحتل الذي جثم على صدور المؤمنين.
لم تترك المرجعية الدينية فرصة إلا واستثمرتها للدعوة إلى الانتخابات، وعمدت إلى إشاعة ثقافة الانتخابات عبر البيانات والفتاوي التي أصدرها الكثير من المراجع والعلماء، مؤكدين أن مقترح السيد السيستاني (دام ظله الوارف) يمثل طموحات العراقيين وإراداتهم المستقلة بجميع قومياتهم وطوائفهم، وظلت مسألة الانتخابات محل جذب بين المرجعية والقوى المؤيدة لها من جهة وقوى الاحتلال والقوى الرافضة للانتخابات من جهة أخرى، وكانت النتيجة لصالح التيار المؤيد، إذ أسهمت الفتاوي التي أصدرها السيد السيستاني في تعديل الخطة الامريكية حول الآلية التي يجب في ضوئها كتابة الدستور، وذلك بالاعتماد على الانتخابات، وهذا ما أكده العديد من الباحثين ومنهم( آنذاك ناكاشي) الأستاذ المتخصص في دراسات الشرق الأوسط ومؤلف كتاب ( شيعة العراق) الذي نصح الإدارة الامريكية بعدم تجاهل هذه الشخصية وآرائها، لأن ذلك سيجعل الحكومة التي يتم تنصيبها تسقط بعد رحيل الاحتلال، ويضيف: نحن لا نستطيع أن ندفع بورقة الديمقراطية العلمانية، ويجب أن نكون واقعيين، فالحكومة التي يتم تأسيسها يجب أن تكون انعكاساً لآراء أغلبية الشعب. أما الباحث ( كينث كاترفان) فقد أكد على أن السيد السيستاني يعتبر الانتخابات الطريقة الأكثر شرعية ويجب انبثاق البرلمان من العراقيين أنفسهم، وأن يكون هناك ممثلون يتم اختيارهم وفق الطرق الصحيحة، وأن لا تكون هناك أي عملية للتقليل من شأن القانون الإسلامي، ويرى أن الديمقراطية هي الطريق الصحيح وأنه لا يخشاها؛ لأن المسلمين من العراق سوف يختارون الإسلام إذا ما سمحت لهم الفرصة بذلك، لقد كانت المرجعية تستشرق الجوانب الإيجابية لإجراء الانتخابات من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية[19].
وعلى الرغم من إعلان اعتذار المرجع السيد السيستاني عن استقبال أية شخصية أو أي أعضاء لأحزاب مشاركة في الانتخابات المقبلة أو من الأحزاب المسؤولة في الحكومة الحالية وبأنه يريد أن يبقى بعيداً عن الصراعات السياسية وأنه يمنح مباركته لكل الكتل والأحزاب المشاركة في الانتخابات ما دامت تعمل تحت مظلة القانون، وتهدف إلى خدمة البلاد، إلا أن ممثل المرجع الديني السيد علي السيستاني في مدينة الناصرية الشيخ محمد حسن الخضري أكد إن عدم تأييد المرجعية لقائمة معينة أو لشخصية بعينها لا يعني ابتعاد السيد السيستاني عن الساحة السياسية في العراق الذي سيشهد مرحلة جديدة من الانتخابات البرلمانية[20].
ونفيّ الخضري أن يعني قرار السيستاني في ابتعاده عن الشعب العراقي، أو عطفه على المستضعفين في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ العراق، وإنما يريد من ذلك أن يختار الناس الأكفاء من المرشحين بعد أن تداخلت الألوان واختلطت العناوين وتباينت الأفكار والطروحات.
وقال الخضري دعانا أن لا نعطي صوتنا إلا لمن هو أهل لتحمل المسؤولية انتماءً وولاءً وإيماناً، كما لا نعطي هذا الصوت للكيانات الهزيلة التي تعلم هي قبل غيرها أن لاحظ لها في الفوز، ونقل عن سماحته قوله مخاطباً الأمة أن العراق الجريح ينتظر من يضمد جراحه ويخفف آلامه ويحقق آماله[21].
في عام 2008 حدد البرلمان العراقي موعداً نهائياً لإجراء التصويت على قانون الانتخابات المحلية، وذلك بالتزامن مع تسليم القوات الأمريكية للسلطات العراقية الملف الأمني في محافظة القادسية، ففي جلسة اعتيادية لمجلس النواب العراقي، أكد رئيس المجلس حينها محمود المشهداني، أنه تقرر تحديد موعداً نهائياً للتصويت على قانون انتخابات المحافظات والأقضية والنواحي، وقد صوت ( 103 أعضاء من أصل 155 )حظروا الجلسة، فنص الدستور العر اقي على إجراء الانتخابات المحلية في (الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المصادف 2008)، كما نص على الانتهاء من إعداد وصياغة القانون الخاص بهذه الانتخابات قبل ثلاثة أشهر من إجرائها، وذلك من أجل إجراء الترتيبات اللازمة، فقبل كل انتخابات نلحظُ إصدار بيانات من قبل المرجعية الدينية، الغرض منها إصدار توجيهات تحث من خلالها الشعب على انتخاب الأصلح والأكفأ، لكنها مع ذلك لم تتبنى التحييز لأي قائمة على حساب الأخرى[22]، وبهذا الصدد أكد ممثل المرجعية الدينية العليا في محافظة كربلاء المقدسة( أن المرجعية الدينية وممثليها لا ترعى أو تتبنى أي مرشح أو قائمة انتخابية مشاركة في انتخابات مجالس المحافظات سواء في كربلاء أو باقي محافظات البلاد)[23].
فالمرجعية الدينية وممثلوها في كربلاء وباقي المحافظات، كانوا لا يؤيدون قائمة على حساب أخرى، فهي تنظر للجميع بنظرة حيادية من دون تمييز، وهذا ما يجعلها بعيدة عن النقد، وبهذا الصدد ، قال الشيخ (عبد المهدي الكربلائي) في تصريح خصه لموقع نون صباح يوم السبت الموافق 13/12/2008 إن (المرجعية الدينية ومن يمثلها في كربلاء أو باقي محافظات العراق يقفون على مسافة واحدة من جميع القوائم والأشخاص المرشحين إلى عضوية مجالس المحافظات، مؤكداً أنه ليس هناك أي تبني لقائمة أو شخص من الذين رشحوا أنفسهم في الانتخابات المزمع اقامتها نهاية كانون الثاني 2009)[24].
وأكدت المرجعية الدينية العليا على سن قانون انتخابي عادل يضمن الشفافية وحقوق الناخبين والمرشحين على حدِ سواء، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد: إن المرجعية الدينية العليا يؤكد دائما على مشاركة المواطنين في الانتخابات القادمة، معتبرا ( أن هنالك مسؤولية شرعية ووطنية وتاريخية ملقاة على المواطنين من خلال مشاركتهم في التصويت لمن يتولى إدارة شؤون محافظاته) [25].
وحثت المرجعية الدينية على ضرورة المشاركة الفاعلة في الانتخابات، وعملية اختيار المرشح المناسب الذي يتلاءم مع تطلعات الجمهور العراقي، وبهذا الصدد قال المرجعية الدينية: (لابد أن يطلع المواطن أو المواطنة على الشخص الذي يصوت لصالحه ويكون دقيقا في اختياره من خلال النظر إلى نزاهته وكفاءته وحسن إدارته)[26].
ما انفك الدور التوعوي للمرجعية مستمراً وعلى جميع المجالات حتى إنها كانت الأساس في تغيير نظام الانتخاب من القائمة المغلقة، نتيجة الانتقادات التي وجهت إليها، والسبب وراء ذلك هو تأهل اشخاص لا يمثلون الشعب ولا رغباته ولا تطلعاته ما يرنو إليه الشعب في تغيير النظام، ذلك نجاح واضح منماز عن غيره للمرجعية آنذاك، لأن النظام الذي كان سابقاً في الانتخابات لا فائدة منه إلا لأصحاب السياسة الطامعين، (فقد كان هناك رفض عام لقانون القائمة المغلقة قبل الشروع في انتخابات 2010 وساندهم في ذلك المرجع الديني السيد السيستاني، مما اضطر البرلمان إلى تعديل القانون الساري والذي شرعته الجمعية الوطنية ليقر نظام القائمة المفتوحة)[27]، وعلى هذا الأساس حذرت المرجعية الدينية عن طريق ممثلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي الجمعة البرلمان العراقي من عدم إقرار القائمة المغلقة في الانتخابات التشريعية المقررة منتصف كانون الثاني( يناير) 2010، مشدداً على طبيعة أن تكون القائمة مفتوحة، إذ من شأنها تتمُ عملية التداول السلمي للسلطة، وهذا ما يشجع المشاركة الكبيرة من لدن المواطنين، إذ أن عدم تحقيق المشاركة يؤدي إلى الفروق والمقاطعة، وهذا ما يضفي إلى فشل العملية الانتخابية، فضلاً عن ذلك أن القائمة المغلقة تجعل من النائب اسيراً في قراره إلى رئيس القائمة هذا من جانب، ومن جانب آخر يجبر الناخبين أن يصوت لجميع الأسماء باختياره للقائمة المغلقة، عكس القائمة المفتوحة التي تتيح للناخب الاختيار بشكل فردي، وعلى هذا الأساس قال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة: ( أن القائمة المفتوحة تضمن التداول السلمي للسلطة (…) واذا لم تتحقق فسوف يكون هناك عزوف عن الانتخابات وبالتالي فشلها، وليس لدى النائب في القائمة المغلقة حرية الاختيار، فإما أن يختار القائمة بجميع أسمائها أو ينصرف عنها، أما في القائمة المفتوحة فبإمكانه اختيار النواب الذين يؤيدهم بشكل فردي وليس القائمة كلها)[28].
كما حذر سماحته الكتل السياسية من الازدواجية في الخطاب مع الجمهور، ودعاهم إلى مكاشفة الناس، إذ أن بعضهم في العلن يؤيد القائمة المفتوحة، وفي السر يدفع باتجاه القائمة المغلقة، وهذا الموقف المتناقض يكشفُ عن مدى خشيتهم من إعطاء ثقة الناس لهم، فالبرلمانيون إذا كانوا يمثلون الشعب حقاً فلا داعي لذلك، فينبغي عليهم أن يفسحوا المجال لما يريده الشعب، محذراً إياهم من تداعيات اعتماد نظام القائمة المغلقة في الانتخابات التشريعية، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد: (نحذر الكتل السياسية التي لها موقفان، واحد أمام الناس يؤيد القائمة المفتوحة وآخر في الخفاء مناقض، لذلك... إذا كنتم تمثلون الشعب فاختاروا ما يريده وما تريده المرجعية) ، محذراً من تأثير سلبي بالغ في حال اعتمد البرلمان نظام القائمة المغلقة في الانتخابات التشريعية.([29]
وأضاف سماحته أن: (المرجعية الدينية العليا تؤكد على اعضاء مجلس النواب أن يكونوا في مستوى المسؤولية الكبيرة التي انيطت بهم ويستجيبوا لرغبة معظم أبناء الشعب العراقي باعتماد القائمة المفتوحة في الانتخابات النيابية المقبلة([30].
وقد أكد مسؤول في مكتب المرجع الديني أنه يؤيد القائمة المفتوحة وفي حال استمر الموضوع على أساس القائمة المغلقة (قد لا يكون للمرجعية الدينية العليا دور كبير في دفع الناخب العراقي للمشاركة في العملية الانتخابية)[31].
أما عندما نأتي إلى انتخابات عام 2010 وموقف المرجعية الدينية منها، فنجد أن المرجعية الدينية اهتمت اهتماما كبيراً من أجل حصول تلك الانتخابات وسيرها، ومن أجل ذلك حثت العراقيين على المشاركة الفعالة فيها وإنجاحها، وأصدرت أمراً بتعطيل الدروس العلمية والحوزوية في النجف الأشرف للفترة في الرابع والعشرين من شباط عام 2010 إلى نهاية حصول الانتخابات في العراق؛ بغية تفرغ الممثلين والوكلاء وطلاب الحوزة من أجل السفر إلى مدنهم في كافة أنحاء العراق؛ وممارسة واجباتهم الدينية والإرشادية؛ فضلا عن حث المواطنين للمشاركة في الانتخابات، وتقديم لهم مجموعة من النصائح والإرشادات، لاختيار من يشاهدون فيه الكفاءة والإخلاص والنزاهة، والمحافظة على القيم النبيلة، وتحقيق المصلحة العامة للمواطنين كافة، فضلا عن ذلك حث السيد السيستاني على المشاركة في تلك الانتخابات دلالة على اهتمامهِ الكبير بمصلحةِ العراق وشعبه، وحث المواطنين بضرورة اختيار الكفاءات، واختيار الذين يتحملون المسؤولية في إدارة شؤون الأمة في وقت يمر به الوطن في أدق مراحله السياسية والتاريخية، ولا سيما أن مسيرة البرلمان السابق كانت مربكة من حيث عطائه في انجاز المشاريع التي تهم الأنسان العراقي، ومعالجات مهمة تخص أبناء الوطن ومستقبلهم، وتقديم لهم مشاريع فيها فائدة كالكهرباء والماء والبطاقة التموينية وتطوير المستشفيات والمدارس، وإنهاء الفساد الإداري في الدوائر الحكومية... الخ من الأمور المهمة لصالح الفرد العراقي، فالسيد السيستاني لا يدعم أي قائمة سياسية، بل على كل فرد اختيار من يراه الاكفأ لقيادة بلاده وتطويره نحو الأفضل[32].
ومن أجل دفع العملية الانتخابية نحو بر الأمان، ومشاركة جميع العراقيين فيها، أصدر السيد السيستاني فتاواه وأعطى تعليمات ووصايا مهمة تعتبر متابعة لأدق التفاصيل التي من العادة لا يتناولها المرجع الأعلى، ولكن حرص المرجعية الدينية على نجاح الانتخابات جعلها تعطي إرشادات دقيقة، ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: في الخطوط العامة للانتخابات:
أ_ التأكيد على إجراء الانتخابات في موعدها، ونزاهتها.
ب_ وجوب مشاركة كل فرد عراقي مؤهل للتصويت (أي يبلغ 18 عاماً فما فوق) من دون استثناء، (الشاب والشيخ، الصحيح، والمريض )، وحتى المسن يمكنه المشاركة بمساعدة أحد، بحيث لا يضيع صوت واحد.
ج_ وجوب مشاركة النساء في الانتخابات، ناخبات ومرشحات للمجلس، وهذا يعتبر إقراراً بشرعية المشاركة السياسية للمرأة المسلمة.
د_ وجوب مشاركة جميع أبناء الشعب العراقي من مختلف القوميات والأديان والمذاهب.
