البحث المتقدم

البحث المتقدم

كربلاء.. عاصمة الأديان وروح التاريخ المقدّس

4 تقييم المقال

ليست كربلاء مجرّد مدينة عراقية تقع جنوب غرب بغداد، بل هي نقطة التقاء بين الأرض والسماء، بين الجغرافيا والروح، بين الشهادة والخلود. إنها مدينة تختزن في ترابها ذاكرة البشرية الدينية، وتحتضن بين أزقّتها مفاتيح فهم أعمق للإنسانية، للتضحية، وللقداسة التي تتجاوز الأطر المذهبية لتطال القيم الأخلاقية العالمية.

حينما نقول "كربلاء عاصمة الأديان"، فنحن لا نبالغ، بل نشير إلى حقيقتها كمركز روحي ليس للمسلمين فحسب، بل لكل من يبحث عن معنى للعدل في مواجهة الظلم، وللثبات في وجه الانحراف. فمعركة الطف لم تكن مجرّد حدث تاريخي وقع عام 61 هـ، بل كانت تحوّلًا في مسار الضمير البشري، بقيادة الحسين بن علي، الذي أصبح رمزًا للحرية والكرامة عبر العصور.

كربلاء اليوم لم تعد حكرًا على مذهب أو ديانة، بل تحوّلت إلى مقصد عالمي، يزورها الملايين من مختلف الأديان والمذاهب والثقافات، في تجلٍ نادر لوحدة الشعور الإنساني. ففي "أربعينية الحسين"، نشهد أكبر تجمّع سلمي شعبي على وجه الأرض، يشارك فيه المسلم والمسيحي والصابئي واليزيدي، بل حتى من لا ينتمي لدين، إنما يحمل في قلبه إعجابًا بقيم الثورة الحسينية.

الطابع الديني في كربلاء لا ينحصر بالطقوس والشعائر، بل يمتد إلى عمق الحياة اليومية، حيث تندمج القيم الأخلاقية بالدين، وتتحوّل المدينة إلى مدرسة مفتوحة في الإيثار والضيافة والرحمة. فكل زائر هو ضيف مقدّس، وكل خدمة هي شرف، وكل دمعة هي عهد على الاستمرار في درب القيم الكبرى.

إن جعل كربلاء "عاصمة للأديان" لا يعني فقط تكريمًا لها، بل هو تكريس لدور العراق الحضاري، وإحياء لهويته الجامعة التي لطالما كانت ملتقى الأديان والثقافات منذ فجر التاريخ. فهي امتداد لأور، ونينوى، وبابل، حيث تنفّست الأديان الأولى، وها هي اليوم تواصل رسالتها من خلال كربلاء.

 

نعم
هل اعجبك المقال