شكّل حديث الغدير – كما رواه النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع – مفصلًا محوريّاً في بلاغ الرسالة وختمها، فقد أبان فيه عن وصايته لعليٍّ (عليه السلام) بقوله: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه..». وقد تصدّت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لتوثيق هذا الحديث عقائديّاً وتاريخيّاً، وكان من أبرز نتاجاتها الموسوعيّة ما خلّده العلّامة المحقّق الشيخ عبد الحسين الأميني (قدّس سرّه) في سفره الجليل الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، الذي لا يزال إلى يومنا هذا مَعلمًا علميّاً فريداً في بابه، ومرجعاً جامعاً في التوثيق والنقد والتحليل.
منهجه:
اعتمد ناصر الغدير الشيخ الأمينيّ (رحمه الله)على منهج استقرائيّ توثيقيّ رصين، حيث بدأ بجمع طرق حديث الغدير من كتب الفريقين، ثم محّص أسانيده ورواة طبقاته المختلفة، متتبعاً أقوال المحدّثين والمفسّرين والمؤرّخين فيه، مع مناقشة علميّة موضوعيّة لما أُثير حول دلالاته العقديّة والبلاغيّة.
وقد تميّز المؤلّف في موسوعته بما يلي:
بالاستيعاب الروائيّ لكتب الفريقين إذ أحصى أكثر من 110 صحابيّاً ممّن رووا حديث الغدير.
والتحقيق المرجعيّ حيث وثّق الحديث من أكثر من 360 مصدراً معتمداً لدى أهل السنّة. والنقد العلمي الهادئ: وناقش اعتراضات المنكرين بتأنٍّ وتحقيق، دون تعصّب أو تشنّج. والتحليل الأدبي: خصّص مجلّدات لرصد الأشعار التي قيلت في الغدير، مرتّبة بحسب العصور، لتبيين أثر الحادثة في الوجدان الإسلاميّ وهذا يكشف عن رسوخها في الذهن العام.
لم يكتفِ المؤلّف بجمع الحديث، بل انطلق إلى تحليل مضمونه، مستعيناً بالقرآن والعقل والنقل، ثمّ أبان عن الجهود التي بُذلت – عمدا أو غفلة – لطمس هذا النصّ أو تحريف دلالته، فسلّط الضوء على التناقضات الواردة في أقوال المانعين، وتتبّع أقلاماً حاولت قلب الحقائق العقديّة خدمة للسلطة والهوى، وسلّط الضوء على حقيقة الطغاة المردة الذين اسّسوا اساس الظلم والجور، مع بيان المغالات بهم.
كانت للمؤلّف وقفات جريئة مع معاصريه المخالفين وأعلام الجرح والتعديل من أعلامهم، كما أعاد ترتيب المرويات ضمن سياقها التاريخي والسياسي، مما جعل القارئ يعيش الحدث لا كواقعة منقضية، بل كموقف متجدد في مسار الأمّة.
خصائصه:
من خصائص هذه الموسوعة المباركة تخصيصها أبوابًا واسعة لتوثيق الأشعار التي نُظمت في واقعة الغدير، من القرن الأوّل الهجري إلى القرن الرابع عشر، وذلك من دواوين العرب وشعرائهم المعروفين.
وهذا التتبع الأدبيّ هو توثيق وجدانيّ لعمق الأثر الذي خلّفته واقعة الغدير في وجدان الأمّة، وتشخيص لحالة الوفاء أو النكران تجاهها على امتداد العصور.
معاناة في سبيل الولاية:
خصّص الشيخ الأميني (رضوان الله عليه ) مجلّداً لبيان رحلته العلميّة، فذكر فيه أسماء المكتبات التي زارها، والمخطوطات التي راجعها، والتحدّيات التي واجهها في تتبع مصادر الحديث، كما عرض فيه جملة من الشبهات التي ناقشها مع أهل العلم في الحواضر الإسلاميّة.
ويُعدّ هذا الجزء شهادةً حيّة على عظمة المشروع، وصدق العزيمة، وسعة الاطلاع، وحرقة الحبّ والولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، الذين أفنى المؤلّف عمره في نصرة مظلوميتهم بعينٍ نزيهة وقلمٍ محقق موضوعيّ.
كما تُرجم الكتاب إلى اللغة الفارسية والأردو، وأجزاء منه إلى الإنجليزية، ممّا يدل على حضوره العلميّة الدوليّ في الحوزات والجامعات على السواء.
طبعاته:
نُشرت موسوعة الغدير بعدّة طبعات، من أبرزها:
الطبعة الأولى: دار الكتب الإسلامية، طهران، سنة 1372هـ.
الطبعة الثانية: دار الكتاب العربي، بيروت، سنة 1387هـ.
الطبعة المحققة الكاملة: مركز الغدير الإسلامي للدراسات – قم المقدسة، في خمسة عشر مجلداً، مع فهارس علميّة فنيّة دقيقة، وتحقيق حديثيّ موثّق.
موسوعة الغدير نصّ جامع بين التاريخ والعقيدة، ومشروع متكامل يجمع بين التأصيل العقدي والتحقيق التاريخيّ والتحليل الأدبيّ.
وهي وفق عقيدة راسخة، وسجلّ موثّق لحقيقة نطق بها النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعرفها الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وعملت على طمسها سياسة الطغاة.
وإنّ من لم يقرأ الغدير فقد فاتته معرفة الحقائق المحقّقة بموضوعيّة، ولم يعش حرارة الشهادة بالحقّ، ولم يُحسن النظر إلى واقع الظلامة.