نشاهد كثيرًا لا سيما في سيارات النقل الجماعيّ (العبريّة) أصنافًا من الناس، منهم مَن يستحقّون أن تقول عنهم أناس مثقفون لامتيازهم بالهدوء والسكينة ومعرفة الجلوس في داخل السيارة، في حين هناك صنف لا يمكنك وصفهم إلّا بالهمج نعم الهمج ولا شيء سوى الهمج؛ لأنّهم وببساطة يستقلّون السيارة وكأنهم قد دخلوا إلى بيتهم، فيبدأ أحدهم بالكلام بصوت عالٍ والضحك بصوت عالٍ أيضًا من دون أن يراعي مَن هُم حوله من الركاب ممّن ينزعجون من الكلام أو الصوت العالي أو من كليهما.
فمثلاً ركب أحدهم في السيارة وبمجرد أن استقر في مكانه حتى سحب جهاز النقال من جيبه وبدأ بالاتصال على صديق له وفي أثناء سير السيارة حتى وصولها إلى آخر نقطة لها وهو لم يُنزِل الجهاز عن أذنه، فضلاً عن أنّه تكلّم عن كلّ شيء وبصوت عالٍ ومع كافة الارتياح بمعنى أنّه (أخذ راحته) كما يطلق عليها باللهجة الدارجة، فهو لم يبالي بالآخرين ولا بالركاب ولم يتبادر إلى ذهنه أن هذا العمل يُعدّ عيبًا وتصرّفه مستهجنًا، نعم من حقّك أن تتكلم بالجهاز فلا أحد يمنعك فربما تكون المكالمة مهمّة ولكن حاول أن تختصر الكلام وأن تتكلّم بهدوء، وحاول أيضًا إشعار المتصل أنّك في سيارة ولا يمكنك الكلام الكثير، وعليه أن يتصل مرّة أخرى بعد مدّة من الزمن ريثما ينزل من السيارة.
هذه المسألة من المسائل التي لا يتمّ معالجتها ما لم يكن هناك رادع نفسيّ فضلاً عن أن دور السائقين ملغي في هذه الحالة بمعنى أن على سائقي السيارات أن ينبهوا على الركاب بعدم الكلام بصوت عالٍ إن لم يكن بالكلام فباللوائح الإرشادية ومن لم ينتبه إلى اللائحة أو تجاهلها أو تعمّد تجاهلها، فهنا لا بدّ للسائق من التدخل وإيقاف هذه المهزلة.
هذا فضلاً عن الكلام بين الركاب أنفسهم فقد يصعد أحدهم مع رفيقه أو رفاقه ويبدؤون الكلام داخل السيارة وبشكل عادي وكأنهم جالسون في مقهى، مع الضحك والمزاح المفرط والكلام السخيف الذي لا معنى له.
نحن لسنا ضدّ الكلام أو النقاش فإن كان بهدوء ورويّة ومن غير أن يحدث ضوضاء في المكان فلا بأس به فالطريق يحتاج إلى بعض الكلام، أمّا أنّه يتعدّى حدود الحريّة والأدب فهذا ليس صحيحًا بالمطلق.
فأعود وأقول المجتمع بحاجة إلى تربية وتعليم وقيم أكثر من الخبز؛ لأنّ مثل هذه التصرّفات إذا ما قُضي عليها أصبح المجتمع أكثر هدوءًا وسكينة، قد يرى البعض كلامي هذا وحي من خيال باعتبار أنّ المجتمع تعوّد على ذلك ولا يمكن إصلاحه، فأقول له: إنّ المجتمع الذي اعتاد على الانحلال من الممكن أن يعتاد على غيره؛ لأنّ الإنسان بطبيعته كائن متكيّف مع الظروف فإذا ما بدأنا بالتوعية لذلك يمكن أن نصلح ما فَسُد في المجتمع.