في الآونة الأخيرة كثر الكلام والجدل بشأن ثورة العشرين، فكل يغني على ليلاه فأهل الغربية يرون أن ضاري ظاهر المحمود هو من فجر الثورة وأهل الوسط والجنوب يرون أن شعلان هو من فجر الثورة، وبدأت الحرب الكلامية بينهما هذا يشيد بضاري والآخر يجعل منه سارقا لها، والغريب أن كلا الطرفين لم يتعب نفسه في قراءة الواقع بمعنى أنه لم يقرأ عن ثورة العشرين وقادتها ومفجريها وأسبابها وكيف بدأت وما هي الأهداف، فكل ما يعرفه الطرفان هو أن الشعب ثار بشيوخه على الإنكليز وقامت الثورة (بالفالة والمكوار) وبالشعارات (الطوب احسن لو مكواري) و(اليوصل حدنا نكص ايدو).
الكلام بهذا الموضوع شائك وفيه الكثير من المخاطر لماذا لأن هذه الحقبة من الزمن لم توثق بشكل صحيح فكل يكتب بما يهواه فنحن نعرف أن بعضا من كتبة التاريخ ليسوا منصفين في الكتابة لأنه يتأثر بالمحيط فضلا عن تأثره بالمذهب والقومية والنزعة العشائرية وما إلى ذلك، وهذا ما يجعلنا لا نركن إلى ما هو مكتوب، لكن هذا لا يعني أننا نضرب بكل ما كتب عرض الحائط وإنما نأخذ منه ما هو واقعي، فثورة العشرين بما فيها لا يكاد أحد ينكر أنها خرجت من الرميثة ومن عشيرة الظوالم بشيخها شعلان أبو الجون ومن ثم أعلنت بشكل رسمي بعد فتوى الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي في كربلاء ومن النجف من لدن شيخ الشريعة الأصفهاني وعلماء النجف وبعدها انضم الشعب العراقي بعشائره وشيوخه إلى هذه الثورة الشعبية الكبرى دون تفكير في الجانب المذهبي في أن الفتوى صدرت من مرجع شيعي فالسنة لا دخل لهم بذلك او العكس، فالكل كان همه هو العراق والعراق فقط وتحريره من الإنكليز والوصول إلى حكومة وطنية عراقية ذات سيادة، هذا هو الهدف الأساسي من الثورة
أما ما يطرح اليوم من شد وجذب بشأن أن ضاري قد سرق الثورة من شعلان وهذا الهتاف المتعالي (لو شعلان يدري نباكت الثورة ... جا فج التراب وطلع من كبره) فهذا كلام متهافت وليست له قيمة لماذا لأن شعلان شارك بها وضاري شارك بها والكل شارك بها فلا فضل لأحد على أحد ثم أنك أيها الجنوبي العزيز كما تفتخر برجالاتك وقادة الثورة عندك فمن حق الآخرين أن يفتخروا بقادة الثورة في مناطقهم فلماذا لا تعطي الحق لغيرك وتحتكره عليه، ثم أنت أيها الغربي العزيز لماذا تحاول احتكار الثورة لك ولقادتك وتحاول أن تهمش غيرك وتهمش الدور الرئيس في الثورة وقادتها ومفجريها وكان الثورة خرجت من عندك؟
لماذا لا ينصف بعضكم بعضا يعطي بعضكم حق البعض الآخر في هذه الثورة؟
إن المشكلة التي أثيرت أخيرًا في أن ضاري هو المفجر لها لم يأت عن جزاف وإنما جاء عن طريق ما رسخه صدام في ثمانينيات القرن الماضي إذ قام بإنتاج فلم (المسألة الكبرى) الذي يتحدث عن ثورة العشرين وشارك فيه جملة من الفنانين العراقيين الكبار أمثال (غازي التكريتي بدور ضاري المحمود، وسامي عبد الحميد رجل دين سني، ويوسف العاني بدور محمد مهدي البصير-والذي لم يتكلم كلمة واحدة في الفيلم- وسامي قفطان بدور سليمان الضاري) وغيرهم من كبار فناني العراق، إلا أن المشاهد للفيلم سيجد أن لا دور للجنوب ولا الوسط ولا لشيوخهم في الفيلم سوى مشهد واحد لا يتجاوز الدقائق عن معركة الكفل، أما باقي الفيلم فهو لضاري وأهل الأنبار، والهدف من الفيلم معروف باعتبار أن صدام هو من أراد انتاج الفيلم وعليه فهو يفرض ما يريد.
هذا الفيلم شكل ذاكرة وتاريخا لدى أهل الغربية ما رسخ في أذهانهم أن الثورة بدأت من هنا وأن ضاري هو القائد لها وليس غيره، وثم أن هذا الجيل الحديث لم يقرأ ولن يقرأ فهو لا يعرف كيف ومن ومتى وأين حدثت الثورة وما هي الدوافع والمسببات والنتائج.
لذا ما أريد قوله هنا هو أن نكون على قدر من الأدب والوعي فلا نبخس الناس أشياءهم ولا ننكر دور الآخرين في هذه الثورة فليس من حق الجنوبي أن يتهم غيره بسرقة الثورة، ولا من حق الغربي أن يجير الثورة له وكأنه هو من أوقد شرارتها متناسيا دور الآخرين من رجال دين وشيوخ وغيرهم، فبدلا من تبادل الاتهامات والاحتكارات وتسقيط بعض البعض الآخر، الأولى أن يجلس الطرفان ويقرأ كل منهما الكتب والمقالات والدراسات عن الثورة وأسبابها ودوافعها ومن هم قادتها وكيف بدأت حتى يصلا إلى نتيجة مرضية ووافية وحقيقة والتي تفضي إلى معرفة تامة بالثورة التي هي جزء من تاريخ العراق المشرف ومن ثم معرفة من هم القادة الحقيقيون حتى لا يدعي أحد منهم ويقول (أنا ومن بعدي الطوفان)