هـ_ دعم تشكيل لجنة من المستقلين مهمتها مساعدة الأحزاب والحركات السياسية والشخصيات المرشحة من أجل أن يتمثلوا في لائحة موحدة تستطيع دخول المنافسة وتحقيق الفوز المطلوب.
القسم الثاني: في تفاصيل الانتخابات:
أ_ دعا السيد السيستاني العراقيين للتحقق من إدراج أسمائهم في سجلات الناخبين بصورة صحيحة.
ب_ دعا المرجعية الدينية أن من لم يدرج اسمه أو أدرج بصورة مغلوطة إلى مراجعة اللجنة الانتخابية في منطقته وإبراز المستمسكات المطلوبة لتصحيح ذلك.
ج_ تشكيل لجان شعبية يشرف عليها وكلاؤه ومعتمدوه في المناطق والمدن العراقية لمساعدة المواطنين على التأكد من وجود أسمائهم في سجلات الناخبين[33].
برهنت المرجعية الدينية أنها تريد حكومة وطنية اكتسبت شرعيتها من أصوات الناخبين وليس بدعم أو محاصصة حزبية وعشائرية أو تعيين من قبل الاحتلال، كما أبدت رغبة قوية في إشراك الأمم المتحدة في الإشراف على الانتخابات كي تتجنب الاتهامات المتوقعة بالتزوير وغيره، وكي تحظى الانتخابات باحترام المجتمع الدولي والشعب العراقي على السواء، فتأثير المرجعية الدينية بات قوياً في تعبئة الشعب العراقي من أجل إنجاح الانتخابات أولاً، ومن أجل التأكد من الحضور الجماهيري المطلوب، كي يشعر الجميع بالمسؤولية تجاه البلاد، ويساهم الجميع في صنع القرار وإدارة الدولة، لأنه وطنهم جميعاً، فإضافة إلى فتوى السيد السيستاني أصدر المراجع الكبار في النجف الأشرف وهم ( السيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ إسحاق الفياض والشيخ بشير النجفي) فتاواهم بهدف تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات[34].
والملاحظ لفتاوى المرجعية الدينية يجده في كل مرة مع وقت قروب الانتخابات يدعو الجميع للمشاركة في العملية الانتخابية، دون دعم أي قائمة بذاتها، فضلاً عن دعوته جميع الشعب اختيار حكومة وطنية صالحة تنال ثقة الشعب، ويشترك فيها كل مكونات الشعب العراقي، وبعد إعلان نتائج الانتخابات حث المرجعية الدينية على احترام آراء الناخب الفائز، أملاً في الوصول إلى النتائج المرضية والمطلوبة ، ومما جاء في بيانات المرجعية الدينية بهذا الصدد: ( أن سماحة السيد السيستاني ( دام ظله) دعا الناس للمشاركة في الانتخابات، ولم يتبنَ دعم قائمة بعينها، وبعد ظهور نتائج الانتخابات أكد على ضرورة احترام خيارات الناخبين وتشكيل حكومة كفوءة تتمثل فيها كافة مكونات الشعب العراقي ووفقاً للآليات الدستورية، وأكد أيضاً على أن هذا الأمر يخضع للحوارات التي تجرى بين الكتل الفائزة، آملاً أن تصل إلى النتيجة المطلوبة في وقت قريب ولا تحدث أزمة سياسية كبرى تتطلب تدخل المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف)[35].
وفي الوقت الذي تم تحديد موعد إجراء الاقتراع من قبل مفوضية الانتخابات، هدد تنظيم القاعدة في العراق كل مشارك في الانتخابات التشريعية التي ستجري في موعدها، وقالت إنها ستفرض حظر التجوال في جميع أنحاء البلاد لمنع إجراؤه، ومن جانب أخر، دعا خطباء الجمعة الشعب العراقي إلى التصويت بكثافة لمنع التلاعب في الأصوات، وبالفعل شهد العراق يومي الأربعاء والخميس من شهر كانون الثاني عام 2010 سلسلة اعتداءات انتحارية في معظمها خلفت نحو 50 قتيلاً في بغداد وبعقوبة، في المقابل دعا خطباء ووجهاء الجمعة العراقيين إلى الاقبال على التصويت، وفي كربلاء دعا سماحة السيد أحمد الصافي في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في 18 ربيع الأول 1431هـ الموافق 5-3-2010م الناس كافة بضرورة المشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات معتبراً إياها عامل من عوامل الاستقرار وترسيخ أُسس العمل السياسي في البلد، كما تعزز الدينامية للعملية السياسية ، وتأخذ بالبلد باتجاه الازدهار، وتوفر حياة حرة كريمة لكافة العراقيين، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد: أن المرجعية الدينية طالبت ( المواطنين كافة بالمشاركة الواسعة في الانتخابات واصفا إياها أنها ستساعد على تثبيت وإرساء قواعد العمل السياسي في العراق الجديد، والأخذ بيد العملية السياسية نحو التقدم، وبالبلد نحو الازدهار، وتوفير حياة كريمة لهذا الشعب الكريم).[36]
فللمرجعية الدينية دوراً كبيراً في العملية الانتخابية، وهذا الدور يأتي من باب ممارسة المرجعية للإرشاد والتوجيه والنصح للقضايا المفصلية، ولعل الانتخابات أبرزها شعوراً منها في الحفاظ على مصالح الشعب العراقي من أجل أن يمارس هذا الشعب دوره الحقيقي في صنع مستقبل البلاد، وتحقيق الأهداف المنشودة، موضحاً أن عزوف المواطنين عن المشاركة الانتخابية، وتحت أي مبرر سيعطي الفرصة للآخرين، وبالتالي سيصل غير المؤهلين إلى قبة البرلمان التشريعي، وهذا ما يلقي بظلاله على المشهد السياسي الذي يعيش حالة من الركود، وعدم الاستقرار، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد: ( إن المرجعية الدينية العليا عندما تشدد على ضرورة المشاركة في الانتخابات فإنها بذلك تمارس دورها الإرشادي والتوجيهي للمسائل الحيوية الكبرى كالانتخابات حفاظاً منها على مصالح الشعب العراقي الكريم حتى يأخذ هذا الشعب دوره الطبيعي في رسم مستقبله الواعد وآماله المنشودة، أما إذا لم تكن المشاركة بالمستوى المطلوب أو أن يحصل عزوف عنها لأي سبب كان فأن ذلك سيمنح الفرصة للآخرين لتحقيق مآربهم غير المشروعة ووصول غير المؤهلين إلى مجلس النواب.[37]
وفيما يتعلق بحسن اختيار الأفضل من بين المرشحين تحول بيان المرجعية الدينية إلى موضوع آخر مهم مفاده: أن المرجعية لم تتبنَ أي جهة مشاركة في الانتخابات، وشددت على أن المواطنين بحاجة إلى أن يختاروا من القائمة الخيارات التي تخدم مصالح العراق الحالية والمستقبلية على أفضل وجه، كما دعت إلى اختيار الكفاءة والأمانة، ومن هو ملتزم بثوابت الشعب وقيمه الاصلية، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد: (علينا أيها الإخوة أن نهتم كثيراً بخياراتنا حتى تكون خيارات موفقة ولا يتم ذلك إلا من خلال اختيار القائمة التي تكون قياداتها وطنية تهتم بمصالح الشعب، وكذلك اختيار المرشح الذي يتمتع بالكفاءة والأمانة، معللا إن عدم الاكتراث بوضع الصوت في محله سيؤدي إلى إقصاء العناصر الخيرة وبقاء معاناة شعبنا ولات حين مندم).[38]
وعن ضرورة تكثيف الجهود الأمنية لحفظ أرواح الناخبين ذكر سماحته: ( لا شك أن أرواح جميع الناخبين عزيزة علينا وفي هذا الظرف كما حدث في الأمس وقبله من عمليات إرهابية راح ضحيتها مواطنين أعزاء علينا كما كان متوقعا، وطالب الإخوة المعنيين بالأجهزة الأمنية المعنية في مراقبة الانتخابات إلى بذل المزيد للمحافظة على أرواح الناخبين جميعاً لكي تسير الأمور من هذه الجهة في أمنٍ وأمان[39].
فالمهم هو أن تتوفر الشروط الجدية والنزاهة في إجراء العملية الانتخابية، وعلى هذا الأساس دعا سماحة السيد أحمد الصافي على ضرورة أن تتميز العملية الانتخابية بالنزاهة والشفافية، وذلك لقطع الطريق أمام التشكيك بنزاهتها وعدم الطعن بها، خصوصاً مع وجود مؤسسات فعلية ومحلية لمراقبة هذه العملية الانتخابية، بعيدة عن الطعن من الجهات السياسية ذاتها، وعلى هذا الأساس دعا سماحته: ( أن تحظى الانتخابات بنزاهة وشفافية بحيث أن تقطع الطريق أمام من يحاول أن يطعن فيها خصوصا مع وجود مراقبين دوليين وبعض الكيانات السياسية التي تراقب الانتخابات، متمنيا أن تجرى انتخابات نزيهة حقيقية بعيدة عن الطعون من هذه الجهة أو تلك)[40].
و نوهت المرجعية الدينية إلى ضرورة مراعاة حقوق الناخبين المتمثلة بمسألة بعد المراكز الانتخابية عن محال سكناهم، ورفع كل العوائق بين الناخب وصناديق الاقتراع، وهذا ما جاء في ذيل الخطبة المباركة، إذ ذهب ممثل المرجعية الدينية السيد احمد الصافي إلى أن هناك مسألة مهمة : (وهي من حق الناخبين ولعلها حدثت سابقاً وقد تحدث، وهي مسألة بُعد المراكز الانتخابية عن مواقع وسكن الناس خصوصاً في القرى والأرياف... وعلى الجهات الحكومية المهتمة بهذا الشأن تذليل العقبات ما بين الناخب وما بين صناديق الاقتراع، حتى لا يساء فهم عدم وصول الناخب إلى صناديق الاقتراع).[41]
ومما تقدم يتضحُ أن بيانات المرجعية الدينية تضمنت التسامح، واللغة الراقية المتقدمة، ومفرداته ليست دينية مذهبية أو قومية، أو ذات اتجاه سياسي معين، فهناك العراق العزيز، ومصالح المواطن، فالانتخابات بحسب بيانات المرجعية الدينية تمنع الاخرين من تحقيق ماربهم، فضلا عن ذلك أن في هذه البيانات دعوة إلى المشاركة في الانتخابات، واختيار الحريص والأفضل.
واستمرت المرجعية الدينية في دعم نهج الانتخابات على الرغم من بعض الإخفاقات التي شهدتها العملية السياسية، والتي لم تسفر عن تحقيق آمال العراقيين، إذ لم يكن الكثير من أعضاء مجلس النواب والمسؤولين الحكوميين بمستوى المسؤولية التي عهدت إليهم، وبذا فقد حذرت المرجعية الدينية عام 2013 من إضفاء طابع طائفي على بعض الصراعات التي شهدتها المنطقة، وفيما رحبت باللقاءات الأخيرة بين قادة البلاد التي عقدت في بغداد واربيل، فطالبت الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات المحلية باختيار الأشخاص القادرين على خدمة محافظاتهم، ومما جاء في خطبة المرجعية بهذا الصدد: (لا يصح إضفاء صبغة طائفية على الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة، فهذا سيؤدي الى ما لا تحمد عقباه(، موضحا أن ما( تشهده المنطقة من أحداث هي سياسية وتطورت إلى نزاع مسلح ولا علاقة لها بالدين([42].
ولفت الكربلائي إلى أن (اعتبار هذه الصراعات طائفية، هو من قبل البعض الذي يحاول جر المنطقة إلى صراع طائفي، ويجب أن يواجه بموقف من قبل العقلاء والحكماء)، مشيرا إلى أن (أعداء المنطقة يريدون إثارة العنف والتشنج بين المسلمين خدمة لأهدافهم وإضعافا للدول الإسلامية وينبغي على المسلمين التنبه لذلك)[43].
كما أشاد المرجعية الدينية باللقاءات التي تمت بين قادة البلاد في بغداد وأربيل مؤخرا، مضيفا أن هذه (اللقاءات بحاجة إلى أن تكون مثمرة لتنعكس إيجابا على الأوضاع في البلاد، ونأمل أن تصب هذه اللقاءات في صالح تهدئة الأجواء بين الفرقاء السياسيين وبما ينعكس إيجابا على أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية)[44] .
وشدد سماحته على ضرورة أن تتبنى الكتل السياسية معايير النزاهة والإخلاص والقدرة على خدمة الناس في اختيار المحافظين ورؤساء المجالس ونوابهم، وهذا ما أشار إليه السيد أحمد الصافي في خطبة الجمعة، إذ ذهب قائلاً :( إن النزاهة والاخلاص والقدرة على خدمة المواطنين هي المعايير التي لابد أن تعتمدها الكتل في اختيار المحافظين ورؤساء المجالس ونوابهم)[45].
ويرى المرجعية الدينية إن الناس حين خرجوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم كانوا يرومون انتخاب أشخاص جديرون قادرون على إدارة البلاد على نحوٍ أفضل، من أجل تحقيق الهدف المشترك إلا وهو خدمة المواطن العراقي، بعيدًا عن المحسوبية والمنسوبية في توزيع المناصب، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد: (إن المواطنين حين شاركوا في الانتخابات كانوا يهدفون إلى إيصال أشخاص اكفاء إلى المناصب العليا في محافظاتهم، وعلى الكتل السياسية التي فازت أن تحقق رغبة المواطنين هذه، وأن لا توزع المناصب بينها على أساس التوافقات البعيدة عن معايير الكفاءة والقدرة على العطاء)[46].
ولم ينته الأمر عند هذا الحد من الفتاوى فحسب، إذ كثير ما كانت المرجعية الدينية ترشد وتنصح المرشحين، فضلاً عن تقديم النصائح المهمة للشعب الذي عانى الويلات، نتيجة الحقوق والمصالح التي انتهكت واغتصبت من قبل بعض المسؤولين، فوجدت المرجعية أن خير طريق للخروج من هذا المأزق، هو اللجوء لعملية الانتخاب، واختيار الأنسب والأصلح والاكفأ، كما نبهت المرجعية الدينية مرشحين الانتخابات أن يفوا بوعودهم ويطبقوها على أرض الواقع بدون لف ودوار، ومما جاء في خطبة المرجعية بهذا الصدد:( وهذه مهمة على كل الاخوة الذين يطمحون أن يفوزوا أن لا يعِدوا بما لا يستطيعوا تنفيذه، هل أنت في مقام أن تقنع الآخرين، تقنع الجمهور؟ لا تعد بأشياء لا تستطيع أن تنفذها لأن المصداقية في طرح نفسك أمام الناس مطلوبة، لا تجعل الناس تتكلم عليكم وحشاك، تقول أنت كذبت علينا!! تكلم عن شيء تستطيع أن تفعله، أما أن تعد بأني سأفعل كذا سأفعل كذا، تضحك على الآخرين تؤمل الآخرين تزرع فيهم الأمل وهم بحاجة إلى أشياء، أنت تزرع الأمل وكأنك أنت وحدك ستحقق هذه الأشياء، وأنت في داخلك لا تستطيع أن تمارس هذه الطريقة لأنك ستفقد مصداقيتك عند الناس، ويفترض أن تحترم مشاعر الناس، واقعاً الأخوة المرشحين هنا أو في مجلس النواب لا يفرق، الملاك واحد، أن الانسان يتكلم بما يستطيع أما أن ادلّس على الناس وأقول: سأفعل الأعاجيب وأنا أعلم بأني لا أستطيع حقيقة!! ستتهم أنك غير صادق مع الناس والناس يتعاملون معك تعاملاً اخر)[47].
