مرة أخرى نعود لما كشفته حادثة كربلاء العظيمة عن عِظَم بعض النفوس التي آلت على نفسها أن تكون عظيمة ولا ترضى بغير العظمة والشموخ صفة تتصف بها، بل وتدافع عنها لأنها ترى الحقّ كما ترى الأشياء، وتتفاعل معه أيضًا، ولكن قد تحدث هناك غشاوة في وقت ما تجعل من رؤية الحق غير واضحة، ولكن فيما بعد تنجلي هذه الغشاوة.
الطف معركة التي أفرزت لنا جملة من الرجالات الذين دافعوا وذادوا عن الحسين عليه السلام وحرمه وأهل بيته وهي مستبشرة بالجنة، فضلا عن أنها أكسبت لعظمتها الذاتية عظمة الاستشهاد بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن تلك النفوس العظيمة شخصية زهير بن القين الشهيد رضوان الله عليه.
فهو زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي، واحد من أكبر شيوخ قبيل بجيلة في الكوفة.
كان زهير رجلاً شريفاً في قومه نازلاً فيهم بالكوفة شجاعاً. له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة.
تذكر المصادر أن زهيرا كان عثماني الهوى، لذا لم يكن يواتي أهل البيت في شيء ولا يتعاطى معهم في شيء إلا أن ذلك لم يجعل منه رجلا كارها لهم فهو رجل صابح خلق دمث ومحترم.
وذكرت المصادر أيضا أنه عند رجوعه من الحج بقافلته التي التقت بقافلة الحسين عن منطقة (زرود) وما إن استقرت القافلتان في المكان نفسه حتى اغتاض زهير من مجاورته قافلة الحسين عليه السلام، عندها أرسل الحسين رسولا إلى زهير يريد لقاءه، وفي بداية الأمر كره زهير ذلك اللقاء ولكنه قبل على مضض عندما ألحت عليه زوجه (دلهم بنت عمرو) وماهي إلا مدة حتى عاد ضاحكا مستبشرا، فطلق زوجته وترك رحله والتحق بركب الحسين عليه السلام.
لا ندري ما الذي دار من حديث بين الحسين عليه السلام وبين زهير رضوان الله عليه، وهنا يأتي التساؤل: ماذا تحدث الحسين عليه السلام معه حتى قلب له كيانه وهواه الذي عرف به، وبم ذكّره وماذا أسر له الحسين عليه السلام؟
في الواقع لا إجابات على ذلك؟ ولكن يمكن التخمين أن الحسين عليه السلام اختار زهيرا لما يحمله من روح عظيمة تهفو إلى التسامي والعلو والرفعة والكرامة، ويمكن القول أن الحسين عليه السلام رفعة تلك الغشاوة التي كانت تغشي بصيرة زهير عن رؤية الحق، فأزالها الحسين عليه السلام، وكشف له الستار.
نعم هذه هي النفوس العظيمة التي تتوق إلى الرفعة وأية رفعة، رفعة الشهادة مع الإمام الحسين عليه السلام والخلود والعزة والكرامة، والفوز العظيم، فلولا عظمة روح زهير وما أفضى إليه حديث الإمام الحسين عليه السلام من نتائج جعلته ينقلب من طرف وهوى إلى طرف وهوى أخرى هو الأسمى والأعلى، وكذا جعلته يزهد بكل شيء حتى بشريكة حياته وأم عياله، من أجل هدف لا يرزقه الله أحدًا إلّا لمن اختارهم هو سبحانه، وزهير كان منهم.
نعم هؤلاء الرجال هم من صنيع الحسين عليه السلام، وكفى.