البحث المتقدم

البحث المتقدم

ملامح سياسة جديدة.. العراق يرسخ قرارته ويستقل عن التدخلات الخارجية والإقليمية

0 تقييم المقال

عُدّ العراق في الآونة الأخيرة من الدول غير المستقرة سياسيًا وأمنيًّا وكذلك اقتصاديًا، لا سيما في العقود الأخيرة، مما انعكس سلبًا على استقراره الخارجي وعلاقته بالبلدان العربية والأجنبية وفي مقدّمتها الدول الجارة، فضلًا عن عدم استقراره داخليًا، نتيجة الفتنة الطائفية التي برزت إلى الساحة العراقية لسنين عدّة، وعدم توافق قرارات الأحزاب الحاكمة في إدارة أمور البلد، وتمحورت هذه المدّة ما بين سقوط النظام البائد في عام (2003م) حتى دخول عصابات داعش في عام (2014م) واحتلال أجزاء واسعة من الأراضي العراقية وما رافقها من أحداث، ممّا ولّد أزمات سياسية واقتصادية كبيرة، فضلًا عن جرّ البلد نحو التقشف المالي، ناهيك عن سوء الخدمات.

وكان للتدخلات الخارجية في الشأن العراقيّ الأثر الكبير في رسم مسار سياسة العراق، وتحديد علاقته مع بعض الدول، فقد تكوّن لقضية التحالفات التي بُنيت على أُطر مذهبية ومحاصصاتية منذ أكثر من (20) سنة هندسة سياسية خاصة في العراق والتي أجبرت بعض السياسيين على التمحور في ائتلاف معين؛ لحساب الطائفة المنتمي لها أو المؤثر الخارجيّ الذي يملي عليه، فضلًا عن دور المصالح الشخصية والسياسية في تعضيد التأثير الإقليميّ والدوليّ على مسار التفاهمات السياسية، وتدخّله في كافة مفاصل الدولة.

هذه الظروف وغيرها من المشاكل السياسية الداخلية والتدخلات الخارجية؛ آلت في الآونة الأخيرة إلى ضغوطات شعبية واستياء أغلب الجماهير العراقية من هذا الواقع، وترجم هذا الغضب الشعبيّ باحتجاجات جماهيرية قام بها مجموعة من الشرائح والنخب طالبوا عبرها بحقوقهم في التعيين تارة وفي الخدمات تارة أخرى، وقد كان لها تأثير واضح في قَلِب أفكار القوى السياسية وتغيير موازينها، لا سيما بعد التوجيهات السديدة للمرجعية الدينية العليا التي ساهمت في إدامة زخم هذه الاحتجاجات.

وبعد انجلاء هذه التظاهرات، شهد العراق بعض التحوّلات الإيجابية الواعدة في سياسته الخارجية، فركّز على السيادةِ الوطنيةِ والتكامل الاقتصاديّ والتوازن الدبلوماسيّ، وقد شرعتْ حكومةُ رئيسِ الوزراء محمد شياع السوداني في إعادةِ تشكيلِ دورِ العراق في المنطقة، مؤكّدة على أولوية العراق ومصالحه الوطنية، فعمد إلى إعادة توجيه علاقات العراق مع الدول المجاورة بهدف تعزيز التعاون الاقتصاديّ والسياسيّ وتحقيق منافع مشتركة مع تلك الدول ولعل أبرزها تركيا والأردن والسعودية.

هذه التغييرات أدّت إلى اكتساب العراق موقفًا دبلوماسيًا متوازنًا بشأن الصراعات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط  وبالخصوص مع الدول الجارة، فأخذ يلعب دورًا بارزًا في تلك الأحداث؛ بسبب موقعه الجيوسياسي المميز، فظهر وسيطًا في حلّ النزاعاتِ الإقليمية التي اندلعت في الآونة الأخيرة بشكل متفاقم وسريع في دول عدة منها: فلسلطين ولبنان وسوريا، وكان موقفه صريحًا تجاه القضية الفلسطينية والوقوف بجانبها عبر طرح الحلول السياسية والدبلوماسية التي من شأنها التأثير في إيقاف العدوان الإسرائيليّ الغاشم، وتقديم المساعدات الممكنة للشعب الفلسطينيّ، كذلك إرسال المساعدات المستمرة إلى دولة لبنان أثر تعرّضها للقصف الصهيونيّ، واحتضان العوائل اللبنانية التي هجرت من بلدها.

 وأما موقف الحكومة العراقية من سقوط نظام الأسد في سوريا وانقلاب الموازين هناك، كان سيد المواقف، إذ التزمت حكومة السوداني الحيّاد، وسيطرت على الوضع الأمني عبر مسك الحدود، ودعمها بالقطعات العسكرية عدةً وعددًا، فضلا عن مسك الفصائل المسلحة العراقية وعدم السماح لها بالعبور إلى الجانب السوريّ والمشاركة في صراعات لا تخدم مصالح العراق الوطنية.

من هنا يمكننا القول بأن هناك ملامح سياسية جديدة باتت تتشكل في المشهد السياسيّ العراقيّ الداخليّ والخارجيّ، عبر تركيز الحكومة على جعل القرار العراقيّ نابعًا من إرادة داخلية بحتة، بعيدًا عن التدخلات التي أثرت لسنوات على استقرار البلد وسيادته، فبدأ يفرض نفسه كمؤثر رئيس في العملية السياسية الإقليمية، واعتُبرت هذه الخطوة في إرجاع السيادة والتكامل السياسيّ والاقتصاديّ بمثابة طريق جديد يمهد إلى النمو والاستقرار داخليًا وخارجيًا.

نعم
هل اعجبك المقال