وشدد ممثل المرجعية الدينية على ضرورة التزام المرشحين بالقوانين والضوابط التي رسمتها الجهات ذات العلاقة من قبيل عدم الصاق الصور أو المنشورات في الأماكن العامة، فإن مخالفة تلك القوانين من قبل المرشح تجعل المواطن يتساءل إذا كان المرشح الفلاني يخالف القانون والنظام أبان العملية الانتخابية؟ كيف له لأن يحافظ على القانون بعد الانتخابات، وهذا ما أشار إليه ممثل المرجعية الدينية بالقول:( إذا كان المرشح لانتخابات برلمانية أو مجالس المحافظات لا يلتزم بالضوابط والقوانين التي تمنع الصاق منشوره أو صورته في الأماكن العامة، وهو يخالف ويضع هذه الملصق على الأماكن الممنوعة!! كيف سيحافظ على القانون عندما تأتي الوزارة الفلانية، الجهة الفلانية، تقول هذا المناطق لا يحق لأحد أن يجعل الملصق عليها؟! وهذا يخالف ويضع الملصق، وإذا جاءت تلك الجهة لإزالة الملصق ستبدأ المشاكل وتقوم القيامة!! هذا الذي ذكرناه في أولاً، أعرف حدودك في كل شيء، الإنسان يعرف حدوده، غير مغتفر له الوضع السياسي، غير مغتفر على الإنسان أن يتجاوز حدوده، بالعكس أنت أصبحت رجل قانون لا بد أن تحافظ عليه، لا تجرء الناس على أن يخالفوا الضوابط لأنك بدأت بالمخالفة)[48].
وقبل مجيء يوم الانتخابات المقرر إجرائها يوم 20/4/2013، نقل ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة في 23 جمادى الأولى / 1434هـ الموافق 5/4/2013م رأي المرجعية الدينية بخصوص الانتخابات المحلية، فقد حاول أن يُبيّن بعض الأمور المتعلقة بانتخاب مجالس المحافظات، وحتى تسير الانتخابات بالاتجاه الصحيح، وضعت المرجعية الدينية أمور عدة، أهمها:
الأمر الأول: إن المرجعية الدينية العليا ليس لها أيُّ رأي داعم أو سلبي تجاه أيَّ مرشح من المرشحين أو أيَّ قائمة من القوائم المرشحة أو أيَّ كيان من الكيانات المرشحة للانتخابات بل الأمرُ متروك بتمامه لاختيار المواطن وهو الذي يتحمّل المسؤولية كاملة ً عن ذلك.. وتوصي المرجعية الدينية العليا جميعَ المواطنين بحسن الاختيار للمرشح والقائمة معاً.. وذلك باعتماد المعايير السليمة والصحيحة من خلال اختيار الشخص الذي يؤتمن عليه والمتصف بالإخلاص وحب الخدمة والنزاهة والكفاءة والذي يهمه مصالح أهالي المحافظة والبلد ولا يبحث عن مصالحه الشخصية أو مصالح كتلته أو حزبه أو قائمته، وأن يحاول المواطن الفحص عن هؤلاء المرشحين المتصفين بمثل هذه المواصفات ويقوم بالتمحيص والسؤال من أهل المعرفة والتجربة ليعينوه في تشخيص من هو صالح لذلك، وأن يفحص ويتقصى عن القائمة والكيان الذي يكون المرشح تابعاً له، فأن كانت القائمة مرضية أيضاً ومقبولة وفق هذه المواصفات فقد أحسن الاختيار للمرشح والقائمة معاً فقد أدى ما عليه من المسؤولية والأمانة وساهم في خدمة مدينته وبلده[49]. وبالفعل فأن المرجعية الدينية حثت المواطنين أن يتحروا وبشكل جدي على القوائم الانتخابية التي تكون أكثر قيمة لهم في الظرف الراهن، وأن العناصر الداخلة في الترشيح لابد أن تكون معروفة بالنزاهة والحرص على خدمة البلد، وتمتاز بالواقعية وبالحس الوطني أو الديني الذي يخدم مصالح هذا البلد وليس بالشعارات الرنانة.
الأمر الثاني: أن الانتخاب الصحيح يعتمد على ركنين أساسيين: ـ انتخاب الشخص المرضي والقائمة المرضية معاً، إذ لا يكفي أن يكون المرشح مرضياً لدى المواطن، ولكن قائمته غيرُ مرضية أو أنّ القائمة مرضية لدى المواطن ولكن المرشح غير مرضي، إذ لا تتوفر فيه المواصفات المطلوبة، كما تؤكد على عدم التأثر بالولاءات العشائرية أو المناطقية أو الحزبية أو العاطفية لتكون معياراً للاختيار فأن الانتخابات مسؤولية وأمانة في عنق المواطنين.
الأمر الثالث: التأكيد على أن تكون الاجواء الانتخابية شفافة ونزيهة، ولا يمكن للانتخابات أن تكون بوابة ومدخل للتغيير نحو الأفضل إلا من خلال هذه الأجواء، وأما بذل الأموال لشراء الأصوات واستخدام النفوذ وإعطاء الوعود بالتعيينات أو المقاولات أو غير ذلك فأنها أمور غير جائزة وتفقد الانتخابات نزاهتها وشفافيتها..
وإضافة إلى كون هذه الأمور غير جائزة فأن المال المأخوذ سحت وحرام...وكيف يؤتمن شخص يَشتَري مقعده بمال يكون دفعهُ حراماً وهو يراد منه أن يؤتمن على مصالح الناس فمثل هذا الانسان يمكن أن يبيع ضميره ومهنيته بمال حرام مستقبلا، كما أنه لا قيمة شرعاً لأيِّ حِلف ٍ أو يمين يؤديه المواطن حينما يَطلُبُ مرشح أو قائمة ذلك وهو غَيْر
مُلزم شرعاً ويمكن مخالفته وعدم الالتزام به بأن لا ينتخب الشخص أو القائمة التي حلف أو أعطى وعداً بانتخابها أو انتخابه إلاّ إذا وجد أن هذا الشخص أو القائمة تتوفر فيهما معايير الانتخاب الصحيحة والمبيّنة سابقاً[50].
الأمر الرابع: عدم الاستهانة بالصوت الواحد للمواطن إذ قد يساهم هذا الصوت في إيصال العناصر الجيدة ومنع وصول العناصر السيئة لو أحْسَن الاختيار.. وأما لو أهمل الصوت الواحد بدعوى عدم تأثيره فأنه يمكن أن يحصل العكس[51].
ومن هذه النصوص نستخرج قاعدة (انتخاب الشخص المرضي والقائمة المرضية معاً) وهذه القاعدة بالنسبة للمواطن الملتزم بالشريعة الإسلامية، توجب عليه أن يدرس أوضاع المرشح وقائمته من كل الجوانب، فعلى المواطن أن يقدم المصلحة العامة على مصلحته الشخصية في الاختيار.
أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (نيكولاي مالادينوف) أن المرجعية الدينية في النجف (أبلغته برغبتها بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها ووفقا للمعاير الدولية، وأشار إلى أن حل مشاكل العراق الأمنية يكون عبر (توجه حقيقي).
وتعد زيارة (نيكولاي ملادينوف) لمحافظة النجف هي الأولى منذ تسلمه منصبه في أيلول الماضي خلفا (لمارتن كوبلر)، وقال (ملادينوف) خلال مؤتمر صحافي عقده عقب لقائه المرجع الديني علي السيستاني في محافظة النجف وحضرته (المدى برس)، إن (سماحة السيد رحب باتفاق الكتل السياسية بإقرار قانون الانتخابات المقبلة في موعدها، وأن تجري وفقاً لأعلى المعايير الدولية، فضلاً عن الاتفاق حول كافة القوانين التي تسهم في عملية الإصلاح)[52].
وفي عام 2014 جرت انتخابات تشريعية في ظل صراع دموي يشهده العراق والمنطقة بشكل عام، فضلا عن التدخلات والتنافسات والاحتكاكات بين القوى السياسية العراقية، والانقسامات الحادة بين أطرافها الرئيسية، هذا فضلاً عن الانشقاقات بين الأطراف والاندماج مع القوائم الأخرى، ناهيك عن الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والوضع المزري المتمثل بتفشي البطالة، وانتشار النعرات الطائفية، الأمر الذي يدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية تنقذ البلاد من مهبة الرياح التي تكاد تعصف بالبلاد، فقد أُجري في ( 30 نيسان / أبريل 2014 ) أوّل انتخابات برلمانية في العراق منذ الانسحاب الأمريكي عام 2011، وهي الثالثة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، وتكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة لما ستتركه من آثار في تحديد تركيبة بنية النظام السياسي في العراق، وما لها من تداعيات على مستقبل الدولة العراقية، وقبل يوم واحد من إجراء الانتخابات جددت المرجعية الدينية في النجف الأشرف التأكيد على أنها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين والكتل السياسية، وأنها لا تدعم أي كتلة أو شخص بالخفاء، في الوقت الذي دعت أبناء الشعب العراقي إلى الحضور بقوة يوم الانتخابات لدى صناديق الاقتراع النيابي، وانتخاب أشخاص أكفاء قادرون على تحقيق مصالح الشعب المسلوبة، وبهذا الصدد قال ممثل المرجع السيد السيستاني في كربلاء السيد احمد الصافي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة : (إن المرجعية الدينية تؤكد أن الانتخابات النيابية فرصة عظيمة للتغيير نحو الافضل ، و على المواطنين المشاركة ، و اختيار المرشح الكفوء النزيه المخلص)[53] .
ووجهت المرجعية الدينية المواطنين على استثمار هذه الفرصة عبر اختيار قائمة صالحة تمتلك الرؤية الواعية لتنفيذ برنامج خدمي خلال السنوات الأربع عبر انتخاب مرشحين يحرصون على خدمة البلد، وتقديم المصلحة العامة على الشخصية، بدلاً من الاهتمام بملذاتهم وامتيازاتهم المالية وغيرها، وهذا ما أشار إليه ممثل المرجعية الدينية، وقد تجلى ذلك بقوله: (على الجميع أن يستغلوا هذه الفرصة من خلال اختيار قائمة صالحة تمتلك رؤية متكاملة لإدارة البلد خلال السنوات الأربع ، وانتخاب مرشحين يتصفون بالكفاءة والنزاهة والإخلاص والحرص على مصلحة العراق والعراقيين دون من يحرصون على ملذاتهم ومصالحهم الشخصية من الامتيازات المالية وغيرها)[54].
وفي سياق حديث المرجعية الدينية عن الانتخابات، والتشجيع على الخروج إليها لاختيار الأصلح، فأن المرجعية الدينية أصرت على وجوب تصويت جميع الرجال والنساء، وأعربت عن أملها في الحضور المكثف للمواطنين لدى صناديق الاقتراع النيابي، للأدلاء بأصواتهم؛ لأن عدم الحضور سيفسح المجال للفاسدين بمواصلة شبهات الفساد ومما جاء في توجيهات المرجعية بهذا الصدد: (أن المشاركة في الانتخابات أمر بالغ الأهمية لأن من خلالها يحدد مستقبل البلد، مستقبلنا نحن بل ومستقبل أولادنا وأحفادنا، ومن لا يشارك فإنما يمنح الآخرين فرصة أن يقرروا مستقبله بدلا ً عنه، وهذا خطأ فادح، فشاركوا في الانتخابات رجالا ً ونساء ً شيباً وشبانا وعلى الاباء أن لا يمنعوا أولادهم من المشاركة وعلى الازواج أن لا يمنعوا نسائهم عنها، فللجميع حق المشاركة وحرية الاختيار)[55].
وهذا ما هو إلا تأكيد من قبل المرجعية الدينية الذي عملت كل ما بوسعها لتوحيد صف العراق، وتوحيد كلمته، والمهمة هنا قد أوكلت الآن إلى المؤمنين في تحديد مسار حياتهم المستقبلية باختيارهم الأصلح لهم ولبلدهم ولمستقبل أولادهم، ولم تغفل المرجعية نصف المجتمع الحقيقي(المرأة) بل حثتْ الأزواج والآباء والابناء على تهيئة ظروف ملائمة لخروجهن ومشاركتهن في تحديد مصير البلد، وذلك عن طريق الانتخاب.
وبذلك كان لفتوى المرجعية الدينية بوجوب مشاركة جميع العراقيين في الانتخابات صدى واسع، حيث التزمت بها الجماهير العراقية من مختلف الأوساط الاجتماعية والقومية، لقد كان مشهداً رائعاً لا مثيل له في إقبال العراقيين على صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم لمرشحيهم، بكل حرية وشفافية من أجل اختيار شخصية صالحة وكفؤة تقود البلاد إلى بر الأمان، فضلاً عن تحقيق المصالح العامة للشعب.
