المرجعية العليا تقف بوجه السياسة الطائفية للسلطة بعد حركة 18 تشرين الثاني 1963م (2)
عندما اندلعت انتفاضة الشعبانية في آذار عام 1991، عقب هزيمة الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية، كانت المرجعية الدينية في النجف الأشرف تمر بمرحلة حرجة ومعقدة، على رأسها آنذاك السيد أبو القاسم الخوئي. كانت المرجعية تتابع ما يحدث بقلق بالغ، إذ رأت في الانتفاضة تعبيرًا صادقًا عن معاناة طويلة الأمد لشعب مظلوم ومحروم من أبسط حقوقه، خصوصًا في مدن الجنوب والفرات الأوسط التي كانت تُعد الحاضنة الأكبر للانتفاضة.
بعبارات محسوبة ودقيقاً في صياغته ومكتفيًا بالإشارة الى حث الناس على ضرورة تمسكهم بتعاليم الإسلام ومبادئه، والتقيد بالأحكام الشرعية، وخوفه على أرواح الناس من إراقة دمائهم الشريفة على إيدي أزلام النظام البائد وطيش وبطش الحاكم المجرم صدام حسين، فكان تدخل السيد الخوئي ينم عن حكمة عظيمة وحرص شديد على نفوس وممتلكات الناس فجاء في بيانه : "وبعد: لا شك ان الحفاظ على بيضة الإسلام ومراعاة مقدساته امراً واجب على كل مسلم... أهيب بكم أن تكونوا مثالًا صالحًا للقيم الإسلامية الرفيعة برعاية الأحكام الشرعية، رعاية دقيقة في كل أعمالكم وتصرفاتكم، وجعل الله تبارك وتعالى نصب أعينكم في كل ما يصدر منكم، فعليكم الحفاظ على ممتلكات الناس وأموالهم وأعراضهم، وكذلك جميع المؤسسات العامة لأنها ملك الجميع والحرمان منها حرمان الجميع".
وهكذا، يمكن القول إن موقف المرجعية من انتفاضة الشعبانية لم يكن محايدًا، بل كان متفهّمًا لمطالب الناس، وإنسانيًا في المضمون، حفاظًا على الدين والدم في ظل نظام لا يعرف سوى لغة الحديد والنار.