البحث المتقدم

أساليب التطرف الدينيّ في العراق وطرائق مكافحته

7 تقييم المقال

يعني مصطلح التطرّف بإجمال وبساطة أن لدى فرد أو جماعة معينة آراء متطرفة فريدة ومغايرة للمنهجية الحياتية والفكر السائد، سواء في الدين أو السياسة أو الثقافة أو أي مجال آخر، ويعرف اصطلاحاً حسب رأي بعض الأكاديميين بأنه وصف يستعمل للتعبير عن خروج الإنسان المتطرف أو المنحرف إلى ما يتجاوز المألوف أو المتفق عليه، وأما مصطلح التطرّف الدينيّ الذي بدأ ينتشر بصورة واسعة في الآونة الأخيرة هو تعصّب شخص أو جماعة لدين معين أو مذهب، أو أحياناً التلاعب في قوانين الدين نفسه والخروج عن مبادئه، وقيل في تعريفه أيضاً هو تجاوز الحدود التي أحلها وشرعها الله سبحانه وتعالى والإتيان بآيات فيها تشدد ومغالاة لا تستند لدليل شرعي.

إن النفسية المضطربة لبعض الأشخاص والتطور التكنولوجي وسهولة نقل المعلومات التي من ضمنها الأفكار المتعصبة الهدامة، هي أحد الأسباب التي أدت إلى ظهور وانتشار تعصب بعض الجماعات الدينية في العراق، فضلاً عن سوء العامل النفسي والاجتماعي، وكذلك الأزمات الاقتصادية والمالية التي تمر فيها بعض الدول ومن ضمنها العراق؛ مؤثرة بذلك على الأفراد عبر انتشار الفقر، وتفشي البطالة، مما يدفع الفرد أو الشباب على وجه الخصوص إلى التطرف الفكري، الذي يقود بدوره إلى العبث والانحراف الأخلاقي والديني والخروج عن المألوف، وهذه الأسباب هي عِللْ متشابكة لا يمكن الفصل بينها في كثير من الأحيان، كما يُعد الإرهاب الذي تمارسه بعض الجماعات التكفيرية وتدعمه الدول المستعمرة هو أحد فروع التطرف الديني العنيف.

ولو عُدنا قليلاً نبحث عن جذور وأصل هذه المعتقدات والانحرافات وكيفية انضمام الأفراد لها،  لوجدنا إنها متأصلة منذ قديم الزمان، في الوقت الذي قد يظن البعض أن بذرة التطرف الأولى هي أحداث تنظيم داعش وهجومه البربري، أو أحداث ما بعد السقوط والحرب الطائفية التي حصلت آنذاك، لكن في حقيقة الأمر أن فكرة التطرف الديني هي أفكار أزلية منذ تأسيس دولة العراق وما سبقها من أحداث في هذه الأرض منها تعدد الخلافات وسياسة كل حاكم، فضلاً عن كثرة المعارك والغزوات التي نشبت في هذه البلاد، ثم تأتي أحداث ما بعد تأسيس الدولة العراقية وتعدد الحكومات وخصوصاً أبان الحقبة الصدامية المظلمة، تلك المدة التي شهدت تطرفًا عنيفًا قائمًا على الدين والعرق أرعب البلاد والعباد.

ولدت هذه الأزمات على مرّ العصور ضغوطات نفسية كبيرة بان أثرها على البعض من أبناء الشعب العراقي، فبدأ الكثير منهم بالانضمام إلى الجماعات المتطرفة والمتعصبة والظهور علناً، مما أثر ذلك سلباً على بعض المبادئ والقيّم التي يتحلى بها المواطن العراقي، عبر سير أصحاب العقول الجاهلة  والركيكة على خطاهم، كما أثارت هذه الحركات الرعب والقتل في ربوع وطننا الحبيب، ومن أبرز هذه الحركات والجماعات التي ظهرت مؤخرًا (الحركات المهدوية)  التي تنسب نفسها إلى الإمام المهدي (عج) وهذه الجماعات بدورها  استغلت الأطفال والشباب في أفكار غير مألوفة يسودها الغلوّ والضلّالة، فضلا عن انحدار (جماعة القربان)، هذه الجماعة التي تعدّ امتداد لـ(جماعة العلاهية) التي لم تكن حالة جديدة في واقع المجتمع العراقي، فقد شهدت البلاد منذ التغيير السياسي في عام 2003م ظهور حركات سلوكية يعدّها رجال الدين منحرفة عقائدياً، حاولت فرض نموذجها الديني والأخلاقي في المنطقة التي تنتشر فيها.

