البحث المتقدم

البحث المتقدم

اقرأ نفسك ثم أقرأ غيرك

11 تقييم المقال

 

من نِعَم الله سبحانه وتعالى على الناس وعلى المسلمين كافة أنّه تعبّدهم بالعلم، وأمرهم به في كتابه، وعلى لسان نبيه المرسل (صلى الله عليه وآله وسلم): (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، فالآية هنا ليس المقصود بها النبي وحده، بل كلّ المسلمين مأمورون بالقراءة؛ لأنّها السبيل إلى التعلُّم والمعرفة.

وإن القراءة لها معانٍ متعدّدة منها: قراءة الكتب، ومنها قراءة تعني الاستكشاف لبعض المعارف، ومنها قراءة النفس أي التبصّر بها، وعلى هذا يمكن أن تخرج القراءة إلى معانٍ متعدّدة تبعًا لما يروم الإنسان القصد فيه.

ما أودّ قوله هنا هو قراءة التراث الخاصّ، بمعنى أنّ كلّ إنسان لا بدّ له من قراءة تاريخه وتراثه الخاصّ بمدينته أو مذهبه أو دينه أو انتمائه -على اختلاف الانتماءات- وبعد انتهاء القراءة الخاصّة يجب الانتقال إلى قراءة التراث الآخر المخالف أو المغاير أو حتى التراث الذي لا يمت لك بصلة إلّا أنّه فيه فائدة، والغاية من ذلك هي الثقافة العامة أولاً والاطلاع على الآخر ثانيًا؛ لتجنب الوقوع في الخطأ وهو تسقيط الآخر واتهامه بشتى التهم من دون معرفته؛ إذ إنّ إلقاء التهم وإذاعتها على الآخر من دون معرفته وقراءته والاطّلاع على مخزونه الفكريّ أمر معيب وقد يُودي بك إلى الهلاك.

يُذكر أنّ أحد العلماء الأفاضل زار أحد أساتذته في الجامعة وكان العالم من مذهب والأستاذ من مذهب آخر فمجرد أن دخل العالم على أستاذه حتى بادره الأخير بسيل من الاتهامات وأن مذهبك فيه كذا وكذا وكذا، إلّا أنّ العالم كان مؤدّبًا جدًّا، فاحترم وجود أستاذه وجلس بجانبه وقال له: على رسلك كان الأولى بك أن تستقبلنا بأفضل من ذلك، وبعدها نجلس ونشرب شيئًا من ضيافتك، ومن ثمّ نتكلّم ونتناقش فيما تحدّثت به أنت هذه واحدة،  أما الثانية أنك لم تقرأ تراثك بشكل جيد فما اتهمتنا به هو موجود في تاريخك وكتبك وتراثك وإن شئت دللتك على المصادر التي تقول بذلك، فلماذا تعمي عينيك عن تراثك، وعيناك على تراثي كالتيلسكوب؟ فسكت الأستاذ وغير الموضوع بسرعة.

ما نفهمه من هذا القصة أنك لا تُكِل التهم على الآخرين من دون قراءة نفسك وتراثك وتاريخك قراءة صحيحة، قراءة ليست سطحية، وإنما قراءة وكأنه سيتم امتحانك فيها في الغد، قراءة شخص قد يُسأل في أيّة لحظة، عندها تكون قد أحرزت الشقّ الأول من المسألة، أمّا الشقّ الثاني هو قراءة الآخر، فالعين أبصر من الأذن وأصدق قيلاً منها.

فما تقرأه أنت بعينيك خيرٌ مما تسمعه من أفواه أشخاص قد يكونون أصحاب حظوة لديك، أو أصحاب مكانة لديك، أو أنك تحسبهم من ذوي العلم والمعرفة، ولكن قد لا يصدقونك القول؛ لأنهم من ذوي المآرب، فتأخذ منهم وكأن كلامهم قرآن منزل.

لا... اقرأ واطّلع على تراث غيرك بنفسك لتكون لك الدراية الكافية وحتى لا تكيل التهم على غيرك من غير معرفة تاريخه وثقافته وعلومه، فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى تقارب الفكر وتبادل العلوم وتقارب الثقافات بما يتناسب وديننا الحنيف الذي دعانا إلى الجمع ونبذ الفرقة في قوله عز وجل (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).

 

نعم
هل اعجبك المقال