قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة: ١١١]
إنَّ هذه الآية المباركة من أعظم الآيات التي تؤكد عظمة الجهاد والمجاهدين عند الله تعالى، مما يدل على ضرورة أنْ يكون المؤمنون على بينة من هذه الفريضة الإلهية.
وإنَّ من أهم مضامين الآية المباركة:
- أولًا: فَضْلُ الجهاد في سبيل الله.
إنَّ الجهاد موضوع قرآني مهم، وقد أكد القرآن الكريم بيان فضله والحث عليه في مواطن متعددة، منها قال تعالى: ((يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)) [الأنفال: ٦٥]، وقال تعالى: ((لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)) [النساء: ٩٥].
- ثانيًا: التأكيد على أنواع الجهاد.
وقد تم التأكيد على نوعين أساسيين، وهما الجهاد بالأنفس، والجهاد بالأموال، والقرآن الكريم أكد ذلك في مواطن متعددة في الجمع بينهما، مع التقديم والتأخير بينهما في بعض الموارد، قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) [الحجرات: ١٥]، وقال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّـهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)) [التوبة: ٢٠].
- ثالثًا: الجهاد تجارة عظيمة مع الله.
لقد أكد القرآن الكريم على أنَّ الجهاد بالأنفس والأموال هو تجارة عظيمة، ينبغي للمؤمنين السباق نحوها، وقد ذكر ذلك في آيتين مباركتين، قال تعالى: ((فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة: ١١١]، وقال تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) [الصف: ١٠-١١].
فالتجارة والاستبشار بها يؤكد ذلك الفوز العظيم الذي أعده الله تعالى لعباده المجاهدين.
-رابعًا: عقد البيع والشراء.
لقد رغَّب الله تعالى في هذه التجارة العظيمة القائمة بين العبد وربه، من خلال بيان ما يتعلق بالمتعاقِدَين وأصل العقد بينهما في أمور خمسة، كما ذكرها المفسرون وهي:
١- المشتري: هو الله تعالى
٢-البائع: هو المؤمن
٣-البضاعة: الجهاد.
٤-الثمن: هو الجنة
٥- الضمان والسند؛ هو الله.
-خامسًا: مقام المؤمن عند الله.
إن الآية المباركة تبيِّن أنَّ الله تعالى لا يقيم هذا العقد العظيم في البيع والشراء إلا مع المؤمنين خاصة، وليس مع جميع الناس ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ))، وهذا يدل على مقام المؤمنين عند الله تعالى وفضلهم.
أخيرًا ..
فالجهاد في سبيل الله هو فريضة كغيرها من الفرائض التي يجب على المؤمنين أنَّ يكونوا على استعداد تام لأدائها.