فموقف المرجعية الدينية واضح تجاه العملية الانتخابية، فهو لم يتبنى قائمة بعينها، فجعل المسؤولية ملقاة على عاتق المواطنين، فهم وحدهم من يتحمل المسؤولية في اختيار من يمثلهم، وعبرت عن الأمل في تحقيقها للتغيير المطلوب، داعيةً القوائم والمرشحين إلى الوفاء بالوعود التي قطعوها للناخبين بالعمل على إصلاح أوضاع البلاد، فقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي، معتمد المرجعية الدينية في العراق، خلال خطبة له في يوم الجمعة في الصحن الحسيني الشريف:( ليس للمرجعية الدينية العليا موقف معلن وآخر يتم الايحاء به لبعض الناس.. موقفها واحد واضح لا لبس فيه فهي لا تحدد للمواطنين من ينتخبون، هي تريد منهم أن يتحملوا بأنفسهم هذه المسؤولية، هي لا تقول لهم انتخبوا هذا ولا تنتخبوا ذاك هي لا تفعل ذلك.. ليس لأنها تساوي بين الصالح وغيره ولا تتنصل من مسؤوليتها الشرعية بل لأنها ترى أن مصلحة العراقيين حاضراً ومستقبلا ً إنما هي في أن يختاروا من يمثلهم في مجلس النواب استناداً إلى قناعاتهم الشخصية لا اتكالا ً على قناعاتها، ربما يقول البعض أنه يصعب عليهم أن يكوّنوا قناعة بأي من المرشحين والقوائم.. و نقول لهؤلاء الأحبة الأعزة: المهمة ليست سهلة، لكن لابد من السعي لأدائها بالصورة الممكنة .[56]"
وأردف سماحته قائلاً :( أن هذه الجموع الكبيرة من المواطنين تحملّوا التحديات الأمنية وهبّوا باندفاع ٍ وهمةٍ عالية لأداء هذه المسؤولية الوطنية)[57] .
واضاف الشيخ الكربلائي: (لا شك أن هذه المشاركة الواسعة سترفعُ من رصيد الشعب العراقي بالاحترام والتقدير لدى الشعوب الأخرى.. فأنها تمثلُ نمطاً من الصبر والتحمّل والوعي الوطني قَلَّ نظيرهُ لدى شعوب كثيرة)[58].
كما دعا ممثل المرجعية الدينية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى مراعاة كامل المهنية والحرفية والأمانة في احتساب النتائج، لأن أصوات المواطنين أمانة في اعناقهم وسيحاسبون عليها يوم القيامة، وأوضح سماحته قائلا: ( أننا وفي نفس الوقت فإن الجهود المهنية العالية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في جريان العملية الانتخابية بسلاسَة ٍ وانسيابية ٍ وبأساليب متطورة تعكس ارتقاء مهنياً في هذا الأداء فلَهُمْ الشكر والتقدير مع أملنا الكبير في أن تُراعى كامل المهنية والحرفية والأمانة في احتساب النتائج فإن أصوات الناس أمانة ٌ في اعناق من يتصدى لهذه المسؤولية)[59].
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل دعت المرجعية الدينية إلى الإسراع بإعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، وحذرت من محاولات تزويرها، أملاً في الوصول إلى النتائج المرضية والمرجوة، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد: (نرجو والاملُ معقود في المحافظةِ على الدقة ِ والشفافية في عملية العد والفرز.. والإسراع في إعلان نتائجها النهائية.. إختزالا ً للوقت.. ومنعاً لاحتمالات إقدام البعض على محاولة تغيير النتائج.. ودفعاً لِما يمكن أن يحصل من تشكيك البعض بهذه النتائج.. فان الجميع يترقب هذه النتائج- كما هي- آملا ً بحصول التغيير نحو الأفضل الذي هو محطُ أنظار المواطنين)[60].
ونوهت المرجعية الدينية على الكتل الفائزة أن يوفوا بعهودهم التي قطعوها للمواطنين بعد الانتخابات، وأن يكونوا على قدر المسؤولية التي أُنيطت إليهم، حتى تسير العملية السياسية بشكلٍ أنسب، وقد جاء في خطبة الجمعة: (المأمول من الكتل الفائزة والمرشحين الفائزين – بمقتضى الوفاء للشعب العراقي- ان يُقابَلَ ذلك بالالتزام بأداء المسؤولية الوطنية على الوجه الذي قطعوا الوعدَ فيه للمواطن العراقي وأن يكونوا عند حُسن ظن الشعب العراقي الذي وَضَعَ ثقته وأمَلَهُ فيهم من أجل دعم المسيرة السياسية في العراق وتعزيزاً لهذا الأمل لدى المواطنين بالتغيير نحو الأفضل).
وأخيراً شكرت المرجعية الدينية، أبنائنا من القوات الأمنية على الجهود الاستثنائية الكبيرة التي بذلوها لتأمين العملية الانتخابية، وقد جاء ذلك في خطبة الجمعة: الشكر موصول لجميع الأجهزة الإعلامية والقنوات الفضائية وكافة الجهات والمؤسسات الأخرى التي ساهمت في إنجاح هذه العملية الانتخابية)[61].
وفي ما يخص الموقف من المرشحين والكتل السياسية، نشر مكتب السيد السيستاني (دام ظله) سؤالاً إلى أحد الأخوة، مفاده: لقد أكدت المرجعية الدينية بزعامة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) على لسان الشيخ الكربلائي والسيد الصافي قبل الانتخابات الماضية بأن المرجعية الدينية تقف على مسافة واحدة من الجميع... وهل تقف المرجعية على نفس المسافة بين المسؤول الذي فشل في إدارة الملفات المنوطة به من الملف الأمني أو الاقتصادي أو الخدمي أو السياسي، وبين من لم يثبت بحقه أي تقصير ولم يقصر في واجبه؟ علما أن موقف المسافة الواحدة من الجميع الذي تتبناه المرجعية الدينية العليا يحاول الانتهازيون والفاشلون والمقصرون خداع الناس بأنها راضية عنهم، افتونا وفقكم الله لمراضيه بمحمد وآل محمد.
وكان رد مكتب السيد السيستاني كالآتي:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن سماحة السيد السيستاني (دام ظله) يحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات واختيار الصالح والكفوء، ولا يدعم أية قائمة أو مرشح بخصوصه، وليس معنى كون على مسافة واحدة من الجميع هو أن يساوي بين الصالح والطالح أي بين من بذل ما يستطيع في خدمة الناس ومكافحة الفساد، ومن لم يعمل إلا لمصلحة نفسه وجماعته ومعناه أنه لا يدعم أيًا من المشاركين في الانتخابات، فمسؤولية الاختيار إنما هي على الناخب نفسه، فليحسن الاختيار لكي لا يندم لاحقاً.
ويذهب الشيخ عبد المهدي الكربلائي في موضع توضيح بشيء من التفصيل، ما ورد في جواب مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) في الجواب بتركيز ودقة، وذلك في أمرين، الأمر الأول: أصل المشاركة في الانتخابات لمجالس المحافظات ومجلس النواب.. للحفاظ على مبدأ الانتقال والتداول السلمي للسلطة، وترسيخ اشتراك جميع مكونات الشعب العراقي في إدارة شؤون البلاد، مما يعزز شعورها بتحقيق ركن أساسي من أركان العدالة الاجتماعية، وعدم شعورها بالتهميش والإقصاء، وبدوره فأن ذلك يؤدي إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، الأمر الثاني: أن أحد المطالب الجوهرية من الانتخابات هو التغيير نحو الأفضل الذي يمكن أن يضمن تحققه بالمشاركة وحسن الاختيار ثانياً[62]..
ومعنى ذلك أن الانتخابات هي الآلية الأساسية لتكوين حكومة رشيدة وصالحة، ومجلس نيابي يقوم بدوره كما يفترض وفق الدستور ومصالح الناس. وأن يكون هناك نمط من التجديد بالنسبة إلى مجمل الوضع الحكومي وفق ما يرغب فيه الناس، وإن التغيير هو ذلك التغيير الذي يكون شيئاً صحيحاً ومناسباً ومفيداً للمجتمع بصورة عامة. ثانياً: أن سماحتَهُ – دام ظله- لم يترك بيان معايير حسن الاختيار مجهولة أو غامضة[63]، بل أوضح الآلية الموصلة لذلك فوضع أساسين للاختيار الحسن والصحيح: الاختيار الأول: توفر عنصر الكفاءة لِنَضْمَنَ حسنَ الإدارة وحسنَ الأداء من النائب أو المسؤول للمهمة المكلف بها كُلٌّ منهما، والأساس الثاني: توفر عنصر الصلاح لِنَضْمَنَ نزاهة النائب والمسؤول وعدم استغلال المنصب لأغراض شخصية مادية أو معنوية أو حزبية فئوية ضيقة، ونعود إلى المعنى المراد من وقوف سماحة السيد – دام ظله- على مسافة واحدة من جميع المرشحين والقوائم هو أن سماحته – دام ظله- لا يدعم أيَّ واحد من هؤلاء المرشحين أو القوائم، ولا يتوهم أحَدٌ أن معنى ذلك هو أنه يساوي بين الصالح الذي بذل ما بوسعه في خدمة الناس ومكافحة الفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة، وبين من لم يعمل إلا لمصلحة نفسه وجماعته وحزبه وكيانه[64].
وذهب الشيخ الكربلائي أن معنى ما ذكره جواب مكتب سماحة السيد – دام ظله- (مسؤولية الاختيار إنما على الناخب نفسه). إن المرجعية ترى إن الناسَ احرارٌ في اختياراتهم.. وأكدَّتْ المرجعية مرات عديدة على حرية المواطن في ذلك، وإن حُسْنَ الاختيار مسؤولية جميع المواطنين دون استثناء لا يقومُ به بعض دون بعض اخر، فالمسؤولية تضامنية والجميع يتحمل مسؤولية بلدهم وكيف يدارُ بَلدُهم نحو الأفضل، وهذه ليست مسؤولية المرجعية بل هذه مسؤولية المواطنين فأن المرجعية تمارس دورَها بالإرشاد في المسارات الأساسية والمهمة وتبدي وجهة نظرها من هذه المسارات الحساسة والجوهرية، وأما مسؤولية الانتخاب فأن الناس اَحرارٌ فيما ينتخبون، وهنا نود أن نُنبه إلى نقطة مهمة وهي إن الناس كيفما ينتخبون ومَن ينتخبون يُولّى عليهم ما سينتخبونه وما يختارونه فأن انتخبوا الأصلح والكفوء وُلِّىَ عليهم ما يُصلحُ بَلَدهم وأحوالهم ومعاشَهم، وأن انتخبوا غَيرَ هؤلاء وُلِّىَ عليهم ما هو خلاف مصالِحِهم وخيرِهم فالمواطنون هم الذين يجب أن يتحملوا المسؤولية في ذلك وهذه ليست مسؤولية المرجعية، ثالثاً: والعبارة الأخيرة من الجواب (فليحسن الاختيار لكي لا يندم لاحقاً) إن المرجعية الدينية العليا حينما وضعت المواطنين على السكة الصحيحة من الاختيار وبعد أن أوضح سماحة السيد – دام ظله- معايير وآليات حسن الاختيار ولم يترك المواطن مُتحيِّراً في ذلك؛ فأن عليه حيث توفرت له وعلمَ بهذه المعايير أن يكون دقيقاً وحسناً في الاختيار لكي يُسَدَّ الطريق على العناصر السيئة وغير الكفوءة وغير النزيهة للوصول إلى مواقع إدارة البلاد، ولكي لا يُوَلّى أمثال هؤلاء على رقاب الناس، وبالتالي لا يحصل له الندم لاحقاً حينما يسيئ الاختيار لا سمح الله[65].
وإلى جانب ذلك نشرت شبكة الكفيل العالمية بعض وصايا المرجعية الدينية العليا حول الانتخابات، وهي مقتبسة من خطب صلاة الجمعة التي تُقام في حرم الإمام الحسين (عليه السلام)[66]، وجاءت كالآتي:
أوّلاً: لابُدّ من المشاركة في الانتخابات.
من يقول: لا جدوى من هذه المشاركة، فهذا الأمر غير صحيح، قد يقول البعض لا جدوى من هذه المشاركة في تحقيق التغيير نحو الأفضل، وهذا الأمر ليس بصحيح، لأنّ هذا التغيير نحو الأفضل من المُمكن أن نحقّقه، ولكن نحتاج إلى الإرادة نحو التغيير، وهذه الإرادة يجب أن تُبنى على وجود أمل، ومن خلال هذا الأمل يتحقّق التغيير.
ثانياً: لابُدّ من تحقيق التغيير.
كيف نحقّق هذا التغيير؟ التغيير يتحقّق من خلال المشاركة الواسعة الواعية في الانتخابات والمبنيّة على المعايير الصحيحة التي وجّهت إليها المرجعية الدينية العليا.
ثالثاً: إحداث التغيير أمرٌ مهمّ.
في ظلّ الأوضاع الحالية التي يمرّ بها البلد، هناك حاجة ضرورية وماسّة لإحداث التغيير نحو الأفضل وأن نترسّم مستقبلاً مشرقاً لنا ولأولادنا، وهذا التغيير الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه لا يتحقّق إلّا بأيديكم أيّها المواطنون، وهو مسؤوليتكم جميعاً.
رابعاً: اعتماد المعايير الصحيحة في اختيار المرشح.
لابُدّ من اعتماد المعايير الصحيحة لاختيار المرشح والابتعاد عن المعايير التي تعتمد على الانتماء العشائري والارتباط العاطفي والفئوي وغيرها، فهي معايير خاطئة.
خامساً: التغيير ممكن وليس ببعيد.
لأنّ الذين رشّحوا ليس كلّهم غير صالحين، بل يوجد هناك الصالحون، وأنتم أيّها المواطنون بأيديكم هذا الأمر، فكيف ستختارون؟ وكيف ستنتخبون؟ مَنْ ستنتخبون؟ وعلى أيّ معايير تعتمدون، وهل هذه هي المعايير الصحية التي وجهت إليها المرجعية الدينية العليا.
سادساً: صلاح مجلس النواب القادم والحكومة مبني على كيفية اختياركم.
سابعاً: اسأل وابحثْ وفتّشْ، فإن لم تجدْ اسأل الأخيار من أهل الخبرة عن المرشح الأصلح.
ثامناً: على النُخَب المثقّفة أن تتصدّى لتوضيح البرامج الانتخابية للقوائم.
على النخب المثقّفة والنخب التي لديها إمكانية لتوضيح وتفهيم البرامج الانتخابية الخاصة بالقوائم للمواطنين أن تتصدّى لتوضيح هذه البرامج بوضوح إلى المواطنين لأنّ هذا أمرٌ يساعد في اختيار الشخص الأصلح.
تاسعاً: الانتخابات مهمّة مقدّسة ونبيلة وفيها أمانة.
الانتخابات مهمّة مقدّسة ونبيلة وفيها أمانة، والأمانة من الأمور التي لا تُعطى لكلّ أحد وإنّما تُعطى هذه الأمانة لمن له ماضٍ وخبرةٌ وله مشاركات واضحة في الحفاظ على المصالح.
ومن الجوانب الأكثر أهمية والتي يمكن عدها من أهم الرسائل الإيجابية في انتخابات 2018، تتمثل بكسر دائرة الاحتكار الطائفي – المناطقي، فضلا عن ذلك إن الانتخابات فرضت تحدياً مهماً جداً على الكتل السياسية الفائزة، وفي الوقت نفسه أوجدت تقدماً في فرص تصحيح المسار، ففي ما يتعلق بالتحدي، فإنه يتمثل بضرورة إدراك وقرارة الرسالة التي أراد العراقيون إرسالها للطبقة الحاكمة، ومفادها أنكم لم تقدموا لنا شيئاً على المستوى السياسي والاقتصادي حتى نمنحكم الثقة مرة أخرى.
