(أم المصائب) هل تصح هذه العبارة أن تُطلق على السيدة زينب (عليها السلام)؟
كان وما زال وسيبقى ذكر الحسين عليه السلام هو الصوت الصادح بالحرية، وستبقى كربلاء تلك الرقعة التي أراد الله سبحانه وتعالى لها أن تكون قبلة الأحرار؛ إذ زرع الحسين عليه السلام بذور الحرية ورفض الظلم في النفوس الكبيرة والأبية، حتى صارت شجرة كبيرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فلا تكاد تتصفح التاريخ حتى تظهر لك صفحة مشرقة من صفحاته وهي ترفض الظلم والطغيان وتنشد الحرية، وما إن دققت فيها حتى تجد أنها أخذت من ثورة الحسين عليه السلام مثالا تسير على خطاه.
وما إقامة المجالس الحسينية في محرم إلا لاستذكار تلك المأساة واستلهام العبر والصبر منها، ولم تقتصر هذه المجالس على المواكب والحسينيات والبيوت فقط، بل تعدت إلى أنها أقيمت بين القضبان وظلم المطامير، فهذه السلسلة تسلط الضوء على إقامة مجالس العزاء في سجون الطاغية، يرويها مجموعة من السجناء السياسيين الذين عاصروا تلك الحقبة.
يقول السجين السياسي الحاج عبد الجبار مهودر:
(السلام عليكم عظم الله أجوركم بمصاب سيد الشهداء الحسين عليه السلام مما أذكره من إحياء مناسبة عاشوراء في سجن أبو غريب في (القافات)، كنت في القاف رقم (2) وهذه الغرفة ضمت من الشباب المتدين ومنهم: أبو زهراء حسين جودي، والسيد أفضل الشامي، والأخ علي كربلائي، وعلي كاظم سلطان، ومصطفى الشكرجي وغيرهم، وفي إحدى المرات اقترحنا أن نقرأ المقتل ولكن ليس بالطريقة الاعتيادية بأن يجلس أحدنا ويقرأه ونحن نستمع إليه، بل بطريقة أخرى وهي بطريقة مسرحية، بأن يكون هناك راوٍ –فكنت أنا الراوي- وعندما أصل إلى ذكر شخصية الإمام الحسين أو أحد أصحابه، يقوم أحد الموجودين في السجن ويؤدي دوره كما مذكور في المقتل، وكذلك بالنسبة للشخصيات التي وقفت ضد الإمام الحسين ع أمثال عمر بن سعد والشمر وغيرهما، وعندما نصل إلى المقطع الذي يضم الشعر والنعي، يقوم أحدنا ممن يمتلك صوتا شجيا ويؤدي هذا الشعر نعيا، فكررنا هذه الطريقة مدة ثلاث سنوات في داخل القافات، وأذكر أنه في إحدى المرات كنا مستمرين بالأداء وإذا بالباب تفتتح ويدخل أحد الضباط علينا، ولكننا في تلك اللحظة أحسسنا بفتح الباب فقطعنا المسرحية وتظاهرنا أننا نقوم بعمل يومي كغسل الأواني أو تنظيف المكان وما إلى ذلك.
وعندما خرجنا من السجن وبعد سقوط الصنم عملنا على تأسيس مركز ثقافي برعاية مكتب السيد السيستاني (دام ظله)، وصرنا نكرر هذه التجربة –تجربة المسرحية- وكان (حسين جودي) شاعرا وهو من يختار لنا بعض المقاطع التي يجب أن نؤديها في المسرحية، فضلا عن أنه كان ينظم الشعر في الحسين عليه السلام وكان يقرأه علينا بصوته الشجي).
هذه الشهادة تعد دليلا حيا على أن السجن لم يكن مكانا يعج بالأنين والظلم والطغيان فقط، بل كان مكانا تفوح منه رائحة الصمود والتحدي والصبر وتذكر مأساة الإمام الحسين عليه السلام الذي جعله السجناء نبراسا وسراجا وحبلا متينا يتشبث به عشاق الحرية ورافضي الظلم، فضلا عن أن إقامة هذه المجالس إنما هو تحد واضح للسلطة التي أرادت أن تسكت الأصوات الحرة