البحث المتقدم

البحث المتقدم

أيّها المغترّ بهم رويداً

0 تقييم المقال

 

لا عجبَ أن يتبدّلَ رأي الإنسان ويتغيّرَ نظرُه، فإنّ من طبع العقل النقيّ أن يُراجع، ومن دأب النفس الباحثة أن تُنقّب، ومن شأن الموضوعيّ أن لا يستحيي من التحوّل إذا لاح له الحقّ وتجلّى له الصواب. ولا ريب أنّ هذا التبدّل يُعدّ من الحُسن إذا كان انتقالاً من ظلمات الضلال إلى أنوار الهداية، ومن التيه والعمى إلى الجادّة المستقيمة.  

       ولا أخفيكم أنّي منذ أمدٍ، وأنا أُجيل البصر وأُمعن النظر، واتسائل: ما السرّ الذي يجعل الأدب، وهو كلامٌ يُتلى، يقلبُ القلوب، ويحوّلُ العقول؟ وكيف تتبدّل النفوس بمجرّد التماهي مع نثرٍ أو نظمٍ؟ أهو سحر البيان؟ أم لحن الجمال؟ أم هو فراغ العقيدة لدى المتلقّي؟ يبدو أنّها عدّة عوامل واشدّها الفقر الفكريّ وضعف الخزين العقائديّ الذي يعاني منه من يقرأ لهؤلاء فتجد كلماتهم الى قلبه سبيلاً والسبب هذا الفراغ الذي ذكر آنفاً.  

       وأعجبُ ما أعجبُ له أنّ كثيراً ممّن يُشار إليهم في فنّ الأدب بلا قيد تحذيريّ، وقد بان لي كما يبين لكلّ مطالع، فسادُ عقيدتِهم، وانحرافُ اتجاههم، وعدم موضوعيّة الكثير منهم، وكأنّ البيان قد صار لهم مطيّةً إلى التضليل، لا سبيلًا إلى الحقّ، ولا اعلم أنّهم يقصدون ذلك أو لا؟

     وما يزيد الأمر أسفاً، أن ترى بعض من طلاب العلم، إذا ما سُئلوا عن كتب الأدب، يُشيرون إلى هؤلاء، ويوصون بهم، من غير تحذيرٍ من ضلالاتهم، ولا تنبيهٍ إلى خبايا باطلهم، وكأنّ الأدبَ يُلتمس ولو في سقر!  وهذا خطأ فادح وغلط واضح.

       أيها الكاتبُ العزيز: اقرأ، نعم، ولكن بعين الحذر، لا بعين المسلّم الواثق، واستشر واستنصح، فليس كلّ ناثرٍ مُلهم، ولا كلّ شاعرٍ إمام، وكم من فاسد العقيدة يخطّ سطوراً تُطرب الأذن وتسمّم القلب وبين يديك كتبهم وانظر في مشاكلها كمشاكل الاتهام في كتاب راية القرآن الكريم، ومشاكل صاحب وحي الرسالة ومشاكل ضحى الاسلام وغير هذه المدوّنات.

      إيّاك أن تتزيّن بكلامهم فتتشبّه بهم، أو تتشرّف بأدبهم فتنتحل فكرهم الذي لا تعرفه من قوة اسلوبهم الأدبيّ؛ فإنّ البيان سلاح، إمّا للحقّ فينصر، أو للباطل فيغدر، خذ واحدة من كلمات الرافي في وحي القلم الفصل الاول_ يث القمر حيث قال: ".. فالبُلغاءُ هم أرواحُ الأديانِ والشرائعِ والعادات، وهم ألسنةُ السماءِ والأرض، وإذا شهدَ عصرٌ من العصورِ أُمَّةً ليس فيها بليغٌ فذلك هو العصرُ الذي يكونُ تاريخاً صحيحاً لأضعفِ طبائعِ الأُمَم.." أقول: هل تحد هذا الوصف للبلغاء ام للأنبياء ( عليهم السّلام)؟ وإن قلت مجازاً، أقول: الفقهاء احقّ به من البلغاء.

     وإن شئت فراجع كلام أحمد حسن الزيات عن محرم وموقفه من الحزن على ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

نعم
هل اعجبك المقال