من أبرز ما يمتاز به منهج النبيّ وآله (عليهم السّلام أجمعين) هو العناية بالمواقع العلميّة، ورعاية منابر الفكر، وتربية حملة علوم الشريعة الغرّاء، ليكونوا أمناء على الدين.
وقد سار العلماء الربّانيّون على هذا المنوال، وجعلوا من خدمة العلم والعلماء نهجاً ملازماً لأدوارهم في القيام بأعباء المرجعيّة.
ومن جملة أولئك الأعلام، يسطع في زماننا نجم المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الشريف)، بما هو عليه من خفاء النفس، وعلوّ الهمّة، وبعد عن طلب الظهور، وسكونٍ ظاهريّ يختزن عُمقا من العطاء.
إنّه المرجع الذي آثر خدمة الحوزة والعلم والعلماء من غير أن يُبرز ذاته، فكان في صمته ناطقًا، وفي زهده باعثًا، وفي تواضعه صانعًا لمؤسّسات علميّة وإنسانيّة قلّ نظيرها في هذا العصر.
إنّ المرجعيّة الدينيّة العليا، ومنذ بزوغ فجرها في التاريخ الإسلاميّ، لم تكن يومًا في معزلٍ عن شؤون الأمّة، ولا عن حاجات المؤمنين، بل كانت ـ ما وُجدت القدرة أو التمكّن، ولو تسبيبًا ـ حاضرةً في ميدان الرعاية والتسديد، خصوصا ما يتّصل بالحوزات العلميّة ورجالاتها، من العلماء والطلبة، والمؤسّسات التي تنهض بهم.
وفي عصرنا الحاضر، تجلّت هذه الحقيقة بأبهى صورها في شخصيّة مرجعنا الأعلى سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستانيّ (دام ظلّه الشريف)، العالم الزاهد، والعارف المتأدّب بأخلاق النبوّة وشد الإمامة، وصاحب الروح التي تهفو إلى خدمة الدين بلا ضجيج، ولا التفات إلى ذاتٍ أو شهرة.
لقد اختطّ سماحته مسارًا فريدًا في إحياء تراث العلماء الأعلام، لا بطباعة مؤلّفاته ـ على كثرتها وقيمتها ـ بل بطباعة كتبهم، وتشييد المدارس بأسمائهم، وإقامة مؤسّساتٍ تحتضن تراثهم وتُعيده إلى حيّز النفع والانتفاع.
وإنّ هذه المشاريع، وإن بدت في ظاهرها عمرانيّة، إلّا أنّها تعبّر عن وفاءٍ كبير للعلم وأهله، وتقديرٍ عميق لمكانة السلف من الأعلام.
فها هي مدرسة البلاغي، ومدرسة الشيخ حسين الحلّي، وغيرها كما سيأتي ذكره شواهد قائمة على هذا النهج الأصيل، فضلاً عن إعادة المدرسة الجعفريّة في سامرّاء، ورعاية مدرسة الجوادين في الكاظميّة، وغيرها في محافظات العراق وسائر بلدان التشيّع في العالم.
كما لا يُنسى ما قدّمه المجمّع العلويّ الشريف من خدمة إسكان طلبة العلوم الدينيّة لسنواتٍ مديدة، تيسيرًا لطريق التحصيل، وتثبيتًا لأركان الحوزة في زمنٍ كثرت فيه التحدّيات.
خطواتٌ ومبادراتٌ مشفوعةٌ بالهدوء والحكمة، تمثّل مدرسة في العمل المرجعيّ، الذي يشتغل على بناء الرجال، لا على إظهار الذات.
ومن الخدمات الدينية و الاجتماعيّة التي يمكن لنا ذكرها من هذا الجانب: المجمع السكني للنازحين - النجف الأشرف. والمجمّع العلوي لسكنى طلاب الحوزة العلميّة. ومدرسة نجم الأئمة الدينيّة - النجف الأشرف. ومدرسة العلاّمة البلاغي - النجف الأشرف. والمدرسة العلميّة الجعفريّة - سامراء المقدّسة. والمدرسة المظفريّة - النجف الأشرف. ومدرسة آية الله المحقّق الشيخ حسين الحلّي للعلوم الدينيّة - النجف الأشرف. والمدرسة العلوية - النجف الأشرف. ومؤسسة العين للرعاية الاجتماعية
مجمع آية الله العظمى السيّد السيستانيّ (دام ظله) السكني - قم المقدسة. ومجمع الامام علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) السكني - كربلاء المقدسة. ومجمع الزهراء (عليها السلام) السكني - قم المقدسة. ومجمع ثامن الحجج (عليه السّلام) السكني - مشهد المقدسة. ومجمع الإمام الحسين (عليه السلام) الطبّي التخصّصي - كربلاء المقدّسة
مدرسة الشيخ الانصاريّ الدينيّة - كربلاء المقدّسة. والمدرسة القرآنيّة - كربلاء المقدسة. ومدرسة السيّدة رقيّة (عليها السّلام) للأيتام - كربلاء المقدسة. ودار الثقافة للمعوّقين ـ قم المقدّسة. ومستشفى جواد الأئمّة (عليه السلام) لطبّ العيون - قم المقدّسة. ومؤسّسة المعرفة للثقافة، وغيرها الكثير.
إنّ هذه المشاريع والمبادرات، والتي تمتدّ من النجف الأشرف إلى قم المقدّسة، ومن كربلاء إلى مشهد، ومن المدرسة إلى المستشفى، ومن السكن إلى رعاية الأيتام، كلّها شواهد ناطقة على حيويّة المرجعيّة ودورها الحضاريّ، وصدق التزامها.
اهتمّ المرجع الأعلى (دام ظلّه) بخدمة رجال العلم، وبعث العلم بإحياء أعلامه، وتكريم الفقراء والضعفاء بحفظ كرامتهم. إنّها تكتب التاريخ بالفعل لا بالحبر، وبالصدق لا بالخطاب فحسب، فجزاه الله عن الدين خير الجزاء، وأطال في بقائه بخير وعافية.