ومن ثم، فالتحدي التي تواجهه التحالفات الانتخابية المتصدرة يكمن في تحقيق الإصلاح ومحاربة الفساد، فأزمة الثقة بين المواطن والطبقة الحاكمة تحتاج إلى خارطة طريق لردم الفجوة، لا إلى توسيعها بسياسات حزبية وفئوية تنظر إلى المناصب الوزارة كإقطاعيات لتوسيع القواعد الشعبية من خلال توزيع المناصب والوظائف[67].
وعلى الرغم من أن الانتخابات العراقية البرلمانية التي أجريت في الثاني عشر من مايو 2018 هي الانتخابات الرابعة منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، وعلى الرغم من خوضها من مختلف الكتل تحت لافتات عدم الرضا عن الممارسات الخاصة بالفساد والمحاصصة الطائفية، إلا أن القضايا التي طرحتها هذه الانتخابات لم تختلف كثيراً عن مجمل الجدل الدائر في الساحة العراقية منذ عدة سنوات، وإن دل ذلك فإنما يدلُ على استمرار المعادلات المتحكمة بالوضع العراقي والتركيبة السياسية التي نشأت منذ الغزو الأمريكي، مع ذلك فإن الملاحظة الأساسية على تلك الانتخابات هو تراكم مقدار من عقلانية الخطاب السياسي الملحوظ في فعاليات وقضايا الجدل الانتخابي، صحيح أن انتخابات العراق تظل لها الملامح والقسمات العربية نفسها، إلا أن هناك فارقاً كبيراً بين انتخابات عام 2018 والانتخابات الثلاثة السابقة ( 2006،2014، 2020) والتي جرت في ظل نقص الخبرة ومحدودية التجربة، حيث بدأت المكونات العراقية بعد عام 2003، وهو ما بدأ واضحاً في ثراء الحوارات السياسية الداخلية على نحو ما برز في الصحف أو المناظرات على الفضائيات، التي أكدت أن المرشحين أصبحوا أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم وعن كتلهم السياسية، وأكثر قدرة على التواصل رغم الاختلاف[68].
وتستمر الانتخابات كل أربع سنوات من أجل إعطاء الحرية لاختيار الشخص المناسب، ومن أجل تحقيق المصالح والطموحات التي حُرِمَ منها الشعب سنواتٍ طوال، إذ نلحظ مع قدوم كل انتخابات إصدار فتاوى من قبل المرجعية الدينية المتمثلة بسماحة السيد السيستاني عبر خطب الجمعة من الصحن الحسيني الشريف، وهذه بيانات توجيهية حثت المجتمع العراقي على المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي تمثل جزءاً من بناء النظام الجديد.
شهدت انتخابات عام 2018 تغيراً في الخطاب السياسي للمرشحين والكتل من التركيز على الدعاية الانتخابية الطائفية التمييزية إلى التركيز على الدعاية الوطنية المنسجمة إعلامياً مع طموحات الشارع العراقي في مكافحة الفساد وإنهاء المحاصصة السياسية والحزبية، والنهوض بالاقتصاد العراقي، وبدلاً من التحزبات الطائفية، بدأ الخطاب السياسي يتجه إلى مزيد من الرشادة من جانب الطوائف، فقد حمل الجميع المحاصصة الطائفية المسؤولية عن كل مشكلات العراق، فبعد فترة من التماهي الطائفي مع الرغبة في ممارسة الدور السياسي وحيازة نصيب من السلطة بقدر ما تمكن به الحصة الطائفية ، تبين أن الارتكان على ذلك يفقد العراق الطابع الوطني الذي يخسر معه الشيعة والسنة والكرد على حد سواء ، ويخلق منافذ للفساد، وينتهي الأمر بالمكونات الوطنية لمزيد من التخندق والتباعد[69].
ويعاني الشعب العراقي بعض التخوّف من الانتخابات، ويرجع ذلك لتحديد مصيرهم لأربع سنوات مقبلة، ونرى بعض منهم يعيشون في خضم الدعايات الانتخابية والوعود الكاذبة التي يطلقها المرشحون هنا وهناك من أجل مصالحهم الشخصية، في حين يقوم البعض الآخر بالعزوف عن الانتخابات، لأنهم يرون في موقفهم هذا الحل الصحيح والابتعاد عن تحمل مسؤولية المرشحين، ولكن بعد بيانات المرجعية الدينية حول الانتخابات وتوضيح بعض المسائل المتعلقة بهذا الشأن، والتحذير من السياسيين الذين كانوا سببا في دمار العراق وتراجعه إلى هذا المستوى قد غير تفكير رأي الكثير من الناخبين في هذه الانتخابات، وساعد هذا البيان في تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات للصالح العام وتغيير أوضاع البلاد نحو الأفضل.
صدرت العديد من الفتاوى والتوجيهات قبل الانتخابات المقرر عقدها في 12 مايو سنة 2018، واتسمت هذه الفتاوى بالتباين والاختلاف من مرجعية دينية إلى أخرى داخل المذهب الواحد، ففيما يتعلق بالمرجعية الدينية أعلن وكيل السيد السيستاني (الشيخ عبد المهدي الكربلائي) موقفه في خطبة 4 مايو، إذ أشار أنه يتخذ موقفاً محايدًا من جميع الكتل والقوائم الانتخابية، ولا يدعم أيًا منها، مُحذرًا من استخدام اسم المرجعية من قبل المرشحين، كما حذرت الفتوى الناخبين من اختيار الفاسدين.
واعتبرت فتواه أن القيام بالتصويت حق للمواطن، وله الحرية في استخدام هذا الحق من عدمه، وهذا على النقيض من الفتاوى السابقة التي كانت تُلزم بضرورة المشاركة، وجاء هذا بعد فتواه السابقة التي أحدثت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية ( المجرب لا يجرب ) والتي فهمها البعض على أنها دعوة لعدم اختيار من سبق لهم المشاركة في مناصب تشريعية وتنفيذية، ورأى البعض الآخر أنها دعوة لعدم انتخاب من أُثيرت حولهم شبهات أو قضايا فساد[70].
جاء في ( وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب ) أن المرجعية الدينية دعت في العراق إلى تجديد الطبقة السياسية طالبة من الناخبين عدم ( الوقوع في شباك المخادعين) وإعادة انتخاب الفاشلين والفاسدين في عملية التصويت التشريعية المقررة في 12 أيار، وستكون هذه الانتخابات الأولى التي تشهدها البلاد منذ إعلان( الانتصار) على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، فقد كان للمرجعية نداءات كثيرة داعمة وحاثة على الوعي والاهتمام والانتباه إلى ما يحيط بالعراق من مخاطر ومزالق من شأنها أن توقع بين أبناء البلد الواحد وبضمن هذه الأشياء هو أن يحكم العراق نظام غير استبدادي غير متسلط وغير غاصب لحقوق الناس وغير مقيد لحرياتهم، وهذا ما يوضحه نص كلامه في الخطبة، وعلى هذا الأساس أصدر مكتب المرجعية الدينية بيان حول الانتخابات النيابية العراقية، وقد جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة التي أُقيمت في الصحن الحسيني الشريف في ( 17 شعبان الموافق 4 آيار 2018م) والتي كانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وهذا نصه: مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، يسأل الكثير من المواطنين الكرام عن موقف المرجعية الدينية العليا من هذا الحدث السياسي المهم، وبهذا الصدد ينبغي بيان أمور ثلاثة أهمها:
أوّلاً: لقد سعت المرجعيّةُ الدينيّةُ منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في أن يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعدّدية السياسيّة والتداول السلميّ للسلطة عبر الرجوع إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات دوريّة حرّة ونزيهة؛ وذلك إيماناً منها بأنّه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد إن أُريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة، ويحظى بالتقدّم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا... ومن هنا أصرّت المرجعيّةُ الدينيّة على سلطة الاحتلال ومنظّمة الأمم المتّحدة بالإسراع في إجراء الانتخابات العامّة؛ لإتاحة الفرصة أمام العراقيّين لتقرير مستقبلهم بأنفسهم، من خلال اختيار ممثّليهم المخوَّلين بكتابة الدستور الدائم وتعيين أعضاء الحكومة العراقية[71].
وهناك شروط وضعها الشيخ الكربلائي في بيان المسار الانتخابي، حتى يؤدي إلى نتائج مرضية، ويتجلى ذلك بقولهِ:( ولكن من الواضح أنّ المسار الانتخابي لا يؤدِّ إلى نتائج مرضية إلّا مع توفّر عدّة شروط، منها: أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين، ولا يسمح بالالتفاف عليها، ومنها: أن تتنافس القوائم الانتخابيّة على برامج اقتصاديّة وتعليميّة وخدميّة قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الإعلاميّة. ومنها: أن يُمنع التدخّل الخارجي في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك. ومنها: وعيُ الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهمّ في رسم مستقبل البلد، فلا يمنحونها لأناسٍ غير مؤهّلين إزاء ثمنٍ بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف أو رعايةً للمصالح الشخصيّة أو النزعات القَبلية أو نحوها[72].
ونوهت المرجعية الدينية على بعض الإخفاقات التي رافقت العمليات الانتخابية السابقة، إذ قالت:( إنّ الإخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابيّة الماضية من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممّن انتُخِبوا أو تسنّموا المناصب العُليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصّصات كبيرة، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه، لم تكن إلّا نتيجة طبيعيّة لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة عند إجراء تلك الانتخابات، وهو ما يلاحظ -بصورة أو بأخرى- في الانتخابات الحاليّة أيضاً، ولكن يبقى الأمل قائماً بإمكانيّة تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسّسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من أبناء هذا البلد واستخدام سائر الأساليب القانونيّة المُتاحة لذلك)[73].
ثانياً: إنّ المشاركة في هذه الانتخابات حقّ لكلّ مواطن تتوفّر فيه الشروط القانونيّة، وليس هناك ما يُلزمه بممارسة هذا الحقّ إلّا ما يقتنع هو به من مقتضيات المصلحة العُليا لشعبه وبلده، نعم.. ينبغي أن يلتفت إلى أنّ تخلّيه عن ممارسة حقّه الانتخابي يمنح فرصةً إضافيّة للآخرين في فوز منتخبيهم بالمقاعد البرلمانيّة، وقد يكونون بعيدين جداً عن تطلّعاته لأهله ووطنه، ولكن في النهاية يبقى قرار المشاركة أو عدمها متروكاً له وحده وهو مسؤول عنه على كلّ تقدير، فينبغي أن يتّخذه عن وعي تامّ وحرصٍ بالغٍ على مصالح البلد ومستقبل أبنائه[74]. وهذا ما تتطلع إليه المرجعية الدينية متمثلاً بحرية الفرد، واختياره الأصلح، وفوز الأجدر بالمقاعد البرلمانية، لضمان مصالح البلد.
ثالثاً: إنّ المرجعيّة الدينيّة العُليا تؤكّد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشّحين ومن كافة القوائم الانتخابيّة، بمعنى أنّها لا تُساند أيّ شخص أو جهة أو قائمة على الاطلاق، فالأمر كلّه متروكٌ لقناعة الناخبين وما تستقرّ عليه آراؤهم بعد الفحص والتمحيص، ومن الضروريّ عدم السماح لأيّ شخص أو جهة باستغلال عنوان المرجعيّة الدينيّة؛ للحصول على مكاسب انتخابيّة، فالعبرة كلّ العبرة بالكفاءة والنزاهة، والالتزام بالقيم والمبادئ، والابتعاد عن الأجندات الأجنبيّة، واحترام سلطة القانون، والاستعداد للتضحية في سبيل إنقاذ الوطن وخدمة المواطنين، والقدرة على تنفيذ برنامج واقعيّ لحلّ الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنواتٍ طوال[75].
وأوضحت المرجعية الدينية أن الطريق إلى التأكد من ذلك هو ( الاطلاع على المسيرة العلمية للمرشحين ورؤساء قوائمهم ولا سيما من كان منهم في مواقع المسؤولية في الدورات السابقة، لتفادي الوقوع في شباك المخادعين من الفاشلين والفاسدين من المجرمين أو غيرهم[76](.
وبعد إصدار هذه البيانات من قبل المرجعية الدينية، قال رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي عبر تغريدة له: (نعرب عن تأييدنا التام لموقف وتوجيهات المرجعية الدينية العليا بزعامة السيد علي السيستاني حفظه الله التي تضمنتها خطبة صلاة الجمعة لهذا اليوم، هذا المنبر الذي انطلقت منه المواقف التي حفظت وحدة العراق ومصالح شعبه وفتوى الجهاد الكفائي التاريخية).
ومن جانبه ركز العبادي على جزء من حديث السيد السيستاني بالاطلاع على المسيرة العلمية للمرشحين ورؤساء القوائم ولا سيما من كان منهم في مواقع المسؤولية في الدورات السابقة لتفادي الوقوع في شباك المخاذلين والفاسدين من المجرمين وغير المجرمين[77].
ومن جانبه صرح أحد السياسيين بناءً ما جاء في هذه البيانات، أن المرجعية في بياناتها مالت إلى استبعاد الطبقة السياسية الحاكمة كلها بسبب شبهات الفساد التي تحوم حول أبرز القيادات السياسية[78].
وشدد الدكتور العبادي وفقاً للبيان على أهمية اختيار العراقيين لممثليهم (بشكل صحيح، وتفادي تكرار التجارب الفاشلة السابقة، والسير قدماً نحو مستقبل مشرق لبناء عراق مستقر ومزدهر، لا مكان فيه للإرهاب والفساد والتمييز والطائفية)[79].
وفي الوقتِ نفسه أعلن المتحدث الرسمي باسم ائتلاف دولة القانون ( عباس الموسوي ) إذ قال في بيانٍ له: إن ائتلاف دولة القانون يرحب ببيان السيد السيستاني وخطبة الجمعة، والتي تضمنت توجيهات وإرشادات قيمة ستكون نبراساً لجميع أبناء الشعب العراقي من مختلف مكوناته وانتماءاته السياسية، وبشكلٍ خاص للكتل والقوائم الانتخابية والمرشحين من خلال التأكيد على نزاهة الاقتراع وعدم استخدام الموقع والمال العام والمرشحين للانتخابات التشريعية[80].
وأضاف الموسوي أن (بيان المرجعية الدينية العليا قطع الطريق أمام محاولات من يحاول الالتفاف على الانتخابات ونتائجها، كما حدث سابقاً من خلال مسألة الاستقواء بالقوى الخارجية بهدف التأثير على المسار الانتخابي)[81].
