وقد وجد الرئيس عبد الرحمن عارف الفرصة المناسبة للتقرب من مرجعية الإمام الحكيم في مواجهة خصومه ضباط الجيش، فبعد أشهر قليلة من توليه الحكم عهد بتشكيل الحكومة إلى اللواء ناجي طالب (9 اب 1966 – 10 آذار 1967) الذي يرتبط بعلاقة قديمة طيبة مع الإمام الحكيم. وقام الأخير بنقل رسالة من الرئيس عارف إلى الامام الحكيم، نقلتها وسائل الإعلام، تضمنت تعهد رئيس الجمهورية على تهدئة الأوضاع الداخلية في الشمال والجنوب، وأن الحكومة بصدد سن دستور دائم للبلاد من قبل لجنة منبثقة من الشعب وتكون الكلمة الأخيرة له، وقال الإمام الحكيم أن الظروف الحالية مهيأة لإقامة نظام يستند على قاعدة شعبية متينة من الأمة التي تدين بالإسلام، وأن الإسلام هو عامل وحدة وإخاء وعلى الحكومة محاربة جميع الدعوات المفرقة.
وقام رئيس الوزراء بزيارة ثانية إلى الإمام الحكيم في النجف الاشرف، وطلب منه التدخل لدى حكومة طهرات للتوقف عن استفزازاتها الحدودية، ونجحت مساعي الحكيم بقيام وزير خارجية إيران عباس آرام (1962 – 1966) للعراق، حاملاً معه رسالة تطمينية من الشاه إلى الرئيس محمد رضا بهلوي إلى عارف، وتم إبلاغه بأن لا مساس بسيادة العراق، لا سيما في موضوع الموانئ الإيرانية القائمة على ضفاف شط العرب (العراقي من المنبع إلى المصب).
وأثناء اجتماعه بالإمام الحكيم طالبه بضرورة قيام إيران بتقديم مبادرات أخوية تجاه الدول العربية، والوقوف بحزم تجاه إسرائيل. وصاحب هذا التقارب العراقي الإيراني قيام الإمام الحكيم بخطوة أخرى ناجحة، تمثلت بإقناع الحكومة الإيرانية بعدم إثارة موضوع ادعاءاتها الباطلة بان البحرين تابعة لها، أو جزءٌ من أراضيها، فإن ذلك مما يولد استفزازاً قوياً لمشاعر أهلها العرب، وقد أثمرت مساعي الامام الحكيم الحميدة عن خطوات تصالحية، إذ أوقفت ايران تهديداتها بالقيام بعمل مسلح، وغضت النظر عن إجراء استفتاء شعبي بإشراف لجنة من الأمم المتحدة حول مصير البحرين بعد إعلان بريطانيا عن نيتها في الانسحاب منها، وجاءت نتيجة الاستفتاء بموافقة الأغلبية الساحقة من البحرانيين على الاستقلال، وقام أمير البحرين الشيخ عيس بن سلمان آل خليفة (1961 – 1999) بزيارة العراق، وأجرى مباحثات رسمية مع الرئيس عبد الرحمن عارف، وقام بزيارة الإمام الحكيم في النجف الاشرف، وقد نشرت الصحف العراقية نبأ اللقاء واعتبرته مساهمة حقيقية في تعميق العلاقات العراقية الخليجية، وصفعة قوية للكيان الإسرائيلي الذي يسعى إلى خلق بؤر صراع مسلح في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، تكون بديلاً عن الصراع العربي – الإسرائيلي.
وفي أواخر عام 1967 تحرك البعثيون باتجاه إحاكة مؤامرة لقلب نظام الحكم، وأوعزوا الى اثنين من كبار قياداتهم هما (أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش) للسفر الى النجف الاشرف، للقاء المرجع الأعلى من أجل كسب المرجعية أو تحييدها في أقل تقدير، وحينما حلا في مكتبه تفاجئا أن السيد الحكيم لا يريد مقابلتهما على الرغم من اتفاقهما مع أحد مقربيه، مما سبب حرجاً لهما وللوسيط. وفي الحقيقة فأن المرجعية لم تعد تثق بقيادات البعث منذ تجربتهم الدموية عام 1963، ولا ترى من المصلحة التغيير في تلك المرحلة. وفي المقابل أبدى المرجع الأعلى شكره لرئيس الجمهورية على رعايته لرجال الدين واهتمامه بشؤون المسلمين، وكان يخاطبه في رسائله بــ (ولدنا المعظم) وقدم عارف في عام 1968 عندما توجه الحكيم لأداء مناسك الحج، طائرة خاصة لنقله في رحلتي الذهاب والعودة إلى الديار المقدسة.
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 233






