واصلت المرجعية الدينية العليا مواكبتها للأحداث السياسية الداخلية، وواكبت بفاعلية حركة نضال الشعب العراقي الأصيل، إذ شهد العراق بين عامي 1940 – 1941 تجاذبات قوية بين فريقين من الساسة، أحدهما يدفع باتجاه موالاة بريطانيا، والدخول ضمن معسكرها في الحرب العالمية الثانية والآخر يريد انتهاج سياسة توفيقية، توازن بين المصالح الوطنية والقومية من جهة، ويحاول استغلال ظروف الحرب للضغط على البريطانيين من أجل تحقيق مكاسب أكبر لمصلحة العراق والقضية الفلسطينية من جهة أخرى.
الأمر الذي أثار غضب البريطانيين، وحصل صدام عنيف بين فئتي الحكم، أفضى الى هروب الأمير عبد الإله الوصي على العرش (1939 – 1958)، وأتباعه السياسيين الموالين لبريطانيا، وسيطرة رشيد عالي الكيلاني ومجموعة الضباط ذوي الميول القومية من قادة الجيش على السلطة وتشكيل ما يُسمى بـ (حكومة الدفاع الوطني).
وأدى التصاعد الخطير في الأحداث إلى اندفاع بريطانيا نحو غزو العراق، لإنقاذ مصالحها، والقضاء على حكومته المستقلة، وانتهاك سيادته الوطنية، على الرغم من سعي الحكومة العراقية إلى تجنب الصدام، وهكذا وقعت الحرب، التي لم يكن العراق مهيأ لها، عندما قصفت الطائرات البريطانية القوات العراقية حول قاعدة الحبانية فجر يوم الجمعة 2 آيار 1941 وزحفت باتجاه بغداد لاحتلالها، ووقعت عدة معارك ضد الجيش العراقي.
حصلت الحكومة العراقية على التأييد والمساندة من مختلف العراقيين، بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم واتجاهاتهم السياسية. وأدت المرجعية الدينية العليا دوراً مهماً في مقامة الغزو، فمع تحفظات علمائها على الصراعات السياسية، إلا أنهم رفضوا رفضاً قاطعاً وقوع البلاد تحت غائلة الاحتلال الأجنبي مرة أخرى، لذا أفتى كلٌمن السيد أبي الحسن الأصفهاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ عبد الكريم الجزائري وآخرين بوجوب (الجهاد)، ورد قوات الغزو على أعقابها، وحماية بلاد المسلمين من دنس الاحتلال.
ونجد فيها أورده مؤرخ العراق السيد عبد الرزاق الحسنيّ (المعاصر للأحداث) تعبيراً واضحاً عن الانعكاسات الإيجابية لتدخل المرجعية، إذ يقول: "هبّ رجال الدين، وحملة ألوية الشريعة يستصرخون العالمين، العربي والإسلامي، لأمتشاق الحسام في وجه المعتدي الغاصب، وأًدروا فتاواهم الشرعية بوجوب المسارعة لرد كيد الغاضب إلى نحره؛ لئلا تكون البلاد المقدسة ميداناً مباحاً تسرح في خويل المعتدين؛ استعماراً لأهلها وعبثاً بمقدساتها"
يتبع...
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 180