فموجة التأييد لبيان المرجعية الدينية وصلت إلى تيار الحكمة الوطني، بزعامة عمار الحكيم، الذي دعا (الشركاء السياسيين) والشعب العراقي إلى (الالتزام) بتوجيهات السيد السيستاني، محذراً في الوقت ذاته من إعادة اختيار المتهمين بهدر المال العام[82].
وقال الحكيم في بيان له، نؤكد التزامنا التام بالتوجيهات الابوية الصادرة من لدن المرجعية الدينية العليا بخصوص الانتخابات المرتقبة، ونثمن عاليا هذه الرؤية الابوية الشاملة والحريصة على حاضر العراق ومستقبله.
وأضاف: نحث شركاءنا في العملية السياسية والشعب العراقي على الالتزام بما جاء في خطبة الجمعة لهذا اليوم من تأكيد على أهمية عدم استغلال السلطة ورفض التدخل الخارجي والتحذير من إعادة اختيار المتهمين بهدر المال العام والفاشلين والفاسدين والالتفاف على حقوق الناخبين.
وحذر مما وصفها «شخصنة» المناكفات والصراعات القبلية في الممارسة الانتخابية، والعمل الدؤوب لإصلاح مؤسسات الدولة من طريق الاساليب القانونية، فضلا عن عدم استغلال اسم المرجعية انتخابيا، وكذلك تأكيدها على أهمية أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشعارات والمزايدات الإعلامي[83].
في عام 2019 وفي الوقت الذي شهد احتجاجات شعبية في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى تطالب برحيل الحكومة والتي سقط على أثرها العديد من الشهداء والجرحى، نتيجة الوضع المتردي النابع من فشل بعض السياسيين في إداء واجباتهم المناطة إليهم، طالبت المرجعية الدينية بالإسراع في تشكيل مفوضية الانتخابات، إذ كثير ما أكدت ولأكثر من مرة على ضرورة إقرار قانونٍ منصفٍ يكون كفيلاً بإعادة ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية، مبينةً أن تشريع قانونٍ غير منصف لن يكون مقبولاً ولا جدوى منه، كما أكدت على أهمية إقرار قانونٍ جديدٍ لمفوضية الانتخابات كي تحضى بالمصداقية والقبول الشعبي، جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة ليوم( 17 ربيع الأول 1441هـ) الموافق لـ (15 تشرين الثاني 2019م)، التي أقيمت في الصحن الحسيني الطاهر، وكانت بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي، ومما ورد في هذا الشأن قوله: إنّ الحكومة إنّما تستمدّ شرعيّتها -في غير النظم الاستبداديّة وما ماثلها- من الشعب، وليس هناك مَنْ يمنحها الشرعيّة غيرُه، وتتمثّل إرادةُ الشعب في نتيجة الاقتراع السرّي العام إذا أُجري بصورةٍ عادلةٍ ونزيهة[84].
ففي هذا النص المار الذكر يقول الباحث محمد عبد الجبار الشبوط معلقاً على نص بيان المرجعية الدينية: (ونلاحظ في النص الجديد أن الإمام السيستاني يربط بين الاقتراع العام أي الانتخاب، وبين الشرعية، ما يعني أن مصطلح الحكومة عند السيستاني يشمل الولاية التنفيذية والولاية التشريعية، لأن الانتخاب يشمل النواب من باب أولى بوصفهم السلطة التشريعية، وبذلك يكون الشعب مصدر شرعيتهم، كما هو مصدر شرعية الحكومة التنفيذية)[85].
كما لفتت المرجعية الدينية إلى ضرورة سن قانون عادل غير متحيز لأي جهة حزبية أو سياسية يتيح للقوى الناشئة والشخصيات المستقلة من المساهمة في بناء البلد من خلال تمثيلها في القرار التشريعي، قانونٌ يسمح بإنتاج قوى سياسية جديدة تعمل من أجل النهوض بكل مفاصل البلاد التي أرهقت بفعل القوى الحاكمة التي أتت بقوانين تتماهى مع طموحاتهم السياسية وأطماعهم الشخصية، وهذا ما جاء صريحاً في خطاب ممثل المرجعية الدينية عبر خطبة الجمعة: (ومن هنا فإنّ من الأهميّة بمكانٍ الإسراعُ في إقرار قانونٍ منصفٍ للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعمليّة الانتخابيّة ولا يتحيّز للأحزاب والتيّارات السياسيّة، ويمنح فرصةً حقيقيّة لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية، إذا أراد الشعبُ تغييرها واستبدالها بوجوهٍ جديدة)[86].
وتابعت المرجعية الدينية قولها: إنّ إقرار قانونٍ لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولاً ولا جدوى منه، كما يتعيّن إقرار قانونٍ جديد للمفوّضية التي يُعهد اليها بالإشراف على إجراء الانتخابات، بحيث يُوثقُ بحيادِها ومهنيّتها وتحظى بالمصداقيّة والقبول الشعبيّ[87].
ويرى الباحث حسين فرحان، إذا كانت المطالبة بتشريع قانون عادل ومنصف للانتخابات تعد من المطالب الطارئة لدى البعض أثناء موجة الاحتجاجات، فهي ليست كذلك عند المرجعية الدينية الذي طالما كان يقرأ وبمنتهى الدقة ما ستؤول إليه الأمور ليس في هذا الشأن فحسب بل في كل الشؤون المهمة التي تتعلق بالقضايا المصيرية والمصالح العامة العليا لهذا الشعب، فكانت المرجعية تراقب الحدث السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي وتبدي ملاحظاتها وتوصياتها بسلوك مسارات معينة ترى فيها المصلحة العامة لأبناء هذا الشعب ولا تلزم أحدًا بالأخذ بها بقدر ما تعتني بأداء دورها الأبوي الراعي لمصلحة الأبناء، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد: ( إذا تمّ إقرارُ قانون الانتخابات على الوجه المقبول يأتي الدور للنُّخَب الفكريّة والكفاءات الوطنيّة الراغبة في العمل السياسيّ، لتنظّم صفوفها وتعدّ برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خططٍ عمليّة مدروسة، لكي تكون على استعدادٍ لعرضها على الناخبين في أوان الانتخابات، ويتمّ التثقيف على التنافس فيها لا على أساس الانتماءات المناطقيّة أو العشائريّة أو المذهبيّة للمرشّحين، بل بالنظر الى ما يتّصفون به من كفاءة ومؤهّلات وما لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبلٍ أفضل، على أمل أن يقوم مجلسُ النوّاب القادم والحكومة المنبثقة منه بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضروريّة، للخلاص من تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعيّة في المدّة السابقة) .[88] ونلحظُ أن المرجعية الدينية هنا قد حرصت على تقديم النخب الفكرية والمثقفة وأصحاب الكفاءات العالية في الترشيح في العملية الانتخابية على حساب الانتماءات الحزبية والمذهبية، عازيًا ذلك إلى أن النخب المثقفة تمتلك مقومات فكرية وكفاءات عالية للنهوض بحاضر البلاد ومستقبله، وذلك للحد من آفة الفساد وآثاره الخطيرة على البلاد، فضلا عن ذلك القضاء على المحاصصة المقيتة التي أدت إلى تفشي الفساد ، وغياب العدالة الاجتماعية المتمثلة بعدم العدالة في توزيع الثروات والممتلكات العامة في البلاد.
فالمرجعية الدينية أذن اشترطت توفير الكفاءة والأهلية والأمانة فيمن يتولون المناصب والمسؤوليات، وهذا المبدأ قد سارت عليه كل الدول المتقدمة، فتولية الأكفأ هو الطريق الصحيح في العمل الإداري، فعلى أساس الكفاءة والمهنية تمنح المناصب والمسؤوليات لا على أساس المحاصصة الحزبية والقومية والطائفية كما هو حاصل في العراق، فاختيار أناس لا علاقة لهم بالمناصب التي يتولونها من الناحية العلمية أو الفنية، أو اختيار من هو يحمل أدنى المعايير والقيم والمهارات التي تتطلبها المناصب في مؤسسات الدولة وغيرها من الأسباب التي أدت لتفشي الفساد الإداري والمالي في البلد، لذا كان نتيجة ذلك أن من يتقلد هذا المنصب أو ذاك ليس لديه ما يؤهله للقيام بواجبات المنصب ومتطلباته وأن أقصى ما يملكه من مؤهلات أنه ينتمي للحزب الفلاني أو هو من الطائفة الفلانية، وهكذا أصبحت المناصب مقسمة وموزعة والسبب في ذلك غياب مبدأ العدالة الاجتماعية[89].
وقد شددت المرجعية الدينية العليا معربةً عن أملها في أن لا يتأخر تشكيل الحكومة التي انتخبت حديثاً، داعيةً في الوقتِ ذاته إلى اختيار حكومة لا تكون محل خلاف وتنازع وجدال طويل على المناصب والدرجات الخاصة، ومما جاء في خطبة المرجعية بهذا الصدد: ( ...ألا يتأخّر طويلا تشكيلُ الحكومة الجديدة التي لا بُدّ من أن تكون حكومةً غير جدليّة، تستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة، وتتمكّن من استعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع، وإجراء الانتخابات القادمة في أجواء مطمئنة، بعيدة عن التأثيرات الجانبيّة للمال أو السلاح غير القانونيّ وعن التدخّلات الخارجيّة، والله وليّ التوفيق)[90].
ونشر موقع (مونت كارلو الدولية/ أ ف ب) خبرًا مفادهُ:( السيستاني يؤيد الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق ويحذر من التأخير في إجرائها، وجاء فيه): إن السيد السيستاني قال في بيان نشر على موقعه بعد الاجتماع الثنائي الذي عقده مع مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين هينيس- بلاسخارت إن الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها في العام القادم تحظى بأهمية بالغة.
وتثار الكثير من الأسئلة حول دور المرجعية الدينية في ترشيح مناصب الدرجات الخاصة ورئيس الوزراء؟ فهل أن المرجعية الدينية تؤيد شخص رئيس الوزراء بعينه؟ وحتى يتم الإجابة عن هذا السؤال نُشير إلى ما ورد في خطبة المرجعية الدينية يوم الجمعة المصادف 6/12/2019م، إن المرجعية الدينية (ليست طرفاً في أي حديث بهذا الشأن، ولا دور لها فيه بأيّ شكل من الاشكال)[91].
وجاء في الموقع أيضاً: إن السيد السيستاني شجع العراقيين على المشاركة بصورة واسعة في الانتخابات، محذراً من أن مزيداً من التأخير في إجراء الانتخابات أو إجراءها من دون توفير الشروط اللازمة لإنجاحها بحيث لا تكون نتائجها مقنعة لمعظم المواطنين سيؤدي إلى تعميق مشاكل البلد والوصول لا سامح الله إلى وضع يهدد وحدته ومستقبل أبنائه.
وجاء في الموقع أيضاً: استقبل السيستاني هينيس-بلاسخارت في منزله المتواضع في مدينة النجف الأحد، بعد عشرة أشهر على آخر لقاء بينهما، وقالت المبعوثة الأممية: إذا جرت بالطريقة الصحيحة وبشكلٍ صحيح وذو مصداقية، فقد تفتح (الانتخابات) فصلا مهما بالنسبة للبلاد.
وجاء في الموقع أيضاً: كان السيستاني بين دعاة إجراء انتخابات مبكرة منذ العام الماضي، عندما هزّت احتجاجات غير مسبوقة ضد حكومة بغداد ومدن الجنوب التي يشكل الشيعة أغلب سكانها.
وأكدت المرجعية الدينية على أنه ينبغي احترام إرادة الشعب، عبر إقرار قانون انتخابي يسمح لهم بالتعبير عن آرائهم، وحقهم في اختيار من يرغبون، بمختلف أعراقهم ومذاهبهم، وشتى ألوانهم وأشكالهم؛ لأن الشعب مصدر السلطات، وألا تكون إرادة الشعب العراقي خارج حسابات السلطة الحاكمة، وفي الوقت نفسه دعت إلى احترام إرادة العراقيين إقليميا ودوليا، إذ لا سلطة فوق سلطة الشعب ولا صوت يعلو فوق صوتهم من ذلك ما جاء في إحدى خطب الجمعة )إنّ احترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والإداري لبلدهم عبر إجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق، واليوم تؤكد على أن الإصلاح وإن كان ضرورة حتمية ـ كما جرى الحديث عنه أكثر من مرة ـ إلا أن ما يلزم من الإصلاح ويتعين إجراؤه بهذا الصدد موكول أيضا إلى اختيار الشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه من أقصى البلد إلى أقصاه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليه)[92].
وتابعت المرجعية الدينية تأكيدها على أن اللجوء إلى الاقتراع السري الانتخابي هو الحل الأمثل للخروج من المأزق السياسي الذي يمرُ به البلد، فالبلدُ أمام مشهد يعيش حالة من الافتراق السياسي، فانقسام فرقاء السياسية على المناصب والمغانم والكابينات الوزارية سيترك منعطفات خطيرة تؤثر سلباً على مستقبل أبناء البلد، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد : (إنّ الرجوع إلى صناديق الاقتراع لتحديد ما يرتئيه الشعب هو الخيار المناسب في الوضع الحاضر بالنظر إلى الانقسامات التي تشهدها القوى السياسية من مختلف المكونات، وتباين وجهات النظر بينها فيما يحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة، وتعذر اتفاقها على إجراء الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها معظم المواطنين، مما يعرّض البلد لمزيد من المخاطر والمشاكل، فيتحتم الإسراع في إجراء الانتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته، ويكون مجلس النواب القادم المنبثق عن إرادته الحرة هو المعنيّ باتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية التي تحدد مستقبل البلد ولا سيما فيما يخص المحافظة على سيادته واستقلال قراره السياسي ووحدته أرضا وشعبا)[93].
وفي عام 2021 أجريت انتخابات برلمانية تشريعية مبكرة، وهي خامس انتخابات تشريعية بعد عام 2005، وأول انتخابات تشريعية برلمانية مبكرة وعدت بها الحكومة العراقية لتهدئة غضب الشارع العراقي إثر الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في أكتوبر 2019 في وقت لا تزال فيه القوى السياسية التقليدية نفسها مهيمنة على المشهد العراقي[94]، الأمر الذي جعل مكتب المرجع الديني المتمثل بسماحة السيد علي السيستاني أن يدعو العراقيين إلى انتخاب شخصيات كفوءة ونزيهة في الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها بعد التدقيق في سيرهم، وجاء بيان النجف في وقت لم يتبقَ سوى أيام قلائل تفصل العراق عن انتخابات مبكرة تأتي بعد تظاهرات حاشدة أطاحت بحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي وأتت بقانون انتخابات جديد يستند على دوائر متعددة في المحافظة بدل الدائرة الواحدة[95].
