البحث المتقدم

البحث المتقدم

(أم المصائب) هل تصح هذه العبارة أن تُطلق على السيدة زينب (عليها السلام)؟

2 تقييم المقال

منذ زمن ليس بالبعيد وأنا أفكر في هذه عبارة التي أطلقت على السيدة زينب (سلام الله عليها) في كونها (أم المصائب) وهي عبارة أطلقتها نساؤنا الكبيرات في السن أي جداتنا (البيبيات) فكنا كلما ذكرنا السيدة الحوراء (عليه السلام) أمامهن حتى يطلقن هذه العبارة مشفوعة بالسلام فيقلن: (سلام الله عليج يم المصايب) والقصد من ذلك أنّ السيدة (عليها السلام) هي من صاحبت المصائب التي نزلت بها واحدة تلو الأخرى بدءا من استشهاد جدها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصولا إلى استشهاد أخيها الحسين وإخوته وأهل بيته، واستشهاد أبنائها (عليهم السلام جميعا) في وقعة الطف الأليمة،

ولو تتبعت هذه العبارة وبحثتها في (الغوغل) تجد ما يأتي:

(يقول صاحب كتاب أعيان الشيعة: وحق لها أن تسمى بذلك؛ لِما رأت من مصائب في حياتها، ابتداءً بفقد جدها الرسول الأعظم ، ثم مصيبة استشهاد أمها السيدة فاطمة الزهراء  وأبيها الإمام علي  وأخيها الإمام الحسن ، حتى لحقتها المصيبة العظمى في واقعة الطف وقتل أخيها الإمام الحسين وأهل بيته وأنصاره  ، إضافة إلى ذلك معاناتها بعد يوم عاشوراء في طريق السبي إلى الكوفة ومنها إلى الشام، فاستحقت بذلك أن تلقب بأم المصائب.

وفي زيارتها: السلام عليك يا أم المصائب يا زينب بنت علي ورحمة الله وبركاته).

ومن الطبيعي أن الكلام الصادر عن سماحة السيد محسن الأمين كان من باب الأخذ بالمعنى الثانوي له.

ولا شكّ أن إطلاق مثل هذه العبارة على السيدة كان بدافع العاطفة والحب والأسى على ما جرى عليها (سلام الله عليها)، ولكنني تأملت كثيرا في تلك العبارة فلم أجدها مناسبة البتة أن تطلق على السيدة زينب الكبرى (عليها السلام).

لذلك أردت أن أكتب عن الدلالة الخاطئة التي تعطيها هذه العبارة، فلو رجعنا إلى الدلالة اللغوية للفظة (الأم) نجد المعاني الآتية:

الأُمُّ: أصْل الشيءِ، والأُمُّ الوالدة وتُطلَق على الجدّة، ويقال: حَوَّاءُ أُمُّ البشر، والأُمُّ: الشيء يَتْبَعه ما يليه، والجمع: أُمّات، وأُمّهات وأُمُّ القرآن: فاتحته، وأُمّ الكِتاب: اللوح المحفوظ.

وهذه المعاني تدل دلالة واحدة على أن (الأم) هي الوالدة أو المنبع أو الأصل.

والسؤال هنا، لو قلنا: فلان أبو المشاكل، وقلنا: فلان أبو المصائب، وقلنا: فلان أبو السيئات، فماذا يتبادر إلى ذهن السامع، لا شك أن المعنى لا يخرج من كون أبي المشاكل هو صاحب المشاكل ومنبعها، وكذا مع أبي المصائب وأبي السيئات، والمعنى ذاته ينطبق على قولنا: فلان أبو الخير، فلان أبو البركة، فلان أبو الكرم، وغيرها كثير، فهذا يعني أن الجميع هم أصول ومنابع لما يحملونه

وعليه عندما تقول: فلانة أم المصائب، فماذا تعني ذلك؟

نعم، تعني لك ما تم ذكر دلالته سابقا.

وهنا السؤال الأهم: هل يصح هذا المعنى على السيدة زينب (عليها السلام) وهي ابنة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ هل يصح وهي سيدة كربلاء، هل يصح وهي من هي؟

من المؤكّد أن ذلك لا يصح، بل إن هذا المعنى هو تجرؤ على هذه الذات المقدسة.

أعلم أن المقصود من هذه العبارة ليس المعنى الحرفي، إنما المعنى المجازي، ولكن حتى هذا المعنى المجازي غير جائز بالمطلق.

ربما يقول أحد: إن المقصود بـ(أم المصائب) أي صاحبة المصائب التي نزلت بها فقط، إلا أن هذا تأويل بعيد وليس الجميع يفهم القصد.

وقد يسأل سائل: أنت قلت: إن المعنى من هذه العبارة كان عاطفيا وقد صدر عن جداتنا، أقول لك: نعم، ولو بقي كذلك لما كتبت هذه السطور، إلا أن المسألة تعدّت هذه الخط حتى وصلت إلى أن لافتات وقطع قماش، وأسماء مواكب، وحسينيات وجوامع ومؤسسات و....إلخ، كلها اتخذت من هذه العبارة (أم المصائب) عنوانا لها، من دون الالتفات إلى المعنى في ذلك،  

لذا اقتضى التنويه في هذه السطور على هذا المعنى؛ لئلا يكرّر، وألّا يؤخذ على حسن النية والمعنى المجازي فكلا المعنيين لا يصلحان البتة، وألّا يطلقان على سيدة جليلة كالسيدة زينب الكبرى (عليها السلام)، والأولى بنا أن نقول: الصابرة على المصائب، المحتسبة عند المصائب، الشاهدة على المصائب، فذلك أفضل.

والله من وراء القصد

 

نعم
هل اعجبك المقال