البحث المتقدم

البحث المتقدم

الجار ثم الدّار

27 تقييم المقال

 

هي بالتأكيد حكمة نطقت بها السيد الزهراء عليها السلام، عندما سمعها أبنه الحسن عليه السلام في جوف الليل تدعو لجيرانها، فيها دلالة عميقة على قيمة معنوية وأخلاقية جعلتها أولويّة في مطلبها الى الله، عبّرت فيها على تعاطفها مع جيرانها في جميع أحوالهم مرضى كانوا أو متعافين، محتاجين أو مكتفين، غرب أو متجاورين، أعطنا مثلا للجار كيف يولي جاره أهميّة، وصلت إلى إيثاره بالدّعاء فضلا عن بقيّة أمور الحياة، ففي رواية عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام قال:

رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات تسميهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار. (1)

هذا مثال ضربته سيدة نساء العالمين عليها السلام، نحن بحاجة للنظر فيه والعمل بمقتضاه على صعيدين، الفردي ومُتعلّقه مراجعة العلاقة بين الجيران في مجتمعاتنا، وهي علاقة تكاد تنتهي إلى الانقطاع التامّ والكامل، وما نلاحظه كل يوم أن رابطة الجيرة بين الأسر اضمحلّت وتلاشت، بحيث لم يعد هناك تواصل بين الجيران، وما يعنيه ذلك من تفكّك مجتمعي خطير، سببته الاستهانة بهذه الرابطة واهمالها، على أنّ الإسلام أعطاها قيمتها في تأليف المجتمع، وتقريب عناصره من بعضهم البعض، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله:(مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه) (2) بل أقول إن الخطر اليوم أصبح يتهدد الأسر نفسه بتفكّك صنعوه بأنفسهم بانشغالهم بالهواتف النقالة ووسائل اتصالاتها المتنوعة، والتي غالبا ما تهدم واقعا وتبني وهما.

أمّا الجماعي ففيه تهديد خطير للشعوب الإسلامية، التي تركت واجب العناية والإهتمام بجيرانها، وذهبت حكوماتها إلى الغُرْبِ الذين لا يقدّرون شيئا من تلك العلاقات، فأولتها اهتماما كبيرا على أساس سياسة عقيمة لم تُعطي أولويّة للجيران، وما يجمعهم من عرق ودين وجوار أكثر مما يفرّقهم، وكان على هذه الدول التي تنظر بعيدا مكتفية بذلك ولا ترى ما حولها أن تدرك أنّ نظرها قاصر، وأن من ترمقهم من بعيد بسياسات لم تقدّم شيئا منذ وجدت، أن الشعوب والدول الجارة هي أولى بالنظر والاهتمام، وبناء علاقات صحيحة وصلبة وذات جدوى، من شأنها أن تعود بالنفع العميم للبلدين.

وليس هناك بلدين لهما مشتركات كثيرة تجمعهما أكثر من العراق وإيران، خصوصا بعد تجاوز أخطاء الماضي التي صنعها أعداؤهما، ووجود إرادة قويّة وصادقة نشأت بين الحكومتين، رعتها  وايّدتها وشجعت عليها مرجعية البلدين، بما ينمّي العلاقات بين البلدين ويطوّرها بإرادة صادقة، لتشمل جميع الجوانب الاقتصادية والأمنية والعسكرية والعلمية، وقد (صدر عن رئاسة مجلس الوزراء العراقي عقب الاجتماع بيان رسمي جاء فيه: الاجتماع بحث أوجه التعاون بين البلدين الجارين، وبما يحقق المصالح والمنفعة المتبادلة، وكذلك متابعة أعمال اللجنة العليا المشتركة بين العراق وإيران التي ستعقد اجتماعها القادم في بغداد. كما بحث الجانبان خلال الاجتماع التعاون الأمني والاتفاق الأمني المشترك، وكذلك مناقشة التعاون البنّاء في مجال الصناعات التكريرية والطاقة، والتعاون بين القطاع الخاص في البلدين.(3)

الرابطة التي تجمع العراق وإيران متينة وعميقة عمقها في التاريخ القديم والمعاصر، وما يجمعهما من دين وجوار واختلاط أعراق وآفاق مستقبل، أكبر مما يسعى الغرب بقيادة أمريكا إلى إحداث وقيعة بين البلدين، هذا الغرب الذي زرع لأمّتنا كيانا غربيّا معاديا في قلب جغرافيتها فلسطين، هدفه منه التّفتين بين مكوناتنا الدينية والعرقية، وبث الشقاق والخلاف بين دولنا وشعوبنا، واذكاء أيّ فتنة، قد تعصف بالعلاقات الأخوية التي تربطنا، المسؤولية اليوم في بناء علاقة أخوية بين العراق وايران، يتقاسمها الشعبان والحكومتان، ومن جهة الشعبين الشقيقين عليهما أن ينتبها، إلى أن عامة أهل العراق وعامة أهل إيران، يريدون الخير لبعضهما البعض، وجديرون بتحمّل مسؤولية التعاون بينهما والعمل المخلص، الذي من شأنه أن يثمر مستوى عال من التضامن، من أجل بناء علاقة نموذجيّة، تكون حافزا لبقية الدول القريبة منهما، لتنظمّ إلى مسار الأخوّة الواجب تمهيده، وتمتين علاقاته بحيث لا ينقطع تحت أي مبرّر قد يعترضه، دون أن ننسى بأننا نعيش في عالم يسيطر عليه اعلام وأدوات دعاية غربية صهيونية، لا تريد لأمّتنا الخير أبدا، من هذا الجانب وجب الاحتراز، فلا نقع مرّة ضحيّة دعاياتهم المغرضة والباطلة، خصوصا وقد جنّد الغرب لنا من بيننا عملاء يعملون لصالحه، وهؤلاء لا يقلون خطرا عن الإعلام ووسائله في دمغجة عقول الناس.

وأتساءل لماذا لا تبادر العراق وايران إلى بناء سوق إسلامية مشتركة، والمجال اليوم متاح للقيام بذلك التأسيس والأرضية ممهدة لها، خصوصا وقد ظهر من عداء الغرب لأمّتنا ما يحرّكنا نحو بناء مستقبلي يجمعنا على الخير والتعاون، إن المصالح المشتركة التي جمعت شعوب أوروبا على اختلاف أعراقها ولغاتها لبناء سوق أوروبية مشتركة، هي أوكد عندنا وما يجمع شعوبنا العربية والإسلامية، أكبر مما هو حاصل لأوروبا، وعليه فلتبادر دولنا إلى القيام بهذا المشروع الهام والمصيري، الجامع لمصالحنا والباني الحقيقي لمستقبلنا.

 

 

 

المراجع

1 – بحار الأنوار العلامة المجلسي ج43 ص 82

2 – جامع أحاديث البخاري كتاب الادب باب الوص)اة بالجار ج8ص10ح6015/مسلم كتاب البر والصلة والآداب ج8 ص2624/

3 – مذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين العراق وإيران اليوم

https://www.alalam.ir/news/6953443/

نعم
هل اعجبك المقال