وبذلك أصدرت المرجعية الدينية في النجف بيانًا ( يوم 29 سبتمبر 2021) حثّت فيه المواطنين على المشاركة في الانتخابات البرلمانية الخامسة، وأقرّت المرجعية أنّ الانتخابات ليست مثالية، لكنها الطريقة المثلى لتفادي سيناريوهات أشد سوءاً من مقاطعتها، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد ( إن المرجعية الدينية العليا تشجّع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد الى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي). . وهنا يمكن القول أن قراءة موقف المرجعية الدينية في تشجيع المشاركة في الانتخابات لا يفترض أن يقرأ بكونه انحيازاً للقوى السياسية والأحزاب، والمنظمات المشاركة في الانتخابات، وبالضد من المقاطعين ، وهذا الموقف فيه دعوة صريحة للتقاطع مع الفاسدين والفاشلين وغير الكفوءين، وعدم منحهم الصوت والمساندة، والسعي لعزلهم، وهذا الموقف للمرجعية الدينية يحتم عليها مسؤولية الموقف لاحقا، للنتائج التي سترتب على المشهد السياسي العراقي بعد اعلان نتائج الانتخابات، وما سيكون لاحقاً من برامج وخطط وأجندات ، فالمهم في المشهد السياسي أن يضل التلاحم والتنسيق بين الوطنيين والمدنيين والديمقراطيين والمستقلين وكل من تهمه مصلحة العراق بعيداً عن نظام المحاصصة والفساد من الذين قاطعوا الانتخابات مع الذين اشتركوا فيها لدوافع وطنية، لاسيما وأن الفترة التي ستلي الانتخابات ستحتم عليهم التلاحم والتقارب والتنسيق، وبغض النظر عن النتائج التي ستفرزها الانتخابات.
ثمّ نأت المرجعية بنفسها عن الحزبية الضيقة ولم تُحدد للمواطنين انتخاب أشخاص أو أحزاب معينة، لكنها نصحت بالأطر الكلية والتغيير العام، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد:(على الناخبين الكرام أن يأخذوا العِبَر والدروس من التجارب الماضية ويعوا قيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فيستغلوا هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في ادارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة، وهو أمر ممكن إن تكاتف الواعون وشاركوا في التصويت بصورة فاعلة وأحسنوا الاختيار، وبخلاف ذلك فسوف تتكرر اخفاقات المجالس النيابية السابقة والحكومات المنبثقة عنها، ولات حين مندم)[96]. وهذا القول ما هو إلا تشجيع للمواطنين للمشاركة في الانتخابات، والعمل على اختيار المسؤول الصالح القادر على إدارة شؤون الدولة، الذي يخاف الله في رعيته، لأن عدم المشاركة في الانتخابات سيؤدي إلى إتاحة الفرصة للمغرضين للتلاعب في نتائج الانتخابات عند ذلك ستذهب الأصوات لمن لا يستحقها، وسيستمر الفساد بالتفشي في مؤسسات الدولة، ويصبح المواطن شريك المسؤول بهذا الفساد.
وفي الوقت ذاته دعت المرجعية الدينية إلى أن تكون المفوضية العليا للانتخابات عادلة ومستقلة ومنصفة للانتخابات كما نص عليها الدستور، بعيدا عن التحالفات السياسية والمحاصصة الحزبية، ولهذا جعلت المرجعية الانتخابات خطوة داعمة وصحيحة تجاه الإصلاح، وهذا ما أكدته في أحد بياناتها السابقة: (بأنّ الإصلاح والتغيير نحو الأفضل الذي هو مطلب الجميع وحاجة ماسّة للبلد لن يتحقّق إلّا على أيديكم، فإذا لم تعملوا له بصورةٍ صحيحة فإنّه لن يحصل، والآليّة المُثلى له هي المشاركة الواعية في الانتخابات المبنيّة على حسن الاختيار أي انتخاب الصالح الكفوء الحريص على المصالح العُليا للشعب العراقي والمستعدّ للتضحية في سبيل خدمة أبنائه، وتحقيقاً لهذا الغرض طالبت المرجعيّةُ الدينيّة بأن يكون القانون الانتخابي عادلا يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها، وأن تكون المفوّضية العُليا للانتخابات مستقلّة كما قرّره الدستور ولا تخضع للمحاصصة الحزبيّة)[97] .
وعلى هذا الأساس يتبين إن المرجعية الدينية دعت الناخبين إلى انتخاب من يرونه أصلح لمنفعة العراق، كما دعت إلى إجراء الانتخابات بشكلها المطلوب، وعدم التدخل الخارجي فيها، والابتعاد عن المرشحين المجربين سابقاً وفشلوا في القيام بمهامهم، وأن العزوف عن الانتخابات من قبل الناخب سيؤدي إلى فوز المرشح غير الكفوء.
كما أكدت المرجعية الدينية مرارًا وتكرارًا من أنها لا تقف إلى جانب أي قائمة انتخابية، داعيةً في الوقت ذاته المواطنين إلى انتخاب الشخص الصالح الكفوء الذي لا تحوم حوله شبهات الفساد، الحريص على استقلال العراق ووحدة أرضه، ومما جاء في توجيهات الجمعة بهذا الصدد:( إن المرجعية الدينية العليا تؤكد اليوم ما صرّحت بمثله قبيل الانتخابات الماضية من أنها لا تساند أيّ مرشح أو قائمة انتخابية على الاطلاق، وأن الأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم، ولكنها تؤكد عليهم بأن يدقّقوا في سِيَر المرشحين في دوائرهم الانتخابية ولا ينتخبوا منهم الا الصالح النزيه، الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا)[98].
ولم تنسَ المرجعية الدينية إبداء النصح للناس ألا ينتخبوا أولئك الذين يعملون خارج نطاق الدستور العراقي، إذ حذرت الشعب العراقي أن يكون سبباً في تولي اشخاص غير أكفاء أو متورطين بالفساد لإدارة الدولة ، أو قوى سياسية لا تمتلك الثوابت الوطنية بسبب ارتباطها بأجندات خارجية، ومما جاء في خطبة الجمعة بهذا الصدد: (حذار أن يمكّنواً أشخاصاً غير أكفاء أو متورطين بالفساد أو أطرافاً لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم أو تعمل خارج إطار الدستور من شغل مقاعد مجلس النواب، لما في ذلك من مخاطر كبيرة على مستقبل البلد([99].
وأخيراً وجّهت المرجعية رسالتها إلى القائمين على أمر الانتخابات، وليس إلى الناس هذه المرة، ومما جاء في بيانات المرجعية الدينية في هذا الصدد :(المرجعية تؤكد على القائمين بأمر الانتخابات أن يعملوا على إجرائها في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني أو التدخلات الخارجية، وأن يراعوا نزاهتها ويحافظوا على أصوات الناخبين فإنها أمانة في أعناقهم)[100].
وبعد إصدار هذه البيانات من قبل المرجعية الدينية، أكد رئيس قيادة تحالف قوى الدولة الوطنية (حيدر العبادي)، أن وصايا السيد السيستاني بشأن الانتخابات تصب بصالح الدولة وسيادتها ومصالحها، وقال إعلام العبادي في بيان تلقته( بغداد اليوم) إننا ( نؤكد تأييدنا التام لوصايا المرجعية الدينية العليا، ونرى فيها تأكيداً لمواقفها الوطنية الثابتة والمدافعة عن الدولة وهيبتها وسيادتها ومصالحها العليا، مشددا على أنّ ( المرجعية العليا كانت وستبقى مرجعية أبوية لن تنحاز لقائمة أو مرشح
لكنها تنحاز دوماً لوحدة وقوة وسلامة الدولة وشعبها ومصالحها)[101].
واشار إلى (ما تفضلت به المرجعية العليا من ضرورة المشاركة في الانتخابات لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة، وضرورة التدقيق في سِيَر المرشحين في دوائرهم الانتخابية، ولا ينتخبوا منهم إلا الصالح النزيه، الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا وحذار أن يمكّنوا أشخاصاً غير أكفاء أو متورطين بالفساد أو أطرافاً لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم أو تعمل خارج إطار الدستور من شغل مقاعد مجلس النواب، لما في ذلك من مخاطر كبيرة على مستقبل البلد)[102].
وطالب العبادي ) بما طالبت به المرجعية العليا للقائمين بأمر الانتخابات، أن يعملوا على إجرائها في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني أو التدخلات الخارجية، وأن يراعوا نزاهتها ويحافظوا على أصوات الناخبين فإنها أمانة في أعناقهم([103].
وعلى صعيد الحكومة، فقد رحب رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بتوجيهات المرجع الديني السيد السيستاني مؤكداً التزام الدولة بحماية العملية الانتخابية).
وغرد الكاظمي على (تويتر) قائلاً: تلقينا بمسؤولية كبيرة بيان سماحة المرجع الأعلى، السيد علي السيستاني (دام ظله)، حول الانتخابات بمضامينه الوطنية والإنسانية العالية( نؤكد التزام مؤسسات الدولة بحماية العملية الانتخابية، وندعو المرشحين إلى الالتزام بالقانون والضوابط، والناخبين إلى المشاركة وحُسن الاختيار)[104].
ومن جانبه أكد الخطيب والداعية رشيد الحسيني أن موقف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني واضح في دعم المشاركة في الانتخابات القادمة، وقال الحسيني في برنامجه الخاص الذي يبث من على قناة (الأيام): إن سماحة السيد المرجع الأعلى في كل خطبة وبياناته كان يقول إن الاشتراك في الانتخابات ضرورة وطنية؛ لأنها طريق لحل المشكلات وطريق لاستبدال الوجوه الفاسدة بوجوه صالحة).
وفي الوقت نفسه أشاد رئيس الجمهورية، برهم صالح (29 أيلول 2021) بتوجيهات المرجع علي السيستاني، حول الانتخابات التشريعية المزمع في الشهر العاشر من عام 2021، وقال الرئيس العراقي في تغريدة على (تويتر) إن (التوجيهات الصادرة من المرجع الأعلى علي السيستاني حول الانتخابات، هي موقف وطني حريص يأتي في ظرف دقيق لحماية الوطن والانتصار للمواطن)[105].
وجاء في أرشيف جريدة الصباح للكاتب إياد مهدي عباس، إذ يقول: كما عودتنا المرجعية العليا الرشيدة المتمثلة بسماحة علي الحسيني السيستاني (حفظه الله)، إن دور المرجعية هو دور الأب الحريص على مصلحة أبنائه والراعي لهم فهي اليوم كما بالأمس أكدت من خلال بياناتها ومواقفها المتكررة إنها على مسافة واحدة من جميع العراقيين، بمختلف مكوناتها واطيافها وأنها لا تبخل على العراقيين في إبداء الرأي والنصيحة والتوجيه، من دون أن تمس خصوصيات الناس وعقائدهم السياسية والفكرية فأثبتت لنا أنها دوماً صمام الأمام الحقيقي للوطن والشعب.
فكلما شعرت المرجعية بوجود انعطاف سياسي وأمني يمر به البلد ويشكل خطراً على مستقبله نراها حاضرة بقوة في المشهد العراقي، وكأنها الجندي المقاتل الذي نذر نفسه للدفاع عن بلده والذود عن حياضه من أي مخاطر وتحديات تهدد أمنه ووحدته، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على حرصها الكبير واهتمامها المتواصل ومتابعتها عن كثب للشأن العراقي[106].
فحينما رأت هذه المرة إن العملية الديمقراطية مهددة بسبب فساد الطبقة السياسية الموجودة حالياً وانعكاس أدائها السيء والسلبي على الشارع العراقي، ونية الملايين من أبناء الشعب من عدم المشاركة والذهاب إلى الانتخابات القادمة حسب ما صرحت به مفوضية الانتخابات العراقية وبعض الجهات الأخرى المتابعة للشأن الانتخابي، من أن قرابة مليوني شخص عراقي لم يقوموا باستلام بطاقاتهم الانتخابية، ناهيك عن الإحباط واليأس الذي انتاب الناس وخوفهم من عدم إحداث تغير سياسي في الانتخابات المقبلة، كان جواب المرجعية على هذا الامر واضحاً وجلياً، حيث تضمن جوابها عدة أمور، أهمها إنها حثت المواطنين على ضرورة إحداث تغيير وازاحة الفاسدين من المشهد السياسي وعدم السماح لهم بالاستمرار، والعبث بمستقبل الوطن ومقدراته، وذلك من خلال المشاركة الواسعة والواعية في الانتخابات المقبلة، وانتخاب من تتوفر فيه شروط الأفضلية والسيرة الحسنة والكفاءة المشهودة لمنع إعادة استنساخ الأحزاب والكتل السياسية الفاسدة، ويخدم استمرارية هيمنتها على القرار السياسي لفترة أطول[107].
من جهته، رأى الكاتب والباحث في الشأن السياسي العراقي، (أثير الشرع) في حديث لـ(عربي 21) أن (المرجعيات الدينية لم تكن بعيدة عما يجري في الساحة السياسية، خصوصاً أن مرجعية النجف كانت حاضرة في جميع الدورات الانتخابية)[108].
وأشار الشرع إلى أن (المرجعية كانت توجه الناخب بضرورة اختيار الأصلح والأنزه والأكفأ دون تفضيل سياسي على آخر، لكن ربما اختلاف توجهات الناخب ووجود مرجعيات عديدة، جعل الكثير من المواطنين لا يفقه أهمية توجيهات المرجعية)[109].
وأوضح الباحث العراقي أن (توجيهات المرجعية بدراسة السيرة الذاتية لكل مرشح، خصوصاً أن المرحلة السابقة شهدت فشلاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، لذلك فإن الكرة اليوم في ملعب المواطن الذي يقع على عاتقه اختيار ممثليه في البرلمان)[110].
وأردف:( المرجعية لا تقف إلى جانب تكتل سياسي، وإنما تنظر إلى الجميع بمختلف المكونات بنظرة واحدة، ولم تدع إلى إبعاد النواب السابقين، وإنما الشخص الكفؤ لا بأس من إعادة انتخابه)[111].
وينتظر العديد من غالبية الشعب اليوم رأي المرجعية الدينية العليا في النجف، المتمثلة بسماحة السيد علي السيستاني، بشأن الانتخابات، رغم عدم خوضها في الشؤون السياسية لفترة طويلة منذ انتفاضة تشرين 2019، ورغم عدم مقاطعتها للكتل السياسية ورفضها استقبالهم منذ سنوات.