ولكون العراق من الدول التي تشهد تنوعًا دينيًا وقوميًا مختلفًا، ما جعله عرضة لظهور الكثير من الجماعات المتطرفة والمتعصبة فيه، ويبدأ التطرف أو التعصب الديني عادة بفكرة غير واقعية أو غير جائزة أو أفكار دخيلة، ثم تُحول بعدها  هذه الفكرة وتُدرّسْ لتطبق عملياً على أرض الواقع؛ وذلك لأجل أهداف دنيوية عدة قد تكون نابعة عن نقص في شخصية الفرد، أو ضعف بصيرته في أمور الدين، أو أهداف تطهير عرقية،  أو أهداف سياسية،  أو ربما قد تكون  مدفوعة الثمن، ثمّ القيّام بالعمل على إشاعتها وتضليل الآخرين فيها، عبر غسل أدمغتهم بدءاً من الأطفال والشباب والمراهقين والنساء، وهذا ما لمسناه عندما حدثت الحرب الأهلية الطائفية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين المنصرم، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من جميع الطوائف، كذلك عندما سيطرت عصابات داعش على مساحات كبيرة من العراق وبلدان أخرى مجاورة، وما ارتكبته من جرائم وممارسات بشعة بحق كافة شرائح المجتمع، مستغلين بذلك تجنيد الأطفال والشباب واستعمال النساء في أعمال أخرى، فضلاً عن استغلال الشرائح الضعيفة والهشة وغيرها.

إن محاربة آفة التطرف لا تقتصر على جهة رقابية واحدة وإنما مسؤولية مجتمع بالكامل، انطلاقاً من التربية الأسرية التي تحمل في طياتها الكثير من المهام والواجبات فهي البذرة الأولى في إنتاج فرد صالح يحافظ على المجتمع من كافة أشكال الانحراف والجريمة، بما فيها الانجرار نحو هكذا أفكار تعصبية، ثم يأتي بعد ذلك الدور المؤسساتي وفي مقدمتها الجانب التربوي والتعليمي فالمعلم كفيل بزرع الحب والتسامح والإيمان في نفوس طلابه، إضافة إلى الدور المهم الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني، وهنالك بعض الحلول التي من شأنها تعالج أو تقلل من نسب المتطرفين في العراق، من أبرزها تفعيل دور الإعلام في نشر التعايش السلمي وتوجيه الخطابات التي تنص على التسامح وحث المواطنين على قراءة الكتب المتنوعة، فضلاً عن مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الجهات المختصة عبر تفعيل دور الحس الاستخباراتي لدى الأجهزة الأمنية، كذلك دعم القوانين التي تجرم نشاطات هذه الجماعات والأفكار وتشديدها.

ولا يخفى على الجميع دور العلماء ومراجع الدين العظام والحوزات الدينية والعلمية في محاربة هكذا أفعال منحرفة منذ نشأتها وتطورها، فقد كان للسيد محسن حكيم (رحمه الله) كلمته في إصدار الفتوى التي حرمة التطهير العرقي، فيما يخص قتل طائفة الأكراد الفيلين وتهجيرهم قسرًا، وذلك في عام 1965 تلك الفتوى حرمت سفك دمائهم وحفظت انتمائهم الوطني، كذلك الدور البارز الذي لعبته فتوى الجهاد الكفائي في عام 2014 عندما صدرت عن لسان الشيبة المباركة السيد علي السيستاني (حفظه الله)، تلك الفتوى التي دحضت قوى الظلام، وعززت التَّكاتف واللحمة الوطنية بين أبناء البلد الواحد، ورسخت مبدأ حفظ المكونات العراقية لبعضها البعض، وبقيّ صداها وذكراها شاخصين حتَّى يومنا هذا، كما كانت مصداقاً لحرص الإمام السيستاني على حفظ أنفس الناس والتَّصدي لمحاولات سفك دمهم الحرام، فضلاً عن الدور التوجيهي والثقافي الذي تقوم به سادتنا ومشايخنا من الحوزات العلمية، عبر نصح والإرشاد الأمر الذي بعود بتغيير سلوكياتهم الأخلاقية نحو الالتزام بمنهج الإسلام ومنهج آل البيت (عليهم السلام). 

نعم
هل اعجبك المقال