يُشير معنيون في الساحة السياسية إلى أن المرجعية لا تتخذ موقفاً سلبيًا تجاه الانتخابات، وأن رفضها للكتل السياسية يعود إلى مبدأ (المجرب لا يجرب) مع التأكيد على عدم رغبتها في تكرار تجارب سابقة فاشلة في أداء المهام[112].
في هذا السياق أكد المحلل السياسي (غالب الشابندر) أن مكتب السيد السيستاني يدعم إجراء الانتخابات والمشاركة فيها، مُشيراً إلى أن (هذا التأكيد جاء ضمن خطاب أحد المسؤولين في المكتب، وأضاف الشابندر في حديث لـ(abs) أن هناك اختلافًا بين مقاطعة الكتل السياسية ذات التأثير وعدم المشاركة في الانتخابات).
وشدد على أن (المرجعية انتقدت الطبقة السياسية الحاكمة بشدة، لكنها تدرك في الوقت نفسه أهمية إجراء الانتخابات لتفادي الفراغ السياسي والاجتماعي[113].
أما السياسي المُستقيل (نديم الجابري) يتفق بشكلٍ كبير مع رأي الشابندر حيث يشير إلى مساندة السيد السيستاني لخيار إجراء الانتخابات، ولكنه لم يعد يميل بشكلٍ لأي طرف على حساب طرف آخر.
وأوضح في حديث لـ(abs) أن رفض المرجع للقاء القوى السياسية، وخاصة الشيعة، يعكس رفضًا مطلقاً للطبقة السياسية الحاكمة، موكدًا أن المرجعية تدعم فكرة الدولة المدنية وتدعم إجراء الانتخابات كوسيلة لتحقيق التداول السلمي للسلطة[114].
أما السياسي عصام الفيلي يقول: إن موقف المرجعية الدينية واضح برفضها للطبقة السياسية الحاكمة، وقد أعربت عن ذلك بشكل صريح، من خلال تأكيدها على عدم وجود كتبه سياسية تُمثل توجهات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، وأشار الفيلي في حديث لـ (ABC) إلى فشل القوى السياسية الحاكمة في تقديم مشروع لبناء الدولة، وأن المرجعية تدرك أنه لا يمكن الاعتماد على خيار انتخاب هذه الكتل الفاشلة مرة أخرى[115].
ويمكن تلخيص أهم المحاور التي تضمنها خطاب المرجعية في هذا الصدد بالآتي:
- رفضت المرجعية الدينية أن يكتب الدستور من قبل سلطات الاحتلال، بل لابد من كتابته بأيدي عراقية منتخبة.
- أدرك المرجعية الدينية تمام الأدراك أن الشعب هو مصدر السلطة الحقيقي والشرعي، لذا كان دائماً ما يؤكد على ضرورة إجراء استفتاء وطني عام، دستور يوضع من قبل هيأة عراقية مختصة.
- وأكد السيد السيستاني على حق الشعب في ممارسة حقه في اختيار الدستور الذي يراه مناسباً، وكذلك اختيار نوابه في إطار انتخابات عامة نزيهة بأشراف دولي مع ضمان مشاركة كافة قطاعات الشعب العراقي في هذه الانتخابات.
- لم تترك المرجعية الدينية فرصة إلا واستثمرتها للدعوة إلى الانتخابات، وعمدت إلى إشاعة ثقافة الانتخابات من خلال البيانات والفتاوي التي أصدرها الكثير من المراجع والعلماء مؤكدين أن مقترح السيد السيستاني يمثل طموحات العراقيين وإراداتهم المستقلة بجميع قومياتهم وطوائفهم.
- إن المرجعية الدينية وممثلوها في كربلاء كانوا لا يؤيدون قائمة على حساب أخرى، فهي تنظر للجميع بنظرة حيادية من دون تمييز، وهذا ما يجعلها بعيدة عن النقد.
- برهنت المرجعية الدينية أنها تريد حكومة وطنية اكتسبت شرعيتها من أصوات الناخبين وليس بدعم أو محاصصة حزبية وعشائرية أو تعيين من قبل الاحتلال.
[1] موقف المرجعية الدينية من الانتخابات البرلمانية في العراق عام (2005- 2010)، م.د. علياء سعيد إبراهيم، شعبة المكتبة الفكرية/ العتبة العلوية المقدسة: 211.
[2] موقف المرجعية الدينية من الانتخابات البرلمانية في العراق عام (2005- 2010) م.د. علياء سعيد إبراهيم، شعبة المكتبة الفكرية، العتبة العلوية المقدسة: 216- 217.
[3] دور المرجعية الدينية في تبني النظام الديمقراطي دستور 2005، أ.م. د. علاء عبد الحسن جبر والباحث: هالة محمود جبار، مجلة الشرائع للدراسات القانونية، المجلد 3/ العدد 2، 2023: 91.
[4] دور المرجعية الدينية العليا في ترسيخ مبادئ النظام الدستوري في العراق، د. مالك عباس جيثوم، م.م. علي حمزة جبر، الجامعة الإسلامية فرع الديوانية: 257- 258
[5] موقف المرجعية الدينية من الانتخابات البرلمانية في العراق عام (2005- 2010): 218.
[6] المرجعية الدينية ودورها في بناء الدولة العراقية: مواقف ورؤى في فتاوى الشيخ الشيرازي والسيد السيستاني، كربلاء: مطبعة دار الكفيل والنشر والتوزيع، 2018: 68.
[7] موقع مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله)، 14/ ج 1424/1هـ.
[8] الحوزة العلمية وأثرها في بناء العراق الحديث، الإمام السيستاني والدولة، عمار البغدادي، مركز الهدى للدراسات الحوزوية، د.ت: 93.
[9] السيستاني يعد مبادرة للوفاق مع السنة حول الانتخابات، https://www.aljazeera.net/news/presstour/2004/12/3/
[10] المرجعية والانتخابات: 40.
[11] المرجعية الدينية في العراق والانتخابات البرلمانية وتعزيز الوحدة الوطنية، د. صلاح عبد الرزاق، مكتبة مؤمن قريش، ط1، بيروت، 2010: 79.
[12] خطبة الجمعة 11/12/2005.
[13] خطبة الجمعة 11/12/2005.
[14] خطبة الجمعة 11/12/2005.
[15] خطبة الجمعة 11/12/2005.
[16] خطبة الجمعة 11 /4/ 2005م.
[17] خطبة الجمعة ١١ /3/ ٢٠٠٥م.
[18] خطبة الجمعة 14 /1/ 2005م.
[19] المرجعية الدينية الشيعية والعمل السياسي قراءة في مواقف السيد علي السيستاني من العملية السياسية في العراق بعد 2003، د. أمل الخزعلي، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد: 53-54.
[20] الانتخابات البرلمانية العراقية.. مزيج من الفساد الإداري والبلطجية السياسية، مازن الشمري، 2005، https://www.raya.com/2005/12/14
[21] المصدر نفسه.
[22] برلمان العراق يحدد موعداً نهائياً للتصويت على قانون الانتخابات، 17/7/2008/ https://www.aljazeera.net/news/2008/7/17 .
[23] ممثل المرجعية في كربلاء: المرجعية لا ترعى أو تتبنى أي مرشح أو قائمة انتخابية، 13/12/2009 https://non14.iq/public/3263 .
[24] خطبة الجمعة 13/12/2009.
[25] خطبة الجمعة 13/12/2009.
[26] خطبة الجمعة 13/12/2009.
[27] أثر الممارسات السياسية للأحزاب العراقية في مسار العملية السياسية بعد عام 2003م، كاظم مهدي كاظم، بلقيس محمد جواد، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، العدد 44: 115.
[28] خطبة الجمعة/9/10/2009.
[29] خطبة الجمعة/ 9/10/ 2010.
[30] خطبة الجمعة/9/10/ 2010.
[31] العراق: السيستاني يحذر من اعتماد القوائم المغلقة في الانتخابات، 2009، https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2009/10/091006_af_iraq_sistani_tc2.
[32] موقف المرجعية الدينية من الانتخابات البرلمانية في العراق عام (2005- 2010) :210.
[33] موقف المرجعية الدينية من الانتخابات البرلمانية في العراق عام (2005- 2010) :76-77.
[34] المصدر نفسه: 77-78.
[35] البيانات الصادرة (تصريح المتحدث الرسمي لمكتب سماحة السيد (دام ظله) حول ما تناقلته بعض وكالات الأنباء (الانتخابات)، 27 ربيع الثاني 1431، الثلاثاء 13 نيسان 2010.
[36] خطبة الجمعة/ 5/3/2010.
[37] خطبة الجمعة/ 5/3/2010.
[38] خطبة الجمعة 5/3/2010.
[39] خطبة الجمعة 5/3/2010.
[40] خطبة الجمعة 5/3/2010.
[41] خطبة الجمعة 5/3/2010.
[42] خطبة الجمعة 14/6/ 2013.
[43] خطبة الجمعة 14/6/ 2013.
[44] خطبة الجمعة 14/6/ 2013.
[45] خطبة الجمعة14/6/ 2013.
[46] خطبة الجمعة 14/6/ 2013.
[47] خطبة الجمعة 1/3/2013.
[48] خطبة الجمعة 1/3/2013.
[49] خطبة الجمعة 1/3/2013.
[50] خطبة الجمعة 1/3/2013.
[51] خطبة الجمعة 1/3/2013.
[52] رئيس بعثة يونامي يلتقي السيستاني والصدر في أول زيارة للنجف، 2013/11/08، https://almadapaper.net/view.php?cat=95267 .
[53] خطبة الجمعة، 26/4/2014.
[54] خطبة الجمعة 29/4/2014.
[55] خطبة الجمعة 29/4/2014.
[56] خطبة الجمعة 29/4/2014
[57] خطبة الجمعة 2/5/2014.
[58] خطبة الجمعة 2/5/2014.
[59] خطبة الجمعة 29/4/2014.
[60] خطبة الجمعة 29/4/2014.
[61] خطبة الجمعة 2/5/2014.
[62] خطبة الجمعة 6/3/ 2014.
[63] خطبة الجمعة 6/3/ 2014.
[64] خطبة الجمعة 6/3/ 2014.
[65] خطبة الجمعة 6/3/ 2014.
[66] بعض وصايا المرجعية الدينية العليا حول الانتخابات، الثلاثاء 22 أبريل 2014، https://alkafeel.net/news/index?id=1699&lang=ar .
[67] انتخابات العراق 2018: الفرص والتحديات، مصدر سابق.
[68] الانتخابات العراقية البرلمانية 2018... نماذج من قضايا الجدل الداخلي، د. معتز سلامة، https://acpss.ahram.org.eg/News/16618.aspx .
[69] الانتخابات العراقية البرلمانية 2018... نماذج من قضايا الجدل الداخلي.
[70] التوظيفات المتعددة للفتاوي الدينية في الانتخابات العراقية، 12 مايو، 2018، https://futureuae.com/en/Mainpage/Item/3921 .
[71] خطبة الجمعة4 /5/ 2018.
[72] خطبة الجمعة4 /5/ 2018.
[73] خطبة الجمعة4 /5/ 2018.
[74] خطبة الجمعة 4/5/ 2018
[75] خطبة الجمعة 4/5/ 2018.
[76] خطبة الجمعة 4/5/ 2018.
[77] السيستاني يعلن وقوفه على مسافة واحدة من جميع المرشحين للانتخابات العراقية، 2018، https://www.alquds.co.uk/%EF%BB%BF .
[78] غموض موقف المرجعية يرجح سيناريو المقاطعة في الانتخابات العراقية، 27/4/2018، https://alarab.co.uk/ .
[79] السيستاني يعلن وقوفه على مسافة واحدة من جميع المرشحين للانتخابات العراقية، 2018، مصدر سابق.
[80] المصدر نفسه.
[81] المصدر نفسه.
[82] السيستاني يعلن وقوفه على مسافة واحدة من جميع المرشحين للانتخابات العراقية، 2018.
[83] المصدر نفسه.
[84] السيستاني يعلن وقوفه على مسافة واحدة من جميع المرشحين للانتخابات العراقية، 2018.
[85] الشعب مصدر الشرعية، محمد عبد الجبار الشبوط، الخميس 21 تشرين الثاني 2019.
[86] خطبة الجمعة15 /11/2019.
[87] خطبة الجمعة 22/11/2019.
[88] خطبة المرجعية 20/12/2019.
[89] المحاصصة في العراق وإنتاج الفاسدين، أ.م.د. صدام العبيدي، https://www.addustor.com/content.php?id=42396
[90] خطبة الجمعة 20 /12/ 2019م.
[91] خطبة الجمعة 6/12/2019.
[92] خطبة الجمعة 1/11/2019.
[93] خطبة الجمعة 31 /1 /2020.
[94] الانتخابات العراقية بالأرقام.. التصويت وأبرز المرشحين، فرانس برس، 3 أكتوبر، 2021.
[95] السيستاني يضخ الدماء في الانتخابات المبكرة ويقف عند المنتصف، 9/30/ 2021، https://shafaq.com/ar/ .
[96] البيانات الصادرة عن مكتب السيد السيستاني حول الانتخابات النيابية العراقية القادمة في العراق، 29-9- 2021.
[97]خطبة الجمعة 27 /9/ 2018 م.
[98] البيانات الصادرة عن مكتب السيد السيستاني حول الانتخابات النيابية العراقية القادمة في العراق، 29-9- 2021.
[99] المصدر نفسه.
[100] المصدر نفسه.
[101] العبادي: وصايا السيد السيستاني تصب بصالح الدولة وسيادتها ومصالحها، 29/9/ 2021 https://baghdadtoday.news/166585-.html .
[102] المصدر نفسه.
[103] المصدر نفسه.
[104] بعد بيان السيستاني.. الكاظمي يوجه دعوة للمرشحين والناخبين، 29/9/2021 https://www.alsumaria.tv/news/politics/398282 .
[105] هل يؤثر السيستاني على الناخب العراقي؟ دعا لإبعاد الفاسدين، وليد الخزرجي، https://arabi21.com/story/1388098 .
[106] موقف المرجعية العليا من الانتخابات المقبلة، 4/10/2021، https://alsabaah.iq/55470-.html .
[107] المصدر نفسه.
[108] هل يؤثر السيستاني على الناخب العراقي؟ دعا لإبعاد الفاسدين، 30وليد الخزرجي، سيبتمبر 2021، https://arabi21.com/story/1388098/ .
[109] المصدر نفسه.
[110] المصدر نفسه.
[111] المصدر نفسه
[112] بعد المجرب لا يجرب أين تقف المرجعية من انتخابات المحافظات، وليد الخزرجي، ديسمبر 2023.
[113] المصدر نفسه.
[114] المصدر نفسه.
[115] المصدر نفسه.